البرجوازي الثقيل وتكلس النسخة الشيوعية السودانية
طاهر عمر
29 June, 2022
29 June, 2022
لماذا قبلت الأحزاب الشيوعية في الغرب بنمط الانتاج الرأسمالي و فارقت مسألة الصراع الطبقي و إنتهاء التاريخ و أبدلته بمسألة الظواهر الاجتماعية و أصبحت مسألة إضطراد العقل و التاريخ محلولة بإفتراض أن الفرد عقلاني و أخلاقي؟ و بمجرد أن تقبل إفتراض عقلانية الفرد و أخلاقيته تصبح مسألة تحول المفاهيم فيما يتعلق بالسلطة و مفهوم الدولة كمفهوم حديث تحدثنا عن مسيرة الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي.
لماذا فهم كثير من علماء الاجتماع في العالم العربي و الاسلامي و على سبيل المثال علي الوردي الطاهر لبيب و هشام شرابي أن مسألة المثقف العضوي لطبقات صاعدة في مجتمع تقليدي كحال العالم العربي و الاسلامي لا يمكن أن يمثله أتباع الحركات الاسلامية و الأحزاب الطائفية و السلفيين و الاحزاب الشيوعية في العالم العربي بنسختها المتخشبة كحال نسخة الشيوعية السودانية و متى يفهم البرجوازي الثقيل الذي يمثله أتباع الحزب الشيوعي السوداني بأن تقوقعهم في مسألة الصراع الطبقي و شتمهم للبرجوازي الصغير ما هو إلا نتاج تخلفهم و عدم مواكبتهم لمسيرة الفكر؟
هل إنتبه الشيوعي السوداني بأن إصراره على بناء حزب شيوعي سوداني يشبه في هيكله بناء المجتمعات الدينية و سيطرة الماركسية الرسولية ما هو إلا تكريس للبناء التقليدي الذي عجز عن تفسير تحول المفاهيم عبر ظواهر المجتمع البشري و حاله لا يختلف عن بناء أحزاب الحركات الاسلامية التي تكرس لسلطة الأب و ميراث التسلط و دليلنا على ذلك تخفي الحزب الشيوعي تحت كتل تحل محل المؤمنين في الكنائس مثل تخفي الحزب الشيوعي خلف لجان المقاومة أو فروع نقابات و تجمع مهنيين أو محامين دار فور أو عقد تحالف مع عبد العزيز الحلو أو تحالف مع عبد الواحد محمد نور و كله يريد الحزب الشيوعي عبر النقابات و محامي دار فور و تجمع المهنيين خلق كتلة مؤمنيين كما كانت الكنيسة تقاوم حركة الاصلاح الديني.
و هذا ما يجعل الحزب الشيوعي السوداني متكلس و متحجر و متخشب و فهمه لمسألة الظواهر الاجتماعية لم تتخطى بعد نظرة رجال الدين و معلوم أن كل السرديات الكبرى كان همهما التخلص من مسألة سيطرة رجال الدين من كل شاكلة و لون سواء كانت أديان سماوية أما أديان بشرية كحال الشيوعية.؟ و لكن يأتي السؤال لماذا يصر الشيوعي السوداني على نمط تفكيره التقليدي الذي قد تجاوزته الأحزاب الشيوعية في الغرب و قد رضيت بنمط الانتاج الرأسمالي و ظل الشيوعي السوداني أمثال كمال الجزولي و عبد الله علي ابراهيم يتغنى بشتم البرجوازي الصغير بشكل لا يوضح غير جهلهم بتحول المفاهيم بمفهوم السلطة و مفهوم الدولة كمفهوم حديث؟
و لهذا نكرر في مقالاتي بأن الشيوعية السودانية نسخة متخشبة و لم تصل بعد بأتباعها الى مستوى أحزاب الشيوعية في الغرب بعد أن رضيت بنمط الانتاج الرأسمالي. لماذا فهم أتباع الأحزاب الشيوعية في الغرب أفكار غرامشي و استبدلوا مسألة الظواهر الاجتماعية بفكرة الصراع الطبقي و لم يفهم الشيوعي السوداني أفكار غرامشي و لهذا كنا نقول بأن الحزب الشيوعي السوداني عندما قام في منتصف الاربعينيات على أفكاره المتكلسة كان الشيوعيين في الغرب على مستوى فهم لأفكار غرامشي و قد رضوا بنمط الانتاج الرأسمالي و لهذا نقول أن الحزب الشيوعي السوداني قد قام على أفكار قد فارقها علماء الاجتماع و الفلاسفة قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني.
