المُستَدرَك على نقد الصفوة السودانية لترِمِنْقهام: من نقد المنهج والمقاصد إلى نقد التفاصيل
Khaldoon90@hotmail.com
صدر عن مركز التنوير المعرفي بالخرطوم في عام 2011م، كتابٌ بعنوان: " إغواء الصفوة: قراءات نقدية في كتاب سبنسر تريمنقهام: الإسلام في السودان ". وقد نُشرت في ذلك الكتاب ستُّ أوراق علمية، كان قد قدمها قبل ذلك في ندوة نظمها المركز المذكور لذات الغرض، ستة من الأكاديميين والباحثين بالسودان هم: الدكتور حسن عوض الكريم علي، أستاذ التاريخ بجامعة شندي، وكانت ورقته بعنوان: الإسلام في السودان: ترجمة وعرض، والدكتور أحمد الياس حسين، أستاذ التاريخ بكلية التربية جامعة الخرطوم، وجامعة الفاتح بليبيا، والجامعة الإسلامية بماليزيا سابقاً، وجاءت ورقته بعنوان: الفترة السابقة للحكم التركي في كتاب ( الإسلام في السودان )، والدكتور علي صالح كرّار، الأمين العام لدار الوثائق القومية سابقاً، وأستاذ التاريخ بجامعة النيلين حالياً، وكانت ورقته بعنوان: فترات الحكم التركي المصري والمهدية والحكم الثنائي في كتاب ( الإسلام في السودان )، والدكتور فائز عمر محمد جامع، الأستاذ بمركز دراسات السلام والتنمية بجامعة جوبا سابقا، ومنسق الشؤون العلمية بمركز التنوير المعرفي، وقد جاءت ورقته بعنوان: الصورة والنص: قراءة أولية في كتاب ( الإسلام في السودان )، والدكتور قيصر موسى الزين، أستاذ التاريخ بمعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، وقد كانت ورقته بعنوان: المنهجية والإيديولوجيا: قراءة نقدية في كتاب ( الإسلام في السودان )، والدكتور عبد الله سالم بكو - جزائري الجنسية ، أستاذ فلسفة، ومترجم فوري، وكاتب صحفي، وقد جاءت ورقته بعنوان: ( الإسلام في السودان ) بين الخطابين الكولونيالي والديني.
صدر هذا الكتاب الذي نحن بصدده، بتحرير الأستاذ منتصر أحمد النور، الباحث بمركز التنوير المعرفي، وقد صدَّره بمقدمة استهلالية ومنهجية ضافية، البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، المثقف والناشط والباحث والمؤلف ذو الإسهامات المعروفة، وأستاذ التاريخ الإفريقي بجامعة ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية.
أما مؤلف كتاب الإسلام في السودان، فهو القَسْ جون اسبنسر ترمنقهام John Spencer Trimingham (1904 – 1987م )، وهو مُبشِّر مسيحي بريطاني الجنسية، وباحث وأكاديمي، كان مُهتماً بصفة خاصة، بتاريخ وحاضر الإسلام في قارة إفريقيا على وجه العموم.
درس ترمنقهام العلوم الاجتماعية بجانعة برمنقهام بإنجلترا، كما درس اللغتين العربية والفارسية بجامعة أوكسفورد. انخرط في سلك الخدمة الكنسية بكنيسة إنجلترا في شبابه، وعمل بالجمعية التبشيرية بمصر والسودان وغرب إفريقيا طوال الفترة ما بين عامي 1937 و 1953م، وشغل بالتحديد وظيفة السكرتير العام للجمعيات التبشيرية في كل شمال السودان منذ عام 1937م، وحتى عام 1949م.
وأما نشاطه الأكاديمي، فقد تمثَّل في عمله أستاذاً للغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة غلاسكو بأُسكتلندا 1953 – 1964م، وأستاذاً زائراً للتاريخ بالجامعة الأمريكية ببيروت 1964 – 1970م، ثم انتقل بعد ذلك في أُخريات حياته العملية، لكي يعمل بمدرسة الشرق الأوسط لللاهوت ببيروت. ( انظر ترجمة سبنسر ترمنقهام بموسوعة ويكبيديا على الشبكة العنكبوتية ).
وأما كتابه " الإسلام في السودان " الذي نحن بصدده في هذه الكلمة، فقد ألَّفهُ هذا الكاتب خلال سنوات الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945م )، كما صرّح هو نفسه بذلك في مقدمة الكتاب، وفرغ من تأليفه في شهر يونيو 1946م ، وصدر الكتاب في عام 1949م، عن دار نشر جامعة أوكسفورد.
