ذكري فض الاعتصام: رصاصة حولت عرس  بلدي إلى مأتم 

 


 

 

الدوحة 4 يونيو 2022


كأن البطان لم يختفي  وسط (الدارة ).. ولد (ضكران ) وبنت (دغرية) تحّزم  الأوسط  وتتلاصق الكتوف محبة في باحة اعتصام  تعج وتضج نشاطاً

و تنضح حيوية ..رصاصات الفرح الوسيم تنطلق محلقة في الأجواء تعبيراً عن فرحة إنعتاق بعد ذُلّ دام ثلاثة عقود حسوما.


تبدأ يومك بشاي كوفتي وابتسامات حقيقية تشبه رنين الفضة الأصلية .. يتم اجبارك بعد التفتيش علي أخذ قطعة حلوى وكيكة كتب عليها (صنع في أم درمان)..

تلتقط عند الصباح بسمة الأطفال بين الخيام الأنيقة ..تتجول وكأنك تقرأ رواية لماركيز العجيب .. كل كوم يحكي عن قصة ..وتفاصيل واقع ..


ست شاي تكتب علي صندوق العرض (المريود) وآخر ينحت الصخر في شكل سريالي بهيج .. تخرج فتاة ذات خصل أنيقة تحاكي قربان النيل.. هاهي دولتهم تخيط عند المخيلة مدينة يحلمون بها ..


هناك في دنيا الخيام تنسج قصص حب في بلدي المجروح ..أغنية تشق قلب النيل (ياعازة الفراق بي)

..بعضهم يقوم بواجب الضيافة ..وبنات (عيونهن) صفاء سماء الوطن ..تأتيك من بين المخابئ ..صور الشارع اليومي..

صور للعالم المرتجي ..


هنالك فنان يزين التروتوار وأخرى تطرز الحيطة (الغبشاء)..حسناء تواعد بعفة عند جمهورية النفق.. حبوبة تمشي في تؤدة وحولها زهور احفادها..


وبعد كل هذا الجمال .. جاء الغول يحمل سيفا أعوراً .. يقطع أوصال الحلم الجميل ..


إن فض باحة الإعتصام تُعد جريمة بشعة ضد الأبرياء..كيف لك ان تطأ الزهيرات اليافعات؟

 تحولت كل المناظر الجميلة إلى قطاطي من الحزن ..كان الدم بخوراً ..

اضحي صراخ الألم عطراً ..بدأت البسمات في الشحوب .. تضاءل الفرح رويداً ..رويدا ..صار  الكل بعد هجوم العسكر أشبه بيوم حشر  صغير تتنادي فيه الخلوق (يامحسنين رحمة).. مارست فيه القوات المهاجمة كل أساليب التنكيل والتعنيف اللفظي والجنسي ضد أشخاص يطالبون بأبسط أساسيات الحياة..لحظات تهان فيها النساء كسراً للقواعد الموروثة.. يربط الشباب بالحواجز الإسمنية إمعانا لتقديمهم طعاما إلى الأسماك وتماسيح النيل الشرهة ..


تمر علينا ذكرى فض الإعتصام وفي الحلق غصّة .. يتجول الغول في الشوارع يوزع الحلوى للأطفال يعزي أمهات الشهداء..يشتل الورود بين طيات الدموع ..لم يتم حتي الآن فتح كشف الحساب.. يتماهي الجميع في خجل واضح ..بعض عسكر وجل مدنين ومن كان صاحب مبادرات خير وأهل الدين والتابعين وأصحاب الشهادات العلمية العليا دونا ..وبعض متلونين وأرزقية وآخرين غير  مفيدين البتة ..

(هنابيلا)  ..كلهم يفرشون الورد إلى الغول .. وخيال الشهداء لا يفارقني ..(عباس) ذاك الشجر الذي مات واقفاً .. وصيد الغزلان عند (ست النفور ).. وكل أرتال الشهداء أراهم طيرا أخضراً يقتات من هدايا العرش منحة مجانية من رب عزة لا يظلم أحدا..


تمر ذكري الإعتصام ويزداد الجرح فتقاً و ألماً بإنقلاب مشؤوم زاد الوحل في طريق العابرين ..أصبح الكل غير من في بيته وماله وعرضه ..ازدادت (التسعة) طولاً وعرضاً .. وضعت الصقور في الإعتقال  وقلادات الشرف تزينهم وخرج (الإسلامويون) بذات الهتاف صبغة الضلال القديم ..ورفعت السبابة البلهاء من جديد ..وإستمر إستسهال الأمور من صحة ومطار وتعليم وتهريب جمال وذهب ونبق ..ألا يكفي أن نضع حداً لهذه المهزلة؟؟ ولا عزاء إلا حروف النواح:


 تنام الأرض حافية

أرى الطير  صافات ..يقبضن، أستار  الصباح .

أجول وبصري  ..عيون ذابلات

يسومني الرهق !

مجبولاً على حب تمر الصبر  ،

طير رهو  يسربل الأجواء الراكضات ،،

يبث  حلم طفقات من ريح يوسف .

                              **

كمن يرى أرجل يفع ، طافيات .

أرى النيل العجوز يسخر  مني !

تضحك موجة .. تلاطم أخرى ..


 ..

تناديني الضفة النحيفة  ..

تسألني  الجداول المتهالكة ..

نحو أرض الكرنفال  !


د. إبراهيم المقبول

ذكري فض الإعتصام الدوحة يوم  ٤ يونيو ٢٠٢٢م


amjadnl@yahoo.com

 

آراء