عبد الحي يوسف و ورطة الفكر الأصولي واستحالة التأصيل

 


 

طاهر عمر
1 May, 2023

 

عبد الحي يوسف بايمانه التقليدي يجد نفسه يوم بعد يوم مبتعد من دائرة الضؤ و خاصة أن الرجل كان في أعلى قمة وعاظ السلاطين في زمن حكومة البشير و قد ذكر الرئيس الفاسد خازن أموال الشعب في غرفة نومه أنه قد أعطى عبد الحي يوسف خمسة ملايين و لا شك بأن عبد الحي يوسف أكثر وعاظ السلاطيين جرأة على الله و يمكنه أن يحي نصف الشعب و يميت نصفه بفتوى تصبح مؤشر على إنعدام مشاعره الأخلاقية.
عبد الحي يوسف عاجز أن يكون أخلاقي و عقلاني و يظن أن خنوعه و تبعيته للسلاطين بأن يكون من وعاظهم في موالته لهم بشعائره تجعل منه ذلك الشعائري الذي يحق له أن يبغض كل من ينشد الفكر كالمفكر العفوي و التلقائي المبتكر و كل من يقول أن الشرط الانساني أي السياسة التي تفترض عقلانية الانسان و أخلاقيته قد أصبحت ثمرتها صيرورة الديمقراطية التي قد أصبحت بديلا للفكر الديني حيث أصبح الدين شأن فردي بين العبد و ربه و لا علاقة لوعاظ السلاطين و لا دور لهم بين العبد و ربه و هذا ما يغيظ عبد الحي يوسف و يجعله يفتي بقتل السياسيين الذين قد أبعدوا حزب البشير الذي يعطيه بسخاء لأنه من وعاظ السلاطين.
لا شك أن عبد الحي يوسف يعيش أزمة ما بعد نهاية العهد الذهبي لوهم الصحوة الاسلامية و قد سيطرت على أفقه حيرة ما بعد نهاية الصحوة الاسلامية التي قد أمتدت لمدة خمسة عقود و كانت قمة دالتها قبل بداية تناقصها المضطرد يجلس عليها أمثال عبد الحي يوسف الذي لم يدرك بأن تجربة الانسان وفقا لضمير الوجود لم تترك للدين أي دين أن يلعب أي دور بنيوي على صعد السياسة و الاجتماع و الاقتصاد.
و كان أمثال عبد الحي يوسف يظن و هو خاطئ بأن تجارته بالدين لن يصيبها الكساد متناسي أن تنامي وعي الشعوب و خاصة مع إنفتاح العالم على بعضه البعض بسبب التطور في تكنلوجيا الاتصالات تفتح وعي الانسان بأن إختلاف الثقافات و اللغات و الأديان تختفي خلفه وحدة الانسانية النفسية و العاطفية و تصير مسألة تساوي الحضارات مسألة لا ينكرها إلا أمثال عبد الحي يوسف و هو يظن أنه فوق التاريخ بل يحكم على التاريخ باعتباره من عبدة النصوص و بالتالي من الساهل أن يكون من قتلة النفوس بمثل الفتوى التي قد أفتى فيها بقتل السياسيين السودانيين الذين يقفون خلف الاتفاق الإطاري.
فتوى عبد الحي يوسف تؤكد لنا صحة فلسفة جون لوك و هو الأب الشرعي لليبرالية بشقيها السياسي و الاقتصادي خاصة أفكاره في رسالة في التسامح حيث يقول بأنك لا تستطيع أن تكون متسامح و أنت ترتكز على خطاب ديني لذلك كانت أفكار جون لوك تمقت الإلحاد بقدر مقتها لعدم فصل الدين عن الدولة لأن عدم فصل الدين عن الدولة ينتج وعاظ سلاطين غير متسامحين كعبد الحي يوسف و عاجز أن يدرك بأن مسألة الفكر الأصولي و إستحالة التأصيل هي مأزق كبير لأمثال عبد الحي الذي يخاطب الناس من تخوم القرون الوسطى بفكر متحجر لا يريد مغادرته.
في وقت قد وصلت فيه تجربة الانسان بأن هناك تقدم هائل و قد أصبحت مقاربات الظواهر الاجتماعية تنظر الى أن الدين ظاهرة اجتماعية و يجب إخضاعها للعلوم الانسانية ليس ذلك فحسب بل أن عالم الاجتماع و الانثروبلوغ و المتخصصين في علم النفس قد أبعدوا رجل الدين من مكانه و قد أصبح عالم الاجتماع و الانثروبولوغ و الطبيب النفسي هو بديلا لرجل الدين في المجتمعات الحديثة في زمن الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس كما يقول بودلير.
