هشاشتنا وضآلة صناعة انتقال ديمقراطي
زهير عثمان حمد
8 February, 2023
8 February, 2023
عندما يسألني الشباب عن تاريخنا الموجود الآن في المقررات الدراسية وما كتب في البحوث الجامعية أو بعض الكتابات المنشورة هنا وهناك ومدي قناعتي بها وهل نحن في حاجة إلى أعادة كتابة التاريخ السوداني الضارب في أزمنة التاريخ السحيقة أو المعاصر أكون في حيرة من أمري وأضيع في تفاصيل لا حصر لها أبدأ من كتابات المؤرخين من الرعيل الذين تصدوا لهم كتابة تاريخ السودان وخاصة الحديث ,بالرغم من اهتمامي واحترامي لما سطروا ولو فيه الكثير من العاطفة لا العقلانية ولا حتى الكتابة التاريخية المحايدة هم نفر كريم كنت في صدر صباي أقرأ لهم بنهم وأعجاب ولكن عند ما غرقت في قراءة تاريخ العالم من حولنا وأفريقيا قارتنا تحديدا وجعلت أعقد المقارنة تصيبني بحالة من القلق عن مدى مصداقية ما كتب وهل هذا تاريخ أم نتاج بحث في ذاكرة الوطن لبناء تاريخ يرضي غرورنا ولكن وصلت إلى قناعة أنها محاولات لكتابة تاريخ يرضي النخب ويبني على خيال العامة وبطولات القدماء وأحلام البسطاء وأن كانت خيال صرف لابد من صناعة تاريخ وطني يليق بشعبنانحن في حاجة ملحّة لكتابة تاريخنا كوحدةً منسجمة مع رؤيتنا الفكرية لبناء الدولة السودانية الحديثة واستمراريتها على هدى علمية ومنهجية نقدية وكان قد خطّها و أسسها الراحل محمد إبراهيم أبو سليم من المؤرخين السودانيين الرواد في العصر الحديث والمعاصر، وذلك من خلال أبحاثه التي تجاوزت مائة كتاب،, كما أننا بحاجة إلى مقدمة جديدة لا تستوعب هذه الحقبة فقط وإنما تفتح لنا آفاقاً جديدة لاستعادة دورنا الحضاري استناداً إلى وعيٍ تاريخي أصيل لذاكرة تاريخية حيّة يمكن لها أن تعيدنا مرة أخرى إلى التاريخ بعد أن خرجنا منه، وذلك يتطلب شرطين أساسيين هما الأول هو إعادة قراءة وكتابة تاريخنا (قديمة وحديثة) على ضوء هذا العقل العلمي النقدي الذي ذكرناه تتوفر لنا المعرفة التاريخية الحقيقية لتاريخنا كما هو والثاني هو إدراج ثوابت هذا التاريخ دون تفاصيله في منهاج التربية من أجل استعادة الأجيال الناشئة لذاكرتنا التاريخية وتمثلّها بهدف بناء الانتماء. الوطني ومن خلال العملية المطلقة في التفكير والكتابة الممنهجة الشفاهي الي تعالوا نعرف وما هو الانتقال الديمقراطي وبعدها نقارن كل الفترات الانتقالية مرت بها بلدنا لكي نعرف من خلال تجربتنا في قضايا الانتقال الديمقراطي أين نحن ؟, والتحول الديمقراطي يقوم على فكرة الانتقال إلى الديمقراطية، فالنظام السياسي الذي يشهد تحولاً ديمقراطياً يمر بمرحلة انتقالية بين نظام غير ديمقراطي في اتجاه التحول إلى نظام ديمقراطي، فاللحظة التاريخية هي لحظة الانتقال من نظام حكم الفرد أو القلة إلى نظام حكم ديمقراطي, وهنالك عملية التحول الديمقراطي التي تمر بثلاث مراحل أساسية وهي في البداية انهيار النظام السلطوي والأمر الثاني في رحلة الانتقال الديمقراطي مرحلة الرسوخ الديمقراطي ,وتعتبر المرحلة الثانية هي أهم