17 نوفمبر 1958 مع د. فيصل عبدالرحمن علي طه
صالح فرح /أبوظبي
14 March, 2022
14 March, 2022
بسم الله الرحمن الرحيم
عود على بدء
1
17 نوفمبر و 25 مايو و30 يونيو تواريخ لها حضور في تاريخ السودان وفيها تذكرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
25 مايو و30 يونيو، مع التتابع في شهري مايو و يونيو يشتركان في واحدة فكلاهما قد استولى على السلطة بقوة السلاح. 25 مايو من ورائها القوميون العرب و الشيوعيون. 30 يونيو من ورائها الإخوان المسلمون . الشيوعيون قبل اليوم تصايحوا "التطهير واجب وطني"، في تجاهل تام للقوانين التي تحمي الخدمة المدنية أفرغوا الخدمة المدنية من ذوي الخبرة والتجربة لتبدأ المسير الذي لم يتوقف - نحو الهاوية . أسالو الدماء أنهارا لتطفو عليها سفينة حكمهم ، اقتتلوا شهوة في الحكم، بزعم الحكم الرشيد حلوا الإدارة الأهلية التي كانت عونا في حكم السودان المترامي الأطراف والذي باديته أكبر من حضره - ليبدأ حكم السودان في الإنهيار .
أما القوميون العرب فتلفت حولك لترى ماذا فعلوا بالعرب . في السودان في حمى التأميم والمصادرة ماذا وجدت حكومة النميري لتؤممه أو تصادره ؟ عثمان صالح وأولاده - تجار الحبوب ! فانيان - تاجرالاكسسوارات – ماذا في محله يستأهل المصادرة ؟ ولكن نهبوه بزعم المصادرة . لعلهم بتأثير حمى التأميم كانوا بصدد تأميم سكة الحديد والميناء ومشروع الجزيرة! ... يا للسخرية.
غادر عبود سدة الحكم فترك البلاد على ما وجدها عليه ... خدمة مدنية متميزة ، ميزان مدفوعات لا يشكو الخلل ، أمن مستتب.
انتهت مايو لتترك السودان وقد بدأ مشوار الإنحدار ليتممه الإخوان المسلمون . ما عاناه الناس من حكم الإخوان المسلمين حدث ولا حرج ، عاشه الناس ويعيشونه اليوم . وكان فيه ما يثبت فراغ المقولة أن " الإسلام هو الحل" .
2
السودان كانت فيه طائفتان دينيتان تتنافسان (الأنصار والختمية) ، وكان فيه حزبان سياسيان رئيسيان يتواجهان، حزب الأمة و يدعو للإستقلال و الحزب الوطني الإتحادي - جمع ممن كان يريد الإتحاد مع مصر على شكل أو آخر - لقاهرة المعز يدها في جمعهم في تكوين واحد أسموه الحزب الوطني الإتحادي. حزب الأمة كان واجهة سياسية للأنصار، و اتساقا اتخد الختمية أو ظنوا أن الحزب الوطني الإتحادي لهم في مواجهة حزب الأمة ، فألقوا بثقلهم فيه.
في الإنتخابات العامة سنة 1953 فاز الحزب الوطني الإتحادي بالأغلبية فشكل الحكومة ، و في الطريقdown the road اكتشف الختمية أن الحزب الوطني الإتحادي ليس واجهة لهم فانسلخوا عنه وكونوا لأنفسهم حزبا أسموه حزب الشعب الديمقراطي برئاسة علي عبد الرحمن ، فانهارت أغلبية الحزب الوطني الإتحادي فاستقال . الآن في البرلمان ثلاثة أحزاب لا يستطيع أي منها أن يشكل الحكومة منفردا فلا بد من إئتلاف إثنين منهم. حزب الشعب الديمقراطي الآن صار " سنجة القباني" حيث تميل تشكل الحكومة ، إئتلف مع حزب الأمة ليشكل معه ما عرف بحكومة السيدين. لكن حزب الشعب الديمقراطي كان في دواخله وطني إتحادي يواجه حزب الأمة، وهم الختمية في منافسة الأنصار. فأصبحت المنافسة والمواجهة داخل الحكومة فتعثرت. الختمية حين استقالوا من حزب الوطني الإتحادي عنوا أن يبينوا له أنه لا يستطيع أن يحكم من دونهم ، وأنهم يوم إئتلفوا مع حزب الأمة لم يكونوا يريدون أن يوصلوه إلى الحكم... ولعلهم قد بلغوا مايريدون في الإتجاهين.
