المَخْرَجْ
محمد عتيق
20 February, 2023
20 February, 2023
خارج المتاهة /
الاعتقاد في أنه لا صلاحَ لأحوالنا الوطنية إلّا بصعود الأجيال الجديدة الشابة إلى مواقع القيادة في الأحزاب السياسية يزداد رسوخاً ووضوحاً مع كل أزمةٍ تتفجر في ساحة الوطن والثورة بين القوى السياسية .. هذا الإعتقاد له أسبابه المُسْتَمَدَّة من سلوك ومواقف تلك القوى ، سلوك ومواقف قياداتها التي لا أَمَلَ في أن تتغير لأنها جزء من الثقافة التي سادت في حياتنا عموماً وتعمَّقت خلال حكم الاسلامويين الذي استغرق نصف عُمْر السودان المستقل ، ثقافةَ أنّ السياسة "فهلوة" ، نصبٌ للمقالب ، واستعلاءٌ على الآخرين ، أن كل من يعمل بالسياسة سيكون في السلطة يوماً ، مُتنفِّذاً وثرياً ، وأنّ كل من التحق بالكلية الحربية هو مشروع قائدٍ لإنقلابٍ عسكري ورئيسٍ للبلاد ... هكذا ، وهو السلوك أو المفهوم الذي تعاملنا به مع مطالب إخوتنا في جنوب البلاد واحتجاجاتهم المشروعة ضد التمييز ؛ بَدَأْنا معهم بنقضنا للعهود التي نقطعها لهم بتلبية مطالب بسيطة وعادلة تطوَّرت من المساواة إلى الحكم الذاتي ، ومن عدم استغلال الأديان في العمل السياسي إلى المطالبة بحق تقرير المصير فالانفصال.. وكان رد الفعل الطبيعي هو التمرد على الدولة وتأسيس الكيانات العسكرية المقاتلة ضدها فبدأ الاستقطاب الإقليمي والدولي والتدخُّل المباشر في شؤون البلاد وسياساتها بما يخدم أهداف تلك القوى الإقليمية والدولية.. ومع التمرد في عهد الاسلامويين مع الحركة الشعبية بقيادة الشهيد جون قرنق جاءت مبادرات مختلفة للسلام وهي تحمل بنوداً تتعلق باقتسام السلطة والثروة لتصبح "انجيلاً" تعمل بها الحركات المسلحة اللاحقة وتطرحها أجندةً في التفاوض دون حسابٍ لواقع الوطن ومواجعه ، دون أي حسابٍ إلّا حساب الكسب الشخصي في وظائف الدولة وثرواتها ..
الآن ، نحن في كتلٍ متنافرة/متصارعة بينما العالم متكالبٌ علينا وعلى وطننا متحداً في هدف استغلالنا ونهب مواردنا ، كُلٌّ نحو غرضه المعين : الموقع "باطن الأرض وسواحله" ، الإمكانيات الزراعية ، المياه... إلخ..إلخ، يأتوننا باسم الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان ، وباسم الفترة الإنتقالية وانجاحها ، باسم "الثورة" وعين كل منهم على هدفه .. يعملون على التفريق بيننا بتقريب هذا وابعاد ذاك ، افراداً وجماعات (إضعافاً لساحة الشعب وثورته) ونحن نساعدهم في تهيئة الساحة ، بوعىٍ أو بدونه ..
