نفق التسويات في السودان.. عبور أم إغراق؟!. بقلم: مـحمد أحـمد الجـاك
هذا المقال كتب في عام ٢٠١٦م، عندما لاحت في الافق بوادر تسوية سياسية تحت مسمي ( خارطة طريق )، وحينها قد تم تشخيص الاوضاع السياسية و الايدلوجية للاحزاب السياسية، و تطرق الي جزئية مهمة حسب تقديري وهي ( مفهوم العدالة الانتقالية)، والآن اعيد نشر المقالة مرة اخرى، لاهميتها و واقع الحال الآن يلوح بتسوية سياسية، واثرت أن اذكر الفاعلين بضرورة استصحاب مفهوم العدالة الانتقالية كمحفز قوي و فعال و ضروري لاستكمال المرحلة الانتقالية، وخلق مناخ ديمقراطي ..
تظلُ قراءة عملية الواقع السياسي في السودان وتحت ظل المتغيرات التي تشهدها الساحة السياسية سواء داخلياً او خارجياً عند المجتمع الدولي بضغوطاتها التي يُفرضها علي الاطراف المتنازعه داخل السودان ابتداءاً من الحروب الاهلية التي اندلعت ما بعد مرحلة الاستعمار الي التاريخ الحالي، ليس بالصعوبة من ما كان التنبوء بالمالات التي قد تفضي الي نهاية المطاف. ولتناول الموضوع الذي يشغل الساحة الحالية، والذي يتمثل في التسوية السياسية التي لاحت في الافق تحت مسمي ( خارطة الطريق) لابد من تناول الحراك السياسي السوداني منذ فترة الاستعمار وحتي ما بعده في ظل تلك المتغيرات، وما تشهده الدول التي استقلت من استعماراتها نجد أن هذه الدولة تمر بمرحلة تسمي ( مرحلة البناء الوطني) والتي دائماً ما تاتي نتيجة انتصارات عسكرية أو مقاومة ضد المستعمر؛ تجلس كل القوي السياسية بعدها تحت هذه الطاولة لتأسيس الدولة التي تليق بهم. لكن الناظر للتاريخ السياسي في تلك الفترة، يجد أن القوى الاستعمارية لم تجابه مقاومة عسكرية تعمل علي طردها حيث أن القوي السياسية وجدَت نفسها بين ليلة وضحاها تمسك عصا الدولة، وتجلس علي نفسي كراسي الانجليز، وتنتهج نفس الاساليب التي ورثوها بجلبابات الطائفة الدينية. لذلك، تداول السلطة فيها اصبح متأرجح ما بين انقلاب وانتفاضة لغياب الوعي الكافي بها بماهية الدولة، وحتي الانتفاضات لم توظف في سبيل تأسيس الدولة الحديثة، حيث تسابقت القوي السياسية المعارضة لتقسيم السلطة اكثر من كونها تهم تأسيس دولة مواطنة تقبل كل التعدد (راجع مقال عمر الدقير، محضر اجهاض انتفاضة ابريل2012).)
افضت هذه الحالة من تطور الدولة الي ازمة تمثلت في ازمة الهوية وتفرعت منها ازمات اخري، بسبب عدم التداول السلمي للسلطة (عدم استقرار النظام السياسي)، نتيجة لعدم اتفاق القوي السياسية علي نظام حكم واحد. و انقسام اجتماعي عميق افضي الي عكس الهجرة الي انتماءات صغري بديلة للقومية. هذه الاسباب في تقديري ما أدت الي انفصال دولة الجنوب ، ومن المؤسف جداً أن هذا الانفصال لم يوضع في منصة الدرس القاسي والمفيد لكي تعيد النخبة النظر في شكل هذه الدولة التي اورثوها من الكوليناليه ليعودوا الي المحطة الاولي – تأسيس الدولة - لكن للاسف انها انزلقت الي اندلاع الحرب من جديد، والان نحن في نفس المرحلة التي كنا فيها ما قبل اتفاق نيفاشا، وتظهر جلياً عملية التسوية السياسية بين الفرقاء كحل يبدي ملامحه وسيط دولي، بضغوطات دولية.
(راجع التجاني الحاج، مقال التسوية والتغيير بين الواقع والاحلام 2013).
