دور البناء الأسري في التحول الديمقراطي في السودان
طاهر عمر
13 February, 2023
13 February, 2023
هذا العنوان تربطه خيوط متينة بفشل النخب السودانية المزمن فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي و قطعا يفتح الباب واسع على فشل ثورة اكتوبر 1964 و تلحقها ابريل 1985 و فشل تأسيس نظام ديمقراطي و قبل فشل ثورة اكتوبر و ابريل فشل نخب الاستقلال في تأسيس يفضي لقيم الجمهورية و تأطير لملامح الدولة الحديثة التي لم تستطع النخب السودانية إبراز ملامحمها و قد رأينا كيف فشل حمدوك و حاضنته رغم الكتابات المتكررة له بأن حكومته و حاضنته تعمل في فضوى لا نهاية تحجب ملامح الدولة.
و قد قلنا لحمدوك مطالب الشعب السوداني و شعار ثورة ديسمبر المجيدة يوضح إرادة الشعب السوداني لتحقيق هيكل متين تظهر ملامحه في ملامح دولة حديثة. و مسألة غياب ملامح الدولة الحديثة من أفق حمدوك و حاضنته السياسية مسألة موروثة عند النخب السودانية.
سببه جهل بمفهوم الدولة كمفهوم حديث و كذلك مفهوم السلطة و مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و هي نتاج العلاقة المباشرة بين الفرد و الدولة و عبرها يمكننا تأسيس نواة الضمان الاجتماعي و أقل درجاته إمكانية المحافظة على كرامة الفرد و حفظها بتخصيص حد أدنى للدخل حتى للذين لم توفر لهم الدولة فرص عمل.
ما زيّن لهم أي حمدوك و حاضنته أن ما تركته الانقاذ من ركام كانوا قد ظنّوه أنه دولة و في ظل مثل ظروف عمل حمدوك و حاضنته و جهلها بقيم الجمهورية حيث تصبح الديمقراطية صيرورة و عندما نقول صيرورة الديمقراطية نعني أن ثورة الديمقراطية و فكرها قد أصبح بديلا للفكر الديني الذي يرزح تحت نيره أغلب النخب السودانية التي لا تجيد التفكير خارج وحل الفكر الديني و هذا نجده متجسد في فكر أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب و نعني أتباع أحزاب الطائفية و الحركة الاسلامية و السلفيين.
لهذا نجد أن حقبة حمدوك و غياب ملامح الدولة فيها ما هي إلا تكرار لشعار نخب حقبة الاستقلال و شعارهم تحرير لا تعمير و هو شعار يوضح لك جهل نخب حقب الاستعمار و الذين قادوا ما بعد الاستقلال. في هذا الشعار تتضح لك غياب مفاهيم أهمها علاقة الفرد بالدولة و ما يرتب على الدولة من مسؤولية اجتماعية نحو الفرد.
هذا الغياب لمفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد إنعكس في نشاط و فكر أحزاب سودانية لم نسمع في برامجهم عن فلسفة لخلق الثروة و كذلك فلسفة أعادة توزيع الثروة و أقل مستوياتها في مجانية التعليم حتى عمر ستة عشر عام للأطفال و مجانية العلاج و بعده تطوير فكرة الضمان الاجتماعي للقادرين على العمل و لم تستطع الدولة توفير فرص عمل لهم.
و غياب فلسفة في برامج الأحزاب السودانية تساعد على مكافحة الفقر بخلق إزدهار مادي هو ما جعل وزراء حكومة حمدوك لا ينتبهون الى وجوب ضم ديوان الزكاة كعش دبابير كيزاني الى وزارة المالية. لأن أحزاب حاضنة حمدوك مثلهم و الكيزان يظنون أن ديوان الزكاة مسؤول من محاربة الفقر و هذا خطاء غير مغتفر.
فلسفة مكافحة الفقر تقوم بها وزارة المالية و الاقتصاد بتقديم فلسفة معاصرة لا تترك مساحة لآكلي مال الزكاة للكيزان لأنهم بفهمهم الديني المتخلف يوسعون دائرة الفقر و ليس العكس كما يتوهمون.
