السودان في مخيلة الشباب

 


 

 

لعل من الضروري جدا طرح ثلاث اسئلة في مقدمة المقال لان الاجابة عليها حتما ستقودنا لكثير من نقاط الاتفاق . هذه الاسئلة كالآتي:
هل يمكننا كسودانيين ان نبني دولة قوية؟
هل يمكننا كسودانيين ان نبني اقتصادا قويا قادر علي الصمود في وجه التحديات والتقلبات المالية العالمية ويوفر فرصا للشباب ان يصنعوا مستقبلا افضل ؟

هل يمكننا كسودانيين ان نبني ديمقراطية سودانية قوية ومؤسسات دستورية قابلة للحياة والاستمرار؟

ربما يبدو للقارئ ان الاجابة بنعم علي هذه الاسئلة أماني مستحيلة وذلك بالنظر لمعطيات الواقع الحالي الذي نشهد فيه غيابا لسلطات الدولة الثلاث وانهيارا وتفسخا في مؤسسات الدولة الامنية والعدلية حتي تفشي في بعض افراد المؤسسات النظامية والامنية داء القتل والاغتصاب وكنس اثار الجريمة والزود عن الجناة المجرمين ولكن تضحيات ابناء وبنات السودان وبذلهم الغالي والنفيس وسعيهم المتواصل للتغيير نحو وطن ديمقراطي آمن ومعافى وميثاق سلطة الشعب مما يبعث الأمل والتفاؤل في المستقبل.

ان سنن الحياة وتجارب الشعوب علمتنا ان الخير يخرج منعمق الشر وان العدل يخرج من عن عمق الظلم وفي القرانقوله تعالي ( فان مع العسر يسرا) وكذلك الحديث الموقوف عن الطبراني عن الرسول صلي الله عليه وسلم قوله ( لو دخل العسر جحرا لدخل اليسر حتى يخرجه فيغلبه فلا ينتظر الفقير إلا اليسر، ولا المبتلى إلا العافية، ولا المعافى إلا البلاء)

ولخص ذلك المعني الامام علي بن اي طالب حين قال

إِصبِر قَليلاً فَبَعدَ العُسرِ تَيسيرُ وَكُلُّ أَمرٍ لَهُ وَقتٌ وَتَدبيرُ

وَلِلمُهَيمِنِ في حالاتِنا نَظَرٌ وَفَوقَ تَقديرِنا لِلّهِ تَقديرُ

وكذلك الطغرائي خلد ذلك المعني في بيته المشهور :
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

اطرح هنا نقاط او مواضيع للنقاش العام كالاتي :
الجمهورية الدستورية الديمقراطية تعتبر في عالمنا اليوم ميزة تنافسية لذلك من المصلحة والمنفعة العامة في السودان ان نستعملها كاداة للتغيير من اجل تحقيق الوحدة والسلام والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والرفاه. طبيعة السودان وسعته والتنوع الذي يتميز به وخصال شعبه وتجاربه وتطور العقل السياسي فيه يجعله اقرب دول الاقليم واكثرها استعدادا لتحقيق مشروع ديمقراطي ناجح.

اي منظومة افكار تجتمع حولها جماعة ما او تنظيم ما اوحتي دولة ما لاتحتفي وتعزز مكارم الاخلاق الانسانية فهي باطلة وان لبس اصحابها ثوب القداسة او قفطان العقلانية اوفراء المكر والدهاء. ومن مكارم الأخلاق : القناعة،، والرضى، والبر، والإحسان، والصدق، والأمانة، والصبر، والحلم، والأناة، والشجاعة، والتحمل، والتروي، والكرم، والاعتدال والإيثار، والعدل، والحياء، والشكر، وحفظ اللسان والجسد، والشورى، والوفاء، والعفة، والتواضع، والعزة، والقوة، والتعاون، والتسامح، وفعل الخير، والبعد عن الشر، والمساعدة، والنية الحسنة، وكف الأذى عن الناس، وطاعة الوالدين، ونشر المحبة، والستر حفظ السر، والمحافظة على الدين، والصلاة، والتقرب إلى الله، والبعد عن النميمة والغيبة وشتم الناس.

