الدين منصور في كمبوني
د.عبد الله علي ابراهيم
1 February, 2023
1 February, 2023
الرأي العام (الجمعة ١٥ / ٣ / ٢٠٠٢)
في استراحة قريبة بـ "الرأي العام" ٢٠٠٢/٢/٧) نسب السيد محمد سعيد محمد الحسن فضل، إدخال مادتي اللغة العربية والدين الإسلامي في منهاج مدارس كمبوني إلى السيد علي الميرغني. فقد جاء في الاستراحة أن السيد محمد عثمان الميرغني اختار مدرسة سان فرانسيس، التي هي واحدة من منظومة مدارس كمبوني، لابنه البكر، المسمى بعلي على اسم جده، بالنظر إلى قرب المدرسة من منزل السيد.
وعرف السيد علي الميرغني بالأمر فسأل إن كانت مادة الدين الإسلامي واللغة العربية من بين المواد المقررة في كمبوني التي دخلها حفيده. ولما علم أن المادتين لا تدرسان بها نادى السيد المرحوم يحيى الفضلي ووجهه ليخطر الأب بارون، مدير مدارس كمبوني، بأن حفيد السيد قد جاء يطلب العلم في مدرسته. وانتظر الوزير ليسمع توجيه السيد بهذا الشأن فلم يزد السيد شيئاً. ونقل الوزير حديث السيد لمدير المدرسة الذي سرعان ما قال: "هذا يعني أن على مدرستي إدخال مادتي الدين الإسلامي واللغة العربية في مناهجها". ووفر الوزير المُدرِسين والكتب المقررة للمدرسة. وهكذا دخلت مادتا الدين الإسلامي واللغة العربية حوش مدرسة كمبوني. ودان السيد محمد سعيد محمد الحسن بهذه الواقعة على عبقرية السيد الميرغني في التعامل السلس الذي يقود إلى التجاوب الحصيف في ذلك الزمن الذي مضى.
لا أريد بهذه الكلمة نقض هذه الذكرى التي جاء بها محمد سعيد والتي تعود إلى عام ١٩٦٥ حين كان المرحوم يحيى وزيراً للتربية والتعليم. غير إني شاهد على واقعة أخرى أقدم للتأرخة لدخول مادة الدين الإسلامي حوش مدرسة كمبوني. وتعود هذه الواقعة إلى عام ١٩٦٢/ ١٩٦٣ حين كنت طالباً بجامعة الخرطوم وقريبا من نشاط الطلاب الشيوعيين والديمقراطيين بمدارس عطبرة وكمبوني بعطبرة. وأريد باستعادة هذه الذكرى رد فضل إدخال مادة تعليم الدين الإسلامي بحوش كمبوني إلى هذه الجماعة اليسارية الذين كانت لهم الغلبة المطلقة في اتحاد طلاب المدرسة..
نجحت هذه المجموعة اليسارية في ١٩٦٢ / ١٩٦٣ في فرض اتحاد الطلاب كحقيقة طلابية وسياسية على إدارة مدرسة كمبوني عطبرة بعد طول تأب منها وجفاء. وجرت الانتخابات وفازت لجنة تنفيذية قوامها اليساريون إلا من الرئيس الأخ المسلم الذي زكوه للمنصب بالنظر إلى بسالته وسماحة نفسه.
وكان أكثر ما اعتنت به هذه اللجنة دفع مسألة تدريس حصة الدين الإسلامي بمباني مدرسة كمبوني إلى رأس جدول أعمالها. فقد كان العرف حتى ذلك الوقت أن يخرج الطلاب المسلمون في صفوف متراصة إلى المدارس الحكومية القريبة لتلقي مقرر مادة الدين الإسلامي. وصعّدت لجنة الاتحاد هذه المسألة في اجتماعات الطلبة، وفي مذكرات متجهة إلى إدارة المدرسة، وفي اتصال وثيق (اتسم بالتعاطف والتأييد) مع إدارة تعليم المديرية الشمالية بمدينة الدامر.
وبإزاء هذه الضغوط اضطرت إدارة كمبوني عطبرة إلى رفع الأمر إلى المجلس العام لإدارة مدارس كمبوني. ووافق هذا المجلس على تدريس مادة الدين في فصول منظومة مدارس كمبوني كمادة عادية في موسم ١٩٦٢ / ١٩٦٣. ولابد أن كمبوني الخرطوم قد كانت من المدارس التي اتبعت قرار ذلك المجلس.