غياب فكر قيم الجمهورية و غياب مفهوم ثورة الديمقراطية كصيرورة يحبط تطور تنمية الفكر السياسي في السودان و يقف حائط صد أمام تطور الفكر و يجعل النخب عقيمة في مسألة تقديم أقلية خلاقة تستطيع إلتقاط ما يوحيه الشعب السوداني للنخب فيما يتعلق بتأسيس دولة حديثة.
لهذا نجد التشابه في تكالب نخب حقبة الاستقلال على الوظائف و سودنة الوظائف أي ما سمي بالسودنة يشبه تكالب حاضنة حمدوك على المحاصصة و تكالبهم على الوظائف و كأن الزمن لم يمر من شدة تشابههم أي جيل السودنة و جيل حاضنة حمدوك.
و هذا سببه غياب مراكز بحوث تنطق بفكر المؤرخ غير التقليدي و عالم الاجتماع و الاقتصادي الذي يستطيع معرفة تعاقب الديناميكيات الاقتصادية و تفسيرها للظواهر الاجتماعية حيث يصبح الفرد عقلاني و أخلاقي و بديلا للطبقة.
غياب مراكز البحوث التي يسيطر عليها الاقتصادي و المؤرخ غير التقليدي و عالم الاجتماع أتاح الفرصة لظهور مراكز الطرق الصوفية للظهور بدلا عن عالم الاجتماع نجد مبادرة ود بدر الجد و بدلا عن الاقتصادي نجد شيخ كدباس و نترك الفرصة لك أيها القارئ المحترم لتضع بديلا للمؤرخ غير التقليدي أي ما يعادله من شيوخ الطرق الصوفية.
هذا هو سر فشل النخب السودانية و عدم مقدرتها على تأسيس مفهوم الشرط الانساني أي السياسة لهذا نجدها منظومة فشل إبتدأت مع جيل الاستقلال و شعارهم البائس تحرير لا تعمير و مرت على جيل ثورة اكتوبر الفاشلة و غطت على أبريل و قد وصلت لمنتهاها مع حمدوك و حاضنته و جيل عبر جيل يرزحون تحت نير سلطة الأب و ميراث التسلط رغم حديثهم المكرور عن التحول الديمقراطي منقوص النصاب بسبب تدني وعيهم بما يتعلق بالتحول الهائل في المفاهيم.
في أي مجتمع غالبا ما تجد أن المطلوب من الأقلية الخلاقة فيما يتعلق بنقل المجتمع من حيز المجتمعات التقليدية الى المجتمعات الحديثة يضعها في صراع حاد مع قيم المجتمع التقليدية و هذه هي لحظات المخاض التي تؤذن بميلاد جديد و لا يتحمل مسؤوليته غير الشخصيات التاريخية التي تستطيع أن تتجاوز القيم التقليدية للمجتمع و تعلن ميلاد قيم حديثة لا يقدر على فهمها غير عباقرة الرجال كما فعل مارتن لوثر في الاصلاح الديني و نقده للايمان التقليدي و هنا تكمن أهمية تاريخ الذهنيات و تاريخ الخوف في ميلاد شخصيات تاريخية تعبر بالأمة بلا خوف و لا وجل.
غياب الشخصية التاريخية هو ما جعل المثقف السوداني يجيد التخفي في مواجهة رياح التحولات الهائلة في المفاهيم و نضرب لك مثلا في تخفي النخب السودانية و عدم قدرتها في إنزال مفهوم العلمانية.
نجد أغلب النخب السودانية في هذا الصدد من المرجئة حيث توضّح حالتهم أي حالة الهروب الى الامام عندما يقولون أن هذا يجب إرجاءه الى المؤتمر الدستوري أو الى مرحلة تأسيس برلمان أو غيرها من أعذار توضح هروبهم من وجه مسؤولية الشخصية التاريخ و من وجه لحظة حاسمة تتطلب توضيح أن الوقت الذي نعيش فيه يمثل نقطة إنقلاب حيث لم تعد فكرة الدولة الدينية ذات قيمة.
