السودان: حرب البرهان إنفجارات لا تأخر قدوم التغيير
طاهر عمر
11 May, 2023
11 May, 2023
الشئ المؤكد بأن التغيير لا محالة قادم أما مسألة إنفجار المعوقات أمام مسيرة التغيير من وقت الى آخر مسألة عادية جدا للمراقبين المتسلحيين بعلم الاجتماع و معرفتهم بكيفية مقاربة الظواهر الاجتماعية و مسألة تحقيق التحول الديمقراطي. تذكّر جيدا أن مسألة وقوف معوقات التنمية الاقتصادية في وجه التحولات عارضة و ستزول مع الزمن و المؤكد أن التنمية الاقتصادية التي تنعكس في إرتفاع مستويات المعيشة ستتحقق مهما تأخرت ملامح ظهورها بسبب كثافة و سيطرة روح المجتمعات التقليدية.
أعلاه أبدو و كأنني قطعيا مفارق للعقلانية و النسبية و لكن هناك من النقاط ما ينبغي أن تكون عليها مسألة القطعية مشددة و نضرب عليها مثلا قد ضربه جون لوك على أنه من تلك الناحية فهو قطعي فيما يتعلق بمسألة فصل الدين عن الدولة فهو يمقت عدم فصل الدين عن الدولة كما يمقت الإلحاد و بالتالي كان متأكد من أن قطعيته في مسألة فصل الدين عن الدولة هو الموقف الصحيح حيث يظهر حقيقة مقولة إستقامة الغوث في إعوجاجه.
و من هنا ينفتح لنا باب الدخول في متاهة النخب السودانية و هي أسيرة عقل الحيرة و الإستحالة و الهدف محاولة تفجيرها من الداخل و خاصة أن النخب السودانية هي التي تقف مقاومة للتغيير لأنها أسيرة ثقافة عربية اسلامية تقليدية ظلت على الدوام الأكثر شراسة و مقاومة لفكر عقل الأنوار.
و بالتالي مسألة فك شفرات نخبها و إعوجاج سلوكهم المقاوم للحداثة مسألة تحتاج لوقفة مهمة مع التسلح بفكر جديد يفتح لنا كوّة في جدارها القوي من أجل وضع ما يفجرها من الداخل لأنها كما يقال أنها حضارة تقليدية إنسدّت فيها أبواب التاريخ الأمامية بالكامل و بالتالي لن يبقى غير الانفجار من خلفها ليحطم كل تراكمات الفكر المتكلس الذي يسد مجرى أوعيتها الحيوية.
نضرب مثلا على ما أقول نجح الشعب السوداني في إسقاط مشروع الحركة الاسلامية السودانية و أثبت للنخب السودانية أن من يقوم بالتغيير هو الشعب و ليس النخب و لا المثقفين و لكن تكالبت النخب السودانية على ما تركته الانقاذ من ركام ظانيين أنه دولة ففشلوا فشل زريع في تحقيق التغيير الذي يفتح على التحول الديمقراطي بمعناه الحديث.
أي أن ثورة الديمقراطية هي بديلا للفكر الديني الذي يطفح من مجاري أحزاب الطائفية و أتباعها و من لف لفهم من الغاصيين في وحل الفكر الديني في وقت يعني أن مسألة التحول الديمقراطي هى مفارقة فكر ينتجه أتباع المرشد و الامام و مولانا و بالتالي كانت أول أخطاءهم قبولهم بالشراكة مع العسكر في فترة إنتقالية قد قتلوها خنق بفكرهم المتلوث بالفكر الديني. و هنا تظهر لنا مسألة مهمة جدا أن النخب السودانية لم تفطن و تدرك بأن لا علاقة لرجال الدين و العسكر بالسلطة بمفهومها الحديث.
لذلك فشلت الفترة الانتقالية حيث تقاسمت السلطة فيها قحت بفكر أحزابها الدينية و العسكر و بالتالي كانوا مثلهم مثل القانونيين السودانيين الذين شغلوا الناس بخزعبلاتهم الناتجة من ثقافتهم كعبدة نصوص قانونية و الغريب كانوا يروجون لفكرة لا يمكنك الدفاع عنها أي أن ما تركته الانقاذ هو سلطة قضائية و كأن الانقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية السودانية كانت ذات سلطة في نظم حكم ليبرالي في الدول المتقدمة.