هذا، وقد قدَّم البروفيسور عبد الله علي إبراهيم في التوطئة الجزلة التي كتبها لكتاب " إغواء الصفوة " في نقد كتاب: الإسلام في السودان لاسبنسر ترمنقهام، تلخيصاً موجزاً لمضامين الأوراق الست التي قُدِّمت في الندوة ونُشرت في الكتاب. وبحسبنا أن نجتزئ ما يلي مما ذكره البروفيسور عبد الله في هذا الخصوص بتصرف واختصار:
• " عَرَضَ حسن عوض الكريم الكتاب عرضاً مناسباً، يفيد منه القارئ الذي لم يحظ بقراءته منقبل، ويتهيأ به لقراءة ما يلي من العرض من المقالات التي قيَّمتهُ ". بيد أن عبد الله علي إبراهيم قد توقف عند نقطتين أثارهم الدكتور عوض الكريم في ورقته هما: أنَّ مسيحية النوبة قد كانت – في رأي ترمنقهام - مسيحية سطحية، وديناً رسمياً اعتنقه الخاصة والحُكَّام، واعتزل عامة السكان من النوبة، مما سهَّل على الإسلام أمر محوها لاحقاً، وإحلال نفسه محلها. وأما فكرة ترمنقهام الأخرى التي أبرزها حسن عوض الكريم، فهي أن العرب الذين تزاوجوا مع النوبة، تسللوا إلى سُدَّة الحُكم من بين النوبة، لعادة القوم في توريث ابن الأخت، وهي عادة ناشئة مما يُسمَّى ب ( النظام الأُمُومي ).
• وضع مُقدِّم الكتاب عرضيْ الأستاذين الدكتور أحمد الياس حسين، وعلي صالح كرار، وهما على التوالي: مراجعة لبعض المعلومات التاريخية الواردة في الكتاب عن الفترة السابقة للمهدية، وتقييم المعلومات التاريخية في الكتاب عن فترات الحكم التركي المصري، والمهدية، والحكم الثنائي، في محور التاريخ، لكي يخلُص إلى أنهما قد كانا حَسُنيْ الرأي في الكتاب عموما. فالياس ميَّزه بحُسْن التوثيق، وكرار رأى أن ترمنقهام كتب بطريقة علمية، ومنهج موضوعي هادف إلى بلوغ الحقيقة، خلافاً للمؤرخين الأوروبيين الذين كتبوا عن الإسلام وإفريقيا بروحٍ استعمارية وصليبية. فسفره قيِّم ومحايد وموضوعي، ومتجرد، على الرغم من صدوره من أوروبي مسيحي، بل مبشر كنسي ملتزم.
• وقد عاب أحمد الياس على ترمنقهام كما لاحظ عبد الله علي إبراهيم، أنه تعامل مع مخطوطة الدواليب التجانية بكردفان للأنساب، والتي ترجع أصولها للعام 1738م، بشيء من الابتسار والتطفيف نوعاً ما، كما أخذ عليه كذلك، تسليمه المطلق بالرأي الشائع عن اتفاقية البقط بين حكام المسلمين في مصر وملوك النوبة ( 662 هكذا.. والصواب هو 652م / 31هـ ) ، وأنها كانت تتعلق بمملكة المقُرَّة وعاصمتها دنقلة – كما هو الشائع والمشهور – بينما يجادل الدكتور أحمد الياس بأن جيش عبد الله بن سعد بن أبي سرح لم يبلغ دُنقلة أصلاً في ذك التاريخ ، وأن ذلك الاتفاق إنما كان مع أهل مملكة مريس ، أي أولئك النوبة الذين هم في أسفل بلاد النوبة الكبرى مما يلي مصر نفسها ، وليسو سكان مملكة المقرة التي عاصمتها دنقلة.
• أما الدكتور كرار، فقد لاحظ عبد الله علي إبراهيم أنه قد أخذ على ترمنقهام عدم التزامه بالتسلسل الزمني للأحداث التي ضمنها فصول كتابه، وذلك بدليل أنه لم يكد يفرغ من استعراض أحداث تاريخ السودان تحت الحكم الثنائي 1898 – 1956م، حتى عاد مرةً أخرى لكي يتحدث عن انتشار الإسلام داخل البلاد، بما يشوِّش على القارئ. كما أخذ عليه حملته على على التركي 1821 – 1885م، ربما من منطلقات سياسية وعرقية ودينية كما قال، فضلاً عن تبخيس ترمنقهام دور المصريين في فترة الحكم الثنائي، مما عدَّه الدكتور علي صالح تحامُلاً من قبل المؤلف، فسَّره مُعدّ الورقة على خلفية المُلابسات والظروف التاريخية التي صدر فيها الكتاب في أربعينيات القرن العشرين، التي شهدت بروز وتنامي الدعوة لوحدة وادي النيل التي قابلها البريطانيون بغير قليل من الضيق والتوجُّس.