و حتى لحظة إعادة إكتشاف الطاهر اللبيب لأفكار غرامشي ليؤكد عبرها بأننا في زمن طبقاته الصاعدة لا يمكن أن يكون مثقفها العضوي من أتباع الحركات الاسلامية و أتباع النسخ المتحجرة من الشيوعية لم يفهم أتباع النسخة الشيوعية السودانية أفكار الطاهر لبيب في إعادة إكتشاف غرامشي و ظلوا في ايمانهم بشيوعية سارتر و للأسف في مجتمع تقليدي كحال المجتمع السوداني غاب عن أفقه من يقاوم شيوعية سارتر السوداني أي الشيوعي السوداني لأن سارتر الفرنسي قد وجد من ينتقده و يفسر بأن دفاع سارتر عن الشيوعية كنظام حكم شمولي بغيض نتيجة جهله بعلم الاجتماع كما وصف كلود ليفي اشتروس سارتر و شيوعيته. و كان أيضا في مقاومة سارتر فيلسوف مثل ألبرت كامي يمكنه لجم سارتر و إخراسه و كان هناك أيضا ريموند ارون و هو فيلسوف و عالم اجتماع و اقتصادي و قد تصدى لسارتر بل قد انتصر على سارتر و قد أصبح انتصار ريموند ارون على سارتر يستدل به على انتصار توكفيل و ديمقراطيته على ماركس لأن ريموند أرون استل أفكار توكفيل من قلب النسيان و هدم بها ماركسية سارتر.
بسبب غياب أمثال كلود ليفي اشتروس و ألبرت كامي و ريموند أرون من الساحة السودانية يتيح الفرصة للشيوعي السوداني بأن لا ينشغل له بال في ظل نخب كاسدة ما زالت تظن بأن نسخة الشيوعية السودانية المتخشبة التي لم تصل الى مستوى الاقتناع بنمط الانتاج الرأسمالي كما رضيت أحزاب الغرب الشيوعية بنمط الانتاج الرأسمالي يمكنها أن تلعب دور في النهضة الفكرية في السودان و هيهات و الدليل على عدم وصول الشيوعي السوداني الى مستوى شيوعيي الغرب و قبولهم بنمط الانتاج الرأسمالي نجد أن الشيوعي السوداني ما زال أسير شعار عمره في السودان أكثر من أربعة عقود لن يحكمنا البنك الدولي و قد رأينا تكلسهم في مقاومة حكومة حمدوك مرددين لن يحكمنا البنك الدولي و يظهر تكلسهم و كسادهم في طرحهم لبرنامج اسعافي مما يدل على أنهم ما زالوا اسيري شعار لن يحكمنا البنك الدولي
و هذا يدل على أنهم بينهم أي الشيوعيين السودانيين و بين أحزاب الغرب الشيوعية و ايمانها بنمط الانتاج الرأسمالي أكثر من ثلاثة أرباع القرن أي ستة و سبعون عام ألم يأذن لنا هذا الجمود الفكري في شعار لن يجكمنا البنك الدولي بأن نصفهم بأنهم أتباع نسخة متخشبة و لا فرق بينهم و الكيزان في عشقهم لشعارهم الذي يمثل قاسم مشترك بينهم و الكيزان لن يحكمنا البنك الدولي؟ لماذا يختلف عنهم أي الشيوعيين السودانيين كل من هشام شرابي عالم الاجتماع الفلسطيني و علي الوردي عالم الاجتماع العراقي في وضوع الرؤيا و نضوج الهدف في دفاعهم مثلا علي الوردي عن أن الليبرالية هي الأنسب لمجتمعات هشة في تركيب هيكلها الاجتماعي كحال المجتمعات العربية و الاسلامية و قد هاجمه الشيوعيون و القوميون و الاسلاميون.
