عرض لكتاب “تاريخ ملوك السودان” .. عوض ساتي .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
بدر الدين حامد الهاشمي
16 February, 2023
16 February, 2023
مقدمة: هذا عرض لكتاب "تاريخ ملوك السودان" (عن تاريخ السلطنة السنارية والإدارة المصرية) لكاتب الشونة أحمد بن الحاج أبو علي (1784م - ؟) الذي حققه وعلق عليه الأستاذ الدكتور مكي شبيكة (1905 – 1980م). نشر شبيكة كتابه بعنوان "تاريخ ملوك السودان" عام 1947م بالخرطوم، ونشره مرة أخرى بالقاهرة بعنوان "مخطط كاتب الشونة" عام 1963م.
نُشِرَ العرض عام 1949م في الجزء الأول من المجلد الثلاثين لمجلة "السودان في رسائل ومدونات SNR" (ص 130 – 131). وكاتب العرض هو الأستاذ عوض ساتي (1901 – 1972م)، الذي درس في كلية غردون، ثم التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت متخصصاً في الرياضيات والفلك، وعمل أستاذاً بكلية غردون، وأميناً عاماً لمؤتمر الخريجين بين عامي 1942 و1944م. وعمل فيما بعد أول سفير للسودان في المملكة المتحدة. ويعد الأستاذ عوض ساتي من الرعيل الأول للحركة التعليمية والتربوية والوطنية بالبلاد.
والجدير بالذكر أن المصري الشاطر بصيلي عبد الجليل كان قد نشر عام 1961م تحقيقا لهذا الكتاب بعنوان "مخطوطة كاتب الشونة في تاريخ السلطنة السنارية والإدارة المصرية (في سلسلة "تراثنا") تضمن حصراً لعدد كبير من مخطوطات هذا الكتاب في المكتبات الأوربية المختلفة. ونشر الأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن عام 2018م تحقيقا لهذا الكتاب بعنوان "كتاب تأريخ ملوك سنار والحكم التركي المصري في السودان". ونشر كذلك الأستاذ الدكتور بركات موسى الحواتي كتابا صدر بعنوان "إعادة قراءة وترتيب لتاريخ ملوك السودان". وترجم المؤرخ البريطاني بيتر هولت تلك الوثيقة كاملة للغة الإنجليزية. يمكن النظر في هذا المقال المترجم عن ذلك: https://rb.gy/s2nekc
المترجم
********** ********** *********
عثر مكي أفندي شبيكة وهو ينقب في الوثائق والسِجِلاّت بالقاهرة على وثيقة مشهورة أرسلها غوردون إلى سمو خديوي مصر، وأرفق له معها خطاباً (بتاريخ 3 رمضان 1295هـ، 1877م) ذكر له فيه أنه قد تحصل على نسخة من كُرّاسة (pamphlet) سُجِّلَ فيها تاريخ ملوك سنار حتى الاحتلال التركي – المصري للبلاد. ووردت في تلك الكُرّاسة أيضاً قصص الحكام (الحكمداريين) المصريين منذ عهد إسماعيل باشا حتى زمن ممتاز باشا حكمدار جنوب السودان. ويُعْتَقَدُ بأن غردون حمل معه بعد استقالته من عمله بالسودان نسخةً أخرى من تلك الكُرّاسة، وأودعها المتحف البريطاني.
وظلت تلك الكُرّاسة – وكانت الوثيقة الوحيدة الأصلية الموجودة - هي المصدر الوحيد الموثوق به لدى العديد من المؤرخين. واِسْتَقى منها، بدرجة أكبر أو أقل، الكثير من الكُتَّاب (مثل الجنرال ستيوارت في تقريره عن السودان، ونعوم شقير في كتابه "تاريخ السودان"، وماكمايكل في مؤلفه "قبائل شمال ووسط كردفان"، وجاكسون في كتابه المعنون "سن النار"، مع آخرين كُثر) معلوماتهم من هذه الكُرّاسة.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي أُولِيَتْ لهذه الوثيقة، إلا أن كاتبها لم يكن معروفا على وجه اليقين. لذا تصدى مكي شبيكة للقيام بأول عمل بحثي مطول ومُضْنٍ ومتأنٍّ عن تلك الكُرّاسة، خاصةً وقد كان بمقدوره – بصفته محاضراً في علم تاريخ السودان الحديث بكلية غردون التذكارية - الاطلاع على ما هو موجود في مكتبة السكرتير الإداري في الخرطوم، ومكتبات القاهرة وأرشيف قصر عابدين.