في المجتمع الحديث لا مكان لمثل ممثل وعاظ السلاطين و لا مكان لأمثال عبد الحي يوسف و كذلك قد أصبحت السياسة كشرط انساني و العلمانية و صيرورة الديمقراطية بديلا للفكر الديني و هذا ما يغيظ أمثال عبدالحي يوسف و بالتالي يعتقد كلما أفتى بفتاوى أكثر عنف يستطيع أن يجد له مساحة في مكانه الذي فقده كرجل دين وقد أصبح يسيطر عليه الأنثروبولوغ وعالم الاجتماع و الطبيب النفسي في عصرنا الحديث.
كما أصبحت السياسة و الديمقراطية بديلا للفكر الديني فهو يفتي بعنف و يحاول إعادة عقارب الساعة للوراء لكي يعيد الأبهة لرجل الدين الذي قد أصبج عالم الاجتماع و علماء النفس و الطبيب النفسي و الانثروبولوغ بديلا له كرجل دين يجيد لعب دور وعّاظ السلاطين و يريد أن يعيد الأبهة لوحل الفكر الديني بعد أن أزاحته الديمقراطية و قد أصبحت بديلا للفكر الدين.
عبد الحي يوسف كلما تزيد الشهور التي أعقبت هروبه المخزئ بأموال الشعب المنهوبة كلما إزداد عنفه و كلما إنحسرت عنه دوائر الضؤ التي كانت حوله يزيد إضطرابه و يصبح فاقد للسيطرة على نفسه و يفتي بما يدل على أنه عاجز من أن يكون في مستقبله أخلاقي و عقلاني و بهذا يكون قد ضلّ عن فهم ماضي الانسانية و يسئ على الدوام للمستقبل.
فهو يمثل وعي زائف لرجل دين لم يدرك بأن ثقافة العالم العربي و الاسلامي التقليدية في قطيعتين قطيعة مع نزعتها الانسانية و قطيعة مع الحداثة و بالتالي و في غياب إنتاج فكر متجاوز و غير مجاور و لا مساكن لفكر الايمان التقليدي من قبل نخب ذات جهد واعي و هادف تعمل على حقن شرايين المجتمع بالتحول في المفاهيم التي تجعل مجتمعنا المعاصر غير محتاج لفتاوى تجار الدين. بل تنامي الوعي في أفراد المجتمع سيسمح للفرد في المجتمع السوداني في المستقبل بأن يستشير الطبيب النفسي و عالم الاجتماع و الانثروبولوغ و لا ينتظر فتاوى رجل دين عقله في تخوم القرون الوسطى كحال عبد الحي يوسف.
و هذا اليوم ليس ببعيد مثلما تنامى مستوى الوعي بسبب تكنولوجيا الاتصالات و كانت من نتائجه ثورة ديسمبر التي ألقت بالحركة الاسلامية السودانية في مزابل التاريخ فكذلك سيأتي يوم في السودان لا ينتظر فيه أي فرد من الشعب السوداني فتوى من رجل دين بل سيذهب ليستشير الطبيب النفسي و عالم الاجتماع و الانثروبولوغ و منتجي العلوم الانسانية التطبيقية التي تحصر الدين في وظائفه التي تنتج فرد يؤمن بالمساومة مع الآخر في أداء شعائره الدينية دون أن يحس بأن دينه أفضل من بقية الأديان الأخرى و لا سبيل الى ذلك بغير ترسيخ قيم الجمهورية و الايمان الكامل بمواثيق حقوق الانسان.
بل يصبح كل مؤمن بالاسلام أن الحضارات متساوية فلا فرق بين الكجور في جبال النوبة و المؤمن بدين الاسلام في أي بقعة أخرى من السودان فوهم أمثال عبد الحي بأن عبء المسلم الذي يذكرنا بعبء الرجل الأبيض الذي تكمن خلفه أن الحضارة الغربية متفوقة كما يتوهم أمثال عبد الحي أن الحضارة الأسلامية متفوقة على بقية الحضارات في السودان فهذا زمن قد ولى في حضرة زمن يؤكد تساوي الحضارات و تبقى المسألة كيف تستطيع أن تقبل الحضارة الاسلامية التقليدية في السودان أنها متساوية مع بقية الحضارات الأخرى في السودان و أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني في ايمانها بتساوي كل أفراد المجتمع و فقا لمعادلة الحرية و العدالة.