كان كل من سيف الدولة حمدنا الله و نبيل أديب و كمال الجزولي يستعرضون عضلاتهم كقانونيين ضلعيين و يروجون الى فكرة سلطة القضاء الكيزاني بحماقة لا يفوقهم فيها إلا حمدوك في سيره كالسائر في نومه خلف أتباع أحزاب وحل الفكر الديني ظانا بأنه سيعبر و سينتصر و هو يسير امام غافلة نائحة منتحبة من قحت و أتباعها من أحزاب وحل الفكر الديني.
أي أحزاب الطائفية بايمانهم التقليدي كايمان حسن الترابي التقليدي و مدخله للسياسة من جهة القانون الدستوري مع قطيعته مع الحداثة و النزعة الانسانية و هذا ما جعل القانونيين السودانيين كأضعف حلقة في سلسلة النخب السودانية و هي تدافع عن ما تركته الانقاذ من سلطة قضائية و كأنها فكرة منتسكيو في علم اجتماعه و مسألة فصل السلطات و هيهات.
من هنا نقول للنخب السودانية مسألة عدم مواجهتهم لأنفسهم فيما يتعلق بمرجعية أحزابهم الدينية و مسألة خوفهم المرضي من إنتاج فكر يفصل الدين عن الدولة ستجعلهم حبيسي دوائر خبيثة و محكمة الإغلاق و لا يستطيعون كسرها إلا بخزعبلات تبرير إيمانهم التقليدي بممارسات مضحكة مثل تشيع موتى الحزب الشيوعي السوداني بالنوبة أي دفوف الطرق الصوفية.
كما رأينا كيف شيّع زعيم الحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد بنوبة الصوفية بعد موته و كله صراع نفسي لنخب أسيرة ايمان تقليدي يكلفهم ممارسات توضح جهد ايمانهم في إقناع الناس بأنهم مؤمنيين في وقت الواضح فيه أن مسألة الايمان مسألة و شأن فردي أي علاقة بين الفرد و ربه لا تحتاج لتجارة تجّار الدين من كل شاكلة و لون إذا إفترضنا عقلانية و أخلاقيته الفرد التي قد أصبحت منصة لا يسمح فيها للدين أن يلعب أي دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع.
في وقت قد أصبح الدين في المجتمعات الحديثة نتاج الإصلاح الديني لدرجة قد أصبح الدين في مستوى دين الخروج من الدين كما يقول عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر و مثله يقول فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي بأن الدين ينبغي أن يقبل حتى التناقض و يستوعب في حناياه حتى الذين قد نفد رصيدهم من الايمان إلا وسط النخب السودانية حيث يبين كسادهم الفكري و غوصهم في وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون.
و عليه يمكننا أن نقول بفضل كتابات مثل فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي الذي ينادي بأن الدين ينبغي أن يستوعب في حناياه حتى الذين قد نفد رصيدهم من الايمان ربما ساعدت مثل أفكار عبد الرحمن بدوي الشعب المصري على أن يقضي على تجربة الأخوان المسلميين و لا يندم على مسحهم من مشهد الفكر في مصر رغم أن السيسي الآن يؤسس لحكم تسلطي في مصر.
و هذه لها أسباب أخرى أي الحكم التسلطي لسيسي مصر من نصيب كساد النخب المصرية و مسألة عجزهم عن إنتاج فكر يفضي الى التحول الديمقراطي الذي يفتح لمصر إمكانية تحولها لدولة صناعية حتى تخرج من إختناقاتها الاقتصادية و الاجتماعية و لا يمكنها في ظل حكم تسلطي كحكم السيسي أن تخرج من متاهتها.