كانت غاية الإتحاد أن يزيل حزازة المدرسة ضد تدريس عقيدة غالب الطلاب في نفس الفصول التي يتلقون فيها بقية علومهم. وقصد الاتحاد بانتصاره لتعليم مادة الدين في حوش كمبوني أن ينقذ هذه المدرسة المجيدة من إرثها الإرسالي. وأن تقبل حقائق ثقافة البلد وتنوعها بخاطر سمح.
والشيء بالشيء يذكر فقد تمادت كمبوني عطبرة في معاندة اتحاد الطلاب حول أشياء أخرى للدرجة التي أغلقت أبوابها في وجه الطلاب بعد إضراب لهم في عام ١٩٦٣. وقد استفز هذا الإجراء الطلاب وأهل المدينة. وانبثقت عن هذا الاستفزاز فكرة قيام مدرسة ثانوية عليا بديلة هي مدرسة النيل الحالية التي تعرف أيضاً بمدرسة الجلود. ومنشأ التسمية في قيام الطلاب ولجان الأحياء بجمع جلود الأضاحي لبناء هذه المدرسة خلال ستة أشهر. وقد أظهر السيد أحمد الأمين حميدة (حميدة) أمد الله في أيامه، مدير السكة الحديد وقتها حماسة كبرى للمشروع. وتم خصم %٣ من المرتب الأساسي لمستخدمي السكة الحديد لدعم مشروع مدرسة النيل. وقد حدد حميدة موعد قيامها والتزم به.
لم أرد أن تمر ذكرى محمد سعيد لمأثرة السيد الميرغني بغير تسجيل هذه الواقعة لأرد لهؤلاء الفتية من شباب اليساريين مِمَن يشتبه كثير من الناس في حسن إسلامهم، الفضل في تدريس الدين الإسلامي في حوش مدارس كمبوني. وقد استعنت في كتابة هذه الكلمة بقريبي وصديقي وزميلي علي هريمي، الذي كان من بين فتية اتحاد طلاب كمبوني على ذلك العهد. وقد وجدت بحوزته صورة نادرة للجنة اتحاد كمبوني لسنوات ١٩٦٤ / ١٩٦٥. وستجد السيد علي هريمي في أول الصف الجالس من جهة اليمين.
انا شاكر للأستاذ محمد سعيد استثارته هذه الذكرى المطوية عن جهاد شبيبة كمبوني عطبرة في الستينيات. وآمل أن يجد فيها المعنيون بالتعليم والتنوع الثقافي والديني فائدة في وجهاتهم.
IbrahimA@missouri.edu
/////////////////////////
في استراحة قريبة بـ "الرأي العام" ٢٠٠٢/٢/٧) نسب السيد محمد سعيد محمد الحسن فضل، إدخال مادتي اللغة العربية والدين الإسلامي في منهاج مدارس كمبوني إلى السيد علي الميرغني. فقد جاء في الاستراحة أن السيد محمد عثمان الميرغني اختار مدرسة سان فرانسيس، التي هي واحدة من منظومة مدارس كمبوني، لابنه البكر، المسمى بعلي على اسم جده، بالنظر إلى قرب المدرسة من منزل السيد.
وعرف السيد علي الميرغني بالأمر فسأل إن كانت مادة الدين الإسلامي واللغة العربية من بين المواد المقررة في كمبوني التي دخلها حفيده. ولما علم أن المادتين لا تدرسان بها نادى السيد المرحوم يحيى الفضلي ووجهه ليخطر الأب بارون، مدير مدارس كمبوني، بأن حفيد السيد قد جاء يطلب العلم في مدرسته. وانتظر الوزير ليسمع توجيه السيد بهذا الشأن فلم يزد السيد شيئاً. ونقل الوزير حديث السيد لمدير المدرسة الذي سرعان ما قال: "هذا يعني أن على مدرستي إدخال مادتي الدين الإسلامي واللغة العربية في مناهجها". ووفر الوزير المُدرِسين والكتب المقررة للمدرسة. وهكذا دخلت مادتا الدين الإسلامي واللغة العربية حوش مدرسة كمبوني. ودان السيد محمد سعيد محمد الحسن بهذه الواقعة على عبقرية السيد الميرغني في التعامل السلس الذي يقود إلى التجاوب الحصيف في ذلك الزمن الذي مضى.
لا أريد بهذه الكلمة نقض هذه الذكرى التي جاء بها محمد سعيد والتي تعود إلى عام ١٩٦٥ حين كان المرحوم يحيى وزيراً للتربية والتعليم. غير إني شاهد على واقعة أخرى أقدم للتأرخة لدخول مادة الدين الإسلامي حوش مدرسة كمبوني. وتعود هذه الواقعة إلى عام ١٩٦٢/ ١٩٦٣ حين كنت طالباً بجامعة الخرطوم وقريبا من نشاط الطلاب الشيوعيين والديمقراطيين بمدارس عطبرة وكمبوني بعطبرة. وأريد باستعادة هذه الذكرى رد فضل إدخال مادة تعليم الدين الإسلامي بحوش كمبوني إلى هذه الجماعة اليسارية الذين كانت لهم الغلبة المطلقة في اتحاد طلاب المدرسة..