فإذا اعتبرنا أن الذي حدث في ٢٠١٩ من بروز اللجنة الأمنية للبشير بدعوى "انحياز الجيش للشعب" ثم تنازل ابن عوف - تحت ضغط الشعب وثورته - للبرهان بالإسم جزءاً من صراع الشعب وثورته ضد الاسلامويين .. كذلك جاء ابتعاد الحركات المسلحة عن قوى الحرية والتغيير وطوافها عواصم الإقليم تستجدي إشرافاً على "محادثاتِ سلامٍ" تريدها بعيداً عن الشعب وثورته تعبيراً عن طبيعتها المعادية للديمقراطية وانسجاماً مع الثقافة الموروثة من سنوات "الإنقاذ" الثلاثين التي انتهجت سياسات التلاعب بتلك الحركات وكسب الوقت في مواجهتها .. ثم عَبَّرت عن ذلك أكثر بتواطؤها مع حميدتي و"المكون العسكري" ، تواطأت وفاوضت من قاتلوهم بالأمس ، مع دُخَلَاءَ على ثورة الشعب ، وأثبتت بذلك أنها دخيلةٌ أيضاً على الثورة ، وأنها جزءٌ من ثقافة "الإنقاذ" والجزء السلبي من موروثنا الثقافي ، جزءاً من المعادلات السياسية "التعيسة" القائمة في بلادنا..
هذا ما ورثناه ، وهكذا سلوكنا : نلتقي مع الأجنبي ونحتمي بالمجتمع الدولي ، ولا نلتقي بإبن الوطن ، زميل الثورة ، سليل الشعب الذي هو - في الحقيقة - الملجأ والسند ، مصدر القوة والالهام ... نحتمي به ونقول للآخر : من الذي فَوَّضَك ؟ ، فيرد عليه الآخر : وأنت ، من فوضك؟ ، بينما التفويض من الشعب بحق الثورة وشرعيتها شريطة أن نكون مُوَحَّدِين ، بوصلتنا : مصالح الشعب وعِزَّة الوطن ..
تأخذنا العزة بالاثم في الاحتماء بالأجنبي ونعلن (معه) قفل أبواب الإشتراك (معنا) إلّا على الحركات المسلحة "أطراف سلام جوبا"
وليس أقل من ذلك كثيراً أن القوى الأخرى لم تتوحد ، رغم صحة المواقف المُعلنة ، فهي كتلٌ متفرقةٌ تُعلن المَخْرَج "نظرياً" ولا تفعل شيئاً على الصعيد العملي :
- هذه الكتلة تدعو لبناء أوسع جبهة شعبية لاسقاط الإنقلاب...إلخ
- وتلك تدعو لاستئناف الثورة نحو تغيير جذري في واقع البلاد ..
- وكتلة ثالثة تؤكد على سلامة تلك الشعارات شرط أن يلتقي الجميع أولاً في منصة التأسيس التي انطلقوا منها مع شعبهم ليعيدوا تأسيس أنفسهم أداةً تنظيميةً/سياسيةً ....إلخ وهكذا ..
كلها تقصي بعضها البعض وتَدَّعِي تمثيل الشعب والثورة وهم ، كنخب وكقيادة ، كان يمكنهم ، ولكي يتفادى الشعب مثل هذه المزالق ، أن يعملوا على قفل أبواب الثورة في وجه الغرباء عنها ، حلفاء النظام الساقط وصنائعه ، غير ذوي العلاقة بها ، بدلاً عن الاحتماء بالأجنبي والعمل معه على تقرير مصير الوطن غالقاً أبواب الالتحاق بالحلف إلّا على أطراف "سلام جوبا" ..
كما يقول أهلنا : "الحصل حصل" ، وتفسير ذلك ذكرناه في الحديث عن موروثنا السياسي الذي أصبح ثقافةً تحمل قيادات الأحزاب - بنسبٍ متفاوتة - بعضاً منها لتكون أحزابنا هكذا جزراً معزولةً وكتلاً متشاكسةً تختلط فيها المصالح الوطنية مع الشخصية مع عُقَدٍ أخرى لا يصح ذكرها الآن ... فإذا كانت الأجيال الجديدة وقواها الصاعدة فعلاً هي قوى الثورة وفعلها التاريخي فإن عليها واجب هام أن تنسجم مع ذلك التعريف فلا تنحاز إلّا *للوطن المدني الديمقراطي* ، لا تنحاز إلى أحزابها بل تتقدم لقيادتها ، لقيادة تلك الأحزاب فهي طريقها لقيادة الثورة بصورة تاريخية صحيحة ، وهي وسيلتها لتأسيس ديمقراطية حقيقية في تربة هذا الوطن ..
