الإعلام الموجّه: نظرة عامة على الإعلام السوداني 

 


 

 

يخوض إنسان القرن الواحد والعشرين تجارب رقمية عديدة في حياته اليومية، كما يخوض معارك كثيرة تتخللها تحديات جسيمة، منها قيامه بالثقة في العصر الرقمي وذلك بلا أدنى تفكير أو عن طريق اللاشعور تهاوياً مع التقنيات الحديثة. إذ يعمل الإعلام الرقمي على اكتشاف طرق جذب انتباه المتهاونين الذين يكون تسامحهم مع عدم الأصالة يصل إلى أدنى مستوياته على الإطلاق وأيضاً تستكشف طرقاً لتسخير وتيرة التغيير المحفزة في بعض الأحيان في السوق لتسريع عملية الابتكار في المؤسسات التي ينتمون إليها.

دعونا نناقش هذا التحول الهيكلي في التفكير وطرائقه باللجوء إلى المجالات الوظيفية مثل تقنيات المعلومات والرقمنة والتسويق الإلكتروني، وكيف يمكن أن تصبح الخصوصية والأمان مكوناً أساسياً في متطلبات المتلقين أو المستفيدين النهائيين. ما يجب أن يعلمه القارئ والمستخدم للوسائل التكنولوجية الحديثة هو أن هذه التقنيات باستمرار تعتمد على مبدأ الإعلان والتسويق الذي يجعل المستهلكون راغبون بشكل متزايد في العلامات التجارية الجديدة الراسخة، وهذا يقودنا الى مناقشات ثاقبة حول الكيفية التي أصبحت بها البيانات أكثر استهدافًا وتحديدًا ووقتاً حقيقياً (التسويق الممنهج) بالشكل الذي يضمن التوجيه نحو العلامات التجارية وفي بعض الأحيان قد لا يكون هناك اختلاف جوهري على المنتج وما يسبقه ولكن هي مجرد سياسة تسويق ممنهج وموجه نحو استقطاب الأفراد دون التفكير سوى بالعلامة التجارية والاصدارات الجديدة. تعتبر التجربة التي يحركها الإنسان مثالية لمتخذي وصانعي القرار، وهي مورداً أساسياً للتسويق الرقمي لفهم مشهد المستهلك الذي انقلب رأساً على عقب بواسطة التقنيات الرقمية حيث التجأت إلى بث إعلاناتها عبر وسائط التقنيات المختلفة.

قد تبحث عن شيء أو تتحدث عنه وتجده أمامك في مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، وهنا نجد أن خصوصية المعلومات تسبب مصدر قلق بالغ الأهمية للأشخاص في جميع أنحاء العالم في الوقت نفسه على كيفية حماية بيانتهم، في الوقت الذي أصبحنا فيه قرية مفتوحة أو عالم بلا حدود يستمر الطلب على المهنيين الموهوبين القادرين على التنقل في شبكة معقدة بشكل متزايد من التشريعات واللوائح المتعلقة بالخصوصية في الازدياد. كما يجب أن نشكل وعي جماعي حول الأبحاث والتطورات في مجال حماية خصوصية بيانات المستهلكين، مع ظهور مجالات جديدة مثل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وطرأت العديد من المصطلحات الحديثة مثل "الموت عبر الإنترنت" و "التكنولوجيا البطيئة العادلة" و"المواد الخاصة بالروبوتات". لذا أصبح هناك حاجة لتطورات تصاعدية كبيرة على سياسة الخصوصية لتحقيق أعلى معايير الأمان للأفراد والمجتمعات. وقد تمت مراجعة وتوسيع "مجموعة الأدوات الأخلاقية" التي تقدم النظريات الأخلاقية السائدة وتطبيقاتها للقضايا المركزية المتعلقة بالخصوصية وحقوق النشر والمواد الإباحية والعنف وأخلاقيات التواصل عبر الثقافات عبر الإنترنت. يتشابك كل موضوع ونظرية في جميع أنحاء العالم مع مجموعات مفصلة من الأسئلة والموارد الإضافية والاقتراحات لمزيد من البحث والكتابة. وتكمن هذه العناصر لمجتمع القراء من تعزيز التفكير المتأني في هذه القضايا والكتابة عنها ومناقشة قراراتها المحتملة من خلال الاحتفاظ بنهجها الملائم للباحثين عن المعرفة وستظل أخلاقيات الوسائط الرقمية بمثابة دليل أخلاقي لكل من يتعامل مع هذا الموضوع الهام.

