ثقوبٌ في ثياب الحركة السياسية “آن أوان التغيير الشامل”
محمد عتيق
22 August, 2022
22 August, 2022
خارج المتاهة /
أكَّدْنا كثيراً على أنه لا تخوين لأحد ولا اتهامات سلبية لقوى الثورة ، وعلى أن جميع الأطراف هي أطراف وطنية لها قيمتها وأهميتها … غير أن التقييم والتقديرات لا يمكن أن تصمد كما هي في مثل هذا العصر ؛ عصر الثورة العلمية الكبرى وانفجاراتها المتتالية في جبهة الاتصالات والمعلومات والمعارف الاجتماعية والإنسانية ، وفي إطار دولةٍ مُدَمَّرَةٍ تماماً وتعيش انحطاطاً وبؤساً شديدين ..
جاء التفاوض ثم الشراكة بين المدنيين والعسكريين كضرورةٍ فرضتها ظروف الوهن والضعف التي ضربت كل الأطراف .. القوى السياسية الحزبية ، كيانات الثورة ؛ هي الطرف المدني بينما الطرف العسكري كان قيادة القوات النظامية ، على رأسها "لجنة البشير الأمنية" ومن خلفها الحركة الاسلاموية "المؤتمر الوطني" الساقط وحلفاؤه ..
بعد أكثر من عامين من الشراكة/عُمر الثورة اتضح أن تلك الشراكة لم تَكُن إلَّا خدعةً قادَتْها اللجنة الأمنية :
•• الطرف ألذي حكم البلاد ثلاثين عاماً كان شرساً في إقصاء الآخرين والاستفراد بالحكم وتحويل حياة الناس إلى قطعة من جَهَنَّمِ البطش والاستبداد والفقر والتخلف.. تقلّبَ في مباهج الحياة ، مُقتدراً لوحده في الإتصال بالمعارف الحديثة ، يحتكرها لنفسه ولذريته ..
•• الطرف الآخر في الشراكة ، القوى المدنية السياسية والحزبية ، ومهما كانت القدرات والمواهب الذاتية لبعض رموزها ، إلّا أنها عاشت عصراً مظلماً من الفقر والبؤس ومشقة الحياة الناتجة عن سياسات ومبادئ (الكيزان) الذاتية الأنانية .. القوى المدنية السياسية والحزبية وقد جَفَّت ينابيع التجديد في دمائها بما أصاب الشباب من استهلاكٍ لطاقاتهم في صراع الحياة ، وما أصاب وعيها وعقولها من تدهور العملية التعليمية وبؤس المناهج الدراسية والتربوية ..
من أعظم فوائد تلك الشراكة "الاضطرارية" أنها أقنعت الجميع بضرورة إبعاد العسكريين عن الحُكم وشؤونه ، والدعوة المُلِحَّة إلى المدنية الخالصة في قيادة البلاد .. فهل هذه الفائدة لوحدها تكفي لإنقاذ البلاد وتعديل بوصلة ثورتها نحو أهدافها الكبرى ؟ ..
تأسَّست الشراكة على إعلانٍ سياسي ووثيقةٍ دستوريةٍ (الجميع يعرف بنودها وأحداثها) ، ومع ذلك ، وللضعف البائن على أفراد المكون المدني فيها ، تَغَوَّل الطرف العسكري على صلاحيات الحكومة المدنية وهيمن على ملفات السلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية ، وفرض نفسه رأساً لجمهوريةٍ رئاسية .. وفي نفس الوقت انتهجت الحركات المسلحة (المتحالفة في إطار الجبهة الثورية) سلوكاً غريباً بل مشبوهاً عندما خرجت على "قوى الحرية والتغيير" وذهبت تبحث عن "مفاوضات" بدلاً عن (حوار)، مع الحكومة ممثلةً في المكون العسكري/أعداء الأمس / حميدتي والكباشي ، بدلاً عن القوى السياسية/حلفاءها الطبيعيين ، حول وسائل إيقاف الحروب وإحلال السلام في البلاد وإغاثة الأهل المتضررين وتعويضهم وتضميد جروحهم …الخ..الخ ، وذهبت (أي الجبهة الثورية) تطوف في دول الإقليم تبحث عن "مُضيفٍ" ل "مفاوضاتها" مع "الحكومة" إلى أن استقرت في جوبا وقد حملت في داخلها بذوراً غريبةً من أطرافٍ لم تحمل سلاحاً وليست لها احتجاجات مطلبية مسلحة مثل السيد "التوم هجو" وآخرين لاحقاً ، مع إدعاءٍ بتمثيل مناطق في السودان اتسمت باستقرارٍ نسبي ، لتأتي اتفاقيتهم في جوبا بمساراتٍ في الشرق والشمال والوسط خطوطاً للتقسيم الذي تُخَطِّطَهُ للبلاد بعض القوى الاقليمية والدولية !!
