دولة الغزاة التي تحكم السودان: الحرب الدائرة في السودان من الخير أن تستمر، لسببين على الأقل
رئيس التحرير: طارق الجزولي
30 May, 2023
30 May, 2023
جيش الغزاة في السودان
الجيش في السودان هو العدو الأول للسودان وهو جيش لا نفع فيه إلا لنفسه يحارب من أجل امتيازاته وهو دولة مستقلة داخل دولة تزعم أنها مستقلة ولكنها لا تملك من أدوات الاستقلال شيئا.
دولة الغزاة التي تحكم السودان
الحرب الدائرة في السودان من الخير أن تستمر، لسببين على الأقل.
الأول، لأنها تختزل كل أمراض السودان مع الطغيان والانقلابات العسكرية وأدواتها. ولأنها تعد بأول الشفاء منها عندما تضعف البكتيريا والفايروسات التي تسببت بالحرب.
والثاني، لأن الأطراف المدنية أثبتت أنها أضعف من أن تقف حائلا دونها، أو أن يكون لها رأي فيها، أو أن تتقدم لتولي زمام المبادرة. وذلك برغم أن القصة كلها تتعلق بـ”عودة الحكومة المدنية”. واضح من ذلك، أن الأحزاب المعنية بهذه “العودة” كانت ما تزال تنتظر عسكريا لكي يدلها على “طريق العودة” أو أن يسلمها مفاتيح السلطة، وإلا فإنها تفضل قيلولة الظهيرة وشخير العاطلين عن العمل، على أن تفعل شيئا.
الضحايا المدنيون كثيرون؟
هذا صحيح. ولكن اُنظر إلى كل ما قدمه الشعب السوداني من ضحايا على امتداد سنوات الاستقلال، والانقلابات العسكرية المتوالية فيها، وستعرف أن أعداد الضحايا في الحرب الراهنة هي جزء من سياق متواصل، ونزيف مفتوح.
◙ هناك سبيل واحد يمكن للجهود الدولية والإقليمية أن تفعله هو أن تفرغ الخرطوم من سكانها وتزود المتحاربين من الطرفين بالسلاح وتتركهم يتحاربون إلى أن يرفع أحدهما راية الاستسلام
كان يجب لهذا النزيف أن يتوقف، بأن يخرج الجيش من معادلات السياسة كليا. بل وأن يتم حله، وإعادة تأسيسه على قواعد وأنظمة جديدة، لا تسمح لأي ضابط أن يدعم، أو أن ينتمي، أو أن يتآمر، أو حتى أن يتحدث مع أي طرف سياسي في البلاد. ولا حتى بشأن ظروف الطقس، أو موجات الجراد. لأنه هو الجراد الذي ظل يأكل الأخضر واليابس.
هل تلاحظ أن الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان يشن غارات جوية على الخرطوم؟
ماذا يعني أن يهاجم الجيش خصومه بطائرات لا تجيد التصويب على أهدافها، لأنها قديمة؟ ماذا تعني حقيقة أنه يعرف أن الخصوم هم أقرب إلى الميليشيا منهم إلى قطعات عسكرية تتمركز في قواعد دون سواها، وأن وجودهم بين المدنيين هو الواقع الطبيعي؟
ذلك يعني بمنتهى الوضوح، أن هذا الجيش يستخدم معداته، التي اشتراها من أموال الشعب السوداني، لكي يقتل ويدمر بمنتهى العشوائية.
ذلك يعني أيضا أنه يتصرف كجيش غزاة معادٍ للدولة التي يزعم أنه جيشها. لم تذهب طائرات البرهان لتضرب الميليشيات الإثيوبية التي قتلت العشرات من جنوده وشنت سلسلة من الهجمات عبر الحدود لتحتل أجزاء من أراضي السودان. ولكن طائراته ذهبت لتقصف الخرطوم.
جُبنٌ هذا؟ أم حماقة عسكرية؟ أم جريمة؟
أيا ما تختار، فإنه عار.
قصف الطائرات لم يحدث في أي مكان آخر، لا لتدبير انقلاب ولا للرد على انقلاب. ولكنه يحدث في السودان، لأن الجيش فيه ليس سوى عصابة مرتزقة. لا يهمها من أمر البلاد التي تسترزق منها أي شيء. ولأنها تعرف مسبقا أنها محصنة من الملاحقة والتجريم، فتجرؤ على أن تفعل ما تشاء. وإذا هددها أحد بالمحاسبة، فالجواب لديها لا أسهل منه: تعمل انقلابا جديدا، فتحاسبه بدلا من أن يحاسبها.