19.02.2023
atieg@hotmail.com
الاعتقاد في أنه لا صلاحَ لأحوالنا الوطنية إلّا بصعود الأجيال الجديدة الشابة إلى مواقع القيادة في الأحزاب السياسية يزداد رسوخاً ووضوحاً مع كل أزمةٍ تتفجر في ساحة الوطن والثورة بين القوى السياسية .. هذا الإعتقاد له أسبابه المُسْتَمَدَّة من سلوك ومواقف تلك القوى ، سلوك ومواقف قياداتها التي لا أَمَلَ في أن تتغير لأنها جزء من الثقافة التي سادت في حياتنا عموماً وتعمَّقت خلال حكم الاسلامويين الذي استغرق نصف عُمْر السودان المستقل ، ثقافةَ أنّ السياسة "فهلوة" ، نصبٌ للمقالب ، واستعلاءٌ على الآخرين ، أن كل من يعمل بالسياسة سيكون في السلطة يوماً ، مُتنفِّذاً وثرياً ، وأنّ كل من التحق بالكلية الحربية هو مشروع قائدٍ لإنقلابٍ عسكري ورئيسٍ للبلاد ... هكذا ، وهو السلوك أو المفهوم الذي تعاملنا به مع مطالب إخوتنا في جنوب البلاد واحتجاجاتهم المشروعة ضد التمييز ؛ بَدَأْنا معهم بنقضنا للعهود التي نقطعها لهم بتلبية مطالب بسيطة وعادلة تطوَّرت من المساواة إلى الحكم الذاتي ، ومن عدم استغلال الأديان في العمل السياسي إلى المطالبة بحق تقرير المصير فالانفصال.. وكان رد الفعل الطبيعي هو التمرد على الدولة وتأسيس الكيانات العسكرية المقاتلة ضدها فبدأ الاستقطاب الإقليمي والدولي والتدخُّل المباشر في شؤون البلاد وسياساتها بما يخدم أهداف تلك القوى الإقليمية والدولية.. ومع التمرد في عهد الاسلامويين مع الحركة الشعبية بقيادة الشهيد جون قرنق جاءت مبادرات مختلفة للسلام وهي تحمل بنوداً تتعلق باقتسام السلطة والثروة لتصبح "انجيلاً" تعمل بها الحركات المسلحة اللاحقة وتطرحها أجندةً في التفاوض دون حسابٍ لواقع الوطن ومواجعه ، دون أي حسابٍ إلّا حساب الكسب الشخصي في وظائف الدولة وثرواتها ..
الآن ، نحن في كتلٍ متنافرة/متصارعة بينما العالم متكالبٌ علينا وعلى وطننا متحداً في هدف استغلالنا ونهب مواردنا ، كُلٌّ نحو غرضه المعين : الموقع "باطن الأرض وسواحله" ، الإمكانيات الزراعية ، المياه... إلخ..إلخ، يأتوننا باسم الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان ، وباسم الفترة الإنتقالية وانجاحها ، باسم "الثورة" وعين كل منهم على هدفه .. يعملون على التفريق بيننا بتقريب هذا وابعاد ذاك ، افراداً وجماعات (إضعافاً لساحة الشعب وثورته) ونحن نساعدهم في تهيئة الساحة ، بوعىٍ أو بدونه ..
فإذا اعتبرنا أن الذي حدث في ٢٠١٩ من بروز اللجنة الأمنية للبشير بدعوى "انحياز الجيش للشعب" ثم تنازل ابن عوف - تحت ضغط الشعب وثورته - للبرهان بالإسم جزءاً من صراع الشعب وثورته ضد الاسلامويين .. كذلك جاء ابتعاد الحركات المسلحة عن قوى الحرية والتغيير وطوافها عواصم الإقليم تستجدي إشرافاً على "محادثاتِ سلامٍ" تريدها بعيداً عن الشعب وثورته تعبيراً عن طبيعتها المعادية للديمقراطية وانسجاماً مع الثقافة الموروثة من سنوات "الإنقاذ" الثلاثين التي انتهجت سياسات التلاعب بتلك الحركات وكسب الوقت في مواجهتها .. ثم عَبَّرت عن ذلك أكثر بتواطؤها مع حميدتي و"المكون العسكري" ، تواطأت وفاوضت من قاتلوهم بالأمس ، مع دُخَلَاءَ على ثورة الشعب ، وأثبتت بذلك أنها دخيلةٌ أيضاً على الثورة ، وأنها جزءٌ من ثقافة "الإنقاذ" والجزء السلبي من موروثنا الثقافي ، جزءاً من المعادلات السياسية "التعيسة" القائمة في بلادنا..