المؤسسة العسكرية في افريقيا عموما والسودان خصوصا لديها تاريخ طويل من عدم الاحترام وضعف الالتزام بمبادئ الجمهورية الدستورية ومايترتب عنها من شرعية دستورية. وقد احسن الدكتور المؤرخ فيصل عبدالرحمن علي طه اذ كتب عن هذا الموضوع وأرخ له يقول الدكتور عبدالرحمن علي طه ( من المآخذ على عبدالله خليل أنه أدخل الجيش في السياسة عندما سلم السلطة للفريق إبراهيم عبود في العام1958. في الواقع أن من فعل ذلك هو الصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد القومي والدولة لشؤون السودان في الحكومة المصرية وذلك بإنشائه في العام 1954 تنظيماً للضباط الأحرار في الجيش السوداني على غرار صنوه المصري. وهذا التنظيم سياسي وسري هدفه الوصول إلى السلطة عبر استخدام القوة العسكرية. في بداياته الباكرة كان هذا التنظيم ناصرياً. والناصرية آنذاك - وربما بعد ذلك أيضاً - لم تكن تعني في السودان أكثر من الإعجاب بشخصية جمال عبدالناصر. وعلى مر الزمن ترهل هذا التنظيم بنمو خلايا داخله تنتمي إلى تيارات وعقائد مختلفة) وهذا يدلل علي ان بالجيش ثقافة راسخة في الجيش لاتجد غضاضة في اتخاذ آلة العنف التي تمتلكها لفرض شرعية غير دستورية قائمة علي القهر والاخضاع والغلبة. وزاد الطين بلة انه كلما راود تنظيم او جماعة او افراد المؤسسة العسكرية علي خرق الدستور ونقض مبادئ الجمهورية استجاب واستخف بعض قادتها وخرجوا علي القانون والشرعية الدستورية. لذلك لاغرو ان السودان في مقدمة دول العالم في عدد الانقلابات. وبالنظر لتأهيل قادة الانقلابات من خريجي المؤسسة العسكرية تجدهم بالرغم من تميزهم في مجالاتهم العسكرية وعاطفتهم الوطنية الا انهم يفتقرون لابسط العلوم المعرفية عن مبادئ الجمهورية وادارة العمل العام وصناعة السياسات والحكم المؤسسي الدستوري. ليس ذلك فحسب بل هم بلا استثناء يعتبر مؤسسة التداول السلمي للسلطة عبر الشرعية الانتخابية الحرة والنزيهة غباء والادلة علي ذلك كثيرة ومعلومة.

سهولة الانقلاب علي الشرعية الدستورية وتمزيق مبادئالجمهورية وذلك لوجود آلة وماكينة الدولة السودانية الشاسعةفي دائرة لايتعدي نصف قطرها خمسة اميال . ان مركزيةالقرار ومركزية الحكم وحصرها في منطقة صغيرة يجعل منالسهل علي اي ضابط مغامر او مغرر به ان يدفع ويحركفصيل صغير من الجنود وعدد محدود من الاليات المدرعةليعتقل القيادات الشرعية ويعلق المجلس التشريعي ثم يعلننفسه رئيسا مفدي للبلاد . ان سهولة ادارة والتحكم فيوطن (حدادي مدادي) من مركز لايتعدي نصف قطرهالخمسة اميال يغري بتقويض النظام الدستوري والاستيلاءعلي السلطات الثلاث. هل ياتري خطر علي بال احد هؤلاءالمغامرين ( القادة العسكريين) ان بل تحركهم سؤال عنمدي قبول جماهير الولايات ورد فعل المجالس التشريعية فيالولايات ؟

في بعض دول العالم الديمقراطي لا يتجرأ قادة الجيشعلي الانقلاب لانهم سيواجهون مشكلة وهي مدي قبول ودعم برلمانات الولايات. ان ادارة البلاد بدون موافقة برلماناتالولايات المتعددة امر صعب وبالتالي تصبح فكرة محاصرة برلمان العاصمة غير عملية مالم يصحبها تحركات في جميعالولايات مما يجعل تنفيذ الانقلاب عمليا صعبا ومعقداومحفوفا بالمخاطر لان الانقلاب ببساطة سيهدد وحدة البلادوتماسكها. وهنا يحضرني موضوعين اولا موضوع اللامركزيةوتطبيقها بصورة تعزز الوحدة ونظام الحكم الجمهوريالدستوري والثاني مخاض مفهوم العلاقة والصراع بينالهامش والمركز الذي ولد فارا بدلا عن ان يلد الة قوية تتمثلفي مجالس تشريعية في الولايات ومجالس حكم محلي فيجميع انحاء البلاد.