إنتهت الشراكة (مع انتهاء فترة رئاسة العسكريين للمجلس السيادي) بانقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ ألذي قاده ونفذه تحالف البرهان/حميدتي ، القوات النظامية وجنجويد الدعم السريع ، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن (حوالي ١٠ أشهر ) :
- لم يجد الانقلاب قبولاً الا من أرباب النظام الساقط وحلفائه (القدامى والجدد).. ولم يتمكن حتى الآن من تعيين رئيس للحكومة ..
- رفضته كافة القوى السياسية وأعلنت رفضها لأي شكل من أشكال الشراكة مع العسكريين وطالبت بالمدنية الكاملة للسلطة.. ورفع الجميع شعار : الثورة ثورة شعب ، السلطة سلطة شعب ، العسكر للثكنات والجنجويد ينحل"
- تقاطعات دولية (معروفة للجميع) فرضت على البلاد بعثةً أمميةً تحت البند السادس بقيادة السيد فولكر ، هذه البعثة ومعها منظمات ، للسودان عضوية فيها ، "الاتحاد الافريقي و الإيقاد " ، أعلنت نفسها لجنةً ثلاثيةً للوساطة بين الطرفين المدني والعسكري ، وذلك بعد أن أعلنت رفضها ل ٢٥ أكتوبر وأسمته بالانقلاب ، وذلك سياسياً ولكنها عملياً تتعاطى مع الانقلابيين كسلطة !!
هذه اللجنة الثلاثية (أمم متحدة ، اتحاد إفريقي ، إيقاد) ، وبعض السفارات في الخرطوم ، وفي مساعيها للتوسط بين قوى الحرية والتغيير (كممثل للمدنيين) وبين الانقلابيين ، وجدت تجاوباً من الطرف المدني للجلوس والتفاوض مع العسكريين ؛ الإنكار علناً والتجاوب سراً !!!
- المقاومة الفعلية الأساسية للانقلاب وسلطته العسكرية هي لجان المقاومة التي لم تتوقف عن التظاهر وإطلاق المبادرات العملية التي وصلت ذروتها بإعلان مسودَّة "الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب" ..
وكان قد شاع في مجالس الانس ووسائل التواصل الاجتماعي أن عدداً من السياسيين قد خضعوا لضغوط من دولة في الإقليم لها تطلعات ومطامع في السودان ، وأنهم قد تلقُّوا أموالاً طائلةً مقابل التعهد بمساعدتها في مساعيها…الخ
الضعف والهوان داخل الحركة السياسية يجعلنا نقول بانتهاء دورها وانتفاء أسبابها (القيادات والرموز ) أمام التحديات الضخمة التي تواجه البلاد في وجودها نفسه ، وتواجه الشعب في وحدته وسلامته وأمنه ومعاشه ، وتواجه الأجيال الجديدة والقادمة في حياتها ومستقبلها .. وأنه لا سبيل لبقاء السودان ، لوحدته وصعود ثورته العملاقة إلى ذروتها المنشودة الا بتجاوز كل السياسيين السائدين في الساحة ، والاعتماد فقط على لجان المقاومة أداةً ووسيلةً لهزيمة الانقلاب وإقامة سلطة الشعب وإحياء موات الحركة السياسية ..
هذه الكيانات ، لجان المقاومة ، قوامها الشباب الذي وُلِدَ وَشَبَّ أثناء سلطة الإسلامويين (تسعينات القرن الماضي وسنوات القرن الحالي) ، ورغم سوء الظروف التي نشأوا فيها ، وتواضُعِ معارفهم العامة ، إلّا أن علاقتهم بالعصر ، حبهم العميق لبلادهم ، وجسارتهم التي جعلت من الشهادة سُلّماً للوطن وللرجولة ، وسنوات الثورة الثلاث ، قد صقلت أعوادهم فأصبحوا مؤهَّلين لقيادة البلاد ..