وأصيب مكي شبيكة بالإحباط من أن ماكمايكل ختم ترجمته لنص تلك الكُرّاسة بتعليق مفاده أنه (أي ماكمايكل) يخمن أن كتابها هو رجل من قبيلة اليعقوباب، وأنه ربما يكون من أتباع الطريقة السمانية، وأنه قد يكون قد عاش في الخرطوم لبعض الوقت عندما كان موظفا حكومياً. وكان هذا هو كل شيء. غير أن جاكسون كان – فيما يبدو – متحمساً ومشجعاً أكثر من ماكمايكل. فعلى الرغم من أن جاكسون لم يذكر اسم الكاتب الأصلي لتلك الكُرّاسة، إلا أنه أقر بأن "الشيخ إبراهيم عبد الدافع هو من وضع ذلك التاريخ في صورته النهائية، مع بعض الإضافات التي أتت من الشيخ الزبير ود حوة". وذكر خبير آخر هو نعوم شقير بأنه استقى مصادره من كتابين لإبراهيم عبد الدافع والزبير ود حوة.
أما مكي شبيكة فقد عثر في القاهرة على نسخة مختلفة في الأسلوب والتفاصيل عن تلك النسخ التي كان قد وجدها في مكتبة السكرتير الإداري بالخرطوم، وتنتهي باسم أحمد باشا أبو ودان (هو الحكمدار أحمد باشا جركس، صهر محمد علي باشا. حكم السودان بين 1839 و1844م. المترجم). ووجد مكي شبيكة في نسخة القاهرة أن كاتبها قد ألحق بها سيرته الذاتية، ووجد أيضا نسخة مختلفة عن غيرها من النسخ عند الشيخ عمر دفع الله بأم درمان، كان مكتوباً أنها بقلم الزبير ود حوة. وبذا توفرت لمكي شبيكة ثلاث نسخ من تلك الكُرّاسة، تنتهي الأولى باسم أحمد باشا أبو ودان، والثانية باسم ممتاز باشا، والثالثة باسم (الفريق) موسى حمدي باشا؛ وبها جميعاً اسم المؤلف. فعكف مكي شبيكة على التحقق من تلك النسخ ومقارنتها مع بعضها.
لم يجد مكي شبيكة صعوبة تذكر في أن يخلص إلى أن تلك النسخ هي نسخ متطابقة لذات الكُرّاسة، وكلها تبدأ بما يفيد أن كاتب الشونة عمل على "تسجيل تاريخ أرض النوبة وقصة ملوكها، بدءًا من الفونج حتى وقتي، بما في ذلك الأتراك الذين خلفوهم، وكيف تم تدمير مملكة الفونج. والله أعلم"
وأورد مكي شبيكة في الجزء الأخير من الكتاب تعليقا، أوضح فيه معاني بعض العبارات الغامضة، وغريب أسماء البشر والأماكن التي وردت في الكُرّاسة. وإضافة إلى ذلك، أورد شبيكة مقولات من سبقوه من مؤرخين، ومكاتبات المسؤولين، بقصد تكملة أو تأكيد أو شرح أحداث معينة ذات أهمية خاصة.