باختصار لأن علي الوردي عالم اجتماع و مؤرخ عرف كيف يصالح ما بين التاريخ و تاريخ الأفكار و لهذا لا يغيب عن أفقه بأن ماركس فشل في جسر الهوة ما بين الفلسفة المثالية الألمانية و التجريبية الانجليزية عندما حاول نظرية القيمة عند ديفيد ريكاردو أما عمانويل كانط فقد نجح في جسر الهوة ما بين المثالية الألمانية و التجريبية الانجليزية عندما إطلع عن نظرية المشاعر الأخلاقية لأدم إسمث و كذلك بفضل إطلاعه على فلسفة ديفيد هيوم لذلك لم يكون هناك غموض بل وضوح رؤية في معرفته بانثروبولوجيا الليبرالية.
و كذلك ليس لعلي الوردي مشكلة في أن يعرف بأن ماركسية ماركس و مسألة فائض القيمة أعقبتها مفاهيم لا نجد لها أثر في أدبيات الشيوعي السوداني و هي مسألة المنفعة و الاشباع و كيف ننقل نظرية المنفعة و الأشباع من حيز الفرد الى مستوى الاشباع للمجتمع و هنا تأتي مسألة دمج الاقتصاد الكلي و الاقتصاد الجزي و هذا ما قامت عليه نظرية العدالة لجون راولز في دعمها لقبول نمط الانتاج الرأسمالي و الغريب نظرية العدالة لجون راولز عندما قدمت للعالم و تحدثت عن العدالة إنصاف و تزامنت في نفس الوقت الذي كان الحزب الشيوعي يدفع ثمن غاليا حيث أعدم زعيمه عبد الخالق محجوب نتيجة فهمه الخاطئ لمفهوم المثقف العضوي.
لهذا نردد بأن نسخة الشيوعية السودانية متخشبة لأن زعيمها نفسه كان يجهل بأن هناك أفكار كثيرة كانت فائتة على ماركس نفسه دعك من عبد الخالق محجوب و هي مسألة نظرية المنفعة و الإشباع و كيفية معالجتها عبر دمج نظريات الاقتصاد الكلي و نظريات الاقتصاد الجزئ في نمط الانتاج الرأسمالي و لكن هذا لم يخطر على بال الشيوعي السوداني لأن أشطرهم يظن بأن الشيوعية نظرية تغطي حقول الاقتصاد و الاجتماع و السياسة و هيهات.
و هنا نجد أن شيوعيي الغرب بعد معرفتهم للفائت على ماركس نفسه إرتضوا بأن يقبلوا نمط الانتاج الرأسمالي و طوّروا بحوثهم و نجد مثلا إدغار موران فارق نظرية ماركس قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني نفسه و هنا يتضح لنا بأن الحزب الشيوعي السوداني عندما قام و أسس أسس على مفاهيم قد فارقتها أحزاب الشيوعية في الغرب لأن شيوعي الغرب قد كانوا على إطلاع على نقد ماكس فيبر لماركسية ماركس و أن ماكس فيبر قد ركّز على البنى الفوقية و ليس على البنى التحتية التي إعتمدها ماركس مع إفتراض عقلانية الفرد و أخلاقيته عند ماكس فيبر و ليس على مسألة إضطراد العقل و التاريخ كما يعتقد ماركس و هو خاطئ.
لذلك قد إستنبط ماكس فيبر مفهوم العقلانية من أدبيات النظريات الاقتصادية و تاريخ الفكر الاقتصادي و منها قد أسس لفكرة الناخب الرشيد و المستهلك الرشيد التي تحفظ للفرد توقه للحرية و العدالة حيث لا يمكن ضبط المجتمع بمسألة الصراع الطبقي و لكن يمكن ضبطه عبر معادلة الحرية و العدالة و هذا ما غاب على الشيوعي السوداني و معروف أن تأثير ماكس فيبر على غرامشي و قد بان في أفكار غرامشي الذي قد أثر على شيوعيي الغرب في كيفية قبولهم نمط الانتاج الرأسمالي.