• وأما ورقة الدكتور جامع، فقد نظرت في الصورة التي يحملها الكاتب عن أهل السودان، بالنظر إلى أنه بريطاني يكتب عن أهل مُستعمَرة خضعت لحكم بلاده بريطانيا، علاوةً على أنه لم يكن مسيحياً من سائرهم، بل قسيساً ملتزماً بنشر دينه. كما أنه ألَف في باب الإسلام في إفريقيا، مؤلفاتٍ معروفةً، وتأذن هذه الصفة الأخيرة بدراسة مقارنة مع ما كتبه هذا المؤلِّف عن الإسلام في السودان. وخلُص جامع إلى تأثُّر ترمنقهام البالغ بابن خلدون، من جهة مفهومه السالب للسود وأرضهم، بما في ذلك تلك الصورة النمطية عن السود المنغمسين في الشهوات والملذات الحسيَّة، والمشتغلين بالسحر والخُرافات، والمتسمين بالخِفَّة والطرب، والبُعد عن الروحانيات والعقلانية، والحزم والتبصُّر في عواقب الأمور الخ. وأخذ جامع على ترمنقهام بصفة خاصة، تجريد السودانيين عن إسلامهم، ونعته بالإسلام الأرواحي والوثني، وغير الأرثوذكسي، وما إلى ذلك، بزعمه.
• ولخَّص عبد الله علي إبراهيم الورقة التي قدمها الدكتور قيصر موسى الزين بعنوان: المنهجية والإيديولوجيا: قراءة نقدية في كتاب الإسلام في السودان، بأنها تُجسِّد – وفقاً لوجهة نظر كاتبها – الانشغال الايديولوجي الدائب للأكاديميا الغربية بالسودان، وتساؤلها بإلحاح حول أصول أهله وثقافاتهم، وتحوُّله إلى الاسلام عن المسيحية، مما جعل موضوعيْ زوال المسيحية عن شمال السودان، وأصول سنار، في قطب دائرة البحث عندها.
• وقال إن الدكتور قيصر يعتقد أن ترمنقهام إنما أراد من كتابه أساساً، دراسة: " كيف زالت المسيحية عن السودان، وكيف انتشر الإسلام، وحلَّ محلها " .. وأنه يرى أنَّ ترمنقهام، شديد التركيز على عامل السيف في نشر الإسلام، مما ترتب عليه أمران، أولا: تسجيل إدانة تاريخية على العرب المسلمين، لفرض شرعهما بالقوة لإزالة المسيحية، وثانياً: الإيحاء بأنَّ النوبة قد استبدلوا تحضُّرهم القديم، بجلافة البُداة الغُزاة، لكي يخلُص من ذلك إلى أنَّ ترمنقهام لم يكتب تاريخاً، وإنما فضفض عن مسألة أخلاقية، مقرونة بشئ من الحسرة وخيبة الأمل.
• وختم الدكتور عبد الله علي إبراهيم استعراضه التحليلي للأوراق المُقدَّمة، بورقة الدكتور عبد الله سالم بكو، فلاحظ أنَّ الدكتور بكو قد قرأ كتاب ترمنقهام على ضوء مقولات نقد الاستشراق، وهو الذي وقف الدكتور قيصر موسى الزين على عتبته كما قال. ودلَّلَ على ذلك بأنَ الدكتور بكو قد أعرب عن اعتقاده بأنَّ كتاب ترمنقهام يقع في باب " الدارس " و " المدروس "، عبر جدلية " الأنا " و " الآخر " بكل ما تقتضيه من الوقوع في إسار التنميط، وصوغ الأحكام العمومية، والآراء المُسبقة، والقوالب الجاهزة، وذلك من قبيل زعم ترمنقهام – على سبيل المثال – " أن السوداني المسلم يستطيع أن يحفظ ويُكرِّر، ولكنه لا يستطيع أن يُبدِع. " الخ.
• ومهما يكن من أمر، فلعلنا لا نُغالي إذا ما وصفنا هذه الندوة التي عقدها مركز التونير المعرفي لمناقشة كتاب " الإسلام في السودان " لاسبنسر ترمنقهام، والكتاب الذي تمخضت عنه، وصدر في عام 2011م، بعنوان: " إغواء الصفوة: قراءات نقدية في كتاب سبنسر ترمنقهام: الإسلام في السودان "، بأنه واحد من أكبر الإنجازات والمُقاربات الفكرية النوعية، والأكثرعُمقاً وجدِّية، التي اضطلعت بها الإنتلجنسيا السودانية، ربما منذ الاستقلال.
• إنه بكل تأكيد عملٌ ينُمُّ – على أقل تقدير – بالإضافة إلى محض الحميَّة الوطنية، عن جرأة محمودة، وملمح انعتاق مُصمِّم أو disenchantment كما يعبر الإنجليز، من إسار حالة الإنبهار المجاني وشبه المزمن، من سحر كلما يخطه الرجل الأبيض، حتى فيما يخصنا ويتعلق بنا نحن أنفسنا، فكأنه الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
• على أننا لاحظنا أن جُلَّ النَّقد الموجَّه لاسبنسر ترمنقهام وكتابه " الإسلام في السودان "، في كتاب " إغواء الصفوة "، قد جاء من قبيل ذلك النمط من النقد الثقافي والمقاصدي والمفاهيمي العام، أي المعنِيِّ بكُبريات القضايا دون التفاصيل الدقيقة ذات الصلة بالمعلومات ذاتها، وهي لعمري اللبنات الأساسية التي يُبنى بها أي مصنف ذو بال في التاريخ، وإلا إذا انتفت عنه هذه الصفة، فسوف يغدو بكل تأكيد مرجعاً مُضلِّلاً، وغير جدير بالثقة لأن يؤخذ منه كمرجع تاريخي يُعتَد به. قال شوقي رحمه الله:
وإذا المعلِّمُ ساءَ لحظَ بصيرةٍ جاءتْ على يدهِ البصائرُ حُولا
• ربما يكون الشيطان حاضراً أو كامناً كما يحلو للبعض أن يردد أحياناً، في تفاصيل الكثير من الأشياء، ما خلا في تقديرنا البحث العلمي والنقد العلمي أيضا. ذلك بأن إهمال الدقة والتفاصيل في مثل هذه المواطن، هومدعاة للكثير من ضروب الدس، والتدليس، واللهْوَجة، و " الخَمْ " ، والخطاب الشعبوي والتنميطي السائب، والكلام المُلقى على عواهنه.