اختلفت القوي السياسية الداخلية المتمثلة في قوي الاجماع الوطني علي مبدأ التسوية كحل للازمة المتفاقمة، مع نظرائهم المنضويين تحت لواء قوي نداء السودان الذي يضم الحركات الثورية المسلحة. تختلف وجهات النظر داخل قوى الاجماع في تقديري علي خلاف ايدلوجي يتركز علي تشخيص المسأله السودانية وذلك يظهر في تصريح قديم صدر بعد توقيع وثيقة الفجر الجديد التي في تقديري أن نداء السودان امتدادٌ لها من الاستاذ محمد ضياء الدين حين قال: أن مضمون الوثيقة يهدد وحدة السودان، ويستطرد قائلاً: أن اقرارنا بالتعددية الدينية والثقافية لا يعني علي الاطلاق انكار حقيقة أن الثقافة العربية الاسلامية هي المكون الاساسي للشخصية السودانية. فاي دين غير الاسلام يمكن أن يكون دين اهل السودان؟، انتهي.. لا استطيع البته اغفال أن هناك عائق ايدولوجي يحول بين الحزب البعث والقوي الثورية المسلحه في طبيعة التحالف الذي يمكن يُقام بينهما. خلاف سياسي يتركز في نقطتين: اولاها كما صرح به الاستاذ محمد ضياء الدين ( اننا لا نرهن انفسنا للقوى الخارجية) أو عقلية المؤامرة علي السودان بمثلما حدث في العراق، وسوريا الخ، وقد يتفق معهم الحزب الشيوعي في ذات المنحي حسب التعاطي السياسي وعداواته مع الامبريالية. وتتركز النقطة الثانية في أن الاتفاق سيفضي الي ما الت اليه اتفاقية نيفاشا والتي افضت الي الانفصال، وأن هذا النظام لا يعترف بالاتفاقيات، والاتفاق معه يعني استطالة عمره، وأن الخيار لا بد وأن لا يصب الا في مصلحة اسقاط النظام لتفويت فرصة بقاءه علي اكتاف اتفاق جديد. كما تصريح الاستاذ محمد ضياء الدين الذي اسماه (الموقف الصحيح يكسب).
من خلال المتابعة والتسلسل أعلاه، نخلص اليأان التغيير في السودان قد يُنتج باحدي الطريقين ( الانتفاضة/ الثورة – أو التسوية)، حيث أن خيار الثورة في السودان اظنه غير وارد بنسبة عالية، لأن الثورة في تقديري عمل تراكمي تقوم بها القوي السياسية في عملها اليومي وتحريضها للشعب وتوعويته بالدرجة الكافية بماهية الثورة وضرورتها واهدافها، الشي الذي لم يحدث رغم طول فترة العمل السياسي لمعظم الاحزاب؛ مع وضع الاعتبار أن هناك فرق ما بين الانتفاضة والثورة، حيث أن ما حدث في اكتوبر وابريل كانتا انتفاضة هبّ بها الشعب من تلقاء نفسه نسبة للاوضاع المعيشية الصعبة التي كانت يتضرر منها، وأن سبتمبر تدخل في ذات السياق، حيث لا ترتيب سياسي مسبق للقوي السياسية لترتيب القيام بعمل تظاهري يفضي الي ثورة، حتي القيادات السياسية لم توفق في تحويل مجري الانتفاضة وتوجيهها في اطار الكسب، ولعل من المؤسف ان اكتوبر وابريل لم تفي بغرض البناء الوطني الذي قفذنا من فوقه ناحية الدولة الحديثة؛ وذلك بسبب قصور العقل السياسي الذي لا ينظر للسلطة الا بمنظور المناصب التنفيذية وانقسام الثروة، الشي الذي جعل النظر الي الطريق الثاني (التسوية) بانه يعني القسمة، الشي الذي بدأ واضحاً في اتفاقية نيفاشا التي وُقعت ثنائية بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان حيث اعتمد الطرفان علي قسمة السلطة بين طرفين 52% و 28 % المشهورة. يتضح من الحراك الذي بدأ أمامي ومن خلال المتابعات اليومية لردود الافعال اليومية هو الخوف من تكرار سيناريو اتفاقية نيفاشا حيث يكمن الفرق بين الحالتين في أن نداء السودان هو مجموعة احزاب وليست حزباً واحداً، بالتالي ستنتفي الثنائي وستنقص نسبة الـ 52% التي خصصت للمؤتمر الوطني في CPA، ولكن ما يجول في ذهني الآن النسبة الضئيلة التي حصل عليها التجمع الوطني الديمقراطي مجتمعاً في اتفاقية القاهرة. وأن الاتفاق فعلياً يمكنه أن يفضي الي اطالة عمر النظام.