نجحت هذه المجموعة اليسارية في ١٩٦٢ / ١٩٦٣ في فرض اتحاد الطلاب كحقيقة طلابية وسياسية على إدارة مدرسة كمبوني عطبرة بعد طول تأب منها وجفاء. وجرت الانتخابات وفازت لجنة تنفيذية قوامها اليساريون إلا من الرئيس الأخ المسلم الذي زكوه للمنصب بالنظر إلى بسالته وسماحة نفسه.
وكان أكثر ما اعتنت به هذه اللجنة دفع مسألة تدريس حصة الدين الإسلامي بمباني مدرسة كمبوني إلى رأس جدول أعمالها. فقد كان العرف حتى ذلك الوقت أن يخرج الطلاب المسلمون في صفوف متراصة إلى المدارس الحكومية القريبة لتلقي مقرر مادة الدين الإسلامي. وصعّدت لجنة الاتحاد هذه المسألة في اجتماعات الطلبة، وفي مذكرات متجهة إلى إدارة المدرسة، وفي اتصال وثيق (اتسم بالتعاطف والتأييد) مع إدارة تعليم المديرية الشمالية بمدينة الدامر.
وبإزاء هذه الضغوط اضطرت إدارة كمبوني عطبرة إلى رفع الأمر إلى المجلس العام لإدارة مدارس كمبوني. ووافق هذا المجلس على تدريس مادة الدين في فصول منظومة مدارس كمبوني كمادة عادية في موسم ١٩٦٢ / ١٩٦٣. ولابد أن كمبوني الخرطوم قد كانت من المدارس التي اتبعت قرار ذلك المجلس.
كانت غاية الإتحاد أن يزيل حزازة المدرسة ضد تدريس عقيدة غالب الطلاب في نفس الفصول التي يتلقون فيها بقية علومهم. وقصد الاتحاد بانتصاره لتعليم مادة الدين في حوش كمبوني أن ينقذ هذه المدرسة المجيدة من إرثها الإرسالي. وأن تقبل حقائق ثقافة البلد وتنوعها بخاطر سمح.
والشيء بالشيء يذكر فقد تمادت كمبوني عطبرة في معاندة اتحاد الطلاب حول أشياء أخرى للدرجة التي أغلقت أبوابها في وجه الطلاب بعد إضراب لهم في عام ١٩٦٣. وقد استفز هذا الإجراء الطلاب وأهل المدينة. وانبثقت عن هذا الاستفزاز فكرة قيام مدرسة ثانوية عليا بديلة هي مدرسة النيل الحالية التي تعرف أيضاً بمدرسة الجلود. ومنشأ التسمية في قيام الطلاب ولجان الأحياء بجمع جلود الأضاحي لبناء هذه المدرسة خلال ستة أشهر. وقد أظهر السيد أحمد الأمين حميدة (حميدة) أمد الله في أيامه، مدير السكة الحديد وقتها حماسة كبرى للمشروع. وتم خصم %٣ من المرتب الأساسي لمستخدمي السكة الحديد لدعم مشروع مدرسة النيل. وقد حدد حميدة موعد قيامها والتزم به.
لم أرد أن تمر ذكرى محمد سعيد لمأثرة السيد الميرغني بغير تسجيل هذه الواقعة لأرد لهؤلاء الفتية من شباب اليساريين مِمَن يشتبه كثير من الناس في حسن إسلامهم، الفضل في تدريس الدين الإسلامي في حوش مدارس كمبوني. وقد استعنت في كتابة هذه الكلمة بقريبي وصديقي وزميلي علي هريمي، الذي كان من بين فتية اتحاد طلاب كمبوني على ذلك العهد. وقد وجدت بحوزته صورة نادرة للجنة اتحاد كمبوني لسنوات ١٩٦٤ / ١٩٦٥. وستجد السيد علي هريمي في أول الصف الجالس من جهة اليمين.
انا شاكر للأستاذ محمد سعيد استثارته هذه الذكرى المطوية عن جهاد شبيبة كمبوني عطبرة في الستينيات. وآمل أن يجد فيها المعنيون بالتعليم والتنوع الثقافي والديني فائدة في وجهاتهم.
IbrahimA@missouri.edu
/////////////////////////