توطين القرار السيادي

 


 

 

الضرورة تلح الحاحاً قوياً على وجوب توطين القرار السيادي للبلاد، والزمن قد حان اكثر من أي وقت مضى لسحب البساط من تحت اقدام القويين الاقليمية والدولية، واعادة الثقة للقوى الوطنية الحيّة الممثلة في فعاليات الحراك الثوري الماضي قدماً، وما عادت الوساطات الجارية الآن والمغرضة تجدي فتيلا، وما حك جلد الوطن مثل اظفار ابناءه الابرار، فلو كانت الجولات الماكوكية لجنرالات الانقلاب تفيد البلاد لكانت قد افادت الجنرال والدكتاتور المخلوع، الذي ضرب رقماً قياسياً في عدد رحلات الطيران الاقليمية والعابرة للقارات بحثاً عن الحل، دون أن يدرك أن الحل في الداخل وسيظل بالداخل ولن يأتي بأي حال من الاحوال من خارج الحدود، فالساعة قد ازفت للبدء في عقد مشاورات واسعة من اجل توطين القرار السيادي للبلاد، القرار الذي اصبح دولة بين اقطاب محاور الشرق الاوسط المتنافسة حول النفط والغاز الطبيعي المسال، والمعادن النفيسة المدفونة تحت اتربة البلدان المضطربة مثل ليبيا والسودان وغيرهما، ولتكن هذه الاحوال وتلك الاهوال المقلقة خير نذير لكل من يرجو تحرراً وطنياً ذاتياً يعيد للوطن والمواطن الكرامة المفقودة وماء الوجه المراق.
المبعوث الأممي فولكر لم يقدم شيئاً ذا بال وفائدة، وكما هي العادة من عقدة للرجل الاسود تجاه الرجل الابيض القادم من وراء البحار بعينيه الزرقاوين، لقد مضى على ذهاب رئيس الوزراء الوقت الكافي لوضع حد لمهزلة الانقلاب، لكن فولكر ما فتيء يلقي المحاضرات ويقدم النظريات ويدلي بحديثه الممل والمكرور، كل ما سنحت له السوانح للاطلال من شاشة التلفزيون، حتى صار مثله مثل زعماء احزابنا المدمنيين لاعتلاء المنابر والمتبارين حول فنون الخطابة امام الوجوه المأساوية الدامعة للجوعى والعطشى، فلماذا لا يناقش السودانيون شأنهم السيادي فيما بينهم من دون تدخل هؤلاء الوسطاء الاقليميين والمبعوثين الامميين؟، ما هو ذلك المستحيل الذي يمنع قيام اصحاب الحاجة لحاجتهم؟، ولماذا التشكيك في نوايا ابن الوطن وفي ذات الوقت الاتكاء على اريكة الاجنبي الغريب والاطمئنان لما يقرره بشأن الوطن المكلوم؟، لقد فرضت القوى الوطنية الحيّة في رواندا واثيوبيا ارادتها على المجتمع الدولي بتماسك جبهتها الداخلية وببناء حائط الصد القوي المانع للاختراق.
أزمة الهوية واسترخاص الناس لما يملكونه من عز ومجد وطني عريق وتليد، هي واحدة من مجموعة عقد لازمات اخرى كثيرة ومتداخلة منعت استكمال مشروع بناء الوجدان الوطني الواحد، زد على ذلك هشاشة بنية الوعي الوطني المتسبب فيها عصبية الولاء للهويات القبلية والجغرافية الصغيرة، كعامل آخر من عوامل هدم قواعد البنيان الوطني، فترى هذه الهرولة المخجلة من اشخاص يفترض انهم يمثلون السيادة الوطنية، وتشاهد الفزع نحو القاهرة والدوحة والرياض وابوظبي وموسكو، لقد حسم رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد أمره وافتتح مشروعه النهضوي الضخم ولم يلقي بسمعه لصوت المبعوث الامريكي، وفي رواية قيل أنه قام بطرد هذا المبعوث وحرمه من أن يدس أنفه في شأن بلاده، وأفاق الروانديون ذات صباح وهم يرون الجبهة الوطنية الرواندية تقتحم المدن والارياف وتدك معاقل الفرنسيين وعملاءهم، لتبني وطناً وسع كل مواطن رواندي دون قيد او شرط او تمييز.
الفاعلون السياسيون لدينا بهم نواقص ذاتية لا تمكنهم من التمتع بالارادة الوطنية الحرة والخالصة التي لا تشوبها شائبة، الولوغ في اناء الارتهان للاجندة المحورية لا مكان فيه للوطني الغيور على ترابه، وصاحب الكلمة الفاصلة في شأن الكرامة والسيادة الوطنية، والروح السيادية المعبرة عن طيف المجتمع الكبير لن تتوافر في نفس من ضعف أمام لمعان الذهب وبريق الفضة والماس، فالحاكم العادل لا يعير اكتناز المال بالاً ولا يساوم في مخزون ثروته الوطنية الرأسمالية، التي تلهث وراء الحصول عليها امبراطوريات القياصرة والرومان والانجلوسكسون، انها مهزلة المهازل أن ترى رموز السيادة يطأطئون الرؤوس بين يدي وسطاء التجارة العالمية، ويرتجفون لتوبيخات أمناء صناديق المال العالمي بالشرق الاوسط، إنّه أمر محزن حد البكاء أن يظل القرار السيادي رهين لتقاطعات الصراع السياسي الاقليمي الذي لا ناقة للوطنيين الاحرار فيه ولا بعير، فلتكن اولى قرارات الحكومة الثورية بعد اقتلاع العبث الانتقالي، توطين القرار السيادي وعدم تداوله الا مع الوطنيين الاحرار غير المستجيبين لاغراءات الذهب واليورانيوم والدولار.

اسماعيل عبدالله
Ismeel1@hotmail.com
13 مارس 2022
/////////////////////////

 

آراء