◙ السودان، حالما يتخلص من دولة الغزاة التي تحكمه، فإن الوقت لن يطول على نخبته الوطنية أن تعثر على سبيل للتنمية والاستقرار
والخراب كثير؟
هذا صحيح أيضا. ولكن البلاد خراب من الأساس. سبعون عاما من الاستقلال، ومن تبديد الثروات والإمكانيات، لم تثمر إلا الهزيل والمتداعي. لا توجد تنمية في هذه البلاد. والفقر فيها، قبل الانقلاب، يشمل أكثر من نصف السكان. وكلما نهض مشروع، تم تدميره بالإهمال. وظلت البلاد تدور في حلقة مفرغة بين نهب منظم تمارسه قيادات الجيش والنظام، وبين فساد إداري، وبين أحزاب تتناحر في ما بينها وكل ما ترجوه من الدنيا، أن تحظى برضا ضابط ينفذ لصالحها انقلابا. حتى وهي تعرف، بحكم التجربة، أنه سوف ينقلب عليها في النهاية ليرضى عن نفسه.
الحياة التي يعيشها السودانيون في الخرطوم وضواحيها مُرّة.
هذا صحيح أيضا. ولكن متى كانت الحياة هناك حلوة بغير الأوهام؟ الحياة التي تفتقر إلى مقومات الاستقرار ليست حياة في النهاية. وكل ما يمكن جنيه فيها يزول أو ينهار مع أول منعطف. يكفي أن يساور الاعتقاد ضابطا آخر أن “الدور” وصله، ليعتلي منصب الرئاسة، حتى يبدأ الانهيار يتجدد.
الجيش في السودان هو العدو الأول للسودان. وهو جيش لا نفع فيه إلا لنفسه. يحارب من أجل امتيازاته ونفوذه الخاص. وهو دولة مستقلة داخل دولة تزعم أنها مستقلة ولكنها لا تملك من أدوات الاستقلال شيئا. يستولي على الموارد، ويتاجر بها، بمعزل عن أي حكومة، ويوظف عائداتها لثراء ضباطه.
إنه أسوأ من طابور خامس. لأنه هو الطوابير الأربعة الأخرى للجريمة والتعسف والإرهاب والفساد. والحرب، هذه الحرب بالذات، هي السبيل الوحيد لكي يضعف وينكسر فينهار، فتفتح الطريق أمام تغيير حقيقي يبدأ بأن يكون السودان بلا جيش، بلا قوات مسلحة تقصف الخرطوم بالطائرات.
◙ الأطراف المدنية أثبتت أنها أضعف من أن تقف حائلا دونها، أو أن يكون لها رأي فيها، أو أن تتقدم لتولي زمام المبادرة. وذلك برغم أن القصة كلها تتعلق بـ"عودة الحكومة المدنية"
الهدنة تسقط تلو الأخرى، لأن الصراع بالنسبة إلى طرفيه هو صراع وجود، وليس صراع تسويات. لا توجد سياسة في هذا الأمر يمكن أن تصل إلى حل وسط. لا يوجد حل أصلا. وإذا ما بقي الطرفان يمتلكان القوة للعودة إلى القتال، فإنهما سيعودان إلى القتال. وحيث أنهما يستبطنان الغدر، فإن الثقة معدومة بينهما حتى ولو وقّعا على مليون اتفاق لوقف إطلاق النار.
هناك سبيل واحد يمكن للجهود الدولية والإقليمية أن تفعله، هو أن تفرغ الخرطوم من سكانها، وتترك المتحاربين يتحاربون إلى أن يرفع أحدهما راية الاستسلام. بل ربما كان من المفيد أيضا تزويدهما معا بالسلاح. فكلما قتلا من بعضهما أكثر، كلما كان ذلك أفضل لمستقبل البلاد.
منتسبو الجيش لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم “أبناء البلاد”. لأن انتسابهم الأول هو إلى العصابة التي توزع عليهم المغانم. ما يعني أن قتلهم لا يستدعي أن يذرف أحد دمعة عليهم. تقاتلهم ربح، وليس خسارة.
عندما تتحول هذه الرؤية إلى معيار للتعامل معهم، فإنهم سيعرفون حقيقة المكانة التي احتلوها في تاريخ البلاد، والدور الذي أدوه في تخريبها. ولسوف يدركون من بعدها أنهم لا يستحقون الاهتمام، وأنهم أقل جدارة بالاحترام، من أن يكون لهم شأن، أو رأي في السياسة أو أن يشاركوا في تقرير الوجهة التي تتخذها البلاد.