لا شك عندي في أن هذا الكتاب يعد انجازاً كبيرا، يوضح بجلاء روح التقصي والتحقيق والبحث العلمي التي بدأت تتشكل الان في الجامعة الحديثة. غير أنه يصبح القول بأن الكتاب يتسم – بصورة عامة - بعدم الترتيب، وليس به فهرست أو جدول محتويات، وطباعته رديئة؛ غير أن هذه النواقص لا تقلل من أهميته التاريخية العظيمة، أو من طلاوة قراءة محتوياته.
عوض ساتي
alibadreldin@hotmail.com
/////////////////////////
نُشِرَ العرض عام 1949م في الجزء الأول من المجلد الثلاثين لمجلة "السودان في رسائل ومدونات SNR" (ص 130 – 131). وكاتب العرض هو الأستاذ عوض ساتي (1901 – 1972م)، الذي درس في كلية غردون، ثم التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت متخصصاً في الرياضيات والفلك، وعمل أستاذاً بكلية غردون، وأميناً عاماً لمؤتمر الخريجين بين عامي 1942 و1944م. وعمل فيما بعد أول سفير للسودان في المملكة المتحدة. ويعد الأستاذ عوض ساتي من الرعيل الأول للحركة التعليمية والتربوية والوطنية بالبلاد.
والجدير بالذكر أن المصري الشاطر بصيلي عبد الجليل كان قد نشر عام 1961م تحقيقا لهذا الكتاب بعنوان "مخطوطة كاتب الشونة في تاريخ السلطنة السنارية والإدارة المصرية (في سلسلة "تراثنا") تضمن حصراً لعدد كبير من مخطوطات هذا الكتاب في المكتبات الأوربية المختلفة. ونشر الأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن عام 2018م تحقيقا لهذا الكتاب بعنوان "كتاب تأريخ ملوك سنار والحكم التركي المصري في السودان". ونشر كذلك الأستاذ الدكتور بركات موسى الحواتي كتابا صدر بعنوان "إعادة قراءة وترتيب لتاريخ ملوك السودان". وترجم المؤرخ البريطاني بيتر هولت تلك الوثيقة كاملة للغة الإنجليزية. يمكن النظر في هذا المقال المترجم عن ذلك: https://rb.gy/s2nekc
المترجم
********** ********** *********
عثر مكي أفندي شبيكة وهو ينقب في الوثائق والسِجِلاّت بالقاهرة على وثيقة مشهورة أرسلها غوردون إلى سمو خديوي مصر، وأرفق له معها خطاباً (بتاريخ 3 رمضان 1295هـ، 1877م) ذكر له فيه أنه قد تحصل على نسخة من كُرّاسة (pamphlet) سُجِّلَ فيها تاريخ ملوك سنار حتى الاحتلال التركي – المصري للبلاد. ووردت في تلك الكُرّاسة أيضاً قصص الحكام (الحكمداريين) المصريين منذ عهد إسماعيل باشا حتى زمن ممتاز باشا حكمدار جنوب السودان. ويُعْتَقَدُ بأن غردون حمل معه بعد استقالته من عمله بالسودان نسخةً أخرى من تلك الكُرّاسة، وأودعها المتحف البريطاني.
وظلت تلك الكُرّاسة – وكانت الوثيقة الوحيدة الأصلية الموجودة - هي المصدر الوحيد الموثوق به لدى العديد من المؤرخين. واِسْتَقى منها، بدرجة أكبر أو أقل، الكثير من الكُتَّاب (مثل الجنرال ستيوارت في تقريره عن السودان، ونعوم شقير في كتابه "تاريخ السودان"، وماكمايكل في مؤلفه "قبائل شمال ووسط كردفان"، وجاكسون في كتابه المعنون "سن النار"، مع آخرين كُثر) معلوماتهم من هذه الكُرّاسة.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي أُولِيَتْ لهذه الوثيقة، إلا أن كاتبها لم يكن معروفا على وجه اليقين. لذا تصدى مكي شبيكة للقيام بأول عمل بحثي مطول ومُضْنٍ ومتأنٍّ عن تلك الكُرّاسة، خاصةً وقد كان بمقدوره – بصفته محاضراً في علم تاريخ السودان الحديث بكلية غردون التذكارية - الاطلاع على ما هو موجود في مكتبة السكرتير الإداري في الخرطوم، ومكتبات القاهرة وأرشيف قصر عابدين.