بعكس نخب مصر نجد نخب السودان التي كانت ترى في الجهاز القضائي الكيزاني سلطة قضائية كأنهم امام فصل السلطات لمنتسكيو و بالتالي قد أضاعوا ثورة ديسمبر المجيدة بسبب كسادهم الفكري و ترددهم في القضاء على إرث الكيزان الذي قد دمر كل صور العقلانية في السودان و فكرها في فترة حكمهم لمدة ثلاثة عقود.
و بالتالي كانت النخب السودانية عاجزة أن تقدم فكر عقلاني يمسح جهالات الكيزان فكر لا يتردد في إلغاء أي متاجرة بالدين بين أتباع الأحزاب السودانية التي لا تعرف التفكير خارج وحل الفكر الديني.
و هذا ما جعل شهية الكيزان تنفتح للعودة من جديد لأنهم لم يصادفوا أي فعل يمسح و يقضي على ميراث تجربتهم القبيحة في السودان في فترة الحكومة الانتقالية كحل الجهاز القضائي الكيزاني و عودة الأموال المنهوبة الى حيز وزارة المالية و تفكيك التمكين في البنك المركزي و إلغاء ديوان الزكاة و ضمه الى وزارة المالية لأن محاربة الفقر من سياسات وزارة المالية و الاقتصاد و ليس من مهمة رجال الدين لأن فكرهم يزيد الفقر و الجهل و المرض و كله بسبب أن النخب السودانية و حتى غير الكيزان يظنون أن الدين يمكنه أن يلعب دور بنيوي على صعد السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و هيهات لأن البشرية لم تفارق الجهل و الفقر و المرض إلا بعد مفارقتها لفكر رجال الدين.
علي أي حال حقول السياسة و هزاتها القوية مثل الهزات الأرضية القوية تعقبها هزات إرتدادية و كذلك الاختناقات الاقتصادية التي تصل لمستوى الكساد العظيم لها إختناقات أيضا و لها هزات إرتدادية مثل ما حدث في الكساد العظيم و بعد جهود روزفلت بعد خمسة سنوات عاودت الهزات الاقتصادية الإرتدادية و كادت أن تطيح بجهود روزفلت لولا عبقريته و معرفته بحدوث الهزات الاقتصادية الارتدادية للكساد العظيم.
كذلك ما حدث من فشل في حكومة حمدوك الإنتقالية هي هزات إرتدادية و سوف تستعيد الثورة فاعليتها من جديد و حينها لا مكان لنخب وحل الفكر الديني. و ما حدث لثورة ديسمبر في السودان قد حدث لثورة تونس أيضا بسبب فشل عشرية الغنوشي كتاجر دين و هذا له أسباب تاريخية عميقة قد أدركها علماء اجتماع كثر في العالم العربي و الاسلامي و قد أصبحوا متفردين و سيكون لمشروعهم الفكري مستقبل في العالم العربي و الاسلامي. لأن مشروعهم النقدي يساعد على تجاوز التكلس الفكري الذي يضرب نواحي الفكر في العالم العربي و الاسلامي التقليدي.
على العموم مسألة خروج العالم العربي و الاسلامي من فكره و ايمانه التقليدي مسألة أكيدة و سوف تحدث رغم تخاذل النخب الحالية كما رأينا كيف تخاذلت النخب المصرية و هي تساعد السيسي في تأسيس لنظام حكم تسلطي و بالتالي ضاعت ثورة مصر بنفس طريقة ضياع عشرية تونس بسبب فكر الغنوشي المعرقل للتحول الديمقراطي.
و بنفس الطريقة إنتكست ثورة ديسمبر يوم قبول قحت بشراكة العسكر و كله بسبب كساد فكري قد تحدث عنه ريجيس دوبريه و قد قال ذات يوم أن مشكلة العالم العربي و الاسلامي فيما يتعلق بتطور الأفكار مقلوبة لأن العالم العربي و الاسلامي كان ذات يوم في زمن فكر ابن مسكويه و التوحيدي في قمة نزعته الانسانية و قد إنهار في هاوية الفكر الديني و لم يغشاه إصلاح ديني عكس العالم الغربي حيث كان في هاوية الفكر الديني القرووسطوي و قد جاءه الاصلاح الديني و قد كانت أفكار عقل الأنوار و بالتالي مسيرة العالم العربي معاكسة لمسيرة عالم عقل الأنوار و أفكار الحداثة و بالتالي لا تستغرب لوجود نخب في السودان ما زالت تؤمن بإمكانية أن يلعب الدين دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و هم غير كيزان بل أسواء من الكيزان لأن الكيزان يستمدون شرعية وجودهم من جهل أمثال هؤلاء.
