إضافة الِي مفاقمة المعاناة الاقتصادية برفع الدعم وزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة علي المواطن وزيادة أسعار الكهرباء والمحروقات وزيادة ضرائبـ الاتصالات التي يدفعها المواطن, ما رشح عن موازنة 2021 يشير الِي انها موازنة وداع تنمية بامتياز نسبة لانخفاض الصرف الحقيقي عليها وعلي القطاعات الإنتاجية والخدمات الاساسية مثل الصحة والتعليم.
لفهم الطبيعة المعاكسة للتنمية، لاحظ أولاً الاختلاف الجوهري في الاقتصاد بين التغيير الاسمي والتغيير الحقيقي. يشير التغيير الاسمي إلى زيادة أو نقصان الدخل أو الإنفاق بمعزل عن التغير في الأسعار. لا يعلمك التغيير الاسمي كثيرًا لأنه، على سبيل المثال ، إذا ارتفع دخلك بنسبة 50 في المائة وتغيرت الأسعار بنسبة 70 في المائة ، فإنك تصبح أكثر فقرا لأن دخلك الاسمي رغم انه أعلى إلا انه يشتري الآن سلعًا وخدمات أقل من دخلك السابق قبل الزيادة في الأسعار.
من ناحية أخرى، يأخذ التغيير الحقيقي في الاعتبار التغيير في الدخل أو الإنفاق منسوبا للتغير في الأسعار. لذلك إذا تغير الدخل والأسعار بنفس المعدل، فإن الدخل الحقيقي يظل كما هو. على سبيل المثال، إذا تضاعف دخلك وتضاعفت الأسعار، فلن يتغير دخلك الحقيقي وستتمتع بنفس مستوى المعيشة السابق (لن أدخل في مشكلات الرفاهية الدقيقة مثل تأثير تغير بنية الأسعار النسبية وتبديل حزمة السلع). وإذا زاد دخلك الاسمي بمعدل أسرع من التضخم، فإن دخلك الحقيقي يتحسن ويمكنك شراء المزيد من السلع والخدمات. ولكن إذا تضاعف دخلك، وزادت الأسعار بأكثر من الضعف، فإن دخلك الحقيقي ينخفض ويتم عقابك بـتخفيض مستوي معيشتك بـشراء سلع وخدمات أقل.
مع هذا التمييز الجوهري بين القيم الحقيقية والاسمية، يمكن وصف ميزانية 2021 بأنها نقيض التنمية لأنها تقلل من الإنفاق الحقيقي على التنمية والقطاعات الإنتاجية وعلي الخدمات العامة الأساسية مثل الصحة والتعليم ، بينما تزيد الإنفاق على بيروقراطيات عسكرية ومدنية ودعمجية أقل ملاءمة للتنمية.
وفقًا لآخر تقرير لصندوق النقد الدولي في أكتوبر 2020 ، بلغ متوسط التضخم المقدر في السودان للعام 2020 بأكمله 142نسبة بالمائة.دعنا نبسط ولا ندخل في تعقيدات تقديرات معدل التضخم لعام 2121 ولنقل انه إذا زاد الإنفاق على أي قطاع بنسبة أقل من 142 بـالمائة في موازنة 2021، فهذا يشير الِي أن الإنفاق الحقيقي ينخفض، بمعنى أن القطاع يمكنه شراء سلع وخدمات أقل في عام 2021 (بما في ذلك الأجور والمرتبات). وإذا ارتفع الصرف علي قطاع ما بأكثر من 142 في المائة ، هذا يعني أن ميزانيته الحقيقية قد تنامت ويمكنه التوسع في ما كان يفعله في عام 2020.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، يمكنك أن ترى أدناه كيف ان موازنة 2021 تعادي التنمية:
*القطاعات التي تم تخفيض الصرف عليها لان الزيادة الاسمية في مواردها تقل عن 142 بـالمائة:
ا- لتعليم: من (14,869) ) مليار جنيه في 2020 الِي (6,235) مليار جنيه في 2021 – انخفاض اسمي, سالب, بنسبة (58)%.
- التنمية: من (57,975) مليار جنيه في 2020 الى (78,363) في – زيادة اسمية بنسبة (35)% .
- البني التحتية: من (1,927) مليار جنيه في 2020 الِي (3065) مليارا في 2021 – زيادة اسمية بنسبة (59)%.