• إننا – بطبيعة الحال – لا نُنكر أهمية ذلك الضرب من النقد المقاصدي والمفاهيمي والثقافي، بوصفه مقاربة أساسية ومشروعة لأي منتج فكري. إذ أن ذلك هو من أقضى مقتضيات علم اجتماع المعرفة، المعني بطرح جملة من التساؤلات الجوهرية الكبرى من قبيل: من ؟ قال ماذا ، لمن ، ومتى ، ولماذا ؟، وهلمَّ جرا.
• ولكن في خضم الانشغالات الإيديولوجية والفكرية الكبرى، ربما أغفل بعض الناس، أو تناسوا التوقف مليَّاً وبفحص وتدقيق شديدين، عند السؤال الجوهري للغاية: " ماذا ؟ "، أي المادة نفسها، من حيث صحتها وصدقها. على أننا نُقرُّ بأن الكاتب الذي تحكمه وتسيره إيديلوجيا معينة، وذا الغرض على النحو الذي انتقد به المساهمون بأوراق في هذا الكتاب اسبنسر ترمنقهام وكتابه عن الإسلام في السودان، يميل في الغالب إلى أن يكون قليل الحرص والمبالاة في إيراد المعلومات الصحيحة والدقيقة عن " الآخر ". فلعله شئ قريب من قول بعضنا في بعض المواطن في المقابل مثلاً: " عجميٌّ فالعب به !! ".
• ولربما بدا هذا الصنيع في مجمله كما لو كان سجالَ إيديولوجيا في مقابل إيديولوجيا مضادة، لخَّصها عبد الله علي إبراهيم نفسه، ونمَّ عنها من مكنونات لا وعيه، عندما وصف كتاب ترمنقهام بأنه " مدرسة المُبشِّر "، في إشارة منه لبيت أغنية: " في الفؤاد ترعاه العناية " للشاعر: " يوسف مصطفى التِّني " التي يحفظها كل سوداني، وهو قوله:
ما بخُشْ مدرسة المبشِّر
عندي معهد وطني العزيز
• على أنه بعد أن تصفحنا كتاب " الإسلام في السودان " لاسبنسر ترمنقهام، هذا الكتاب العُمدة في بابه أو Seminal work كما وصفه عبد الله علي إبراهيم، والذي ظل لعقود عديدة، هو وكتاب السير هارولد مكمايكل "ة تاريخ العرب في السودان "، الذي صدر في عام 1922م، أهم مصدرين لمعرفة الغربيين عموماً عن العروبة والإسلام في السودان، بل امتد تأثيرهما الطاغي لكي يشمل طوائف كبيرة من الأكاديميين والمثقفين العرب والمسلمين، بل أعداداً مُعتبَرَة من المتعلمين السودانيين أنفسهم، ألفيناه في الواقع، يغصُّ بأخطاء موضوعية جسيمة، شابت عدداً كبيراً من المعلومات التي أوردها ترمنقهام في كتابه المذكور. وها نحن نورد فيما يلي، قائمة غير حصرية لجملة من الأخطاء الموضوعية التي آنسناها في كتاب ترمنقهام: " الإسلام في السودان "، وقد اعتمدنا في ذلك على الترجمة العربية لهذاالسفر، التي أنجزها الأستاذ فؤاد عكود. ( ج. سبنسر تريمنجهام، الإسلام في السودان، ترجمة فؤاد محمد عكود، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2001م ).
• في صفحة 87 من الكتاب، قال المؤلف تحت الفصل الذي عنوانه: السودان تحت الحكم الإسلامي، والعنوان الجانبي: توسع القبائل العربية وتعريب السودان: " يبدو أن الخوالدة استقرت حول كبوشية " أ. هـ.. وهذه المعلومة لم يقل بها أحدٌ البتة ممن كتبوا عن القبائل السودانية وتوزيعها الجغرافي، ومناطقها الأصلية، وتواريخ تحركاتها داخل الفضاء السوداني من قبل. وهي تبدو معلومة غير صحيحة وغير دقيقة. فالخوالدة موطنهم هو غرب الجزيرة، وعلى ضفتي النيل الأبيض في قطاعه الشمالي، مُساكنين دوماً للكواهلة ومتداخلين معهم.
