خيانات نخبنا السياسية المتراكمة

 


 

عمر العمر
26 August, 2022

 

مقولة الأديب النيجيري وولي سوينكا (أفريقيا ضحية خيانة من الداخل) اكثر انطباقًا على السودان.فوفق رؤية الكاتب الحائز على جائزة نوبل فان النخب الأفريقية الحاكمة ركزت على احتكار السلطة حدا لم تأبه معه البتة بمصائر بنات وابناء الشعوب. أليس هذا هو حال نخبنا السياسية؟ نحن كما يود سوينكا يجب علينا لوم ساستنا على مسؤوليتهم عن (الهياكل البشرية على جنبات الطرق المهجورة وعلى الإحباط المتمكن من المهزولين المكدسين في معسكرات اللاجئين وعلى ركام جثث الموتى).
أ فثم خيانة أحط دركًا وأشد سفالة من حفنة يستهويها التشبث بالسلطة بينما الشعب يتوغل في وحل الفقر ،الجوع،الرعب وركام البيوت.ومع ذلك لديناساسة يتزلفون لحكومة ينطبق عليها توصيف القاضي الفذ عبد المجيد إمام في حيثيات حكم يبرئ صحافيا جنوبيا في قضية ضد الدولة في ديسمبر ١٩٦٥ إذ قال عنها( حكومة جديرة بالإحتقار لأنها تمارس بطشا يخالف القانون ويجافي قواعد الإنسانية .
*****
النظرة المتأملة في المبادرات المطروحة حاليا متباينة المصادر تتوصل الى قواسم مشتركة بينها .فالفرقاء يتفقون على مرحلة إنتقالية تتفاوت عتبة أوانها من ثمانية عشر شهرا وسقفها إلى ستة وثلاثين. كذلك يجمعون على سلطة تنفيذية قوامها تكنوقراط. كلهم يشددون على أولوية معالجة الأزمة الإقتصادية المركبة، كبح الإنفلات الأمني ،تصفية جيوب الفساد إعادة بناء جهاز الخدمة المدنية كما المؤسسة العسكرية ثم الانتهاء إلى انتخابات .
لكن ليس هذا مايشغل بال الإخوة الأعداء فالطمع في احتكار السلطة ، كما أشار سوينكا ، هو ذلك المرض الأفريقي المزمن ، يتمكن من نخبنا السياسية حد العمى عن التركيز على النهوض بالأوليات الوطنية العليا.
*****
فتشكيل السلطة التنفيذية يمثل الهم الشاغل لكل الفرقاء السياسيين إذ هي لديهم الدرج المؤدي الى الغنائم.معظم الساسة يحملون جينات جيل صفوة السودنة حيث يتمكن منهم شغف امتيازات السلطة بما فيها من بريق نفوذ ،رواتب عالية ،مساكن مميزة وسيارات فارهة.فطواحين الهواء الدئرة منذ فجر الثورة الباسلة في شأن الوثائق الدستورية والإعلانات السياسية ليس سوى جهد مهدر في المتون والهوامش لا تنفذ إلى عظم القضية المركزية لثورة الشعب. كل الوثائق المتداولة تتحدث عن مسميات ، إصلاحات مؤسسات تستمد قوتها وفعالياتهابعد تشكيل منظومة سلطة الثورة ، ليس قبلها.
*****
مع الاعتراف بأهمية الأساس الدستوري ، الميثاق السياسي والهيكل الإداري للسلطة إلا ان هذه ليست الضمانات الكفيلة للعبور السلس للمرحلة الانتقاليةحتى بلوغ انتخابات ديمقراطية نزيهة.فالثابت في تجاربنا السياسية الإخفاق الفاضح في الالتزام بالمواثيق والمواعيد.
على ان الانهماك في الجدل العقيم الحالي في شأن وثائق المرحلة الانتقالية المرتبط عضويا بتشكيل السلطة التفيذية يأتي في سياق المفهوم الخاطئ بوضع العربة امام الحصان. فروح نجاح المرحلة الانتقالية تتجسد في نجاح أي سلطة يتم تشكيلها تنفيذ برنامج عمل مؤطر ممرحل يتم محاسبة رئيس الوزراء وفريقه بموجبه. حكومة حمدوك الأولى اهدرت نحوا من ثلاثة أشهر متبطلة لأنها افتقدت برنامج عمل لم يكن معدا كما لم يكن الفريق الحكومي قادرا على رسم مشروع عمل متكامل على الصعيد الوطني تحت مظلة المرحلة الإنتقالية!!
*****
هذه هي العلة الوحيدة وراء موت كل حكومات المراحل الديمقراطية .كل الأحزاب تتلاقى وتتدابر في إتلافات بدافع المحاصصة الوزارية ،ليس من منطلقات البرامج الانمائية أو السياسية.بما أننا لا نحذق مهار ة قرآة التاريخ فإننا نعيد انتاج اخطائنا. فالسلطة التنفيذية ليست غاية في ذاتها بل هي أداة تتصدى للنهوض بأعباء ومهام وطنية وفق مشروع وطني متفق عليه. هذا ليس اقل من خطئنا الفادح حينما اعتمدنا الجيش هو الأداة الأساس لتعزيز وضمان الوحدة الوطنية. أشد وطأة على الوعي إدعاء فئة من الساسة منح الجيش عصمة على السلطة التنفيذية .كما لا تزال فئات سياسية تتوهم التوصيف الخاطئ بحسبان تشكيل السلطة التنفيذية هو مفتاح بوابة النجاح الوطني.تلك هي العقلية منتجة (إتفاق جوبا)بحسبانها معبر السلام الآمن بينما هي مدرج الطامعين في غنائم السلطة وامتيازاتها كما يبرهن الواقع .
*****
عندما كلّف نميري أبيل ألير بوزارة شؤون الجنوب عقب إعدام جوزيف غرنغ في خضم مجزرة يوليو١٩٧١راجع ألير تجربة سابقه ثم قرأ في جدل لجنة الاثني عشر فخرج ببرنامج عمل الحقوقي الجنوبي بين قلة تقرأ التاريخ وتشارك في كتابته.بمثل تلك المساهمات الواعية تمكن نظام نميري من إخماد الحرب الأهلية في الجنوب عبر اتفاق اديس أبابا .لكن لأن اصحاب اتفاق جوبا ليسوا من طراز أبيل ألير فلم يهتم أي منهم بنا في ذلك حاكم الإقليم المسمى بصوغ برنامج عمل قبل أو بعد تسنمهم السلطة فما ذلك مايشغل بال أحدهم .فدارفور تندرج ضمن مقولة سوينكا عن أفريقيا (ضحية خيانة من الداخل)

aloomar@gmail.com

 

آراء