السودان، حالما يتخلص من دولة الغزاة التي تحكمه، فإن الوقت لن يطول على نخبته الوطنية أن تعثر على سبيل للتنمية والاستقرار.
https://alarab.news/%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86
الجيش في السودان هو العدو الأول للسودان وهو جيش لا نفع فيه إلا لنفسه يحارب من أجل امتيازاته وهو دولة مستقلة داخل دولة تزعم أنها مستقلة ولكنها لا تملك من أدوات الاستقلال شيئا.
دولة الغزاة التي تحكم السودان
الحرب الدائرة في السودان من الخير أن تستمر، لسببين على الأقل.
الأول، لأنها تختزل كل أمراض السودان مع الطغيان والانقلابات العسكرية وأدواتها. ولأنها تعد بأول الشفاء منها عندما تضعف البكتيريا والفايروسات التي تسببت بالحرب.
والثاني، لأن الأطراف المدنية أثبتت أنها أضعف من أن تقف حائلا دونها، أو أن يكون لها رأي فيها، أو أن تتقدم لتولي زمام المبادرة. وذلك برغم أن القصة كلها تتعلق بـ”عودة الحكومة المدنية”. واضح من ذلك، أن الأحزاب المعنية بهذه “العودة” كانت ما تزال تنتظر عسكريا لكي يدلها على “طريق العودة” أو أن يسلمها مفاتيح السلطة، وإلا فإنها تفضل قيلولة الظهيرة وشخير العاطلين عن العمل، على أن تفعل شيئا.
الضحايا المدنيون كثيرون؟
هذا صحيح. ولكن اُنظر إلى كل ما قدمه الشعب السوداني من ضحايا على امتداد سنوات الاستقلال، والانقلابات العسكرية المتوالية فيها، وستعرف أن أعداد الضحايا في الحرب الراهنة هي جزء من سياق متواصل، ونزيف مفتوح.
◙ هناك سبيل واحد يمكن للجهود الدولية والإقليمية أن تفعله هو أن تفرغ الخرطوم من سكانها وتزود المتحاربين من الطرفين بالسلاح وتتركهم يتحاربون إلى أن يرفع أحدهما راية الاستسلام
كان يجب لهذا النزيف أن يتوقف، بأن يخرج الجيش من معادلات السياسة كليا. بل وأن يتم حله، وإعادة تأسيسه على قواعد وأنظمة جديدة، لا تسمح لأي ضابط أن يدعم، أو أن ينتمي، أو أن يتآمر، أو حتى أن يتحدث مع أي طرف سياسي في البلاد. ولا حتى بشأن ظروف الطقس، أو موجات الجراد. لأنه هو الجراد الذي ظل يأكل الأخضر واليابس.
هل تلاحظ أن الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان يشن غارات جوية على الخرطوم؟
ماذا يعني أن يهاجم الجيش خصومه بطائرات لا تجيد التصويب على أهدافها، لأنها قديمة؟ ماذا تعني حقيقة أنه يعرف أن الخصوم هم أقرب إلى الميليشيا منهم إلى قطعات عسكرية تتمركز في قواعد دون سواها، وأن وجودهم بين المدنيين هو الواقع الطبيعي؟
ذلك يعني بمنتهى الوضوح، أن هذا الجيش يستخدم معداته، التي اشتراها من أموال الشعب السوداني، لكي يقتل ويدمر بمنتهى العشوائية.
ذلك يعني أيضا أنه يتصرف كجيش غزاة معادٍ للدولة التي يزعم أنه جيشها. لم تذهب طائرات البرهان لتضرب الميليشيات الإثيوبية التي قتلت العشرات من جنوده وشنت سلسلة من الهجمات عبر الحدود لتحتل أجزاء من أراضي السودان. ولكن طائراته ذهبت لتقصف الخرطوم.
جُبنٌ هذا؟ أم حماقة عسكرية؟ أم جريمة؟
أيا ما تختار، فإنه عار.
قصف الطائرات لم يحدث في أي مكان آخر، لا لتدبير انقلاب ولا للرد على انقلاب. ولكنه يحدث في السودان، لأن الجيش فيه ليس سوى عصابة مرتزقة. لا يهمها من أمر البلاد التي تسترزق منها أي شيء. ولأنها تعرف مسبقا أنها محصنة من الملاحقة والتجريم، فتجرؤ على أن تفعل ما تشاء. وإذا هددها أحد بالمحاسبة، فالجواب لديها لا أسهل منه: تعمل انقلابا جديدا، فتحاسبه بدلا من أن يحاسبها.