وأصيب مكي شبيكة بالإحباط من أن ماكمايكل ختم ترجمته لنص تلك الكُرّاسة بتعليق مفاده أنه (أي ماكمايكل) يخمن أن كتابها هو رجل من قبيلة اليعقوباب، وأنه ربما يكون من أتباع الطريقة السمانية، وأنه قد يكون قد عاش في الخرطوم لبعض الوقت عندما كان موظفا حكومياً. وكان هذا هو كل شيء. غير أن جاكسون كان – فيما يبدو – متحمساً ومشجعاً أكثر من ماكمايكل. فعلى الرغم من أن جاكسون لم يذكر اسم الكاتب الأصلي لتلك الكُرّاسة، إلا أنه أقر بأن "الشيخ إبراهيم عبد الدافع هو من وضع ذلك التاريخ في صورته النهائية، مع بعض الإضافات التي أتت من الشيخ الزبير ود حوة". وذكر خبير آخر هو نعوم شقير بأنه استقى مصادره من كتابين لإبراهيم عبد الدافع والزبير ود حوة.
أما مكي شبيكة فقد عثر في القاهرة على نسخة مختلفة في الأسلوب والتفاصيل عن تلك النسخ التي كان قد وجدها في مكتبة السكرتير الإداري بالخرطوم، وتنتهي باسم أحمد باشا أبو ودان (هو الحكمدار أحمد باشا جركس، صهر محمد علي باشا. حكم السودان بين 1839 و1844م. المترجم). ووجد مكي شبيكة في نسخة القاهرة أن كاتبها قد ألحق بها سيرته الذاتية، ووجد أيضا نسخة مختلفة عن غيرها من النسخ عند الشيخ عمر دفع الله بأم درمان، كان مكتوباً أنها بقلم الزبير ود حوة. وبذا توفرت لمكي شبيكة ثلاث نسخ من تلك الكُرّاسة، تنتهي الأولى باسم أحمد باشا أبو ودان، والثانية باسم ممتاز باشا، والثالثة باسم (الفريق) موسى حمدي باشا؛ وبها جميعاً اسم المؤلف. فعكف مكي شبيكة على التحقق من تلك النسخ ومقارنتها مع بعضها.
لم يجد مكي شبيكة صعوبة تذكر في أن يخلص إلى أن تلك النسخ هي نسخ متطابقة لذات الكُرّاسة، وكلها تبدأ بما يفيد أن كاتب الشونة عمل على "تسجيل تاريخ أرض النوبة وقصة ملوكها، بدءًا من الفونج حتى وقتي، بما في ذلك الأتراك الذين خلفوهم، وكيف تم تدمير مملكة الفونج. والله أعلم"
وأورد مكي شبيكة في الجزء الأخير من الكتاب تعليقا، أوضح فيه معاني بعض العبارات الغامضة، وغريب أسماء البشر والأماكن التي وردت في الكُرّاسة. وإضافة إلى ذلك، أورد شبيكة مقولات من سبقوه من مؤرخين، ومكاتبات المسؤولين، بقصد تكملة أو تأكيد أو شرح أحداث معينة ذات أهمية خاصة.
لا شك عندي في أن هذا الكتاب يعد انجازاً كبيرا، يوضح بجلاء روح التقصي والتحقيق والبحث العلمي التي بدأت تتشكل الان في الجامعة الحديثة. غير أنه يصبح القول بأن الكتاب يتسم – بصورة عامة - بعدم الترتيب، وليس به فهرست أو جدول محتويات، وطباعته رديئة؛ غير أن هذه النواقص لا تقلل من أهميته التاريخية العظيمة، أو من طلاوة قراءة محتوياته.
عوض ساتي
alibadreldin@hotmail.com
/////////////////////////