قد وضح أن العلمانية هي في طريقها إلينا و لكن بسبب غياب الأقلية الخلاقة نجد أن الكل يتخفى خلف مؤتمر دستوري و يهرب من مسؤولية لا تقوم بها غير الشخصية التاريخية و قد تخطت الخوف الذي يستمثره رجال الدين في في إرهاب المجتمعات التقليدية.
إستثمار رجال الدين في السودان للخوف كرأسمال للخطاب الديني هو الحاجز الذي يمنعنا من التجاوب مع التحول في المفاهيم مثلا مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد حيث تكون علاقة الفرد مباشرة مع الدولة و فيها تكون مسألة إحترام كرامة الانسان كانسان بدلا من إغراقه في حوض الخوف الذي يستثمره رجال الدين و بالتالي يكون كل هم الفرد مسالة الخلاص الأخروي و كأننا لم نبارح لاهوت القرون الوسطى.
هذا اللاهوت القرووسطوي سبب تراكمه عجز المثقف السوداني في مواجهة الخطاب الديني الذي يمنع مسألة التحول الديمقراطي الذي يمجد الفرد و يكرمه وفقا لميثاق حقوق الانسان. و لهذا نجد في مجتمعنا غياب تام للمؤرخ غير التقليدي و الاقتصادي و عالم الاجتماع و حضور تام لرجال الطرق الصوفية و هذا بسبب سيطرة الخوف على عقول نخب ما زالت تتخفى خلف رجال الدين سواء كانت طرق صوفية أو أحزاب طائفية و اذا أردتم مثالا على ذلك تذكروا زيارة حمدوك للصادق المهدي و قد تهكّم عليه الصادق المهدي لأنه يعرف ضعف النخب السودانية أمام رجل الدين.
المهم في الأمر نرجع لعنوان المقال و هو دور البناء الأسري في إنتاج فكر ينعكس في إنتاج نظم سياسية و حسب عمانويل تود و هو اقتصادي و مؤرخ و انثروبولوق فرنسي و قد تنباء ذات يوم عام 1976 بسقوط الاتحاد السوفيتي و بسببه يوصف بالفيلسوف النبي و هو يرى أن دور البناء الاسري دور حاسم في إنتاج ثقافة تخدم ما يقابلها من نظم سياسية.
مثلا ثقافة الأسرة الجذعية لا تنتج غير نظم شمولية و نجدها في تاريخ المانيا و روسيا و اليابان و الصين و لكن اليابان و الصين و بسبب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية أجبرت على تبني ثقافة الأسرة النووية التي تنتج النظم الديمقراطية كما هو تاريخ للاسرة في فرنسا و بريطانيا و امريكا مع إحتفاظ اليابان على خطها في ظلمها للمرأة فيما يتعلق بالاجور و المانيا ما زالت ثقافة الأسرة الجذعية ظاهرة في مسألة نخفيض الأجور.
أما الصين و روسيا فما زالت ترزح تحت ثقافة الاسرة الجذعية و ها هي روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لم تستطع إنتاج نظام ديمقراطي و ها هو بوتن يفرض على الروس حرب لا تنتج إلا في ظل نظم شمولية كما كان يفعل صدام حسين في حروبه العبثية و هذا يوضح ثقافة الأسرة الجذعية و دورها في انتاج نظم شمولية.
من هنا نقول للنخب السودانية وقوف أحرار العالم و مساعدتنا في التحول الديمقراطي يذكرنا بمساعدة المانيا و اليابان مع الإكراه بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية لتجاوز ثقافة الأسرة الجذعية. و لنا في السودان ها هي امريكا و بريطانيا و قد أخافت السعودية و الامارات العربية و مصر و أجبرتهم على عدم عرقلة التحول الديمقراطي في السودان.