taheromer86@yahoo.com
أعلاه أبدو و كأنني قطعيا مفارق للعقلانية و النسبية و لكن هناك من النقاط ما ينبغي أن تكون عليها مسألة القطعية مشددة و نضرب عليها مثلا قد ضربه جون لوك على أنه من تلك الناحية فهو قطعي فيما يتعلق بمسألة فصل الدين عن الدولة فهو يمقت عدم فصل الدين عن الدولة كما يمقت الإلحاد و بالتالي كان متأكد من أن قطعيته في مسألة فصل الدين عن الدولة هو الموقف الصحيح حيث يظهر حقيقة مقولة إستقامة الغوث في إعوجاجه.
و من هنا ينفتح لنا باب الدخول في متاهة النخب السودانية و هي أسيرة عقل الحيرة و الإستحالة و الهدف محاولة تفجيرها من الداخل و خاصة أن النخب السودانية هي التي تقف مقاومة للتغيير لأنها أسيرة ثقافة عربية اسلامية تقليدية ظلت على الدوام الأكثر شراسة و مقاومة لفكر عقل الأنوار.
و بالتالي مسألة فك شفرات نخبها و إعوجاج سلوكهم المقاوم للحداثة مسألة تحتاج لوقفة مهمة مع التسلح بفكر جديد يفتح لنا كوّة في جدارها القوي من أجل وضع ما يفجرها من الداخل لأنها كما يقال أنها حضارة تقليدية إنسدّت فيها أبواب التاريخ الأمامية بالكامل و بالتالي لن يبقى غير الانفجار من خلفها ليحطم كل تراكمات الفكر المتكلس الذي يسد مجرى أوعيتها الحيوية.
نضرب مثلا على ما أقول نجح الشعب السوداني في إسقاط مشروع الحركة الاسلامية السودانية و أثبت للنخب السودانية أن من يقوم بالتغيير هو الشعب و ليس النخب و لا المثقفين و لكن تكالبت النخب السودانية على ما تركته الانقاذ من ركام ظانيين أنه دولة ففشلوا فشل زريع في تحقيق التغيير الذي يفتح على التحول الديمقراطي بمعناه الحديث.
أي أن ثورة الديمقراطية هي بديلا للفكر الديني الذي يطفح من مجاري أحزاب الطائفية و أتباعها و من لف لفهم من الغاصيين في وحل الفكر الديني في وقت يعني أن مسألة التحول الديمقراطي هى مفارقة فكر ينتجه أتباع المرشد و الامام و مولانا و بالتالي كانت أول أخطاءهم قبولهم بالشراكة مع العسكر في فترة إنتقالية قد قتلوها خنق بفكرهم المتلوث بالفكر الديني. و هنا تظهر لنا مسألة مهمة جدا أن النخب السودانية لم تفطن و تدرك بأن لا علاقة لرجال الدين و العسكر بالسلطة بمفهومها الحديث.
لذلك فشلت الفترة الانتقالية حيث تقاسمت السلطة فيها قحت بفكر أحزابها الدينية و العسكر و بالتالي كانوا مثلهم مثل القانونيين السودانيين الذين شغلوا الناس بخزعبلاتهم الناتجة من ثقافتهم كعبدة نصوص قانونية و الغريب كانوا يروجون لفكرة لا يمكنك الدفاع عنها أي أن ما تركته الانقاذ هو سلطة قضائية و كأن الانقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية السودانية كانت ذات سلطة في نظم حكم ليبرالي في الدول المتقدمة.
