تورشين ومحمد حمدان – وعبدالله ود سعد والبرهان !!

 


 

 

الإنقلابيان حمدان والبرهان رأسا الحكم في السودان، كان بينهما تنافس خفي وناعم، حول الإجابة على السؤال: من يقود الرسن؟، أصبح هذا الأمر واقعاً ملموساً بعد أن ظل الإثنان يمارسان الهروب، وعدم الاعتراف بوجود الصراع الجهوي الذي يمثّلا رأس رمحه، فمنذ أن حط نظام الإنقاذ رحله وبعد اليوم التالي لإنقلاب الثلاثين من يونيو، أتخذ الانقاذيون من الجهة والجغرافيا والقبيلة مصدراً يلهمهم طرائق الحكم، فحوّلوا موجهات الإسلام الذي آخى بين سلمان الفارسي وبلال الحبشي إلى صراعات مستفزة للضغائن والمشاعر الجهوية، ونابشة للغبائن القديمة التي كادت الأجيال الحاضرة أن تنساها، وقد تبدّى ذلك بصورة صريحة في رسالة البرهان لأهله وعشيرته عبر الفيديو المسرّب، ومن قبل تلك الرسالة وضحت معالم الجهوية البغيضة خلال الاتفاق الذي تم تحت الطاولة، بين بعض حملة السلاح بدارفور والحكومة الانتقالية الأولى التي رأسها عبدالله حمدوك، وقد اعترف أحد أركان ذلك الإتفاق صراحة بأن هنالك صفقة قد تمت تحت الطاولة، وكما هو بديهي أن الحركة المسلحة الأقوى من ضمن مجموعة الحركات الموقعة على الاتفاق، هي حركة العدل والمساواة ذات الجذور الراسخة والمتعمقة في تربة الحركة الإسلامية، الراعية لمنظومات حكم الإنقاذ في كل مراحلها، وكما هو معلوم أن إرهاصات المفاصلة القديمة بينها وبين (النظام البائد)، كانت الموجه لأسلوبها الحواري مع الأطراف الحكومية المتعاقبة.
بعد أن أسقط الشباب الثائر الدكتاتور رأس (النظام البائد)، للأسف قامت القوى السياسية الضعيفة عديمة الرؤية بتقديم البرهان وحميدتي لتمثيل سيادة المرحلة الانتقالية، الأمر الذي عصف بهذه القوى الواهنة فنحر هذا الثنائي مرحلة الانتقال بالانقلاب على شرعية الوثيقة الدستورية المعطوبة، وأمست الساحة خالية للرأسين الكبيرتين، فتكررت مشاهد المفاصلة الأولى للمرة الثانية، وأخذ كل من الجنرالين يعد العدة للتغدي بالجنرال لآخر قبل أن يتعشى أحدهما بالآخر، وكانت لأتفاقية سلام جوبا الدور الأكبر في سوق المرحلة الانتقالية لانسداد الأفق السياسي هذا، ذلك أن عرّابيها جاءوا إنتقاميين لرواسب الماضي فاستحوذوا على جهاز الدولة، وعملوا ضد تعاليم الكتاب الأسود الكاشف للظلم الذي حاق بهم كجهة مهمشة من غطرسة المركز، في باديء الأمر انحنى البرهان للعاصفة وأظهر ضعفاً واضحاً أمام نائبه وغريمه، ثم ما لبث أن لعب بأوراق التقاطعات الأقليمية وبالأخص ملفي أثيوبيا ومصر، وكل هذا بالضرورة قد تم بمثابرة ومتابعة من أجهزة أمن وتخابر (النظام البائد)، المسيطر عليها رهطه، والتي لم يتوقف نشاطها حتى في فترة ما بعد إسقاط الدكتاتور، وكرّس حميدتي جهده في استقطاب الإدارة الأهلية وبعض رجالات الطرق الصوفية، وبعض من بدو شرق البلاد (البطانة)، أضف لذلك القبائل الكردفانية والدارفورية النابعة من ذات الجذر الذي ينتمي إليه مكوّنه الإجتماعي.
هذا الحال شبيه ومطابق تماماً لحال الدولة المهدية بعد وفاة الإمام محمد أحمد المهدي، عندما تمرد الخليفة شريف بن عم المهدي على سلطان تورشين، بحجة أنه الأولى بالإمارة باعتبار وشيجة الدم التي تربط بينه وبين الإمام، ذلك الصراع الذي تطور فوصل مرحلة أن شن تورشين حرباً على المنشق والمتمرد عبدالله ود سعد زعيم الجعليين، فكانت القشة القاصمة لبعير الوحدة الوطنية منذ ذلك العهد الماضي وإلى يومنا هذا، وأصبحت بمثابة العقدة والعقبة الكؤود التي ظل يصطدم بها أي مشروع وطني يهدف لبناء الدولة المبرأة من الضغائن وأحقاد الماضي. بعد ثورة ديسمبر المجيدة خرج من أصلاب عبدالله ولد سعد وعبدالله ولد تورشين من يؤمن بالوطن الواحد، شباب من كل ألوان الطيف الاجتماعي الكبير والعريض، لا يعملون إلّا من أجل إزاحة الظلم وطاغوت العسكر الباطش، والحيلولة دون عودة المنظومة الكهنوتية التي غيّبت الوعي الجمعي لقرنين، وتحت ظروف معارك داحس والغبراء والبسوس الجهلاء، التي يريد أن يشعل فتيلها محمد حمدان وعبد الفتاح البرهان، يشرأب جيل ديسمبر المجيد ليحيل كل هذه الأوهام الجهوية لسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءًا، لقد أقسم الديسمبريون أن لا عودة لعهود الظلام الغابرة، والحاضرة – عهد الانقاذ، وأن الطرح التالي لن يؤسس فيه حق المواطنة على أي من هذه الخلفيات – الدينية والجهوية والعرقية والحزبية والطائفية - التي أورثتنا الانحطاط والتخلف الحضاري.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
21 اغسطس 2022

 

آراء