للخروج من المأزق الذي قد يسببه في التسوية السياسية التي فُرضت عبر الضغوطات الدولية، علينا اولاً ان لا نعتبر الشروع فيها هو حقناً للدماء، وتوصيل الاغاثات للمتضررين، ...الخ من الجمل الرنانه التي تُطلق في تلك المواقف لأن الحرب التي نحن بصددها الآن لم تُحقن دماؤها منذ الانانيا الاولى، وحتي الآن، رغماً عن الكم الهائل من الاتفاقيات التي وُقعت باسم هذه الدماء. بالتاكيد كلنا نسعي لوقف تلك الدماء لكن بالشكل الذي يُمكّنه فعلاً من حقنها لا اعادة تدويرها من جديد وبنفس الكيفية. العدالة الانتقالية كواحدة من الخيارات التي يُمكن علي المفاوضين طرحها حقناً لذات الدماء التي جلسوا للتفاوض بها واحدة من الاطروحات التي راجت واحرزت نتائجاً يمكنها أن تضعها في خانة الاعتماد عليها واستعانتها في تجربة جنوب افريقيا التي حقنت دماءها علي اثرها، اطروحة العدالة الانتقالية ستعكس مدي جدية الاطراف في الوصول الي تسوية (تحقن دماء الابرياء) بعد أن تطال الاطراف كلها المحاكمة والمحاسبة.. ولتقريب مفهوم العدالة الانتقالية لابد من وضعه في صياغه التي تم صياغه بواسطة المركز الدولي للعدالة الانتقالية وهو: (الي مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان،وتتضمن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر واشكال متنوعه من اصلاح المؤسسات)
حسب تقديراتي وبناء علي عدم تمكننا من قيام الكتلة التاريخية التي يمكنها أن توحد الاراء حول مفهوم الدولة التي نحلم بها، وبالتالي تأسيس مشروع وطني بنظام حكم ودستور، يمكننا ان نُضمّن مفهوم العدالة الانتقالية وتطبيقه بحيث أن هنالك انتهاكات كثيرة طالت الانسان السوداني ابتداءاً من ما قبل الحكم الوطني، وحتي الآن. ويمكنني القول أن معظم القيادات السياسية مسؤولة عن تلك الانتهاكات التي اضرت بالانسان السوداني، الاعتراف بها هو المدخل الرئيسي لتأسيس الدولة التي تقبل كل هذا التعدد.
mido34067@gmail.com
تظلُ قراءة عملية الواقع السياسي في السودان وتحت ظل المتغيرات التي تشهدها الساحة السياسية سواء داخلياً او خارجياً عند المجتمع الدولي بضغوطاتها التي يُفرضها علي الاطراف المتنازعه داخل السودان ابتداءاً من الحروب الاهلية التي اندلعت ما بعد مرحلة الاستعمار الي التاريخ الحالي، ليس بالصعوبة من ما كان التنبوء بالمالات التي قد تفضي الي نهاية المطاف. ولتناول الموضوع الذي يشغل الساحة الحالية، والذي يتمثل في التسوية السياسية التي لاحت في الافق تحت مسمي ( خارطة الطريق) لابد من تناول الحراك السياسي السوداني منذ فترة الاستعمار وحتي ما بعده في ظل تلك المتغيرات، وما تشهده الدول التي استقلت من استعماراتها نجد أن هذه الدولة تمر بمرحلة تسمي ( مرحلة البناء الوطني) والتي دائماً ما تاتي نتيجة انتصارات عسكرية أو مقاومة ضد المستعمر؛ تجلس كل القوي السياسية بعدها تحت هذه الطاولة لتأسيس الدولة التي تليق بهم. لكن الناظر للتاريخ السياسي في تلك الفترة، يجد أن القوى الاستعمارية لم تجابه مقاومة عسكرية تعمل علي طردها حيث أن القوي السياسية وجدَت نفسها بين ليلة وضحاها تمسك عصا الدولة، وتجلس علي نفسي كراسي الانجليز، وتنتهج نفس الاساليب التي ورثوها بجلبابات الطائفة الدينية. لذلك، تداول السلطة فيها اصبح متأرجح ما بين انقلاب وانتفاضة لغياب الوعي الكافي بها بماهية الدولة، وحتي الانتفاضات لم توظف في سبيل تأسيس الدولة الحديثة، حيث تسابقت القوي السياسية المعارضة لتقسيم السلطة اكثر من كونها تهم تأسيس دولة مواطنة تقبل كل التعدد (راجع مقال عمر الدقير، محضر اجهاض انتفاضة ابريل2012).)