- وزارة الخارجية: من (182) في 2020 مليون جنيه الى (328) مليون جنيه 2021 - زيادة اسمية بنسبة (80)%.
- القطاع الزراعي: من (6,148) مليار جنيه في 2020 الِي (11,320) في 2021 – زيادة اسمية بنسبة (84)%.
- قطاع الصحة: من (21,049) في 2020 الى (42,385) مليار جنيه في 2021 – زيادة سمية بنسبة (105)%.
- المجلس السيادي: من (2,513) مليار جنيه في ميزانية 2020 الى (5,680) مليار جنيه – زيادة اسمية بنسبة (126)%.
*القطاعات التي زاد الصرف عليها بموارد تفوق معدل التضخم البالغ 142 بـالمائة:
- مجلس الوزراء: من (298) مليون جنيه في 2020 الى (2,628) مليار جنيهفي 2021- زيادة اسمية بنسبة (782)%.
- وزارة الداخلية: من (17,370) في 2020 الى (52,535) مليار جنيه في 2021- زيادة اسمية بنسبة (202) %.
- الهيئة القضائية: من (3,660) مليار جنيه في 2020 الى (10,700) مليار جنيه - زيادة اسمية بنسبة(192)%.
- الدفاع والأمن: من (32,918) مليار جنيه في 2020 الى (89,818) مليار جنيه في 2021 - زيادة اسمية بنسبة (173)%.
- الدعم السريع: من (14,500) في 2020 الى (37,010) مليار جنيه - زيادة اسمية بنسبة (155)%.
*ملاحظات ختامية:
- القطاعات الخاسرة في موازنة 2021, بالتوالي, من الأكثر خسارة أولا: التعليم, التنمية, البني التحتية, وزارة الخارجية, القطاع الزراعي, الصحة, المجلس السيادي.
- القطاعات الرابحة في موازنة 2021, بالتوالي من الأكثر ربحا أولا: مجلس الوزراء، وزارة الداخلية, الدفاع والأمن, الهيئة القضائية, الدعم السريع.
- نسبة الزيادة في موارد الدفاع والامن أكبر من الرقم المسجل في الموازنة لان الجيش يملك شركات ومصادر دخل اخري. وينطبق الامر على الدعم السريع الذي يملك امبراطورية مالية إضافة الِي نصيبه من الموازنة.
- رغم ارتفاع الأسعار المهول إلا ان نصيب التعليم الاسمي في الموازنة المقترحة قد تم تخفيضه في ضربة قاضية.
- سوق الخطاب الحكومي لسياسة رفع الدعم بمزاعم ان رفعه يوفر موارد سيتم استخدامها لتمويل التنمية والصحة والتعليم. ارقام موازنة 2021 تثبت ان ذلك الزعم كان باطلا.
- ادعي مناصرو الحكومة ان زيادة عدد الوزارات لن يترتب عليه توسع في الصرف الحكومي يفاقم من التمويل بطباعة الكاش وقالوا مثلا انه سيتم استخدام نفس الموظفين من الوزارات المنقسمة اميبيا وهذا يعني ثبات الصرف الحكومي – علي سبيل المثال تقسيم وزارة الصناعة والتجارة الِي وزارتين، واضافة وزير واحد فقط مع استخدام نفس الموظفين لتشغيل الوزارتين. ارقام الموازنة المقترحة تشير الِي عكس ذلك، وتوحي بـزيادة فلكية في موارد مجلس الوزراء تبلغ 782%.
- ارتفعت موارد مجلس السيادة الاسمية بنسبة اقل من معدل التضخم (126% مقابل 142%), وهذا يعني ان القيمة الحقيقة لموارده انخفضت, ولكن نلاحظ ان هذا الانخفاض طفيف جدا ولا يعني الكثير.
* التحليل أعلاه يرتكز علي المعلومات عن الموازنة الواردة في صحيفتي السوداني، واخبار السودان. وقد لاحظنا ان الأرقام تتسق مع ما جاء به الدكتور حسام الدين إسماعيل الذي شارك كممثل للجان المقاومة في رسم معالم موازنة 2021 ، بتكليف من وزيرة المالية و بإشراف وكلاء وزارتها بموجب قرار وزاري صدر في سبتمبر 2020.
*لم تتم إجازة الموازنة بعد, ومن الوارد ان تتغير بعض الأرقام في النسخة الرسمية الأخيرة ولكن غالبا ستظل البنية العامة للموازنة علي ما هي عليه.