• وفي ذات الصفحة 87 ، يذكر ترمنقهام في معرض حديثه عن قبائل البقارة، سُلطاناً سماه هو " حسن " بدارفور، والواقع أنه لا ذكر لسلطان اسمه حسن في دارفور مطلقاً ، في جميع مصادر تاريخها.
• في صفحة 104، تحت العنوان الجانبي: انتشار الإسلام في السودان، يقول المؤلف إن غلام الله بن عايد " كان والده قد جاء من اليمن "، وهذا خطأ، وإنما الصواب هو أن غلام الله نفسه هو الذي جاء من اليمن إلى دُنقلة في حوالي منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، اللهم إلاَّ أن يكون هناك قور ما في الترجمة، كأن يكون الأصل الإنجليزي قد نص على ما معناه أن أصل والد غلام الله من اليمن مثلاً، وإن كنا نستبعد ذلك.
• وفي صفحة 105 يقول ترمنقهام: " وفي مملكة الفونج ذاتها كان أول مُصلح هو محمد العركي الذي قدم من مصر " أ. هـ. وهنا مسألتان: الأولى أن اسم ذلك الشيخ هو محمود وليس محمد، والثانية وهي مسألة خلافية بين الباحثين، عما إذا كان محمود العركي سودانياً ذهب إلى مصر ودرس بها ثم رجع إلى بلاده، أم أن أصله هو نفسه من مصر. وظاهر عبارة ترمنقهام يوحي ضمناً بأنه ينحاز إلى هذا الرأي الأخير. والراجح أن محمود العركي قد كان سودانياً من قبيلة العركيين، وإلا لكان ود ضيف الله قد نص على مصريته صراحةً، كما فعل مع الشيخين محمد القناوي ، ومحمد بن علي بن قرم الكيماني الشافعي على سبيل المثال. والحق هو أن ود ضيف الله قد قال إن مولد محمود العركي بالأبيض، وفهم منها محقق كتاب الطبقات البروفيسور يوسف فضل، أن المقصود به هو النيل الأبيض، وهوالراجح إن شاء الله تعالى.
• وفي الهامش رقم (2) من ذات الصفحة، زعم المؤلف أن الشيخ محمد ود عدلان الشايقي الحوشابي قد ذهب إلى بلاد البرنو والهوسا، وليس ذلك بالمذكور في ترجمته بكتاب طبقات ود ضيف الله، كما لم يوضح ترمنقهام من أين حصل على هذه المعلومة الشاذة، التي هي أقرب إلى أن تكون اختلاقاً محضا.
• في صفحة 134 من الكتاب، يذكر ترمنقهام أن الشيخ محمد بن المختار المتوفى في عام 1882م ، هو الذي أدخل الطريقة التجانية في السودان، وهذا زعمٌ باطل تهوك فيه أيضاً كثير من المؤلفين والباحثين السودانيين ، غاالبا بتأثير من هذه المعلومة التي أوردها ترمنقهام في كتابه هذا. ذلك بأن هنالك شخصا سودانياً اسمه الشيخ " الماحي الدارفوري "، تخبرنا المصادر أنه قد سلك هذه الطريقة كفاحا من مؤسسها الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد التجاني ( 1737 – 1815 هـ ) ، وإن كنا لا ندري حتى الآن إن كان هذا الشيخ الماحي قد سلك هذه الطريقة لغيره من السودانيين أم لا. على أن من المقطوع به أن أول من أدخل الطريقة التجانية بطريقة منتظمة وموثقة إلى السودان هو الشيخ مولود فال اليعقوبي الشنقيطي ( ت 1851م ) ، إذ أنه سلكها الشيخ محمد ود دوليب ( 1800 – 1880م ) الركابي بخُرسي بكردفان في سنة 1838م، ومنه انتشرت هذه الطريقة خصوصاً في غرب السودان. على أنه من الجائز أن يقال إن الشريف محمد المختار بن عبد الرحمن التجاني هو أول من نشر الطريقة التجانية في شمال السودان تحديدا، حيث ظل يعيش هناك في آخر عمره ، إلى أن توفاه الله تعالى ودفن بجزيرة أم حراحر بالقرب من شندي.
• أخطأ المؤلف في صفحة 140 من الكتاب، في تحديد سنة وفاة الشيخ قريب الله بن أبي صالح بن الشيخ الطيب البشير فجعلها سنة 1930م ، بينما هي سنة 1936م ، وهو لعمري تاريخ قريب جداً من تاريخ وصول ترمنقهام نفسه إلى السودان في ثلاثينيات القرن العشرين، فمن المدهش حقاً ألا يضبطه ، خصوصاً وأن الشيخ قريب الله كان آنئذ من أشهر الشخصيات الدينية على الأقل بأم درمان ، إن لم يكن في السودان بأسره.