قبول شيوعيي الغرب بنمط الانتاج الرأسمالي يوضح لنا تخشّب النسخة الشيوعية السودانية لأن أتباعها يجهلون ما ظللنا نردده دوما و هو أن الشيوعي السوداني يختلف عن شيوعيي الغرب لأنه لم يفرّق بعد ما بين فلسفة التاريخ الحديثة التي قد قضت على فلسفة التاريخ التقليدية التي قد بنى عليها ماركس غائية و لا هوتيتة الماركسية و هنا يتضح ضعف منهج الشيوعي السوداني و لهذا السبب يجهل الشيوعي السوداني مقاصد الليبرالية الحديثة التي قد أطلت بعد زوال الليبرالية التقليدية هو ما يجعله لا يفهم كيفية قبول شيوعيي الغرب نمط الانتاج الرأسمالي.
من هنا تتضح لنا رطانة الشيوعي السوداني عندما يتحدث عن البرجوازية الصغيرة كسب و شتم و كذلك حديثهم عن الرأسمالية بنفس فهم أيران و فكرة الشيطان الأكبر لأن الشيوعي السوداني قد أسس الحزب الشيوعي السوداني على بنى لا تختلف عن الأحزاب الدينية و من هنا نجد تكلسهم في شعار لن يحكمنا البنك الدولي لأربعة عقود مما يدل على أنهم متحصصين باصرار عجيب ضد أي تطور يرتقي بفهمهم لقبول نمط الانتاج الرأسمالي كما قبله شيوعيي الغرب متأثرين بفهم لغرامشي.
تكلس الشيوعي السوداني و وقوفه في محطة واحدة قد دمر تطور الفكر في السودان. نضرب مثل آخر على تطور فكر شيوعيي الغرب و قد سمح لهم بقبول نمط الانتاج الرأسمالي مثلا ريجيس دوبريه كان يؤمن بفكرة ثورة في الثورة و قد حارب جنب لجنب مع جيفارا و قد قبض عليه و سجن و لكن أن ريجيس دوبريه فاهم لأفكار غرامشي التي قد جعلت شيوعيي الغرب يؤمنون بنمط الانتاج الرأسمالي فقد كتب كتابه و هو في السجن مذكرات برجوازي صغير و ترك أوهام ثورة في الثورة بل وصف شعار ماركس يا عمال العالم اتحدوا بأنه قرأة مشوّهة من قبل ماركس لأهم ضلع من أضلاع الثورة الفرنسية و هو ضلع الأخاء و سياسة اليد الممدودة.
و كتب ريجيس دوبريه أن الماركسية نظرة تفاؤلية مريضة و عمياء و أن بريقها يعمي و هذا ما أصاب الشيوعي السوداني الذي قد أعماه بريق الشيوعية و لهذا نكرر دوما بأن النسخة الشيوعية السودانية متخشبة و نقول ذلك لأننا نريد أن نخرج من أوهام الشيوعي السوداني و هو متعبد تحت أقدام أصنامه الذهنية و قد رأينا ذات مرة كيف ساند كمال الجزولي موقف حيدر ابراهيم علي في حديثه عن كتاب ريجيس دوبريه ثورة في الثورة و نسى أن ريجيس دوبريه نفسه قد فارق أفكاره في ثورة في الثورة بكتاب مذكرات برجوازي صغير و هذا ما لا يعجب كمال الجزولي و حيدر لأن في رطانته لا يقبل أن يتخلى ريجيس دوبريه عن ثورة في الثورة و لا يفهم كمال الجزولي و حيدر ابراهيم علي أن الاشتراكي فرانسوا ميتران قد طبق مفهوم الاستهلاك المستقل عن الدخل و قد أصبح الحد الأدنى للدخل للعاطلين عن العمل و هو من صميم النظرية الكينزية و هذا هو سر الاختلاف ما بين شيوعيي الغرب و أحزابه الاشتراكية و قبولها بنمط الانتاج الرأسمال عن تخشب الشيوعية السودانية.