21.08.2022
atieg@hotmail.com
أكَّدْنا كثيراً على أنه لا تخوين لأحد ولا اتهامات سلبية لقوى الثورة ، وعلى أن جميع الأطراف هي أطراف وطنية لها قيمتها وأهميتها … غير أن التقييم والتقديرات لا يمكن أن تصمد كما هي في مثل هذا العصر ؛ عصر الثورة العلمية الكبرى وانفجاراتها المتتالية في جبهة الاتصالات والمعلومات والمعارف الاجتماعية والإنسانية ، وفي إطار دولةٍ مُدَمَّرَةٍ تماماً وتعيش انحطاطاً وبؤساً شديدين ..
جاء التفاوض ثم الشراكة بين المدنيين والعسكريين كضرورةٍ فرضتها ظروف الوهن والضعف التي ضربت كل الأطراف .. القوى السياسية الحزبية ، كيانات الثورة ؛ هي الطرف المدني بينما الطرف العسكري كان قيادة القوات النظامية ، على رأسها "لجنة البشير الأمنية" ومن خلفها الحركة الاسلاموية "المؤتمر الوطني" الساقط وحلفاؤه ..
بعد أكثر من عامين من الشراكة/عُمر الثورة اتضح أن تلك الشراكة لم تَكُن إلَّا خدعةً قادَتْها اللجنة الأمنية :
•• الطرف ألذي حكم البلاد ثلاثين عاماً كان شرساً في إقصاء الآخرين والاستفراد بالحكم وتحويل حياة الناس إلى قطعة من جَهَنَّمِ البطش والاستبداد والفقر والتخلف.. تقلّبَ في مباهج الحياة ، مُقتدراً لوحده في الإتصال بالمعارف الحديثة ، يحتكرها لنفسه ولذريته ..
•• الطرف الآخر في الشراكة ، القوى المدنية السياسية والحزبية ، ومهما كانت القدرات والمواهب الذاتية لبعض رموزها ، إلّا أنها عاشت عصراً مظلماً من الفقر والبؤس ومشقة الحياة الناتجة عن سياسات ومبادئ (الكيزان) الذاتية الأنانية .. القوى المدنية السياسية والحزبية وقد جَفَّت ينابيع التجديد في دمائها بما أصاب الشباب من استهلاكٍ لطاقاتهم في صراع الحياة ، وما أصاب وعيها وعقولها من تدهور العملية التعليمية وبؤس المناهج الدراسية والتربوية ..
من أعظم فوائد تلك الشراكة "الاضطرارية" أنها أقنعت الجميع بضرورة إبعاد العسكريين عن الحُكم وشؤونه ، والدعوة المُلِحَّة إلى المدنية الخالصة في قيادة البلاد .. فهل هذه الفائدة لوحدها تكفي لإنقاذ البلاد وتعديل بوصلة ثورتها نحو أهدافها الكبرى ؟ ..
تأسَّست الشراكة على إعلانٍ سياسي ووثيقةٍ دستوريةٍ (الجميع يعرف بنودها وأحداثها) ، ومع ذلك ، وللضعف البائن على أفراد المكون المدني فيها ، تَغَوَّل الطرف العسكري على صلاحيات الحكومة المدنية وهيمن على ملفات السلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية ، وفرض نفسه رأساً لجمهوريةٍ رئاسية .. وفي نفس الوقت انتهجت الحركات المسلحة (المتحالفة في إطار الجبهة الثورية) سلوكاً غريباً بل مشبوهاً عندما خرجت على "قوى الحرية والتغيير" وذهبت تبحث عن "مفاوضات" بدلاً عن (حوار)، مع الحكومة ممثلةً في المكون العسكري/أعداء الأمس / حميدتي والكباشي ، بدلاً عن القوى السياسية/حلفاءها الطبيعيين ، حول وسائل إيقاف الحروب وإحلال السلام في البلاد وإغاثة الأهل المتضررين وتعويضهم وتضميد جروحهم …الخ..الخ ، وذهبت (أي الجبهة الثورية) تطوف في دول الإقليم تبحث عن "مُضيفٍ" ل "مفاوضاتها" مع "الحكومة" إلى أن استقرت في جوبا وقد حملت في داخلها بذوراً غريبةً من أطرافٍ لم تحمل سلاحاً وليست لها احتجاجات مطلبية مسلحة مثل السيد "التوم هجو" وآخرين لاحقاً ، مع إدعاءٍ بتمثيل مناطق في السودان اتسمت باستقرارٍ نسبي ، لتأتي اتفاقيتهم في جوبا بمساراتٍ في الشرق والشمال والوسط خطوطاً للتقسيم الذي تُخَطِّطَهُ للبلاد بعض القوى الاقليمية والدولية !!
