(رمتهم بدائها وانسلَّتْ) .. من مسرح اللامعقول

 


 

 

على هامش سوسيولوجيا الحدث نَقِفُ على صفحة من صفحات صارخة وقد بدت تتآكل سيرتها.. بعد أن أكل الدهر عليها.. وشرب من معينٍ ناضب.
ذلك مسخ مشوه من فصول تمثيلية مقيتة.. من المضيف.. من المستضاف.. من المضاف والمضاف إليه..
صورة مهزوزة باهتة شائهة.. مفرغة المبنى والمعنى.. وجه عابس باسر من على البعد.. وقد تراءى كاشفاً عن مكنون بلا مضمون.. إنه أنين الهروب.. وتوالي الكروب.. وزفير المغلوب.. كيف لا.. وقد فرت هائمة في فجاج الأرض.. دون مراعاة للفروض والعروض.
هاهي قد همت بالإياب.. بعد أن قُفِلَتْ أمامها الأبواب.. بعد غربة واغتراب.. وتعقد الأسباب.. هاهي قد أتت مهرولة لاهثة.. بعد حياة بائسة.. ومحاولات يائسة.. فَلُفِظَتْ شر لفظةْ..
"بعد أيه...!!"
تلعق جحيم الإقتراف.. من عند كرسي الإعتراف.. توارى من زيّنَ لها الفرار.. في ركن ركين عن الأنظار.. فانكشف أمر الممالئين.. في برهةٍ وحينْ.. فكأنها تلقم عينها خصاصة باب مسدود.. تود أن تختلس نظرة ثم تنكر ذلك على رؤوس الأشهاد. حالها.. "ضربنى وبكى.. وسبقني واشتكى"، على رأي المثل.. حالها.. ما قاله حكيم: "ولا تَعِبْ أحداً منهم بما فيكَ".
موقف أكد المؤكد ومزق الممزق.. بل أفشى مالم يكن غائبا.. موقف قد اختلط حابله بنابله.. فأصبح سردها أضحوكة من مسرحية سيئة السيناريو والإعداد والإخراج.. مشهد أراجوزي سريالي يستدرج الرائي إلى الماورائيات برغم ماهو مشاهد.. وماثل للعيان..
وتلك التي قد فكّت وثاقها.. فالمتهمون لم يكونوا حاضرين ساعة (تصفيد الأصفاد ودق الأوتاد).. مازالت تتحرى الكذب بزجها أسماء البريئين في فصول المسرحية التي انقلبت فجأة من تراجيديا إلى كوميديا.. فمن الذي قيّدَها؟ وكيف؟! ولماذا؟. ففصول التراجيديا الخبيثة منُاهضةٌ تماماً.. يتجلى جلياً في السرد المهزوز.. والقول المنبوذ.. لم توضح ما وراء الأكمة..
مشهدٌ يتحدث عن نفسه.. يكفي عناء الاستدلال.. حسناً إذا قال اللاتينيون (Res ipsa loquitur) كقاعدة في علم قانون الإثبات: ““The situation speaks about itself.
الشاهد في أمرها.. وما يثير الدهشة هو التناقض في الأقوال والأفعال والمآل. ذلك أنها قبل ظهورها من مخبئها واعتلائها الخشبة، قد أرسلت رسالة (للمتهمين).. حيث قدمت اعتذاراً لنفس الأشخاص الذين اتهمتهم لاحقاً "زوراً وبهتاناً"..
لم يقبل (المتهمون) الاعتذار.. عندها قررت الانحدار.. بلا مستقر وقرار..
رفض الأبرياء القبول.. بعدها قررت الأفول.. بقولٍ يُثيرُ الفضول.
زُين لها أن تؤدي دور ضحية في مسرحية.. لتستجدي عطفاً.. عطف من لم يقرأ فصولاً عن صفحاتِ حياتها.. ولم يقف عند محطة من محطاتها.. تتحرى كذباً في ثياب الواعظين.. بتمثيل غير بارع..
تلك الأحابيل لاتنطلي على كل ذي بصيرة.. وسيرة ومسيرة..
عندها قال قائل:
المُشاهد أوعى من أن تُمَرّرَ من خلاله تلك التفاهات الممجوجة.. والأصوات المرجوجة.. والدموع المسكوبة.. والأقوال المعطوبة.. هادفين قلب الحقيقة رأساً على عقب.. فخاب فأل الخائبين.. يمنون أنفسهم بوضع الجاني مكان الضحية والضحية في موضع الجاني.. هكذا كان الحبك والسبك.
فلو كانت هي الضحية حقاً.. لماذا قَدَّمت الإعتذار للمشكو ضدهم قبل اعتلائها خشبة المسرح الخرب.. بمشاركة بعض كومبارس خلف كواليس مظلمة.. فانكشف أمرهم وتآمرهم وائتمارهم.. فإدلهم ليلهم.. ووقب غاسقهم.. وانفض سامرهم.. فمن بربكم يعتذر في السياق الطبيعي؟.. الجاني أم المجنى عليه؟!. المُدان أم الشاكي؟!. المتهم أم الضحية؟! .. المشكو ضده أم الشاكي؟!.. المدعى عليه أم المدعي؟!.. تلك دلالات متضاربة تدحض بعضها بعضا عند قراءة المشهد باتساق موزون.
فهاهي تدلق ماءها غير القراح.. لتنكأ الجراح.. جراحها وحدها.. فلا شأن للأبرياء بتلك الترهات.. ومزيد التفاهات.. ونفث الآهات.. بعد طول السنوات.
انبرى قائل آخر: لماذا أثارت تلك الأكاذيب بعد مرور سنوات عديدة.؟. لتُروج بضاعة فاسدة وتجارة خاسرة.. عجباً! .
هنا لخص أحد ضحايا المشهد العجيب خارج خشبة مسرح اللامعقول مردداً..
تلك أنفاس سرت في ملتقى طرق الجميع
هزت كيان المارقين عن الحقيقة
عن متاهات الصقيع
وتسربلت حقب خلت بالتيه..
من بعض النفاق.. كذا يا رفاق
قاموا وجلجلت الحناجر.. والحلاقِمُ في متاهات الطريق
هذه بعض من الكل..
وكل الكل يأتي لا محال
كيف المآل؟
هذا سؤال..
هذه الشطآن تأبى أن تفيق
رغم النقيق
غابت شموس من هنا..
ومن هنالك أشرقت بعض الشموس
جرفوك يا هذى الشموع
بل ألجموك رغم هاتيك الدموع
شهدت جموع
ومضت عهود في مسارات الطريق
عمت حكاياتٌ من الماضي السحيق
هذا هراء..
والذاكرين بكل إيقاع الحياة المستنيرة..
يذرفون الدمع … دمع الأشقياء
هذا خواء
صوت هزيل في العباب يجوب يبحث عن قرار
عن راكضين على الحياة.. من الحياة.. إلى الحياة..
هذا فرار..
...............................
هكذا استدل الستار..
د. عارف تكنة

 

آراء