افضت هذه الحالة من تطور الدولة الي ازمة تمثلت في ازمة الهوية وتفرعت منها ازمات اخري، بسبب عدم التداول السلمي للسلطة (عدم استقرار النظام السياسي)، نتيجة لعدم اتفاق القوي السياسية علي نظام حكم واحد. و انقسام اجتماعي عميق افضي الي عكس الهجرة الي انتماءات صغري بديلة للقومية. هذه الاسباب في تقديري ما أدت الي انفصال دولة الجنوب ، ومن المؤسف جداً أن هذا الانفصال لم يوضع في منصة الدرس القاسي والمفيد لكي تعيد النخبة النظر في شكل هذه الدولة التي اورثوها من الكوليناليه ليعودوا الي المحطة الاولي – تأسيس الدولة - لكن للاسف انها انزلقت الي اندلاع الحرب من جديد، والان نحن في نفس المرحلة التي كنا فيها ما قبل اتفاق نيفاشا، وتظهر جلياً عملية التسوية السياسية بين الفرقاء كحل يبدي ملامحه وسيط دولي، بضغوطات دولية.
(راجع التجاني الحاج، مقال التسوية والتغيير بين الواقع والاحلام 2013).
اختلفت القوي السياسية الداخلية المتمثلة في قوي الاجماع الوطني علي مبدأ التسوية كحل للازمة المتفاقمة، مع نظرائهم المنضويين تحت لواء قوي نداء السودان الذي يضم الحركات الثورية المسلحة. تختلف وجهات النظر داخل قوى الاجماع في تقديري علي خلاف ايدلوجي يتركز علي تشخيص المسأله السودانية وذلك يظهر في تصريح قديم صدر بعد توقيع وثيقة الفجر الجديد التي في تقديري أن نداء السودان امتدادٌ لها من الاستاذ محمد ضياء الدين حين قال: أن مضمون الوثيقة يهدد وحدة السودان، ويستطرد قائلاً: أن اقرارنا بالتعددية الدينية والثقافية لا يعني علي الاطلاق انكار حقيقة أن الثقافة العربية الاسلامية هي المكون الاساسي للشخصية السودانية. فاي دين غير الاسلام يمكن أن يكون دين اهل السودان؟، انتهي.. لا استطيع البته اغفال أن هناك عائق ايدولوجي يحول بين الحزب البعث والقوي الثورية المسلحه في طبيعة التحالف الذي يمكن يُقام بينهما. خلاف سياسي يتركز في نقطتين: اولاها كما صرح به الاستاذ محمد ضياء الدين ( اننا لا نرهن انفسنا للقوى الخارجية) أو عقلية المؤامرة علي السودان بمثلما حدث في العراق، وسوريا الخ، وقد يتفق معهم الحزب الشيوعي في ذات المنحي حسب التعاطي السياسي وعداواته مع الامبريالية. وتتركز النقطة الثانية في أن الاتفاق سيفضي الي ما الت اليه اتفاقية نيفاشا والتي افضت الي الانفصال، وأن هذا النظام لا يعترف بالاتفاقيات، والاتفاق معه يعني استطالة عمره، وأن الخيار لا بد وأن لا يصب الا في مصلحة اسقاط النظام لتفويت فرصة بقاءه علي اكتاف اتفاق جديد. كما تصريح الاستاذ محمد ضياء الدين الذي اسماه (الموقف الصحيح يكسب).
