من يرفض علمانية الدولة لا يستطيع التحدث عن التغيير الجذري
عبدالغني بريش فيوف
5 August, 2022
5 August, 2022
قبل أربعة اشهر تقريبا من هذا التاريخ، طار عدد من قيادات الحزب الشيوعي السوداني، الى جوبا عاصمة جنوب السودان ومنها الى مدينة "كاودا"، المدينة الطاهرة التي لم يستطع المخلوع دخلوها، بالرغم من التهديدات المتكررة لها، باقتحامها والصلاة فيها.
كان الغرض من زيارة الشيوعيين لمدينة كاودا، هو للتشاور والتنسيق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، حول موضوع الانقلاب وتكوين حكومة مدنية كاملة في السودان.
إذن، دخل الجانبان، في اجتماعات مكثفة لمناقشة قضية الانقلاب وجميع القضايا السياسية والسعي لبلورة مواقف مشتركة، والتنسيق والتشاور إزاء التطورات والمستجدات في كافة المجالات، وبما يسهم في تحقيق اهداف الثورة السودانية.
كانت الحركة الشعبية في مناقشاتها مع قادة الشيوعي، واضحة وضوح الشمس، وهو أنه لا جدوى من أي تنسيق او تشاور مع أي تنظيم أو حزب وولخ، لمواجهة الوضع السياسي السوداني القائم والتأسيس لحالة استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي دائم، إلا بالاتفاق على (علمانية الدولة)، حيث ترى الحركة انه يستحيل، المحافظة على السودان كدولة واحدة في ظل قوانين تربط الدين عنوةً بالسياسة وبالدولة وبالمجتمع ارتباطا عضويا لا انفصام فيه.
رد قادة الشيوعيين، على مطلب الحركة الشعبية بضرورة (علمانية الدولة)، بشيء من البرود -أي انهم لم يرفضوا المطلب صراحةً، ولم يقبلوه صراحةً أيضا، بل قالوا وبشيء من الخجل (الموضوع دا نخلوه للمؤتمر الدستوري)، وهذا ما اثار حفيظة الحركة الشعبية، إذ كيف لحزب يتحدث عن التغيير وهيكلة الدولة السودانية، ان يرفض مطلبا مجمعا عليه من كل قوى الثورة والحراك الشعبي في كل الولايات السودانية وخارجها!!
تتمسك الحركة الشعبية، بالدولة العلمانية، لأن في ظل الدولة العلمانية، يكون الايمان بالدين اختيارا حرا يعود إلى القناعة الفردية دون أي إكراه واجبار خارجي، ولا دخل للدولة بتوجيه سلوك الناس نحو قيم أو معتقدات أو شعائر أو سلوك أو قوانين صادرة عن أي دين. وبالدولة العلمانية فقط، تفتح أبواب الحداثة والمساواة بين المواطنين، وتظهر مؤهلات كبيرة في كافة المجالات، ويمكن لأي مواطن أن يصل مثلا إلى قمة السلطة دون ان يسأل عن الأصول الدينية ولا عن معتقداته وممارساته أو عدم ممارساته للدين.
عاد وفد الشيوعي السوداني من زيارته لمدينة كاودا، دون تحقيق أي هدف واضح، لكن بعد وصله الى الخرطوم، اصدر بيانا صحفيا، ادعى فيه عن تكوين تحالف أطلق عليه “تحالف الأقوياء”، وقع بينه وبين الحركة الشعبية شمال وحركة جيش وتحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، يهدف إلى التغيير الجذري. وهذا البيان، لم يكن دقيقا، لأن ما جرى في كاودا بينه وبين الحركة الشعبية، لم يتعدى مرحلة المشاورات والنقاشات الأولية حول اسقاط الانقلاب وعدد من القضايا السياسية.
الشيوعي بعد وصوله الى الخرطوم، استعجل كل شيء، ليعلن من جانب واحد، ما سماه بتحالف الأقوياء ومن ثم (تحالف التغيير الجذري)، وهو التحالف الذي ضم اجساما وهمية، انسحبت معظمها منه، لأنها لم تكن تعرف بالضبط تفاصيل هذا التحالف الجديد وأهدافه الحقيقية.
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه، هو.. هل يمكن لهذا التحالف حتى لو ضم اجساما مؤثرة، ان يحدث تغييرا جذريا في السودان دون توّفر شرط العلمانية؟
تأسيس العلمانية في السودان هي حجر الأساس في تحديد الرؤية المستقبلية، تلك الرؤية المستقبلية التي تنطوي على مشاريع مستقبلية تؤسس لوضع قادم بديل للوضع القائم المأزوم؟
إذن، عزيزي القارئ، لا تغيير في السودان دون تطبيق العلمانية، إذ بالعلمانية وحدها يمكن تغيير الوضع المأزوم القائم وتأسيس وضع مستقبلي مزدهر، عبر إحداث تغيير في أسس الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية وولخ، لأنه بدون معالجة هذه التراكمات التاريخية، سيظل الوضع القائم ثابتا وجامدا وعائدا الى الوراء.