◙ السودان، حالما يتخلص من دولة الغزاة التي تحكمه، فإن الوقت لن يطول على نخبته الوطنية أن تعثر على سبيل للتنمية والاستقرار
والخراب كثير؟
هذا صحيح أيضا. ولكن البلاد خراب من الأساس. سبعون عاما من الاستقلال، ومن تبديد الثروات والإمكانيات، لم تثمر إلا الهزيل والمتداعي. لا توجد تنمية في هذه البلاد. والفقر فيها، قبل الانقلاب، يشمل أكثر من نصف السكان. وكلما نهض مشروع، تم تدميره بالإهمال. وظلت البلاد تدور في حلقة مفرغة بين نهب منظم تمارسه قيادات الجيش والنظام، وبين فساد إداري، وبين أحزاب تتناحر في ما بينها وكل ما ترجوه من الدنيا، أن تحظى برضا ضابط ينفذ لصالحها انقلابا. حتى وهي تعرف، بحكم التجربة، أنه سوف ينقلب عليها في النهاية ليرضى عن نفسه.
الحياة التي يعيشها السودانيون في الخرطوم وضواحيها مُرّة.
هذا صحيح أيضا. ولكن متى كانت الحياة هناك حلوة بغير الأوهام؟ الحياة التي تفتقر إلى مقومات الاستقرار ليست حياة في النهاية. وكل ما يمكن جنيه فيها يزول أو ينهار مع أول منعطف. يكفي أن يساور الاعتقاد ضابطا آخر أن “الدور” وصله، ليعتلي منصب الرئاسة، حتى يبدأ الانهيار يتجدد.
الجيش في السودان هو العدو الأول للسودان. وهو جيش لا نفع فيه إلا لنفسه. يحارب من أجل امتيازاته ونفوذه الخاص. وهو دولة مستقلة داخل دولة تزعم أنها مستقلة ولكنها لا تملك من أدوات الاستقلال شيئا. يستولي على الموارد، ويتاجر بها، بمعزل عن أي حكومة، ويوظف عائداتها لثراء ضباطه.
إنه أسوأ من طابور خامس. لأنه هو الطوابير الأربعة الأخرى للجريمة والتعسف والإرهاب والفساد. والحرب، هذه الحرب بالذات، هي السبيل الوحيد لكي يضعف وينكسر فينهار، فتفتح الطريق أمام تغيير حقيقي يبدأ بأن يكون السودان بلا جيش، بلا قوات مسلحة تقصف الخرطوم بالطائرات.
◙ الأطراف المدنية أثبتت أنها أضعف من أن تقف حائلا دونها، أو أن يكون لها رأي فيها، أو أن تتقدم لتولي زمام المبادرة. وذلك برغم أن القصة كلها تتعلق بـ"عودة الحكومة المدنية"
الهدنة تسقط تلو الأخرى، لأن الصراع بالنسبة إلى طرفيه هو صراع وجود، وليس صراع تسويات. لا توجد سياسة في هذا الأمر يمكن أن تصل إلى حل وسط. لا يوجد حل أصلا. وإذا ما بقي الطرفان يمتلكان القوة للعودة إلى القتال، فإنهما سيعودان إلى القتال. وحيث أنهما يستبطنان الغدر، فإن الثقة معدومة بينهما حتى ولو وقّعا على مليون اتفاق لوقف إطلاق النار.
هناك سبيل واحد يمكن للجهود الدولية والإقليمية أن تفعله، هو أن تفرغ الخرطوم من سكانها، وتترك المتحاربين يتحاربون إلى أن يرفع أحدهما راية الاستسلام. بل ربما كان من المفيد أيضا تزويدهما معا بالسلاح. فكلما قتلا من بعضهما أكثر، كلما كان ذلك أفضل لمستقبل البلاد.
منتسبو الجيش لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم “أبناء البلاد”. لأن انتسابهم الأول هو إلى العصابة التي توزع عليهم المغانم. ما يعني أن قتلهم لا يستدعي أن يذرف أحد دمعة عليهم. تقاتلهم ربح، وليس خسارة.
عندما تتحول هذه الرؤية إلى معيار للتعامل معهم، فإنهم سيعرفون حقيقة المكانة التي احتلوها في تاريخ البلاد، والدور الذي أدوه في تخريبها. ولسوف يدركون من بعدها أنهم لا يستحقون الاهتمام، وأنهم أقل جدارة بالاحترام، من أن يكون لهم شأن، أو رأي في السياسة أو أن يشاركوا في تقرير الوجهة التي تتخذها البلاد.
السودان، حالما يتخلص من دولة الغزاة التي تحكمه، فإن الوقت لن يطول على نخبته الوطنية أن تعثر على سبيل للتنمية والاستقرار.
https://alarab.news/%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86