د.فيصل عبد الرحمن علي طه وهو يكتب عن: توتر العلاقات السودانية المصرية ، الإئتلاف العقيم ، التدافع نحو القاهرة ، الديمقراطية لا بواكي لها أبان:
• غياب علي عبد الرحمن المتكررعن مجلس الوزراء مع تجاهله التام لنظام العمل في المجلس ، وسفراته المتكررة للقاهرة، واجتماعاته المتعددة مع عبد الناصر .
• رحلة أزهري لبغداد عن طريق القاهرة كانت للتمويه وأنه اجتمع مع عبد الناصرفي طريقه لبغداد وبعدعودته منها .
• إجتماع أزهري رئيس الوطني الإتحادي وعلي عبد الرحمن معا مع عبد الناصر.
• مكالمة السيد علي الميرغني (راعي الختمية) التلفونية مع عبد الناصر ورسالته إلى عبد الناصر التي حملها أمين السيد والذين استقبلوه في المطار ومن رافقوه للقاء عبد الناصر.
• تقرير سفير السودان للقاهرة.
في الداخل كان يجري نشاط حزبي محموم ضد الحكومة. حزب الشعب الديمقراطي الذي كان مشاركا في الحكومة كان في هذا الحراك.
كل ما في هذه الوقائع شكل قناعة لدى حزب الأمة أن أمرا يراد إبرامه ، وأن تقدير ما هو ، لم يكن صعبا.
3
كانت بعض الدوائر ترى في 17 نوفمبرخطأ مميتا . لإنكار مسؤولية حزب الأمة عن 17 نوفمبر، دأب كبار في حزب الأمة عن التنصل من 17 نوفمبر وعزوها لعبد الله خليل فهي من عمله وحده خوفا على كرسيه (يعني يا فيها ولا....) والمفارقة كيف لعبد الله خليل الحفاظ على الكرسيه بتدبير 17 نوفمبر، و 17 نوفمبر كانت لإبعاده عن كرسيه ! وذهبت إبنة للصادق المهدي لرمي عبد الله خليل بـ "الخيانة". د. فيصل كاتب مقتدر ومحقق مدقق ما كتب شيئا إلا تزاحمت المصادر في ما يكتب . د. فيصل أستاذ قانون يعرف قيمة الظروف المحيطة في الإثبات، فوجد فيها ما يقطع بمسؤولية حزب الأمة عن 17 نوفمبر1958 . ولكن ، ومن غير أن يقصد إليه - كان فيها أيضا ما يكشف دواعي 17 نوفمبر.
كانت هنالك إشارات تبين لحزب الأمة أن الإتحاد الذي أُخْرج من الباب يحاولون الشباك لو يُدْخل منه. " سريع النهمة "، قاهرة المعز وأياديها "البيضاء" جمعتهم من قبل في " كوم واحد" والآن بسبيل صيانة " للكوم" بعد أن تصدع. كانت 17 نوفمبراليوم المحدد لاستئناف جلسات البرلمان ، بداية التحرك لتنفيذ ما اتفق عليه، فاختطفها حزب الأمة .... كانت طوق النجاة المتاح ، لتلافي التكلفة الباهضة لنقض ما اتفق عليه إن تم إنفاذه. إنها حكاية " دابي ليك ، بالي عندك ".
إذا كان ما تم في 25 مايو و30 يونيو إنقلابا فيه استولي على السلطة بقوة السلاح، فهل ماتم في 17 نوفمبر سطو على السلطة أو إستيلاء عليها أم كان " تسليم وتسلم"ـ هذه السلطة التي يتنافس عليها الناس ويتناطحون . حزب الأمة تخلى عنها طائعا مختارا. فهل كان ذلك إنقلابا؟ أم هو " بعض الشر أهون من بعضه" كما يجري القول.