و بالتالي نقول للنخب السودانية ها هو الزمن يساعد السودان لكى يساعد من قبل أحرار العالم منأجل تحقيق التحول الديمقراطي كما ساعد العالم كل المانيا و اليابان في تجاوز ثقافة الاسرة الجذعية التي تنتج نظم شمولية و كانت سبب نزوع اليابان و المانيا للحروب من أجل الهيمنة و لكن بسبب التحول في المفاهيم ها هي اليابان و المانيا تصبح بلدان ديمقراطية عكس روسيا التي لم تتخلص من ثقافة الاسرة الجذعية.
في مقالات كثيرة قد قلت من قبل أن ثقافة الأسرة الجذعية التي قد جاءتنا مع الثقافة العربية الاسلامية التقليدية هي سبب عجزنا لتحقيق التحول الديمقراطي و في الحقيقة تاريخ السودان القديم يعاكس تاريخ الثقافة العربية الاسلامية لأن تاريخ السودان القديم يعكس روح أمة تسودها ثقافة الأسرة النووية و بالتالي قادرة على إنتاج نظم ديمقراطية.
و عليه يكون تحقيق التحول الديمقراطي ممكن إذا ما ركّزنا على ظهور ملامح الدولة أولا و من أول خطوة دون تكرار خطاء حمدوك الذي كان يعمل في ظل غياب ملامح الدولة.
و أول ملامح الدولة تتمظهر في سيطرة وزارة المالية على المال العام بعد إبعاد ركام الحركة الاسلامية من مفاصل الدولة. و أعني إبعادهم أي الكيزان من وزارة المالية و البنك المركزي بنك البنوك و حل الجهاز القضائي الكيزاني و إبعادهم من وزارة الخارجية أول بأول. و كذلك إبعاد الجيش من المناشط الاقتصادية أول بأول و إعادة كل شركات الجيش لوزارة المالية و منع الجيش من أي منشط سياسي أو اقتصادي.
و بعدها و من أول خطوة بعد ظهور ملامح الدولة تبدأ سياسات نقدية و سياسات مالية توضح علاقة الفرد بالدولة و و مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و أول ملامحمها مجانية التعليم و مجانية العلاج و الاهتمام بالحلقات الضعيفة في المجتمع بما يحفظ كرامتهم كبشر.
و لا يمكن أن تنجح أي سياسات نقدية و سياسات مالية إلا إذا عادت شركات الجيش لحضن وزارة المالية و الاقتصاد و كذلك سيطرة البنك المركزي على سياسات البنوك الكيزانية و كيفية المساعدة في إعادة المال المنهوب و و البداية به لمجانية التعليم و مجانية العلاج و مساعدة الحلقات الضعيفة في المجتمع.
taheromer86@yahoo.com
و قد قلنا لحمدوك مطالب الشعب السوداني و شعار ثورة ديسمبر المجيدة يوضح إرادة الشعب السوداني لتحقيق هيكل متين تظهر ملامحه في ملامح دولة حديثة. و مسألة غياب ملامح الدولة الحديثة من أفق حمدوك و حاضنته السياسية مسألة موروثة عند النخب السودانية.
سببه جهل بمفهوم الدولة كمفهوم حديث و كذلك مفهوم السلطة و مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و هي نتاج العلاقة المباشرة بين الفرد و الدولة و عبرها يمكننا تأسيس نواة الضمان الاجتماعي و أقل درجاته إمكانية المحافظة على كرامة الفرد و حفظها بتخصيص حد أدنى للدخل حتى للذين لم توفر لهم الدولة فرص عمل.
ما زيّن لهم أي حمدوك و حاضنته أن ما تركته الانقاذ من ركام كانوا قد ظنّوه أنه دولة و في ظل مثل ظروف عمل حمدوك و حاضنته و جهلها بقيم الجمهورية حيث تصبح الديمقراطية صيرورة و عندما نقول صيرورة الديمقراطية نعني أن ثورة الديمقراطية و فكرها قد أصبح بديلا للفكر الديني الذي يرزح تحت نيره أغلب النخب السودانية التي لا تجيد التفكير خارج وحل الفكر الديني و هذا نجده متجسد في فكر أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب و نعني أتباع أحزاب الطائفية و الحركة الاسلامية و السلفيين.