الحزب الشيوعي، ليس جديرا ان يتحدث عن التغيير الجذري في السودان، لأن موقفه من علمانية الدولة السودانية لا يختلف عن مواقف الأحزاب الطائفية والدينية الرجعية، وهي المواقف التي تقول ان موضوع "العلمانية" يجب ان يترك للمؤتمر الدستوري، ونحن نعرف ان الحديث عن المؤتمر الدستوري يجري تداوله في الأوساط السياسية السودانية منذ ستين عاما، مما يعني ان الحكاية مجرد هروب الى الأمام.
bresh2@msn.com
كان الغرض من زيارة الشيوعيين لمدينة كاودا، هو للتشاور والتنسيق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، حول موضوع الانقلاب وتكوين حكومة مدنية كاملة في السودان.
إذن، دخل الجانبان، في اجتماعات مكثفة لمناقشة قضية الانقلاب وجميع القضايا السياسية والسعي لبلورة مواقف مشتركة، والتنسيق والتشاور إزاء التطورات والمستجدات في كافة المجالات، وبما يسهم في تحقيق اهداف الثورة السودانية.
كانت الحركة الشعبية في مناقشاتها مع قادة الشيوعي، واضحة وضوح الشمس، وهو أنه لا جدوى من أي تنسيق او تشاور مع أي تنظيم أو حزب وولخ، لمواجهة الوضع السياسي السوداني القائم والتأسيس لحالة استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي دائم، إلا بالاتفاق على (علمانية الدولة)، حيث ترى الحركة انه يستحيل، المحافظة على السودان كدولة واحدة في ظل قوانين تربط الدين عنوةً بالسياسة وبالدولة وبالمجتمع ارتباطا عضويا لا انفصام فيه.
رد قادة الشيوعيين، على مطلب الحركة الشعبية بضرورة (علمانية الدولة)، بشيء من البرود -أي انهم لم يرفضوا المطلب صراحةً، ولم يقبلوه صراحةً أيضا، بل قالوا وبشيء من الخجل (الموضوع دا نخلوه للمؤتمر الدستوري)، وهذا ما اثار حفيظة الحركة الشعبية، إذ كيف لحزب يتحدث عن التغيير وهيكلة الدولة السودانية، ان يرفض مطلبا مجمعا عليه من كل قوى الثورة والحراك الشعبي في كل الولايات السودانية وخارجها!!
تتمسك الحركة الشعبية، بالدولة العلمانية، لأن في ظل الدولة العلمانية، يكون الايمان بالدين اختيارا حرا يعود إلى القناعة الفردية دون أي إكراه واجبار خارجي، ولا دخل للدولة بتوجيه سلوك الناس نحو قيم أو معتقدات أو شعائر أو سلوك أو قوانين صادرة عن أي دين. وبالدولة العلمانية فقط، تفتح أبواب الحداثة والمساواة بين المواطنين، وتظهر مؤهلات كبيرة في كافة المجالات، ويمكن لأي مواطن أن يصل مثلا إلى قمة السلطة دون ان يسأل عن الأصول الدينية ولا عن معتقداته وممارساته أو عدم ممارساته للدين.
عاد وفد الشيوعي السوداني من زيارته لمدينة كاودا، دون تحقيق أي هدف واضح، لكن بعد وصله الى الخرطوم، اصدر بيانا صحفيا، ادعى فيه عن تكوين تحالف أطلق عليه “تحالف الأقوياء”، وقع بينه وبين الحركة الشعبية شمال وحركة جيش وتحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، يهدف إلى التغيير الجذري. وهذا البيان، لم يكن دقيقا، لأن ما جرى في كاودا بينه وبين الحركة الشعبية، لم يتعدى مرحلة المشاورات والنقاشات الأولية حول اسقاط الانقلاب وعدد من القضايا السياسية.
الشيوعي بعد وصوله الى الخرطوم، استعجل كل شيء، ليعلن من جانب واحد، ما سماه بتحالف الأقوياء ومن ثم (تحالف التغيير الجذري)، وهو التحالف الذي ضم اجساما وهمية، انسحبت معظمها منه، لأنها لم تكن تعرف بالضبط تفاصيل هذا التحالف الجديد وأهدافه الحقيقية.
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه، هو.. هل يمكن لهذا التحالف حتى لو ضم اجساما مؤثرة، ان يحدث تغييرا جذريا في السودان دون توّفر شرط العلمانية؟
تأسيس العلمانية في السودان هي حجر الأساس في تحديد الرؤية المستقبلية، تلك الرؤية المستقبلية التي تنطوي على مشاريع مستقبلية تؤسس لوضع قادم بديل للوضع القائم المأزوم؟
إذن، عزيزي القارئ، لا تغيير في السودان دون تطبيق العلمانية، إذ بالعلمانية وحدها يمكن تغيير الوضع المأزوم القائم وتأسيس وضع مستقبلي مزدهر، عبر إحداث تغيير في أسس الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية وولخ، لأنه بدون معالجة هذه التراكمات التاريخية، سيظل الوضع القائم ثابتا وجامدا وعائدا الى الوراء.
الحزب الشيوعي، ليس جديرا ان يتحدث عن التغيير الجذري في السودان، لأن موقفه من علمانية الدولة السودانية لا يختلف عن مواقف الأحزاب الطائفية والدينية الرجعية، وهي المواقف التي تقول ان موضوع "العلمانية" يجب ان يترك للمؤتمر الدستوري، ونحن نعرف ان الحديث عن المؤتمر الدستوري يجري تداوله في الأوساط السياسية السودانية منذ ستين عاما، مما يعني ان الحكاية مجرد هروب الى الأمام.
bresh2@msn.com