و عن تخشب الشيوعي السوداني تحدثنا حقبة حكومة حمدوك عن برامج ثمرات و هو بالمناسبة أقرب لفكرة المقطع الرأسي أو الاستهلاك المستقل عن الدخل كما طبقه فرانسوا ميتران و هو متأثر بالنظرية الكينزية و لهذا قلنا أن حمدوك رغم ضعفه و هوانه إلا أنه أول اقتصادي سوداني كسر هيبة اليسار السوداني الرث و طبق ما يقربنا من إمكانية قبول نمط الانتاج الرأسمالي الذي يحاربه شيوعي السودان بسبب جهله غير المحدود بتطور الفكر.
لماذا فهم كثير من علماء الاجتماع في العالم العربي و الاسلامي و على سبيل المثال علي الوردي الطاهر لبيب و هشام شرابي أن مسألة المثقف العضوي لطبقات صاعدة في مجتمع تقليدي كحال العالم العربي و الاسلامي لا يمكن أن يمثله أتباع الحركات الاسلامية و الأحزاب الطائفية و السلفيين و الاحزاب الشيوعية في العالم العربي بنسختها المتخشبة كحال نسخة الشيوعية السودانية و متى يفهم البرجوازي الثقيل الذي يمثله أتباع الحزب الشيوعي السوداني بأن تقوقعهم في مسألة الصراع الطبقي و شتمهم للبرجوازي الصغير ما هو إلا نتاج تخلفهم و عدم مواكبتهم لمسيرة الفكر؟
هل إنتبه الشيوعي السوداني بأن إصراره على بناء حزب شيوعي سوداني يشبه في هيكله بناء المجتمعات الدينية و سيطرة الماركسية الرسولية ما هو إلا تكريس للبناء التقليدي الذي عجز عن تفسير تحول المفاهيم عبر ظواهر المجتمع البشري و حاله لا يختلف عن بناء أحزاب الحركات الاسلامية التي تكرس لسلطة الأب و ميراث التسلط و دليلنا على ذلك تخفي الحزب الشيوعي تحت كتل تحل محل المؤمنين في الكنائس مثل تخفي الحزب الشيوعي خلف لجان المقاومة أو فروع نقابات و تجمع مهنيين أو محامين دار فور أو عقد تحالف مع عبد العزيز الحلو أو تحالف مع عبد الواحد محمد نور و كله يريد الحزب الشيوعي عبر النقابات و محامي دار فور و تجمع المهنيين خلق كتلة مؤمنيين كما كانت الكنيسة تقاوم حركة الاصلاح الديني.
و هذا ما يجعل الحزب الشيوعي السوداني متكلس و متحجر و متخشب و فهمه لمسألة الظواهر الاجتماعية لم تتخطى بعد نظرة رجال الدين و معلوم أن كل السرديات الكبرى كان همهما التخلص من مسألة سيطرة رجال الدين من كل شاكلة و لون سواء كانت أديان سماوية أما أديان بشرية كحال الشيوعية.؟ و لكن يأتي السؤال لماذا يصر الشيوعي السوداني على نمط تفكيره التقليدي الذي قد تجاوزته الأحزاب الشيوعية في الغرب و قد رضيت بنمط الانتاج الرأسمالي و ظل الشيوعي السوداني أمثال كمال الجزولي و عبد الله علي ابراهيم يتغنى بشتم البرجوازي الصغير بشكل لا يوضح غير جهلهم بتحول المفاهيم بمفهوم السلطة و مفهوم الدولة كمفهوم حديث؟
و لهذا نكرر في مقالاتي بأن الشيوعية السودانية نسخة متخشبة و لم تصل بعد بأتباعها الى مستوى أحزاب الشيوعية في الغرب بعد أن رضيت بنمط الانتاج الرأسمالي. لماذا فهم أتباع الأحزاب الشيوعية في الغرب أفكار غرامشي و استبدلوا مسألة الظواهر الاجتماعية بفكرة الصراع الطبقي و لم يفهم الشيوعي السوداني أفكار غرامشي و لهذا كنا نقول بأن الحزب الشيوعي السوداني عندما قام في منتصف الاربعينيات على أفكاره المتكلسة كان الشيوعيين في الغرب على مستوى فهم لأفكار غرامشي و قد رضوا بنمط الانتاج الرأسمالي و لهذا نقول أن الحزب الشيوعي السوداني قد قام على أفكار قد فارقها علماء الاجتماع و الفلاسفة قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني.
