كفى !! ليس لدينا ذاكرة سمك، ولسنا أغبياء !!

 


 

 

قبل الانقلاب بيومين أزمعت كتابة مقال بعنوان لا تصدقوه فهو يكذب كما يتنفس الكيزان كذباً، وذلك حينما رشحت تصريحاته بأنهم (العسكر) مصرون على العبور بالمرحلة الانتقالية إلى غاياتها بالشراكة مع المكون المدني. ولأن الناس ليسوا بالغباء الذي يظنه، وهو ليس بالذكاء الذي يجعل كذبته "مبلوعة"، قياساً بمسلسل وقائع الانقلاب "الزاحف" – كما أطلق عليه ياسر عرمان – لذا فإن حبَّات التخدير "المغشوشة" تلك التي كان يمدها للعالم لم تكن لتقنع أحداً بصدقه.

ما فوق الكذب على النفس
وليست المشكلة في الكذب رغم أنه من أسوأ الصفات في الحديث النبوي، بما ينزع عن صاحبه صفة الإيمان ويطرده من زمرة المؤمنين. رغم ذلك لم تكن هذه هي مشكلة الشعب السوداني مع "الترابيين". ولكن مشكلتنا معهم أن كذبهم يلامس حدود الجنون. فإذا قيل أن الفرق بين نابليون والمجنون الذي يدعي أنه نابليون هو أن الأخير اكتفى بإقناع نفسه، أو باقتناعه الذاتي. وهو صادق في نظر نفسه في توهمه هذا، ولا يساوره أدنى شك فيه. فإن الكيزان الترابيون يكذبون على أنفسهم بكامل وعيهم، وهذا من الشذوذ النفسي، لأن المعتاد هو أن يكذب الإنسان على نفسه دون وعي منه بذلك.
وقد أضحكني أحد مؤيدي العسكر والانقلاب، وأظنه من جماعة المعتصمين في ضيافة القصر، قال لمقدم نشرة الأخبار بقناة الجزيرة الذي سأله عن الرسالة التي فهمها من الحشود التي تعرضها القناة، بأنها كانت رسالة لحمدوك تعبر عن عدم رضاها عن فشله في الحكم واحتجاجها عليه !.. أليس هذا هو عين الجنون ؟!. فهذا رجل يقرأ على لافتات الموكب كلمات واضحة تقول :"بالقوة بالذوق راجع يا حمدوك"، ثم يقول أن هذه الجماهير خرجت احتجاجاً على حمدوك !!.

إنهم يلوكون الأكاذيب علكة
دعك من تاريخ مجلل بالأكاذيب. ولنكتفي بالأكاذيب التي ساقها البرهان ولاكتها زمرته علكة يرددونها بينهم، ويملؤون بها القنوات ومنصات التواصل، يبررون بها انقلابهم، وكلها – فيما أنا وغيري، وحتى هم يعلمون بأنها مجرد أكاذيب – باطلة، ورغم هذا لا يملون تردادها بعناد غريب رغم وضوح زيفها. ليقنعوا مَن، لا تدري !. وليس عليك سوى تأملها عابراً ليتكشف لك زيفها وتهافتها المفضوح.
- قال البرهان، ورددوا خلفه: بأن حكومة حمدوك فشلت في حل خلافات المكون المدني، في حين أنهم هم العسكر من مزق وحدة هذا التحالف المدني، إلى درجة صرح مناوي بأنه يثق بالعسكر ولا يثق بالمدنيين.
- تحدثوا عن فشل الحكومة في معالجة ملف الاقتصاد، وكل التقارير حتى الدولية كشفت أن أكثر من 80% من موارد الدولة الاقتصادية تصب في جيب الجيش والأجهزة الأمنية والشرطية بعيداً عن خزينة الدولة العامة وسيطرتها، وأن الجيش يتاجر في كل شيء، بدءاً من الأخشاب والفحم واللحوم والمحاصيل الزراعية إنتهاء بالتصنيع، معفيا من الضرائب والجمارك، وأنه وقع اتفاقيات لتوفير الزيوت والأراضي الزراعية واللحوم لمصر منفرداً.
- ويتحدثون دون حياء عن فشل الحكومة في الملف الأمني، علماً بأن حفظ الأمن كان هو المبرر الوحيد لدخولهم شركاء في إدارة المرحلة الانتقالية، وقد فشلوا في ذلك فشلاً فضائحياً ذريعاً، حيث انتشرت الجريمة في كل مناطق السودان بشكل غير معهود في كل العصور، وطال القتل والنهب المسلح وترويع المدنيين حتى داحل العاصمة ومدن السودان الكبرى دع عنك مناطق دارفور حيث أحرقت القرى وتمت مهاجمة معسكرات اللاجئين والنازحين قتلاً عشوائياً واغتصاباً وتهجيراً.