صالح فرح
أبوظبي في مارس 2022
tariqbf@gmail.com
عود على بدء
1
17 نوفمبر و 25 مايو و30 يونيو تواريخ لها حضور في تاريخ السودان وفيها تذكرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
25 مايو و30 يونيو، مع التتابع في شهري مايو و يونيو يشتركان في واحدة فكلاهما قد استولى على السلطة بقوة السلاح. 25 مايو من ورائها القوميون العرب و الشيوعيون. 30 يونيو من ورائها الإخوان المسلمون . الشيوعيون قبل اليوم تصايحوا "التطهير واجب وطني"، في تجاهل تام للقوانين التي تحمي الخدمة المدنية أفرغوا الخدمة المدنية من ذوي الخبرة والتجربة لتبدأ المسير الذي لم يتوقف - نحو الهاوية . أسالو الدماء أنهارا لتطفو عليها سفينة حكمهم ، اقتتلوا شهوة في الحكم، بزعم الحكم الرشيد حلوا الإدارة الأهلية التي كانت عونا في حكم السودان المترامي الأطراف والذي باديته أكبر من حضره - ليبدأ حكم السودان في الإنهيار .
أما القوميون العرب فتلفت حولك لترى ماذا فعلوا بالعرب . في السودان في حمى التأميم والمصادرة ماذا وجدت حكومة النميري لتؤممه أو تصادره ؟ عثمان صالح وأولاده - تجار الحبوب ! فانيان - تاجرالاكسسوارات – ماذا في محله يستأهل المصادرة ؟ ولكن نهبوه بزعم المصادرة . لعلهم بتأثير حمى التأميم كانوا بصدد تأميم سكة الحديد والميناء ومشروع الجزيرة! ... يا للسخرية.
غادر عبود سدة الحكم فترك البلاد على ما وجدها عليه ... خدمة مدنية متميزة ، ميزان مدفوعات لا يشكو الخلل ، أمن مستتب.
انتهت مايو لتترك السودان وقد بدأ مشوار الإنحدار ليتممه الإخوان المسلمون . ما عاناه الناس من حكم الإخوان المسلمين حدث ولا حرج ، عاشه الناس ويعيشونه اليوم . وكان فيه ما يثبت فراغ المقولة أن " الإسلام هو الحل" .
2
السودان كانت فيه طائفتان دينيتان تتنافسان (الأنصار والختمية) ، وكان فيه حزبان سياسيان رئيسيان يتواجهان، حزب الأمة و يدعو للإستقلال و الحزب الوطني الإتحادي - جمع ممن كان يريد الإتحاد مع مصر على شكل أو آخر - لقاهرة المعز يدها في جمعهم في تكوين واحد أسموه الحزب الوطني الإتحادي. حزب الأمة كان واجهة سياسية للأنصار، و اتساقا اتخد الختمية أو ظنوا أن الحزب الوطني الإتحادي لهم في مواجهة حزب الأمة ، فألقوا بثقلهم فيه.
في الإنتخابات العامة سنة 1953 فاز الحزب الوطني الإتحادي بالأغلبية فشكل الحكومة ، و في الطريقdown the road اكتشف الختمية أن الحزب الوطني الإتحادي ليس واجهة لهم فانسلخوا عنه وكونوا لأنفسهم حزبا أسموه حزب الشعب الديمقراطي برئاسة علي عبد الرحمن ، فانهارت أغلبية الحزب الوطني الإتحادي فاستقال . الآن في البرلمان ثلاثة أحزاب لا يستطيع أي منها أن يشكل الحكومة منفردا فلا بد من إئتلاف إثنين منهم. حزب الشعب الديمقراطي الآن صار " سنجة القباني" حيث تميل تشكل الحكومة ، إئتلف مع حزب الأمة ليشكل معه ما عرف بحكومة السيدين. لكن حزب الشعب الديمقراطي كان في دواخله وطني إتحادي يواجه حزب الأمة، وهم الختمية في منافسة الأنصار. فأصبحت المنافسة والمواجهة داخل الحكومة فتعثرت. الختمية حين استقالوا من حزب الوطني الإتحادي عنوا أن يبينوا له أنه لا يستطيع أن يحكم من دونهم ، وأنهم يوم إئتلفوا مع حزب الأمة لم يكونوا يريدون أن يوصلوه إلى الحكم... ولعلهم قد بلغوا مايريدون في الإتجاهين.