• في صفحة 155، كتب المؤلف: " بدأت الأساطير تنمو عن المهدية قبل وفاته بفترة طويلة، وقد شجع المهدي القاضي إسماعيل بن عبد القادر الكردفاني، ابن مؤسس الطريقة الإسماعيلية، وأحد أتباعه المتحمسين، بأن يؤرخ أحداث عهده.. الخ " ، والواقع هو أن إسماعيل بن عبد القادر الكردفاني، هو حفيد الشيخ إسماعيل الولي مؤسس الطريقة الإسماعيلية ابن بنته ، وليس ابنه كما قال ترمنقهام.
• وفي صفحة 191، تحت العنوان الجانبي: " دخول الطرق السودان " يقول ترمنقهام في معرض حديثه عن دخول الطريقة الشاذلية للبلاد: " الشريف حمد أبو دنانة الذي استقر بضاحية بربر في عام 849 هـ / 1445م ". والشاهد هو ذكره مدينة بربر ، وهوذكر غير مناسب في هذا السياق في تقديرنا، إلا إذا كان يقصد أن منطقة " سقادي " التي أقام بها الشيخ أبو دنانة المذكور، تتبع إلى " مديرية بربر " وفقاً للتقسيم الإداري للسودان تحت ظل الحكم التركي المصري. غير أن سائر المصادر التي تشير إلى هذه الواقعة، إنما تنص عادة على أن سقادي المذكورة تقع غرب بلدة " المحمية " ، وكذلك من الممكن وصفها بأنها تقع إلى الشمال من مدينة شندي مثلا ، أما بربر فإنها بعيدة منها.
• وفي ذات الصفحة 191، يخلط المؤلف بين العركيين واليعقوباب حينما يقول في معرض حديثه عن خلفاء الشيخ تاج الدين البهاري بالسودان: " وعبد الله دفع الله العركي مؤسس العركيين ( الذين تحولوا فيما بعد إلى السمانية حوالي 1800م ). ذلك بأن الذين كانوا قادرية ثم تحولوا إلى السمانية بتأثير من الشيخ محمد التوم بانقا ( ت 1852م ) ، هم اليعقوباب وليس العركيين الذين بقوا على قادريتهم جميعا تقريبا.
• وفي صفحة 192 ، زعم المؤلف أن الشيخ التلمساني المغربي قد قدم على الشيخ محمد بن عيسى سوار الذهب في عهد بادى بن رباط ( 1651 – 1684م ) الملقب ببادى أبو دقن. وهذا الاستنتاج من قبل المؤلف ليس عليه من دليل، بل الراجح هو أن الشيخ التلمساني قد قدم على الشيخ سوار الذهب في زمان أبكر من ذلك بكثير. ذلك بأن ود ضيف الله قد ذكر هذه الواقعة في مقدمة الطبقات في سياق الأحداث التي وقعت في أول النصف الثاني من القرن العاشر الهجري الموافق للسادس عشر الميلادي، أي في عهد السلطان عمارة أبو سكيكين كما قال. على أنه يجوز أن يكون الخاتم أو الوثيقة المختومة التي حررها السلطان بادى بن رباط لاحقاً للشيخ سوار الذهب وذريته قد صدرت في آخر عمر الشيخ محمد ولد عيسى ، خصوصا إذا ما علمنا أن الشيخ محمد سوار الذهب كان معاصراً للشيخ إدريس بن محمد الأرباب ( 1507 – 1651م ) ، وصديقاً له.
• وقال ترمنقهام في ذات الصفحة 192: " وبدأت في الشمال الطريقة المجذوبية ( متفرعة عن الشاذلية ) في أوائل القرن الثامن عشر بمحمد بن المجذوب ( 1693 – 1776م ).. وهاهنا خطأ في اسم هذا الشيخ الذي هو " حمد بن محمد المجذوب " ، وليس محمد بن المجذوب.
• وفي صفحة 194، زعم المؤلف أن الشيخ أحمد الطيب البشير قد أدخل الطريقة السمَّانية إلى السودان في عام 1800م ، وهذا خطأ، وإنما الصحيح الثابت والمنصوص عليه في مصادر هذه الطريقة، أن الشيخ أحمد الطيب البشير قد رجع من المدينة المنورة حاملا معه الطريقة السمانية والإذن بتسليكها في عام 1766م ، وله من العمر آنئذ 24 عاما. أي قبل تقدير ترمنقهام الجزافي الذي لا ندري من أي مصدر استقاه بأربعة عشر عاما. ( انظر مثلاً كتاب: أزاهير الرياض في مناقب الشيخ أحمد الطيب البشير من تأليف الشيخ عبد المحمود نور الدائم ).
• وفي ذات الصفحة 194 ، يأتي ترمنقهام بباقعة عظيمة أخرى ، لا ندري أين وجدها ، ولا من أي مصدر أخذها ، ألا وهي زعمه أن الشيخ إبراهيم الرشيد الدويحي ( ت 1874م ) ، " هو من أسرة مؤسس الطريقة الرشيدية الجزائرية ".
• وكان المؤلف قد أخطأ قبل ذلك في نفس الصفحة خطأ طفيفاً ، ولكنه يبقى خطأً على كل حال، في تعيين سنة وفاة السيد أحمد بن إدريس الحسني الفاسي ، إذ أنه جعلها في 1836م ، بينما هي 1837م في الحقيقة.
• وفي صفحة 195 ، يكرر ترمنقهام خطأه السابق الذي نبهنا إليه آنفا، بتقرير أن أول من نشر الطريقة التجانية في السودان هو الشيخ محمد بن المختار المتوفى في عام 1882م ، وأبنا من جانبنا أن الشيخ مولود فال اليعقوبي الشنقيطي قد نشر هذه الطريقة قبل محمد المختار ببضعة عقود، إذ أنه سلكها الشيخ محمد ود دوليب في عام 1838م كما مضى ذكره. ولكن ترمنقهام لا يأت على ذكر مولود فال ولا على ذكر ود دوليب، وينسب نشر التجانية في كردفان ودارفور إلى الشيخ عمر قنبو الهوساوي ، مع أن هذا الأخير قد قد توفي في عام 1918 م فقط ، في حين أن ود دوليب قد توفي قبله بقرابة الأربعين عاما.
• وفي صفحة 210 من الكتاب، يقول ترمنقهام في معرض حديثه عن دخول الطريقة القادرية إلى السودان على يد الشيخ تاج الدين البهاري: " وقد جاء الاقتراح بزيارة السودان من داؤود بن عبد الجليل محمد ، تاجر الرقيق من أربجي الذي التقى به في موسم الحج " أ. هـ. والشاهد هو قوله " تاجر الرقيق ". وهو لا يقول لنا كيف عرف أن داؤود بن عبد الجليل كان تاجراً للرقيق ، وليس تاجراً للعاج أو ريش النعام أو الصمغ أو السنمكَّة مثلاً، ولا يدلنا على المصدر الذي عثر فيه على هذه الملعومة. كما لا يخبرنا في المقابل كيف عرف أن جد داؤود بن عبد الجليل كان اسمه محمداً ، لأنه ليس مذكوراً في الطبقات، وهو المصدر الوحيد لهذه الرواية. ولكن يبدو أن القصد هو أن يبتلع القارئ هذا الطعم المتمثل في ذكر " محمد " هذا الجد المختلق لداؤود ود عبد اللطيف، حتى ينبهر بتبحُّر هذا الكاتب وحسن تقصيِّه الدقيق للأخبار، فتنغرز فيه في المقابل صنارة " تاجر الرقيق " الأخرى وهي بيت القصيد بالطبع. محض تدليس ولهوجة ليس إلاَّ.
• وفي صفحة 212، يقول ترمنقهام في معرض حديثه عن أثر الطريقتين السمانية والختمية في إعادة تشكيل خريطة الولاء والانتماء الصوفي في السودان: " ... وهكذا أصبح خلفاء الشيخ إدريس ( يعني الشيخ إدريس بن محمد الأرباب ) ميرغنية، كما تحول اليعقوباب والعركيون وأولاد الترابي إلى السمانية.. " أ. هـ. وهذا غير صحيح أو دقيق بصورة مطلقة. إذ صحيح أن ذرية الشيخ إدريس بن محمد الأرباب وعموم الخوجلاب أيضاً قد تحولوا إلى الختمية ، وكذلك تحول اليعقوباب إلى السمانية ، ولكن العركيين قد ظلوا قادرية لهم مراكزهم المأهولة بأبو حراز وطيبة الشيخ عبد الباقي وغيرها إلى يوم الناس هذا، ولم يتحولوا لا إلى السمانية ولا إلى الختمية. وأما أحفاد الشيخ حمد النحلان ود الترابي، فلم يتحولوا إلى السمانية كما زعم الكاتب، وإنما إلى الختمية. وبالجملة فإن عبارته يشوبها تخليط واضطراب كبير.
• في صفحة 214، تحت العنوان الجانبي: الشاذلية ، أخطأ المؤلف في تعيين مسقط رأس الشيخ أبي الحسن الشاذلي لأنه قال: " وُلد مؤسسها أبو الحسن علي بن عبد الله الشاذلي في عام 1196م ، في الشاذلية بالقرب من زوان بتونس " وهذا غير صحيح. وإنما الصحيح هو أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي قد وُلد بغَمَارة بالمغرب الأقصى ، وارتحل منها لاحقاً إلى بلدة " شاذلة " بتونس فنُسب إليها.
• وفي صفحة 218 ، يقول المؤلف في معرض حديثه عن الإمام محمد أحمد المهدي: " محمد أحمد الدنقلاوي الذي التحق فيما بعد بالشيخ القرشي الزين خليفة نور الدائم في المسلمية " الخ ، والشاهد هو قوله إن الشيخ القرشي هو خليفة نور الدائم ، وهذا غير صحيح ، وإنما الصحيح هو أن الشيخ القرشي ود الزين قد كان من كبار تلاميذ وخلفاء الشيخ أحمد الطيب البشير ( 1742 – 1823م ) نفسه الذي هو والد الشيخ نور الدائم.
• وفي صفحة 220 من الكتاب، يُخطئ ترمنقهام في عام ميلاد السيد أحمد إدريس الفاسي، فيكتبه 1760م ، بينما أنه قد وُلد في الواقع في عام 1750م ، كما هو مذكور في سائر المصادر ذات الصلة.
• ويعود ترمنقهام في صفحة 222 من الكتاب ، لكي يكرر ادعاءه الخطير السابق من دون إبراز أي دليل قائلاً: " وادَّعى إبراهيم الرشيد الدويحي انتماءه لأسرة سيدي أحمد الرشيد ( تُوفي عام 1524م ) ، مؤسس الرشيدية في الجزائر ". ولكنه لا يُوقفنا كعادته على المصدر الذي عثر فيه على هذه المعلومة، ولا يوضح لنا أين قال الشيخ إبراهيم الرشيد الدويحي هذا الكلام.
• وقال المؤلف في صفحة 227 من الكتاب إن الشريف محمد المختار بن عبد الرحمن الشنقيطي ( 1820 – 1882م ) ، قد وُلد في تاشت بالجزائر كما قال ، وهذا غير صحيح ، وإنما الصحيح هو أن الشيخ المذكور قد وُلد في بلدة " تيشِيت" بكسر التاء والشين معاً ، وهي بلدة تقع في موريتانيا ، ولا علاقة لها بالجزائر مطلقاً كما زعم.
• وأخيرا في صفحة 228 من هذا الكتاب ، يزعم المؤلف أن الشيخ محمد البدوي المعروف بشيخ الإسلام ( 1841 – 1911م ) ، المدفون بضريحه بحي العباسية بأم درمان، أحد من دخلوا في الطريقة التجانية على يد الشيخ محمد المختار بن عبد الرحمن الشنقيطي ، وذلك حين يقول: " ودخل العديد من الأتباع في الطريقة في كل أنحاء السودان، بمن فيهم حسين سلطان دارفور ، والشيخ محمد البدوي الذي أصبح شيخ الإسلام في الأيام الأولى للحكومة الحالية، وقبره في أم درمان مشهور الخ ". والواقع هو أن الشيخ محمد البدوي قد انتظم في سلك الطريقة التجانية على يد الشيخ محمد ود الزاكي العُراقابي بكردفان، وكان هذا الأخير قد أخذها عن الشيخ محمد ود دوليب الذي مرَّ ذكره من قبل.
• وبعد ، فهذه طائفةٌ غير استقصائية للأخطاء الموضوعية التي وقع فيها سبنسر ترمنقهام في سفره الشهير هذا، الذي ظل واحداً من المصادر الأولية عن الإسلام والثقافة والتعليم والتصوف الإسلامي في السودان، علها تجئ مكلمة للنقد المنهجي السديد الذي اضطلعت به تلك الثُّلة من العلماء والباحثين الأفاضل في أوراقهم العلمية، التي جُمعت بين دفتي كتاب: إغواء الصفوة.
• على أن يتوجب علينا أن نقول أيضا في الختام ، أن ليس كل ما ورد في هذا الكتاب من معلومات ورؤى وتحليلات، هي من قبيل الباطل الحنبريت الذي لا غناء فيه. فقد جاء هذا الكتاب مهما كان رأينا فيه، غزير المعلومات، وحسن التبويب ، وجيد التوثيق ، وهو يشكل في طريقة إخراجه خاصةً ، قالباً نموذجيا يُحتذى، خصوصا من حيث الشكل، في إعداد البحوث والأطروحات العلمية في هذا الباب.
• ولا يخلو الكتاب أيضا من حيث المحتوى، من جملة من الأفكار النيرة والموحية حقا ، فضلا عن الكثير من المعلومات المفيدة. وقد رأينا كيف أن ترمنقهام يعتقد أن الديانة والعقيدة المسيحية قد كانت سطحية في بلاد النوبة، ولم تتغلغل حقيقة إلى شغاف قلوب سكانها ، مما سهل على الإسلام عملية محوها بالكلية وإحلال نفسه في مكانها في غضون قرون قليلة. وكذلك مقاربته النافذة لشريحة الأفندية في السودان ، ومحاولة استبطان حقيقة موقفها المعرفي والنفسي من تراث مجتمعها السوداني الذي خرجت منه. وأما من حيث حاق المعلومات، فقد استوقفت كاتب هذه السطور على نحو خاص - على سبيل المثال – إشارة ترمنقهام إلى وجود قرية باسم " شاذلي " بالقرب من سنار منذ القرن الثامن عشر الميلادي على الأقل، مما يشي بوصول تأثير الطريقة الشاذلية إلى تلك المنطقة منذ سبعينات القرن الثامن عشر على أقل تقدير، وهو الأمر الذي يتطلب المزيد من البحث والتنقيب في هذه المسألة من أجل استجلائها على نحو مُرضِ.
هذا ، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
////////////////