من خلال المتابعة والتسلسل أعلاه، نخلص اليأان التغيير في السودان قد يُنتج باحدي الطريقين ( الانتفاضة/ الثورة – أو التسوية)، حيث أن خيار الثورة في السودان اظنه غير وارد بنسبة عالية، لأن الثورة في تقديري عمل تراكمي تقوم بها القوي السياسية في عملها اليومي وتحريضها للشعب وتوعويته بالدرجة الكافية بماهية الثورة وضرورتها واهدافها، الشي الذي لم يحدث رغم طول فترة العمل السياسي لمعظم الاحزاب؛ مع وضع الاعتبار أن هناك فرق ما بين الانتفاضة والثورة، حيث أن ما حدث في اكتوبر وابريل كانتا انتفاضة هبّ بها الشعب من تلقاء نفسه نسبة للاوضاع المعيشية الصعبة التي كانت يتضرر منها، وأن سبتمبر تدخل في ذات السياق، حيث لا ترتيب سياسي مسبق للقوي السياسية لترتيب القيام بعمل تظاهري يفضي الي ثورة، حتي القيادات السياسية لم توفق في تحويل مجري الانتفاضة وتوجيهها في اطار الكسب، ولعل من المؤسف ان اكتوبر وابريل لم تفي بغرض البناء الوطني الذي قفذنا من فوقه ناحية الدولة الحديثة؛ وذلك بسبب قصور العقل السياسي الذي لا ينظر للسلطة الا بمنظور المناصب التنفيذية وانقسام الثروة، الشي الذي جعل النظر الي الطريق الثاني (التسوية) بانه يعني القسمة، الشي الذي بدأ واضحاً في اتفاقية نيفاشا التي وُقعت ثنائية بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان حيث اعتمد الطرفان علي قسمة السلطة بين طرفين 52% و 28 % المشهورة. يتضح من الحراك الذي بدأ أمامي ومن خلال المتابعات اليومية لردود الافعال اليومية هو الخوف من تكرار سيناريو اتفاقية نيفاشا حيث يكمن الفرق بين الحالتين في أن نداء السودان هو مجموعة احزاب وليست حزباً واحداً، بالتالي ستنتفي الثنائي وستنقص نسبة الـ 52% التي خصصت للمؤتمر الوطني في CPA، ولكن ما يجول في ذهني الآن النسبة الضئيلة التي حصل عليها التجمع الوطني الديمقراطي مجتمعاً في اتفاقية القاهرة. وأن الاتفاق فعلياً يمكنه أن يفضي الي اطالة عمر النظام.
للخروج من المأزق الذي قد يسببه في التسوية السياسية التي فُرضت عبر الضغوطات الدولية، علينا اولاً ان لا نعتبر الشروع فيها هو حقناً للدماء، وتوصيل الاغاثات للمتضررين، ...الخ من الجمل الرنانه التي تُطلق في تلك المواقف لأن الحرب التي نحن بصددها الآن لم تُحقن دماؤها منذ الانانيا الاولى، وحتي الآن، رغماً عن الكم الهائل من الاتفاقيات التي وُقعت باسم هذه الدماء. بالتاكيد كلنا نسعي لوقف تلك الدماء لكن بالشكل الذي يُمكّنه فعلاً من حقنها لا اعادة تدويرها من جديد وبنفس الكيفية. العدالة الانتقالية كواحدة من الخيارات التي يُمكن علي المفاوضين طرحها حقناً لذات الدماء التي جلسوا للتفاوض بها واحدة من الاطروحات التي راجت واحرزت نتائجاً يمكنها أن تضعها في خانة الاعتماد عليها واستعانتها في تجربة جنوب افريقيا التي حقنت دماءها علي اثرها، اطروحة العدالة الانتقالية ستعكس مدي جدية الاطراف في الوصول الي تسوية (تحقن دماء الابرياء) بعد أن تطال الاطراف كلها المحاكمة والمحاسبة.. ولتقريب مفهوم العدالة الانتقالية لابد من وضعه في صياغه التي تم صياغه بواسطة المركز الدولي للعدالة الانتقالية وهو: (الي مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان،وتتضمن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر واشكال متنوعه من اصلاح المؤسسات)
حسب تقديراتي وبناء علي عدم تمكننا من قيام الكتلة التاريخية التي يمكنها أن توحد الاراء حول مفهوم الدولة التي نحلم بها، وبالتالي تأسيس مشروع وطني بنظام حكم ودستور، يمكننا ان نُضمّن مفهوم العدالة الانتقالية وتطبيقه بحيث أن هنالك انتهاكات كثيرة طالت الانسان السوداني ابتداءاً من ما قبل الحكم الوطني، وحتي الآن. ويمكنني القول أن معظم القيادات السياسية مسؤولة عن تلك الانتهاكات التي اضرت بالانسان السوداني، الاعتراف بها هو المدخل الرئيسي لتأسيس الدولة التي تقبل كل هذا التعدد.
mido34067@gmail.com