بعض الذكاء يقود إلى الجحيم
- ومنهم من يتحدث عن أزمة الشرق وخنق الكوز – الذي تلاحقه تهمة سرقة المليارات من أموال صندوق تنمية الشرق – اقتصاد دولتي السودان وجنوب السودان بإغلاقه الميناء والمطار وقطع الطريق بإيعاز من المكون العسكري، وقد صرح بلسانه بأنه سيتحدث فقط مع البرهان والعساكر، ولا يمكن أن يتحدث مع حمدوك أو أي مدني في الحكومة. وكشف تآمره مع العسكر وهو يرفع على رأس مطالب الشرق وقبيلة البجا حل الحكومة المدنية وحل لجنة تفكيك التمكين (لأن طرف السوط سيطاله). وهذه ذاتها كانت نفس مطالب جماعة اعتصام (أو ضيوف) القصر!، وقد استجاب لها البرهان بالانقلاب العسكري !!.
مثل هذه الأشياء تؤكد لك بوضوح: أن البرهان والمكون العسكري ومن ورائهما لجنة البشير الأمنية كانوا يتربصون بالثورة حتى قبل أن يوقعوا مع المدنيين على الوثيقة الدستورية. وأن انقلابهم الأول بمجزرة فض اعتصام القيادة العامة كان مجرد حلقة في سلسلة من محاولات الانقلاب التي انتهت بانقلاب يوم الاثنين 25 أكتوبر، أي بعد ثلاثة أيام من مواكب 21 أكتوبر التي محت من ذاكرة الشارع اعتصام ضيوف القصر الذين كانوا يهتفون يستجدون ( يا برهان دايرين بيان) الانقلاب !.
فهل اكتفى البرهان بهذا النوع من الأكاذيب والأباطيل التي يرددها وراءه من يحيطون به من ذوي العقول الـ .... ؟.

الإمعان في الكذب وتحريه
لا لم يكتفوا بهذه الأكاذيب المفضوحة. بل حاولوا أن يدخلوا من باب يبدو أكثر واقعية بأقنعته القانونية، ولكنها أكاذيب أكثر خبثاً لغموض سياقاتها ومنطقها لغير العارفين، أو غير المطلعين على طرف من لغة المحاججات السياسوية الملتوية.
على سبيل المثال، البرهان ورهطه من مشايعيه وأتباعه بغير إحسان يركزون على ثلاث قضايا أساسية، تُحسب من وجهة نظرهم ضد قوى إعلان الحرية والتغيير (أو المكون المدن)، حسناً فعل البروفسور أحمد إبراهيم أبو شوك بالتصدي لها .
- "أولها، إنَّ قوى إعلان الحرية والتغيير قد خرقت نصوص الوثيقة الدستورية بتعيين وزراء حزبيين في مجلس الوزراء؛ لأن الوثيقة الدستورية تنصُّ على تشكيل حكومة “كفاءات وطنية مستقلة”؛ وثانيها، إنَّ مجلس الوزراء لم يقم بتعيين مفوضيات السلام والدستور والانتخابات؛ وثالثها، إنَّ أربعة أحزاب سياسية (الأمة القومي، والاتحادي المعارض، والمؤتمر السوداني، والبعث العربي) قد اختطفت الثورة، وسيطرت على إصدار القرار السياسي في الحكومة الانتقالية (مجلس السيادة ومجلس الوزراء) ومجلس الشركاء" (1).
وقد أوضح البروف بأوقر ما يليق بأكاديمي منصف، مدى "وقاحة" و"قوة عين" هذا "الكذب والتضليل" (لم يستخدم هذه الصفات والنعوت).