والملاحظ للإعلام الرقمي في السودان والدول المحيطة في الإقليم والعالم وجود قنوات ووسائط إعلامية تروج لفكرة تنظيمات سياسية من خلال وسائل إعلامية متنوعة، فالمنصات الإعلامية في الغالب تعتبر من معارك التنظيمات الأيدلوجية، لأنها بمثابة خط الدفاع الأول عما تتعرض له هذه التنظيمات من حملات مواجهة، فضلًا عن كونها محطة مهمة للاستقطاب والتجنيد، وهو ما جعل الإخوان المسلمون (الكيزان) في الحالة السودانية وغيرها من التنظيمات الدينية أن تكون حريصة على امتلاك هذه المنصات واستخدامها في التشويه تارة وتارةً أخرى في تصفية الحسابات والاغتيال المعنوي لمعارضيها. هذا الدور تقوم به وسائل الإعلام التابعة للحركة الإسلامية في السودان منذ نشأتها، وما زالت تقوم به المنصات الإعلامية حتى خارج حدود الوطن بعد هروبهم إلى المنافي بعد أن لفظهم الشعب السوداني خلال ثورته الشعبية الظافرة في ديسمبر 2019.

 وها هو شيخ الإعلاميين والصحفيين محجوب محمد صالح يقول في حوار أجرى معه "إن مشكلة الإعلام السوداني تكمن في التشوهات التي لحقت بالممارسة الإعلامية بسبب غياب الديمقراطية والحكم الرشيد، وطول فترات الحكم العسكري، إذ أنه وخلال الأعوام الـ63 التي تلت الاستقلال لم تنعم البلاد بحكم مدني سوى لأقل من 10 سنوات. ويشير إلى أن "الإعلام لا يعمل بكامل كفاءته إلا في ظل حكم ديمقراطي، مما جعل الإعلام السوداني يعاني كثيرا خصوصا في ظل سنوات حكم الجبهة الإسلامية، الذي استمر 30 عاما، حيث واجه أعتى أنواع القمع". وقصد نظام الإخوان تكبيل الصحافة طوال فترة حكمه ويعيقها من لعب دورها التوعوي والرقابي. كما ينبه صالح إلى أن هنالك العديد من الجوانب التي ترتبت على ذلك الخلل، من أهمها الإفرازات السالبة التي شهدتها الساحة الصحفية في السودان، وهو أمر طبيعي للصحافة، التي تعمل تحت الأنظمة الاستبدادية.

ومن الجوانب المهمة التي انتبهت لها الثورة السودانية أنها أدرجت الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019 في الفصل الرابع عشر لوثيقة الحقوق والحريات، وكفلت المادة 57 حرية التعبير والإعلام لكل مواطن، بمنحه الحق في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلى الصحافة. هذا وكفلت الوثيقة الدستورية حقوق الوصول للإنترنت وحرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي تعددي. بذلك ضمنت وسائل الإعلام أولى الخطوات نحو تعزيز قيم المشاركة السياسية، وضرورتها كعنصر تعبئة يسهل المشاركة المدنية لأداء الدور الرقابي لكبح تجاوزات السلطة وزيادة الشفافية الحكومية. في ظل هذه الأجواء الصحية سياسيا في السودان.


سامر عوض حسين

16 يونيو 2022


samir.alawad@gmail.com

 

آراء