 

ضعف الاداء السياسي والفقر المعرفي لثقافة الجمهوريةالدستورية في الولايات. ان من مميزات الدول التي اصبحتللديمقراطية فيها راسخة وجود مجالس تشريعية ولائية قوية تجعل من الصعوبة بمكان لاي مغامر ان ان يقوض الشرعيةالدستورية في المركز. لان ذلك سيجعله معزولا في المركزوربما يهدد وحدة البلاد. هذا الضعف والفقر في الولاياتيتحمل جزءا من مسئوليته نخبة الهامش وقادتهم الذينهجروا بناء المؤسسات في الولايات وخاضوا مع الخائضينفي المركز في محاولة لتهميش المركز . يجب ان نبني عليهاتجربة حقبة نظام الانقاذ في الحكم الفيدرالي التي تحتاجلدراسة الايجابيات لنبني عليها والسلبيات لتعلم الدروسمنها. اعتقد ان هناك اضافات جيدة حققها نظام الانقاذفي الحكم الفيدرالي والمحلي يمكن دراستها والبناء عليماصلح منها.
ربما اخطأت فقد كان لدي عشم في ان يستطيع قيادات الحركات المسلحة ان يعملوا جهدهم في بناء المؤسسات الدستورية الولائية القادرة علي الحياة والاستمرار ومنح ابناءوبنات الولايات مستقبلا مشرقا في ظل دولة الحقوقوالحريات والمؤسسات.

نحو معارضة ذكية : هي معارضة للقيادة ( وليسالحكومة) بصورة لاتهدم انجازات القيادة الحالية او السابقةوتفصل بين صراع السياسات والتقديرات وتدمير الاقتصادومؤسسات الدولة السودانية تلتزم بحيادية ومهنية الخدمةالمدنية والعسكرية وتعمل مع القيادة قدر الامكان لتحقيقالاهداف الوطنية المتفق العليا وتبذل وسعها في جسر الهوةقدر الاستطاعة فيما اختلف عليه بشروطي الجمهوريةالدستورية وتعزيز مكارم الاخلاق.

نحو قيادات حقيقية : قيادات تلتزم بتعزيز مكارم الاخلاقوتلتزم بمبادئ الجمهورية الدستورية لها قدرات تواصلوتفاعل مع الشعب بالاضافة لقدرتها علي وضع اجندة عملعام وحشد الدعم السياسي والموارد اللازم لتنفيذ اجندتها . انظر لاجندة الرئيس بايدن الخمسة لنتعلم منها بعضالدروس جدول أعمال فترة اربعة سنوات للرئيس بايدن :

بناء اقتصاد من الأسفل إلى الأعلى اقتصاد يجعل اولويته بطبقات الشعب من الاسفل ثم الطبقة الوسطي وهكذا. اقتصاد يشجع التكنولوجيا ويسعي للتفوق في المجالاتالتكنولوجية والمعلوماتية لانها المستقبل.

التأكد من أن المساواة وعدم التمييز والمحاباة هي جوهر كلما تفعله مؤسسات الدولة الامريكية ليجد كل مواطن نفسهفي الدولة غض النظر عن لونه ودينه وخلفيته العرقية وغيرها.

محاربة التهديد الوجودي لتغير المناخ والاحتباس الحراريبصناعة السياسات وتشريع القوانين اللازمة وتنفيذها مناجل بيئة افضل.

الاستمرار في توفير كل الموارد اللازمة لحماية افراد الشعبالأمريكي من جائحة كوفيد 19

الاستمرار في دعم وبناء المؤسسات لتكون راسخة وقابلةللاستمرارية وتعظيم سيادة القانون ودولة القانون والعدل مناجل خدمة المواطنين الامريكيين.

 

شريف محمد شريف علي
مركز السودان للقيادة والديمقراطية والسياسات
٣/١٥/٢٠٢٢

sshereef2014@gmail.com
////////////////////////

 

آراء