لأن المجتمع السوداني لم يعيش في جزيرة معزولة عن العالم بل يتفاعل مع العالم و في المستقبل القريب ستكون الديمقراطية بديلا للفكر الديني و يكون مفكر العلوم الانسانية بديلا لرجل الدين الذي يلعب دور وعّاظ السلاطيين كما يفعل عبد الحي يوسف. لأن أي فرد من الشعب السوداني أرض خصبة تنبت فيها إفتراضات تفترض أن أي فرد من البديهة أن نفترض عقلانيته و أخلاقيته التي تمنعه من أن يكون عرضة لأبتزاز وعّاظ السلاطين.
عبد الحي يوسف وفقا لأدبيات النظريات الاقتصادية و فيها ما يقول إذا إنخفض مرتبك ستحتاج لشهور حتى تعيد ترتيب إستهلاكك وفقا لمرتبك الجديد عبد الحي ثورة ديسمبر خفضت مرتبه فهو لم يستطيع حتى اللحظة إعادة ترتيب أوضاعه و يعيد إستهلاكه من الفتاوى التي توزع الموت المجاني.
و في الحقيقة عبد الحي يوسف يجبن و هو الخائف من أن يفتي بقتل ممثلي الأمم المتحدة و لكنه يقصد ذلك لأنه لا يستطيع أن يقول أن خلف من يفتي بقتلهم يقف الأوروبيين و ممثلي بعثة الامم المتحدة لأنه يعرف أن خلفها السم القدر عشاءه إذا ما أفتى بقتل فولكر و حينها سيكون فولكر هو كليب بن ربيعة التغلبي و ما عبد الحي غير جساس المنتقم للبسوس و هي خالته الحركة الاسلامية السودانية التي قد أصبحت في خبر كان بعد انتصار ثورة ديسمبر العظيمة و لكن هل سيصمد عبد الحي يوسف لحرب طويلة كحرب البسوس؟
على أي حال إن دولة الإرادة الألهية التي يتخفى خلفها عبد الحي يوسف بايمانه التقليدي قد أصبحت دكا دكا بفعل إعمال العقل الذي أوصل الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي الى نضج عقل المجتمع البشري الذي قد أصبح مكتفي بذاته و لا يحتاج لأمر من خارجه أي أمر الفكرة المطلقة أي فكرة المتعالي بل قد أصبح المجتمع البشري يأتمر من داخله بنتاج مجد العقلانية و إبداع العقل البشري و بالتالي تصبح كل من عقلانية الانسان و أخلاقيته حصن له من حماقات أمثال عبد الحي يوسف كواحد من وعّاظ السلاطين.
لذلك نقول للمتأمل لفتوى عبد الحي يوسف أنها لا تكون غير ثأر من رجل دين بايمان تقليدي من غريمه السياسي الذي قد أصبح الوريث الشرعي لدور رجل الدين و هذا ما يغيظ عبد الحي يوسف بايمانه التقليدي الذي لا يريده أن يرسل آخر أشعة أفوله و بالتالي ما هي إلا فرفرة محاكاة الغريم من رجل دين تقليدي يلفظ آخر أنفاسه في زمن قد أصبحت واجهته أفكار عقل الأنوار و أفكار الحداثة التي قد قضت على قداسة رجال الدين.
ففي زمن الحداثة قد أصبح الطبيب بديلا للساحر و السحر فكذلك قد أصبح السياسي بديلا لرجل الدين و بالتالي نحن في زمن يقبل فيه الطبيب بديلا للساحر و يرفض عبد الحي كساحر و يحل محله السياسي كطبيب لتطبيب الإختناقات الاجتماعية و هذا ما يغيظه فقد أصبح عبد الحي في مرحلة المهزوم و قد أصبح مكانه في مزبلة التاريخ مع الساحر أو السحّار كما نقول بلغتنا السودانية فمن يستشير السّحار بدلا من الطبيب في زمننا الراهن؟.
في الختام دعوتنا للنخب السودانية أننا في حوجة لعالم الاجتماع و الانثروبولوغ و المؤرخ غير التقليدي الذي يوضح إمكانية تحول المفاهيم و ذلك لا يتم إلا بمفارقة الفلسفة التجريدية و دراسة المجتمع و ظواهره وفقا لواقعه المعقد و هذا ما قام به كل من محمد أركون و غيره كثر من المفكريين.
و بالتالي كان لنا من السهل أن نختار عنوان واحد من كتب محمد أركون لعنوان المقال أي الفكر الأصولي و إستحالة التأصيل لنوضح ورطة أمثال عبد الحي يوسف كرجل دين بايمان تقليدي لم يخرج من حيز وعّاظ السلاطين و على فكرة أن وعّاظ السلاطين أيضا عنوان لكتاب من كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء