مع التقدير للدكتور الأفندي !!
الدكتور عبد الوهاب الأفندي كتب مقالاً أمس في “العربي الجديد” بعنوان (السودان: هل يمكن أن يساهم الإسلاميون في دعم الديموقراطية) وخلص فيه إلى:
(من هذا المنطلق، يمكن للإسلاميين الصادقين في توبتهم عن ممارسات النظام السابق أن يقدّموا مساهمة فاعلة في تثبيت أركان الديمقراطية في البلاد).
ولمزيد من توضيح هذه المساهمة كتب الأفندي:
(تكون المساهمة الإسلامية في ذلك بالتوقف عن الدفاع عن النظام السابق ومؤسساته وتركته، والتشمير لبناء نظام جديد يكون لكل السودانيين، وعلى أسس مقبولة للجميع..)
ومع تقديري الكبير للمفكر الأفندي ومساهماته النيرة في المشهد السياسي السوداني إلا أنني أرى ثقباً كبيراً هنا.. فهذا الطرح وصفة “إجرائية” لما يمكن أن يقدم بين يدي نظام سياسي جديد يقبل التوبة عن “الفعائل” ويغض البصر عن العقلية التي أنجبت هذه “العمائل”.
الوصفة تفترض أن خلاصات الفشل المريع خلال الثلاثين سنة من الحكم الدكتاتوري كانت نتيجة (أخطاء) أو (جرائم) أو أية مفردات أخرى ترتبط بالسلوك الخاص والعام.. وفي تقديري هذا يبعد البوصلة عن الاتجاه السليم في تشخيص الوضع السابق، فالفارق كبير بين الخطأ والخطيئة.
مبدأ استخدام الإسلام علامة سياسية لأية فئة أو جماعة هو مبتدأ العلة، وواحد من أهم أركان (الإصحاح السياسي) الذي لا يرتبط بالمسلك الخاص أو العام بل بالعقلية والمفاهيم الأساسية.. فالإسلام دين سماوي لا يختص بفئة أو جماعة أو جنسية أو عرق، ولا يجب أن يستخدم علامة تجارية في العمل العام أو السياسي للتمييز أو التنافس أو حتى لاستمالة التعاطف الشعبي.
وللتدليل على خطورة التعامل العفوي مع المصطلح أستعيد نقل عبارة الدكتور الأفندي (تكون المساهمة الإسلامية في ذلك بالتوقف عن الدفاع عن النظام السابق..) إلى آخر الاقتباس السابق.. فهو هنا أسماها بـ(المساهمة الإسلامية) فوقع في فخ نسبة النشاط السياسي إلى الدين الإسلامي مباشرة.. وهو ذات ما يوحي به دائماً الاستخدام السياسي لمفردة “إسلامي”..
من الحكمة في العهد الجديد؛ وضع الدين في مقام لا يمس بما كسبت أيدي الناس، فلا هو مضمار سباق سياسي ولا علامة لأحد، ومن شاء أن يستنير بقبسه فله أن يختار من القيم التي دعا إليها الإسلام، الحرية، النزاهة، الاستقامة، الكرامة وغيرها.. فهي قيم إنسانية مشتركة بين كل الأديان.. وهذا بالضبط عين ما ظللت أقصده دائماً عندما أقول أن (الدين قيمة صفرية) فهو مرجعية مطلقة مثل الصفر في الأرقام، أو مثل مرجعية “سطح البحر” في قياس الارتفاعات الجغرافية. فالرقم “7” مثلاً يفهم دون الحاجة للإشارة إلى “الصفر” الذي بدأ منه القياس.. وإذا قيل أن مدينة ما تقع على ارتفاع ألف قدم فلا أحد يسأل أين سطح البحر؟
لا زلت أكرر أن بناء (الدولة السودان الحديثة) لا يجب أن يعوَّل على “ترميم” الواقع السياسي، بل استحداث رؤية ومفاهيم جديدة يؤسس عليها بنيان الدولة..
التيار