لهذا نجد أن حقبة حمدوك و غياب ملامح الدولة فيها ما هي إلا تكرار لشعار نخب حقبة الاستقلال و شعارهم تحرير لا تعمير و هو شعار يوضح لك جهل نخب حقب الاستعمار و الذين قادوا ما بعد الاستقلال. في هذا الشعار تتضح لك غياب مفاهيم أهمها علاقة الفرد بالدولة و ما يرتب على الدولة من مسؤولية اجتماعية نحو الفرد.
هذا الغياب لمفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد إنعكس في نشاط و فكر أحزاب سودانية لم نسمع في برامجهم عن فلسفة لخلق الثروة و كذلك فلسفة أعادة توزيع الثروة و أقل مستوياتها في مجانية التعليم حتى عمر ستة عشر عام للأطفال و مجانية العلاج و بعده تطوير فكرة الضمان الاجتماعي للقادرين على العمل و لم تستطع الدولة توفير فرص عمل لهم.
و غياب فلسفة في برامج الأحزاب السودانية تساعد على مكافحة الفقر بخلق إزدهار مادي هو ما جعل وزراء حكومة حمدوك لا ينتبهون الى وجوب ضم ديوان الزكاة كعش دبابير كيزاني الى وزارة المالية. لأن أحزاب حاضنة حمدوك مثلهم و الكيزان يظنون أن ديوان الزكاة مسؤول من محاربة الفقر و هذا خطاء غير مغتفر.
فلسفة مكافحة الفقر تقوم بها وزارة المالية و الاقتصاد بتقديم فلسفة معاصرة لا تترك مساحة لآكلي مال الزكاة للكيزان لأنهم بفهمهم الديني المتخلف يوسعون دائرة الفقر و ليس العكس كما يتوهمون.
غياب فكر قيم الجمهورية و غياب مفهوم ثورة الديمقراطية كصيرورة يحبط تطور تنمية الفكر السياسي في السودان و يقف حائط صد أمام تطور الفكر و يجعل النخب عقيمة في مسألة تقديم أقلية خلاقة تستطيع إلتقاط ما يوحيه الشعب السوداني للنخب فيما يتعلق بتأسيس دولة حديثة.
لهذا نجد التشابه في تكالب نخب حقبة الاستقلال على الوظائف و سودنة الوظائف أي ما سمي بالسودنة يشبه تكالب حاضنة حمدوك على المحاصصة و تكالبهم على الوظائف و كأن الزمن لم يمر من شدة تشابههم أي جيل السودنة و جيل حاضنة حمدوك.
و هذا سببه غياب مراكز بحوث تنطق بفكر المؤرخ غير التقليدي و عالم الاجتماع و الاقتصادي الذي يستطيع معرفة تعاقب الديناميكيات الاقتصادية و تفسيرها للظواهر الاجتماعية حيث يصبح الفرد عقلاني و أخلاقي و بديلا للطبقة.
غياب مراكز البحوث التي يسيطر عليها الاقتصادي و المؤرخ غير التقليدي و عالم الاجتماع أتاح الفرصة لظهور مراكز الطرق الصوفية للظهور بدلا عن عالم الاجتماع نجد مبادرة ود بدر الجد و بدلا عن الاقتصادي نجد شيخ كدباس و نترك الفرصة لك أيها القارئ المحترم لتضع بديلا للمؤرخ غير التقليدي أي ما يعادله من شيوخ الطرق الصوفية.
هذا هو سر فشل النخب السودانية و عدم مقدرتها على تأسيس مفهوم الشرط الانساني أي السياسة لهذا نجدها منظومة فشل إبتدأت مع جيل الاستقلال و شعارهم البائس تحرير لا تعمير و مرت على جيل ثورة اكتوبر الفاشلة و غطت على أبريل و قد وصلت لمنتهاها مع حمدوك و حاضنته و جيل عبر جيل يرزحون تحت نير سلطة الأب و ميراث التسلط رغم حديثهم المكرور عن التحول الديمقراطي منقوص النصاب بسبب تدني وعيهم بما يتعلق بالتحول الهائل في المفاهيم.