د.فيصل عبد الرحمن علي طه وهو يكتب عن: توتر العلاقات السودانية المصرية ، الإئتلاف العقيم ، التدافع نحو القاهرة ، الديمقراطية لا بواكي لها أبان:
• غياب علي عبد الرحمن المتكررعن مجلس الوزراء مع تجاهله التام لنظام العمل في المجلس ، وسفراته المتكررة للقاهرة، واجتماعاته المتعددة مع عبد الناصر .
• رحلة أزهري لبغداد عن طريق القاهرة كانت للتمويه وأنه اجتمع مع عبد الناصرفي طريقه لبغداد وبعدعودته منها .
• إجتماع أزهري رئيس الوطني الإتحادي وعلي عبد الرحمن معا مع عبد الناصر.
• مكالمة السيد علي الميرغني (راعي الختمية) التلفونية مع عبد الناصر ورسالته إلى عبد الناصر التي حملها أمين السيد والذين استقبلوه في المطار ومن رافقوه للقاء عبد الناصر.
• تقرير سفير السودان للقاهرة.
في الداخل كان يجري نشاط حزبي محموم ضد الحكومة. حزب الشعب الديمقراطي الذي كان مشاركا في الحكومة كان في هذا الحراك.
كل ما في هذه الوقائع شكل قناعة لدى حزب الأمة أن أمرا يراد إبرامه ، وأن تقدير ما هو ، لم يكن صعبا.
3
كانت بعض الدوائر ترى في 17 نوفمبرخطأ مميتا . لإنكار مسؤولية حزب الأمة عن 17 نوفمبر، دأب كبار في حزب الأمة عن التنصل من 17 نوفمبر وعزوها لعبد الله خليل فهي من عمله وحده خوفا على كرسيه (يعني يا فيها ولا....) والمفارقة كيف لعبد الله خليل الحفاظ على الكرسيه بتدبير 17 نوفمبر، و 17 نوفمبر كانت لإبعاده عن كرسيه ! وذهبت إبنة للصادق المهدي لرمي عبد الله خليل بـ "الخيانة". د. فيصل كاتب مقتدر ومحقق مدقق ما كتب شيئا إلا تزاحمت المصادر في ما يكتب . د. فيصل أستاذ قانون يعرف قيمة الظروف المحيطة في الإثبات، فوجد فيها ما يقطع بمسؤولية حزب الأمة عن 17 نوفمبر1958 . ولكن ، ومن غير أن يقصد إليه - كان فيها أيضا ما يكشف دواعي 17 نوفمبر.
كانت هنالك إشارات تبين لحزب الأمة أن الإتحاد الذي أُخْرج من الباب يحاولون الشباك لو يُدْخل منه. " سريع النهمة "، قاهرة المعز وأياديها "البيضاء" جمعتهم من قبل في " كوم واحد" والآن بسبيل صيانة " للكوم" بعد أن تصدع. كانت 17 نوفمبراليوم المحدد لاستئناف جلسات البرلمان ، بداية التحرك لتنفيذ ما اتفق عليه، فاختطفها حزب الأمة .... كانت طوق النجاة المتاح ، لتلافي التكلفة الباهضة لنقض ما اتفق عليه إن تم إنفاذه. إنها حكاية " دابي ليك ، بالي عندك ".
إذا كان ما تم في 25 مايو و30 يونيو إنقلابا فيه استولي على السلطة بقوة السلاح، فهل ماتم في 17 نوفمبر سطو على السلطة أو إستيلاء عليها أم كان " تسليم وتسلم"ـ هذه السلطة التي يتنافس عليها الناس ويتناطحون . حزب الأمة تخلى عنها طائعا مختارا. فهل كان ذلك إنقلابا؟ أم هو " بعض الشر أهون من بعضه" كما يجري القول.
صالح فرح
أبوظبي في مارس 2022
tariqbf@gmail.com