و حتى لحظة إعادة إكتشاف الطاهر اللبيب لأفكار غرامشي ليؤكد عبرها بأننا في زمن طبقاته الصاعدة لا يمكن أن يكون مثقفها العضوي من أتباع الحركات الاسلامية و أتباع النسخ المتحجرة من الشيوعية لم يفهم أتباع النسخة الشيوعية السودانية أفكار الطاهر لبيب في إعادة إكتشاف غرامشي و ظلوا في ايمانهم بشيوعية سارتر و للأسف في مجتمع تقليدي كحال المجتمع السوداني غاب عن أفقه من يقاوم شيوعية سارتر السوداني أي الشيوعي السوداني لأن سارتر الفرنسي قد وجد من ينتقده و يفسر بأن دفاع سارتر عن الشيوعية كنظام حكم شمولي بغيض نتيجة جهله بعلم الاجتماع كما وصف كلود ليفي اشتروس سارتر و شيوعيته. و كان أيضا في مقاومة سارتر فيلسوف مثل ألبرت كامي يمكنه لجم سارتر و إخراسه و كان هناك أيضا ريموند ارون و هو فيلسوف و عالم اجتماع و اقتصادي و قد تصدى لسارتر بل قد انتصر على سارتر و قد أصبح انتصار ريموند ارون على سارتر يستدل به على انتصار توكفيل و ديمقراطيته على ماركس لأن ريموند أرون استل أفكار توكفيل من قلب النسيان و هدم بها ماركسية سارتر.
بسبب غياب أمثال كلود ليفي اشتروس و ألبرت كامي و ريموند أرون من الساحة السودانية يتيح الفرصة للشيوعي السوداني بأن لا ينشغل له بال في ظل نخب كاسدة ما زالت تظن بأن نسخة الشيوعية السودانية المتخشبة التي لم تصل الى مستوى الاقتناع بنمط الانتاج الرأسمالي كما رضيت أحزاب الغرب الشيوعية بنمط الانتاج الرأسمالي يمكنها أن تلعب دور في النهضة الفكرية في السودان و هيهات و الدليل على عدم وصول الشيوعي السوداني الى مستوى شيوعيي الغرب و قبولهم بنمط الانتاج الرأسمالي نجد أن الشيوعي السوداني ما زال أسير شعار عمره في السودان أكثر من أربعة عقود لن يحكمنا البنك الدولي و قد رأينا تكلسهم في مقاومة حكومة حمدوك مرددين لن يحكمنا البنك الدولي و يظهر تكلسهم و كسادهم في طرحهم لبرنامج اسعافي مما يدل على أنهم ما زالوا اسيري شعار لن يحكمنا البنك الدولي
و هذا يدل على أنهم بينهم أي الشيوعيين السودانيين و بين أحزاب الغرب الشيوعية و ايمانها بنمط الانتاج الرأسمالي أكثر من ثلاثة أرباع القرن أي ستة و سبعون عام ألم يأذن لنا هذا الجمود الفكري في شعار لن يجكمنا البنك الدولي بأن نصفهم بأنهم أتباع نسخة متخشبة و لا فرق بينهم و الكيزان في عشقهم لشعارهم الذي يمثل قاسم مشترك بينهم و الكيزان لن يحكمنا البنك الدولي؟ لماذا يختلف عنهم أي الشيوعيين السودانيين كل من هشام شرابي عالم الاجتماع الفلسطيني و علي الوردي عالم الاجتماع العراقي في وضوع الرؤيا و نضوج الهدف في دفاعهم مثلا علي الوردي عن أن الليبرالية هي الأنسب لمجتمعات هشة في تركيب هيكلها الاجتماعي كحال المجتمعات العربية و الاسلامية و قد هاجمه الشيوعيون و القوميون و الاسلاميون.