في أي مجتمع غالبا ما تجد أن المطلوب من الأقلية الخلاقة فيما يتعلق بنقل المجتمع من حيز المجتمعات التقليدية الى المجتمعات الحديثة يضعها في صراع حاد مع قيم المجتمع التقليدية و هذه هي لحظات المخاض التي تؤذن بميلاد جديد و لا يتحمل مسؤوليته غير الشخصيات التاريخية التي تستطيع أن تتجاوز القيم التقليدية للمجتمع و تعلن ميلاد قيم حديثة لا يقدر على فهمها غير عباقرة الرجال كما فعل مارتن لوثر في الاصلاح الديني و نقده للايمان التقليدي و هنا تكمن أهمية تاريخ الذهنيات و تاريخ الخوف في ميلاد شخصيات تاريخية تعبر بالأمة بلا خوف و لا وجل.
غياب الشخصية التاريخية هو ما جعل المثقف السوداني يجيد التخفي في مواجهة رياح التحولات الهائلة في المفاهيم و نضرب لك مثلا في تخفي النخب السودانية و عدم قدرتها في إنزال مفهوم العلمانية.
نجد أغلب النخب السودانية في هذا الصدد من المرجئة حيث توضّح حالتهم أي حالة الهروب الى الامام عندما يقولون أن هذا يجب إرجاءه الى المؤتمر الدستوري أو الى مرحلة تأسيس برلمان أو غيرها من أعذار توضح هروبهم من وجه مسؤولية الشخصية التاريخ و من وجه لحظة حاسمة تتطلب توضيح أن الوقت الذي نعيش فيه يمثل نقطة إنقلاب حيث لم تعد فكرة الدولة الدينية ذات قيمة.
قد وضح أن العلمانية هي في طريقها إلينا و لكن بسبب غياب الأقلية الخلاقة نجد أن الكل يتخفى خلف مؤتمر دستوري و يهرب من مسؤولية لا تقوم بها غير الشخصية التاريخية و قد تخطت الخوف الذي يستمثره رجال الدين في في إرهاب المجتمعات التقليدية.
إستثمار رجال الدين في السودان للخوف كرأسمال للخطاب الديني هو الحاجز الذي يمنعنا من التجاوب مع التحول في المفاهيم مثلا مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد حيث تكون علاقة الفرد مباشرة مع الدولة و فيها تكون مسألة إحترام كرامة الانسان كانسان بدلا من إغراقه في حوض الخوف الذي يستثمره رجال الدين و بالتالي يكون كل هم الفرد مسالة الخلاص الأخروي و كأننا لم نبارح لاهوت القرون الوسطى.
هذا اللاهوت القرووسطوي سبب تراكمه عجز المثقف السوداني في مواجهة الخطاب الديني الذي يمنع مسألة التحول الديمقراطي الذي يمجد الفرد و يكرمه وفقا لميثاق حقوق الانسان. و لهذا نجد في مجتمعنا غياب تام للمؤرخ غير التقليدي و الاقتصادي و عالم الاجتماع و حضور تام لرجال الطرق الصوفية و هذا بسبب سيطرة الخوف على عقول نخب ما زالت تتخفى خلف رجال الدين سواء كانت طرق صوفية أو أحزاب طائفية و اذا أردتم مثالا على ذلك تذكروا زيارة حمدوك للصادق المهدي و قد تهكّم عليه الصادق المهدي لأنه يعرف ضعف النخب السودانية أمام رجل الدين.
المهم في الأمر نرجع لعنوان المقال و هو دور البناء الأسري في إنتاج فكر ينعكس في إنتاج نظم سياسية و حسب عمانويل تود و هو اقتصادي و مؤرخ و انثروبولوق فرنسي و قد تنباء ذات يوم عام 1976 بسقوط الاتحاد السوفيتي و بسببه يوصف بالفيلسوف النبي و هو يرى أن دور البناء الاسري دور حاسم في إنتاج ثقافة تخدم ما يقابلها من نظم سياسية.