هذا ما ورثناه ، وهكذا سلوكنا : نلتقي مع الأجنبي ونحتمي بالمجتمع الدولي ، ولا نلتقي بإبن الوطن ، زميل الثورة ، سليل الشعب الذي هو - في الحقيقة - الملجأ والسند ، مصدر القوة والالهام ... نحتمي به ونقول للآخر : من الذي فَوَّضَك ؟ ، فيرد عليه الآخر : وأنت ، من فوضك؟ ، بينما التفويض من الشعب بحق الثورة وشرعيتها شريطة أن نكون مُوَحَّدِين ، بوصلتنا : مصالح الشعب وعِزَّة الوطن ..
تأخذنا العزة بالاثم في الاحتماء بالأجنبي ونعلن (معه) قفل أبواب الإشتراك (معنا) إلّا على الحركات المسلحة "أطراف سلام جوبا"
وليس أقل من ذلك كثيراً أن القوى الأخرى لم تتوحد ، رغم صحة المواقف المُعلنة ، فهي كتلٌ متفرقةٌ تُعلن المَخْرَج "نظرياً" ولا تفعل شيئاً على الصعيد العملي :
- هذه الكتلة تدعو لبناء أوسع جبهة شعبية لاسقاط الإنقلاب...إلخ
- وتلك تدعو لاستئناف الثورة نحو تغيير جذري في واقع البلاد ..
- وكتلة ثالثة تؤكد على سلامة تلك الشعارات شرط أن يلتقي الجميع أولاً في منصة التأسيس التي انطلقوا منها مع شعبهم ليعيدوا تأسيس أنفسهم أداةً تنظيميةً/سياسيةً ....إلخ وهكذا ..
كلها تقصي بعضها البعض وتَدَّعِي تمثيل الشعب والثورة وهم ، كنخب وكقيادة ، كان يمكنهم ، ولكي يتفادى الشعب مثل هذه المزالق ، أن يعملوا على قفل أبواب الثورة في وجه الغرباء عنها ، حلفاء النظام الساقط وصنائعه ، غير ذوي العلاقة بها ، بدلاً عن الاحتماء بالأجنبي والعمل معه على تقرير مصير الوطن غالقاً أبواب الالتحاق بالحلف إلّا على أطراف "سلام جوبا" ..
كما يقول أهلنا : "الحصل حصل" ، وتفسير ذلك ذكرناه في الحديث عن موروثنا السياسي الذي أصبح ثقافةً تحمل قيادات الأحزاب - بنسبٍ متفاوتة - بعضاً منها لتكون أحزابنا هكذا جزراً معزولةً وكتلاً متشاكسةً تختلط فيها المصالح الوطنية مع الشخصية مع عُقَدٍ أخرى لا يصح ذكرها الآن ... فإذا كانت الأجيال الجديدة وقواها الصاعدة فعلاً هي قوى الثورة وفعلها التاريخي فإن عليها واجب هام أن تنسجم مع ذلك التعريف فلا تنحاز إلّا *للوطن المدني الديمقراطي* ، لا تنحاز إلى أحزابها بل تتقدم لقيادتها ، لقيادة تلك الأحزاب فهي طريقها لقيادة الثورة بصورة تاريخية صحيحة ، وهي وسيلتها لتأسيس ديمقراطية حقيقية في تربة هذا الوطن ..
19.02.2023
atieg@hotmail.com