كان كل من سيف الدولة حمدنا الله و نبيل أديب و كمال الجزولي يستعرضون عضلاتهم كقانونيين ضلعيين و يروجون الى فكرة سلطة القضاء الكيزاني بحماقة لا يفوقهم فيها إلا حمدوك في سيره كالسائر في نومه خلف أتباع أحزاب وحل الفكر الديني ظانا بأنه سيعبر و سينتصر و هو يسير امام غافلة نائحة منتحبة من قحت و أتباعها من أحزاب وحل الفكر الديني.
أي أحزاب الطائفية بايمانهم التقليدي كايمان حسن الترابي التقليدي و مدخله للسياسة من جهة القانون الدستوري مع قطيعته مع الحداثة و النزعة الانسانية و هذا ما جعل القانونيين السودانيين كأضعف حلقة في سلسلة النخب السودانية و هي تدافع عن ما تركته الانقاذ من سلطة قضائية و كأنها فكرة منتسكيو في علم اجتماعه و مسألة فصل السلطات و هيهات.
من هنا نقول للنخب السودانية مسألة عدم مواجهتهم لأنفسهم فيما يتعلق بمرجعية أحزابهم الدينية و مسألة خوفهم المرضي من إنتاج فكر يفصل الدين عن الدولة ستجعلهم حبيسي دوائر خبيثة و محكمة الإغلاق و لا يستطيعون كسرها إلا بخزعبلات تبرير إيمانهم التقليدي بممارسات مضحكة مثل تشيع موتى الحزب الشيوعي السوداني بالنوبة أي دفوف الطرق الصوفية.
كما رأينا كيف شيّع زعيم الحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد بنوبة الصوفية بعد موته و كله صراع نفسي لنخب أسيرة ايمان تقليدي يكلفهم ممارسات توضح جهد ايمانهم في إقناع الناس بأنهم مؤمنيين في وقت الواضح فيه أن مسألة الايمان مسألة و شأن فردي أي علاقة بين الفرد و ربه لا تحتاج لتجارة تجّار الدين من كل شاكلة و لون إذا إفترضنا عقلانية و أخلاقيته الفرد التي قد أصبحت منصة لا يسمح فيها للدين أن يلعب أي دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع.
في وقت قد أصبح الدين في المجتمعات الحديثة نتاج الإصلاح الديني لدرجة قد أصبح الدين في مستوى دين الخروج من الدين كما يقول عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر و مثله يقول فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي بأن الدين ينبغي أن يقبل حتى التناقض و يستوعب في حناياه حتى الذين قد نفد رصيدهم من الايمان إلا وسط النخب السودانية حيث يبين كسادهم الفكري و غوصهم في وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون.
و عليه يمكننا أن نقول بفضل كتابات مثل فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي الذي ينادي بأن الدين ينبغي أن يستوعب في حناياه حتى الذين قد نفد رصيدهم من الايمان ربما ساعدت مثل أفكار عبد الرحمن بدوي الشعب المصري على أن يقضي على تجربة الأخوان المسلميين و لا يندم على مسحهم من مشهد الفكر في مصر رغم أن السيسي الآن يؤسس لحكم تسلطي في مصر.
و هذه لها أسباب أخرى أي الحكم التسلطي لسيسي مصر من نصيب كساد النخب المصرية و مسألة عجزهم عن إنتاج فكر يفضي الى التحول الديمقراطي الذي يفتح لمصر إمكانية تحولها لدولة صناعية حتى تخرج من إختناقاتها الاقتصادية و الاجتماعية و لا يمكنها في ظل حكم تسلطي كحكم السيسي أن تخرج من متاهتها.
بعكس نخب مصر نجد نخب السودان التي كانت ترى في الجهاز القضائي الكيزاني سلطة قضائية كأنهم امام فصل السلطات لمنتسكيو و بالتالي قد أضاعوا ثورة ديسمبر المجيدة بسبب كسادهم الفكري و ترددهم في القضاء على إرث الكيزان الذي قد دمر كل صور العقلانية في السودان و فكرها في فترة حكمهم لمدة ثلاثة عقود.
و بالتالي كانت النخب السودانية عاجزة أن تقدم فكر عقلاني يمسح جهالات الكيزان فكر لا يتردد في إلغاء أي متاجرة بالدين بين أتباع الأحزاب السودانية التي لا تعرف التفكير خارج وحل الفكر الديني.