إنتهت الشراكة (مع انتهاء فترة رئاسة العسكريين للمجلس السيادي) بانقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ ألذي قاده ونفذه تحالف البرهان/حميدتي ، القوات النظامية وجنجويد الدعم السريع ، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن (حوالي ١٠ أشهر ) :
- لم يجد الانقلاب قبولاً الا من أرباب النظام الساقط وحلفائه (القدامى والجدد).. ولم يتمكن حتى الآن من تعيين رئيس للحكومة ..
- رفضته كافة القوى السياسية وأعلنت رفضها لأي شكل من أشكال الشراكة مع العسكريين وطالبت بالمدنية الكاملة للسلطة.. ورفع الجميع شعار : الثورة ثورة شعب ، السلطة سلطة شعب ، العسكر للثكنات والجنجويد ينحل"
- تقاطعات دولية (معروفة للجميع) فرضت على البلاد بعثةً أمميةً تحت البند السادس بقيادة السيد فولكر ، هذه البعثة ومعها منظمات ، للسودان عضوية فيها ، "الاتحاد الافريقي و الإيقاد " ، أعلنت نفسها لجنةً ثلاثيةً للوساطة بين الطرفين المدني والعسكري ، وذلك بعد أن أعلنت رفضها ل ٢٥ أكتوبر وأسمته بالانقلاب ، وذلك سياسياً ولكنها عملياً تتعاطى مع الانقلابيين كسلطة !!
هذه اللجنة الثلاثية (أمم متحدة ، اتحاد إفريقي ، إيقاد) ، وبعض السفارات في الخرطوم ، وفي مساعيها للتوسط بين قوى الحرية والتغيير (كممثل للمدنيين) وبين الانقلابيين ، وجدت تجاوباً من الطرف المدني للجلوس والتفاوض مع العسكريين ؛ الإنكار علناً والتجاوب سراً !!!
- المقاومة الفعلية الأساسية للانقلاب وسلطته العسكرية هي لجان المقاومة التي لم تتوقف عن التظاهر وإطلاق المبادرات العملية التي وصلت ذروتها بإعلان مسودَّة "الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب" ..
وكان قد شاع في مجالس الانس ووسائل التواصل الاجتماعي أن عدداً من السياسيين قد خضعوا لضغوط من دولة في الإقليم لها تطلعات ومطامع في السودان ، وأنهم قد تلقُّوا أموالاً طائلةً مقابل التعهد بمساعدتها في مساعيها…الخ
الضعف والهوان داخل الحركة السياسية يجعلنا نقول بانتهاء دورها وانتفاء أسبابها (القيادات والرموز ) أمام التحديات الضخمة التي تواجه البلاد في وجودها نفسه ، وتواجه الشعب في وحدته وسلامته وأمنه ومعاشه ، وتواجه الأجيال الجديدة والقادمة في حياتها ومستقبلها .. وأنه لا سبيل لبقاء السودان ، لوحدته وصعود ثورته العملاقة إلى ذروتها المنشودة الا بتجاوز كل السياسيين السائدين في الساحة ، والاعتماد فقط على لجان المقاومة أداةً ووسيلةً لهزيمة الانقلاب وإقامة سلطة الشعب وإحياء موات الحركة السياسية ..
هذه الكيانات ، لجان المقاومة ، قوامها الشباب الذي وُلِدَ وَشَبَّ أثناء سلطة الإسلامويين (تسعينات القرن الماضي وسنوات القرن الحالي) ، ورغم سوء الظروف التي نشأوا فيها ، وتواضُعِ معارفهم العامة ، إلّا أن علاقتهم بالعصر ، حبهم العميق لبلادهم ، وجسارتهم التي جعلت من الشهادة سُلّماً للوطن وللرجولة ، وسنوات الثورة الثلاث ، قد صقلت أعوادهم فأصبحوا مؤهَّلين لقيادة البلاد ..
21.08.2022
atieg@hotmail.com