باختصار لأن علي الوردي عالم اجتماع و مؤرخ عرف كيف يصالح ما بين التاريخ و تاريخ الأفكار و لهذا لا يغيب عن أفقه بأن ماركس فشل في جسر الهوة ما بين الفلسفة المثالية الألمانية و التجريبية الانجليزية عندما حاول نظرية القيمة عند ديفيد ريكاردو أما عمانويل كانط فقد نجح في جسر الهوة ما بين المثالية الألمانية و التجريبية الانجليزية عندما إطلع عن نظرية المشاعر الأخلاقية لأدم إسمث و كذلك بفضل إطلاعه على فلسفة ديفيد هيوم لذلك لم يكون هناك غموض بل وضوح رؤية في معرفته بانثروبولوجيا الليبرالية.
و كذلك ليس لعلي الوردي مشكلة في أن يعرف بأن ماركسية ماركس و مسألة فائض القيمة أعقبتها مفاهيم لا نجد لها أثر في أدبيات الشيوعي السوداني و هي مسألة المنفعة و الاشباع و كيف ننقل نظرية المنفعة و الأشباع من حيز الفرد الى مستوى الاشباع للمجتمع و هنا تأتي مسألة دمج الاقتصاد الكلي و الاقتصاد الجزي و هذا ما قامت عليه نظرية العدالة لجون راولز في دعمها لقبول نمط الانتاج الرأسمالي و الغريب نظرية العدالة لجون راولز عندما قدمت للعالم و تحدثت عن العدالة إنصاف و تزامنت في نفس الوقت الذي كان الحزب الشيوعي يدفع ثمن غاليا حيث أعدم زعيمه عبد الخالق محجوب نتيجة فهمه الخاطئ لمفهوم المثقف العضوي.
لهذا نردد بأن نسخة الشيوعية السودانية متخشبة لأن زعيمها نفسه كان يجهل بأن هناك أفكار كثيرة كانت فائتة على ماركس نفسه دعك من عبد الخالق محجوب و هي مسألة نظرية المنفعة و الإشباع و كيفية معالجتها عبر دمج نظريات الاقتصاد الكلي و نظريات الاقتصاد الجزئ في نمط الانتاج الرأسمالي و لكن هذا لم يخطر على بال الشيوعي السوداني لأن أشطرهم يظن بأن الشيوعية نظرية تغطي حقول الاقتصاد و الاجتماع و السياسة و هيهات.
و هنا نجد أن شيوعيي الغرب بعد معرفتهم للفائت على ماركس نفسه إرتضوا بأن يقبلوا نمط الانتاج الرأسمالي و طوّروا بحوثهم و نجد مثلا إدغار موران فارق نظرية ماركس قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني نفسه و هنا يتضح لنا بأن الحزب الشيوعي السوداني عندما قام و أسس أسس على مفاهيم قد فارقتها أحزاب الشيوعية في الغرب لأن شيوعي الغرب قد كانوا على إطلاع على نقد ماكس فيبر لماركسية ماركس و أن ماكس فيبر قد ركّز على البنى الفوقية و ليس على البنى التحتية التي إعتمدها ماركس مع إفتراض عقلانية الفرد و أخلاقيته عند ماكس فيبر و ليس على مسألة إضطراد العقل و التاريخ كما يعتقد ماركس و هو خاطئ.
لذلك قد إستنبط ماكس فيبر مفهوم العقلانية من أدبيات النظريات الاقتصادية و تاريخ الفكر الاقتصادي و منها قد أسس لفكرة الناخب الرشيد و المستهلك الرشيد التي تحفظ للفرد توقه للحرية و العدالة حيث لا يمكن ضبط المجتمع بمسألة الصراع الطبقي و لكن يمكن ضبطه عبر معادلة الحرية و العدالة و هذا ما غاب على الشيوعي السوداني و معروف أن تأثير ماكس فيبر على غرامشي و قد بان في أفكار غرامشي الذي قد أثر على شيوعيي الغرب في كيفية قبولهم نمط الانتاج الرأسمالي.
قبول شيوعيي الغرب بنمط الانتاج الرأسمالي يوضح لنا تخشّب النسخة الشيوعية السودانية لأن أتباعها يجهلون ما ظللنا نردده دوما و هو أن الشيوعي السوداني يختلف عن شيوعيي الغرب لأنه لم يفرّق بعد ما بين فلسفة التاريخ الحديثة التي قد قضت على فلسفة التاريخ التقليدية التي قد بنى عليها ماركس غائية و لا هوتيتة الماركسية و هنا يتضح ضعف منهج الشيوعي السوداني و لهذا السبب يجهل الشيوعي السوداني مقاصد الليبرالية الحديثة التي قد أطلت بعد زوال الليبرالية التقليدية هو ما يجعله لا يفهم كيفية قبول شيوعيي الغرب نمط الانتاج الرأسمالي.
