(طلس)

 


 

 

الصباح الجديد –
كشفت تقارير دولية الاسبوع الماضي أن السودان إحتل المركز الخامس عالمياً لاعلى معدل تضخم..وهذا صحيح بحسب المؤشرات التي تشير بوضوح الى أن الاقتصاد السوداني يعاني من مشاكل وصعوبات منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 حيث تجمدت مساعدات المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، واوقفت مساعدات منح وقروض تفوق 4 مليار دولار، كما جمدت واشنطن 700 مليون دولار، وفقدت البلاد 40% من إيراداتها، الامر الذي جعل وزارة مالية الانقلاب تلجأ لزيادة الاعباء الضريبية، وجيب المواطن لمعالجة خلل الموازنة.
من الواضح أن انخفاض معدل التضخم في السودان الذي درجت التقارير على ذكره لا يعكس الواقع الحقيقي للاقتصاد، لان اسعار كافة السلع ما زالت مرتفعة، والركود يسيطر على الانشطة التجارية.
وتجدني أتفق مع حديث بعض الخبراء أن ما يحدث الآن لا يعني انخفاض أسعار السلع، وإنما يعني انخفاض معدل زيادة الأسعار،، وأنه من المفترض أن ينخفض هذا المعدل أكثر لأن الحركة التجارية تعاني من ضعف حاد في معدل القوى الشرائية.
في المقابل مراكز القوة بما فيها الدولة نفسها يمكن أن تتحكم في معدلات التضخم، وفي معظم دول العالم يحاول السياسيون الذين يسيطرون على الحكومة التلاعب بالبيانات الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية، من خلال المجموعة المهيمنة على سلطة الحكم، وتعتمد درجة نجاحهم أو فشلهم على درجة حصانة الوكالة الإحصائية ضد الضغوط السياسية، هذا يعني أنه للحصول على بيانات موثوقة.
يجب أن يكون الجهاز المركزي للإحصاء وكالة وطنية مستقلة ففي ظل متلازمة نقص الشفافية والمؤسسية وشح مصداقية السياسيين المسؤولين وصناع القرار الاقتصادي، لا تنعكس الثقة في أخبار التضخم وغيرها من تصريحات حكومة الانقلاب.
إن انخفاض التضخم في الغالب يكون نتيجة لارتفاع معدل الركود في الأسواق قياساً بأسعار الدولار، إلى جانب انخفاض دخل الأسر السودانية، ما أدى إلى خفض استهلاكها اليومي من السلع الضرورية، فضلا عن أن الاقتصاد يعاني من مشاكل عديدة فهناك عرض كبير للسلع مقابل انخفاض في الطلب، وتوقف حركة النقل بين المدن وداخلها، بخاصة العاصمة الخرطوم.
ومن أسباب التضخم المالي زيادة حجم الإصدار النقدي لتمويل عجز الموازنة، إضافة إلى النقص في الصادرات وزيادة حجم الاستيراد، فالتضخم يعرف بأنه ارتفاع في الأسعار وما ينتج من ذلك من تدهور في القوة الشرائية للنقود، فضلاً عن أنه يتسبب في زيادة الكتلة النقدية المتداولة، كما أن انخفاض معدل التضخم لا يعني بالضرورة تراجع أسعار السلع، لكنه يعني تراجعاً في الرقم القياسي لأسعار السلع الاستهلاكية.
الاقتصاد السوداني لم يتعافى من الأزمة الهيكلية لإستمرار سيطرة العقلية الريعية على مفاصله حيث اصبح الان التركيز على الذهب بدلاً عن النفط كمصدر جديد للريع، بينما استمر تجاهل قطاعي الزراعة والصناعة ومازال نصيبهما في الموازنة متدن جداً بسبب ما يعانيه القطاع من اهمال الدولة.
والجمعة أعلن الجهاز المركزي للاحصاء أن السودان سجل تراجعاً في معدلات التضخم لأقل من 100% لأول مرة منذ سنوات...هذا هو المعنى الحقيقي لكلمة (طلس).
الجريدة

 

آراء