فرية الكفاءات المستقلة
- فبالنسبة لتشكيل حكومة “كفاءات وطنية مستقلة”، أوضح بأنه وبعد اتفاقية سلام جوبا لسنة 2020م، قد تمَّ تعديل النصَّ الوارد أعلاه في المادة (7) من الوثيقة الدستورية المعدلة، والتي صادق عليها مجلس السيادة في 12 أكتوبر ٢٠٢٠. واستعيض عنه ببند جديد. وأن التعديل الذي صادق عليه مجلس السيادة "يدحض الزعم بأن قوى إعلان الحرية والتغيير قد خرقت الوثيقة الدستورية؛ لأن النص المعدل قد حُذفت منه عبارة “حكومة كفاءات وطنية مستقلة”، وبموجب ذلك أضحى تعيين وزراء منتسبين على أحزاب سياسية في مجلس الوزارة غير متعارضٍ مع النص المعدل والمشار إليه أعلاه" (2).
والسؤال الذي يستحق الإجابة هنا: لماذا أجاز رئيس المجلس هذه التعديلات وهو الحاكم بأمره، ليأتي على ذكرها فيما بعد تعريضاً كاذباً بحمدوك ؟.

مسؤولية مَنْ الهياكل ؟
- أما بشأن المبرر المختلق الثاني: الادعاء بأن مجلس الوزراء لم يقم بتشكل المفوضيات الأساسية (مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري، ومفوضية الانتخابات) لتسهيل عملية الانتقال الديمقراطي، فإن اختلاقه، بجدّ، يبدو في غاية البذاءة، لأن تشكيل هذه المفوضيات من صميم مهام مجلس السيادة، الواردة في المادة 39/3. التي تنص بوضوح على أنه: " يعين مجلس السيادة رئيس وأعضاء المفوضيات التالية بالتشاور مع مجلس الوزراء:
(أ) مفوضية السلام،
(ب) مفوضية الحدود،
(ج) مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري،
(د) مفوضية الانتخابات.
وإذن، كما قال بروف أبو شوك، إن: " التقصير في هذا الجانب يجب أن يُعزى إلى مجلس السيادة الذي يرأسه أحد أعضاء المكون العسكري، بدلاً من تحميل مجلس الوزراء (المكون المدني) وزر هذا التقصير منفرداً" (3)
فهل ثمة ما يمكن أن يقال بعد هذا ؟.

أربعة طويلة ؟؟!.
- أما الحديث المتهافت والممجوج عن الزعم بأن هناك أربعة أحزاب سياسية قد اختطفت الثورة وسيطرت على مفاصل اتخاذ القرار، فيدحضه أن اتفاقية سلام جوبا قد غيرت المعادلة الثنائية للنظام الحاكم إلى معادلة ثلاثية، طرفها الثالث أعضاء اتفاق سلام جوبا، الذين يشغلون 25% من المناصب الدستورية الاتحادية (مجلس السيادة ومجلس الوزراء)، كما أن لهم حضور مقدر في مجلس الشركاء، الذي تمَّ تشكليه، بموجب القرار (511) لسنة 2020م، من 29 عضواً، نصيب المكون العسكري فيه 6 أعضاء، و المكون المدني (الحرية والتغيير) 14 عضواً، بينما نالت أطراف العملية السلمية لاتفاق جوبا 9 أعضاء.
ما يشير إلى أن أعضاء المكون العسكري وأطراف العملية السلمية الأغلبية في المجلس المشار إليه (15 مقابل 14 عضواً)، فعن أي أربعة طويلة يتحدثون ؟!.

آخر كلمة
وكأنما لم تكفِ كل هذه الأكاذيب ليتوجها بطل الانقلاب بكذبة لا أريد أن أصفها، زاعماً بأن ما قام به كان خطوة تصحيحية وليس انقلاباً عسكرياً، وهو الذي أذاع بيان خطوته "التصحيحية" بصفته "قائداً عاماً للقوات المسلحة". وقام بحل المؤسستين الدستوريتين: مجلسي السيادة والوزراء ..فاعجب !!!!.
وحقاً، إذا لم تستح فافعل ما تشاء.
فالإختشو ماتوا .. زماااااااان
مصادر وهوامش
(1) أ.د. أحمد إبراهيم أبو شوك، موقع صحيفة سودانايل الإلكتروني، بتاريخ: 29 أكتوبر، 2021.
(2) أبو شوك، نفسه.
(3) نفسه.

izzeddin9@gmail.com
/////////////////////

 

آراء