المراحل وإن استغرقت فترة زمنية، وهي أخطر مرحلة في عملية التحول بسبب الاحتمالات المتزايدة للتعرّض لانتكاسات سياسية نتيجة للتركيبة المعقدة للنظام السياسي، والتي ينشأ عنها حالة صراع وشد وجذب تربك الحياة السياسية وهنالك من يظن ان له الحق التاريخي في إدارة الشأن العاموتحتل عملية الانتقال الديمقراطي في النظم السياسية في الوقت الراهن اهتماماً متزايداً وأولوية غير مسبوقة خاصة في ظل الكثير من التحولات السريعة المتلاحقة ببلادنا ومن حولنا في ظل العولمة والانفتاح المعرفي الضخم, ونجد العديد من الأنظمة السياسية جنحت بإرادتها أو بغير إراداتها نحو الانتقال الديمقراطي، سواء كانت الأسباب الدافعة لذلك التحول أسباب داخلية أو أسباب خارجية، فعلى سبيل المثال نجد أن التدهور الاقتصادي يعد من أبرز العوامل الداخلية التي دفعت العديد من الأنظمة إلى إدخال إصلاحات هيكلية على مؤسساته الاقتصادية والسياسية وهذا لا يعد عامل داخلي فقط ,في البداية لابد لكي نحقق انتقال ديمقراطي سليم لابد من التخلي عن الأيدلوجية الانقلابية من خلال تحقيق تسوية تاريخية بين أطراف اللعبة السياسية وتقوم علي الاستقرار الاقتصادي و الإصلاح الديني و عدم وجود مهدد خارجي, ونجد إن هناك تعريفان للتحول الديمقراطي الأول تعريف شكلي يعني حالة الانتقال من اللاديمقراطية إلى الديمقراطية والامر الثاني تعريفها الاجرائي يعني الانتقال من نظام سياسي يسود فيه الحكم الفردي الاستبدادي إلى نظام سياسي يكون الحكم فيه عن طريق مؤسسات دستورية فاعلة تستمد شرعيتها من إرادة الشعوب وعملية التحول الديمقراطي هي مرحلة انتقالية بين حدي نقيض تجمع بين خصائص النظام الديمقراطي والنظام غير الديمقراطي، وفي المرحلة الأولي لهذا التحول في حالة ما إذا كان التحول يحدث بشكل متدرج وليس من خلال تحول جذري يقلب الأمور رأساً على عقب وإن كانت هناك حالات تحول ديمقراطي حدث فيها مثل هذه التحولات الجذرية، مثل معظم حالات التحول الديمقراطي التي شهدتها دول أوروبا الشرقية، بينما شهدت دول أخرى عملية تحول تدريجي, ولكن هذا لا يعني أن عملية التحول الديمقراطي خطية، فقد لا يترتب على انهيار النظام السلطوي إقامة نظام ديمقراطي، وإنما صورة أخرى صور النظام السلطوي، فالديمقراطية لابد أن يكون لها خصائص ومقومات حتى تتواجد، كما أن الظروف التي تؤدي إلى ظهور الديمقراطية قد لا يترتب عليها تحقيق التماسك والدعم للنظام الديمقراطي ان الأوضاع الحالية وبشكل العلاقات وطبيعة الصراع وموازين القوى ما بين المؤسسة العسكرية والقوى السياسة المدنية كيف يمكن أن يكون شكل العلاقات النخب المدنية و المؤسسة العسكرية إذا حدث تحول ديمقراطي مستقبلا؟ خاصة إذا بدأ هذا التحول السياسي من خلال المؤسسة العسكرية أو بمفاوضات بين المؤسسة العسكرية وبين مجموعات من القوى السياسية؟ ان ما بين الانتقال السياسي والانتقال الديموقراطي فوارق لسبب رئيس وهو أنه في حالات كثير قد يحدث انتقال سياسي في بلد ما ولكن بسبب عدم القدرة على إدارة ملف العلاقات المدنية العسكرية أو لأي أسباب أخرى، قد لا يؤدي هذا التحول السياسي إلى انتقال ديموقراطي بالضرورة، وفي بعض الحالات قد لا يحدث ، أو قد يحدث نجاح جزئي لكنه لازال في حاجة إلى مزيد من العمل وتأسيس خط فكري مع خطوات واضحة لإحاطة الرأي العام لتنفيذه ودعمه ونعلم إن العسكر لا يخرجون من السلطة من تلقاء أنفسهم، وإنما يُدفعون إلــى دفعا ذلــك دفعــا ، ورغم أن الرغبة الأساسية لدى المؤسسة العسكرية هي البقاء في السلطة، إلا أنه يمكن تصور مسارين رئيسيين قد يؤديا إلى إجبارها على الخروج من السلطة, المسار الأول نجاح الاحتجاجات الشعبية, أي أن تكون المؤسسة العسكرية في مواجهة احتجاجات شعبية واسعة، ونجحت في تحقيق أهدافها، وبالتالي فإنه لن يكون هناك خيار آخر أمام المؤسسة العسكرية إلا الرضوخ لهذه الضغوط الشعبية، والخروج من السلطة مع عدم وجود خيارات أخرى بديلة لديها، ولأن نتيجة هذا المسار هي خروج العسكر بلا ضمانات وبلا تفاوض، مع وجود محاسبة على الجرائم السياسية والإنسانية التي تم ارتكابها، لذلك فإنه ليس مستغربا توقع أن الجيش سيقف غالبا مع الانقلاب دعما لقياداته في وجه أي احتجاجات شعبية ضده، وسيعمل على استخدام كل الوسائل الممكنة لقمع هذه الاحتجاجات وضمان عدم تهديدها للوضع الحالي, وفي حالة نجاح هذه الاحتجاجات، فإنه سيكون من المهم وجود تصور عن شكل وطبيعة العلاقات المدنية العسكرية، التي ينبغي العمل على بنائها والمسارات المحتملة التي يمكن أن تمر بها وأهم التحديات التي ستواجهها، يبدو هذا المسار هو المسار الأفضل والأسهل لكل الراغبين إحداث تغيير حقيقي في شكل العلاقات المدنية العسكرية إذا ما توافرت لديهم هذه الرؤية المسار الثاني الانتقال التفاوضي, أن تتغير الظروف وموازين القوى الحالية بما يجبر المؤسسة العسكرية على تغيير موقعها من السلطة ليتخذ أشكال أخرى، ورغم أنها قد تجبر على الانسحاب من السلطة في شكلها المباشر إلا أنها تظل متحكمة في السياسة والمسار السياسي بصورة أو بأخرى، ويكون هذا الخروج من السلطة إما من خلال المؤسسة العسكرية نفسها أو من خلال عملية تفاوضية مع المدنيين وبما يضمن أن تظل محتفظة بجزء من مصالحها الاقتصادية ونفوذها، ويأخذ هذا المسار وقت أطول وتكون تحدياته أكثر تعقيدا كما نري الان , إن العلاقة الوثيقة بين الأحزاب غيراليسارية و التقليدية من جهة والمؤسسة العسكرية من جهة هي واحده من أسباب استمرار الهيمنة العسكرية على السياسية حتى الآن. فرغم أن هذه القوى السياسية المدنية غير محسوبة على المؤسسة العسكرية بشكل مباشر، إلا أنه طالما تم استخدمها من قبل المؤسسة العسكرية منذ عبود وحتى البرهان كواجهات مدنية للحكم العسكري وصناع للفكر السياسي للأنظمة العسكرية، لذلك أقول أن هشاشتنا وضآلة فكرنا لا تصنع انتقال ديمقراطي بالرغم من إرثنا السياسي الطويل.
zuhairosman9@gmail.com
////////////////////////////
zuhairosman9@gmail.com
////////////////////////////