و هذا ما جعل شهية الكيزان تنفتح للعودة من جديد لأنهم لم يصادفوا أي فعل يمسح و يقضي على ميراث تجربتهم القبيحة في السودان في فترة الحكومة الانتقالية كحل الجهاز القضائي الكيزاني و عودة الأموال المنهوبة الى حيز وزارة المالية و تفكيك التمكين في البنك المركزي و إلغاء ديوان الزكاة و ضمه الى وزارة المالية لأن محاربة الفقر من سياسات وزارة المالية و الاقتصاد و ليس من مهمة رجال الدين لأن فكرهم يزيد الفقر و الجهل و المرض و كله بسبب أن النخب السودانية و حتى غير الكيزان يظنون أن الدين يمكنه أن يلعب دور بنيوي على صعد السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و هيهات لأن البشرية لم تفارق الجهل و الفقر و المرض إلا بعد مفارقتها لفكر رجال الدين.
علي أي حال حقول السياسة و هزاتها القوية مثل الهزات الأرضية القوية تعقبها هزات إرتدادية و كذلك الاختناقات الاقتصادية التي تصل لمستوى الكساد العظيم لها إختناقات أيضا و لها هزات إرتدادية مثل ما حدث في الكساد العظيم و بعد جهود روزفلت بعد خمسة سنوات عاودت الهزات الاقتصادية الإرتدادية و كادت أن تطيح بجهود روزفلت لولا عبقريته و معرفته بحدوث الهزات الاقتصادية الارتدادية للكساد العظيم.
كذلك ما حدث من فشل في حكومة حمدوك الإنتقالية هي هزات إرتدادية و سوف تستعيد الثورة فاعليتها من جديد و حينها لا مكان لنخب وحل الفكر الديني. و ما حدث لثورة ديسمبر في السودان قد حدث لثورة تونس أيضا بسبب فشل عشرية الغنوشي كتاجر دين و هذا له أسباب تاريخية عميقة قد أدركها علماء اجتماع كثر في العالم العربي و الاسلامي و قد أصبحوا متفردين و سيكون لمشروعهم الفكري مستقبل في العالم العربي و الاسلامي. لأن مشروعهم النقدي يساعد على تجاوز التكلس الفكري الذي يضرب نواحي الفكر في العالم العربي و الاسلامي التقليدي.
على العموم مسألة خروج العالم العربي و الاسلامي من فكره و ايمانه التقليدي مسألة أكيدة و سوف تحدث رغم تخاذل النخب الحالية كما رأينا كيف تخاذلت النخب المصرية و هي تساعد السيسي في تأسيس لنظام حكم تسلطي و بالتالي ضاعت ثورة مصر بنفس طريقة ضياع عشرية تونس بسبب فكر الغنوشي المعرقل للتحول الديمقراطي.
و بنفس الطريقة إنتكست ثورة ديسمبر يوم قبول قحت بشراكة العسكر و كله بسبب كساد فكري قد تحدث عنه ريجيس دوبريه و قد قال ذات يوم أن مشكلة العالم العربي و الاسلامي فيما يتعلق بتطور الأفكار مقلوبة لأن العالم العربي و الاسلامي كان ذات يوم في زمن فكر ابن مسكويه و التوحيدي في قمة نزعته الانسانية و قد إنهار في هاوية الفكر الديني و لم يغشاه إصلاح ديني عكس العالم الغربي حيث كان في هاوية الفكر الديني القرووسطوي و قد جاءه الاصلاح الديني و قد كانت أفكار عقل الأنوار و بالتالي مسيرة العالم العربي معاكسة لمسيرة عالم عقل الأنوار و أفكار الحداثة و بالتالي لا تستغرب لوجود نخب في السودان ما زالت تؤمن بإمكانية أن يلعب الدين دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و هم غير كيزان بل أسواء من الكيزان لأن الكيزان يستمدون شرعية وجودهم من جهل أمثال هؤلاء.
taheromer86@yahoo.com