مثلا ثقافة الأسرة الجذعية لا تنتج غير نظم شمولية و نجدها في تاريخ المانيا و روسيا و اليابان و الصين و لكن اليابان و الصين و بسبب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية أجبرت على تبني ثقافة الأسرة النووية التي تنتج النظم الديمقراطية كما هو تاريخ للاسرة في فرنسا و بريطانيا و امريكا مع إحتفاظ اليابان على خطها في ظلمها للمرأة فيما يتعلق بالاجور و المانيا ما زالت ثقافة الأسرة الجذعية ظاهرة في مسألة نخفيض الأجور.
أما الصين و روسيا فما زالت ترزح تحت ثقافة الاسرة الجذعية و ها هي روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لم تستطع إنتاج نظام ديمقراطي و ها هو بوتن يفرض على الروس حرب لا تنتج إلا في ظل نظم شمولية كما كان يفعل صدام حسين في حروبه العبثية و هذا يوضح ثقافة الأسرة الجذعية و دورها في انتاج نظم شمولية.
من هنا نقول للنخب السودانية وقوف أحرار العالم و مساعدتنا في التحول الديمقراطي يذكرنا بمساعدة المانيا و اليابان مع الإكراه بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية لتجاوز ثقافة الأسرة الجذعية. و لنا في السودان ها هي امريكا و بريطانيا و قد أخافت السعودية و الامارات العربية و مصر و أجبرتهم على عدم عرقلة التحول الديمقراطي في السودان.
و بالتالي نقول للنخب السودانية ها هو الزمن يساعد السودان لكى يساعد من قبل أحرار العالم منأجل تحقيق التحول الديمقراطي كما ساعد العالم كل المانيا و اليابان في تجاوز ثقافة الاسرة الجذعية التي تنتج نظم شمولية و كانت سبب نزوع اليابان و المانيا للحروب من أجل الهيمنة و لكن بسبب التحول في المفاهيم ها هي اليابان و المانيا تصبح بلدان ديمقراطية عكس روسيا التي لم تتخلص من ثقافة الاسرة الجذعية.
في مقالات كثيرة قد قلت من قبل أن ثقافة الأسرة الجذعية التي قد جاءتنا مع الثقافة العربية الاسلامية التقليدية هي سبب عجزنا لتحقيق التحول الديمقراطي و في الحقيقة تاريخ السودان القديم يعاكس تاريخ الثقافة العربية الاسلامية لأن تاريخ السودان القديم يعكس روح أمة تسودها ثقافة الأسرة النووية و بالتالي قادرة على إنتاج نظم ديمقراطية.
و عليه يكون تحقيق التحول الديمقراطي ممكن إذا ما ركّزنا على ظهور ملامح الدولة أولا و من أول خطوة دون تكرار خطاء حمدوك الذي كان يعمل في ظل غياب ملامح الدولة.
و أول ملامح الدولة تتمظهر في سيطرة وزارة المالية على المال العام بعد إبعاد ركام الحركة الاسلامية من مفاصل الدولة. و أعني إبعادهم أي الكيزان من وزارة المالية و البنك المركزي بنك البنوك و حل الجهاز القضائي الكيزاني و إبعادهم من وزارة الخارجية أول بأول. و كذلك إبعاد الجيش من المناشط الاقتصادية أول بأول و إعادة كل شركات الجيش لوزارة المالية و منع الجيش من أي منشط سياسي أو اقتصادي.
و بعدها و من أول خطوة بعد ظهور ملامح الدولة تبدأ سياسات نقدية و سياسات مالية توضح علاقة الفرد بالدولة و و مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و أول ملامحمها مجانية التعليم و مجانية العلاج و الاهتمام بالحلقات الضعيفة في المجتمع بما يحفظ كرامتهم كبشر.
و لا يمكن أن تنجح أي سياسات نقدية و سياسات مالية إلا إذا عادت شركات الجيش لحضن وزارة المالية و الاقتصاد و كذلك سيطرة البنك المركزي على سياسات البنوك الكيزانية و كيفية المساعدة في إعادة المال المنهوب و و البداية به لمجانية التعليم و مجانية العلاج و مساعدة الحلقات الضعيفة في المجتمع.
taheromer86@yahoo.com