من هنا تتضح لنا رطانة الشيوعي السوداني عندما يتحدث عن البرجوازية الصغيرة كسب و شتم و كذلك حديثهم عن الرأسمالية بنفس فهم أيران و فكرة الشيطان الأكبر لأن الشيوعي السوداني قد أسس الحزب الشيوعي السوداني على بنى لا تختلف عن الأحزاب الدينية و من هنا نجد تكلسهم في شعار لن يحكمنا البنك الدولي لأربعة عقود مما يدل على أنهم متحصصين باصرار عجيب ضد أي تطور يرتقي بفهمهم لقبول نمط الانتاج الرأسمالي كما قبله شيوعيي الغرب متأثرين بفهم لغرامشي.
تكلس الشيوعي السوداني و وقوفه في محطة واحدة قد دمر تطور الفكر في السودان. نضرب مثل آخر على تطور فكر شيوعيي الغرب و قد سمح لهم بقبول نمط الانتاج الرأسمالي مثلا ريجيس دوبريه كان يؤمن بفكرة ثورة في الثورة و قد حارب جنب لجنب مع جيفارا و قد قبض عليه و سجن و لكن أن ريجيس دوبريه فاهم لأفكار غرامشي التي قد جعلت شيوعيي الغرب يؤمنون بنمط الانتاج الرأسمالي فقد كتب كتابه و هو في السجن مذكرات برجوازي صغير و ترك أوهام ثورة في الثورة بل وصف شعار ماركس يا عمال العالم اتحدوا بأنه قرأة مشوّهة من قبل ماركس لأهم ضلع من أضلاع الثورة الفرنسية و هو ضلع الأخاء و سياسة اليد الممدودة.
و كتب ريجيس دوبريه أن الماركسية نظرة تفاؤلية مريضة و عمياء و أن بريقها يعمي و هذا ما أصاب الشيوعي السوداني الذي قد أعماه بريق الشيوعية و لهذا نكرر دوما بأن النسخة الشيوعية السودانية متخشبة و نقول ذلك لأننا نريد أن نخرج من أوهام الشيوعي السوداني و هو متعبد تحت أقدام أصنامه الذهنية و قد رأينا ذات مرة كيف ساند كمال الجزولي موقف حيدر ابراهيم علي في حديثه عن كتاب ريجيس دوبريه ثورة في الثورة و نسى أن ريجيس دوبريه نفسه قد فارق أفكاره في ثورة في الثورة بكتاب مذكرات برجوازي صغير و هذا ما لا يعجب كمال الجزولي و حيدر لأن في رطانته لا يقبل أن يتخلى ريجيس دوبريه عن ثورة في الثورة و لا يفهم كمال الجزولي و حيدر ابراهيم علي أن الاشتراكي فرانسوا ميتران قد طبق مفهوم الاستهلاك المستقل عن الدخل و قد أصبح الحد الأدنى للدخل للعاطلين عن العمل و هو من صميم النظرية الكينزية و هذا هو سر الاختلاف ما بين شيوعيي الغرب و أحزابه الاشتراكية و قبولها بنمط الانتاج الرأسمال عن تخشب الشيوعية السودانية.
و عن تخشب الشيوعي السوداني تحدثنا حقبة حكومة حمدوك عن برامج ثمرات و هو بالمناسبة أقرب لفكرة المقطع الرأسي أو الاستهلاك المستقل عن الدخل كما طبقه فرانسوا ميتران و هو متأثر بالنظرية الكينزية و لهذا قلنا أن حمدوك رغم ضعفه و هوانه إلا أنه أول اقتصادي سوداني كسر هيبة اليسار السوداني الرث و طبق ما يقربنا من إمكانية قبول نمط الانتاج الرأسمالي الذي يحاربه شيوعي السودان بسبب جهله غير المحدود بتطور الفكر.