من تحت رماد حريق الخرطوم سيخرج الوعي والف (جان بول سارتر) !
أبوبكر القاضي
31 May, 2023
31 May, 2023
++ دلالات حريق الخرطوم ؟!! لماذا وصلنا الى هذا القاع السحيق ؟! من هو المسؤول الحقيقي عن حريق الخرطوم ؟
(١) من المؤسف حقًا خروج (السودان الجديد) من تحت رماد الأرض المحروقة/ ولاية الخرطوم !! وموضع الاسف هو ان قادة الفكر السياسي.. وعلماء الامة السودانية وبلماها ، قد عجزنا ان نختار بارادتنا ووعينا الدستور العلماني الذي يعالج التنوع السوداني.. وبقينا في نطاق الدولة الدينية (الداعشية) الاقصائية التي لا تملك الا ان تقود الى الحرب والدمار!! ولابد من دولة (المواطنة السودانوية وان طال السفر ) .
(٢) لمسؤولون الحقيقيون عن حريق الخرطوم هم قادة الفكر السياسي السوداني في المركز وهم:
** الصادق المهدي / حزب الامة ،
* الحركة الاسلامية (الإخوانية) بقيادة د حسن الترابي
** الأستاذ محمود محمد طه/ الاخوان الجمهوريون
لماذا ؟
لأنهم فشلوا في بناءً (الدولة العلمانية/ دولة المواطنة) وبدلًا من ذلك اقاموا دولة العقيدة الاسلاموية ، وجعلوا من الجيش السوداني(مليشيا جهوية عنصرية) لتكريس استعمار ابناء شمال السودان لبقية أقاليم السودان وممارسة سياسة فرق تسد ، واستخدام الجيش لابادة كل من يقاوم هذا الاستعمار ! وبحول الله سوف اقدم الادلة على مسؤولية هذه الجهات الثلاثة في متن المقال.
(٣) الجيش السوداني هو علة العلل في الدولة السودانية!! لماذا ؟!
** لانه مليشيا مثله ومثل الدعم السريع ، انه جيش شمال السودان وحده ودون غيره من أقاليم السودان ،٧٥٪ الضباط من أبناء المنطقة من الجيلي الي حلفا .
** فشل هذا الجيش/المليشا في حماية حدود الوطن السوداني ، وجعل مهمته الاساسية منذ عام ١٩٥٥ هي إبادة شعوب الهامش السوداني تباعًا في الجنوب ثم جبال النوبة ، النيل الازرق ، ودارفور ، وأخيرا (ولاية الخرطوم) ، مكرسا بذلك إستعمار الاقلية من ابناء شمال السودان لبقية اقاليم السودان.
** من السخف ان يجد السودانيين انفسهم بعد ١٥ ابريل ٢٠٢٣ بين خيارين: اما تأييد البرهان وجيشه العنصري (الذي سيطلق عليه اهل الخرطوم صفة النازية) لانه مارس الإبادة الجماعية في كل الهامش السوداني وأخيرا في ولاية الخرطوم.. والخيار الثاني هو تاييد الدعم السريع وهو من صناعة اهل المركز .. صنعوه بديلا للجيش الفاشل في الدفاع عن دولة الجلابة الكيزانية.. وتجدر الإشارة الى ان الدعم السريع يتمتع بدرجة متساوية مع جيش البرهان الكيزاني من حيث الشرعية الدستورية والقانونية !!
(١) خراب / حريق الخرطوم- اي المركز -
** ما يجري في ولاية الخرطوم من دمار شامل هو شيءٍ طبيعي ومفهوم لكل من له فطرة سليمة.. ماذا ينتظر اهل الخرطوم من ردة فعل اذا كانت طائرات سلاح الجو تخرج من قاعدة وادي سيدنا الجوية باستمرار لمدة ٧ عقود متتالية.. وهي محملة بالقنابل والمتفجرات .. وتقوم بتفريغها على رؤوس المهمشين في الجنوب وجبال النوبة والانقسنا ودارفور ؟ القانون الطبيعي الذي وضعه المول يجل وعلي هو ان (لكل فعل رد فعل .. مساوي له في القوة ومضاد له في الاتجاه) .. لقد علم المهمشون وعلي راسهم الشهيد د خليل ابراهيم محمد ان (الحية تضرب على راسها) .. لذلك باشر د خليل بنفسه وتحت قيادته شخصيًا (مهمة نقل المعركة للخرطوم) وذلكفي ١٠ مايو ٢٠٠٨ .. وقد سكتت حركة العدل والمساواة السودانية عن احتفالات احياء هذه المناسبة العظيمة هذا العام ٢٠٢٣انسجامًا مع موقف الجبهة الثورية الحيادي في معركة كسر العظام بين الجيش والدعم السريع الجارية في العاصمة المثلثة هذه الايام.
** لقد تمادت النخبة النيلية في نقضها للعهود (المصطلح لدكتور منصور خالد) مع المهمشين بشكل متوالي منذ ١٩٥٥ حتي قيام ثورة ديسمبر ٢٠١٨ .. وذلك بعدم وفائها بوعد الفيدرالية للجنوبيين قبيل الاستقلال ، ثم نقض النميري غزله المضمن في إتفاقية اديس ابابا ١٩٧٢ .. وماطل الإمام الصادق في اجازة إتفاقية الميرغني/غرنق حتي نفذت الجبهة الاسلامية انقلابها المشؤوم في يونيو ١٩٨٩ .. وفي نيفاشا ٢٠٠٥ رفضت المؤتمر الوطني القبول (بعلمانية الدولة.. والتي لا تعني (علمانية المجتمع السوداني اوعلمانية الفرد السوداني) ، وانما تعني فقط وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الاديان.. وبذلك قام المؤتمر الوطني الكيزاني بطرد الجنوبيين وتقسيم السودان!! شاهدنا من كل ما تقدم ان احزاب النخبة النيلية في الخرطوم قد ظلت خلال ٧ عقود من الزمان تمارس الاستهبال السياسي ضد شعوب الهامش السوداني في الجنوب الذي ذهب ، وجبال النوبة والنيل الازرق ودارفور حتي جاءت الطامة الكبرى للخرطوم بما كسبت ايدي الساسة الفاشلين الذين فشلوا في العبور بالدولة السودانية من (مرحلة القبلية الى الدولة) ومن دولة العقيدة الاسلاموية الي دولة المواطنة السودانية القائمة على دستور علماني يقف على مسافة واحدة من جميع الاديان ولا يسمح للدولة السودانية ان تجاهد مواطنيها من خلال حروب دينية وتجعل بعض مواطنيها اهل ذمة !
(٢) ماذا ننتظر من دولة الساسة الاقزام وتلاميذهم من المقلدين (القرود ) سوي حريق الخرطوم والسقوط الى القاع ؟!
من التحليل المسطح تحميل مسؤولية حريق الخرطوم الجاري منذ ١٥/ ابريل ٢٠٢٣ الي اليوم للفاقد التربوي من السياسيين والعسكريين.. لاسيما (البرهان/حميدتي) .. وذلك لان (سردية حريق ولاية الخرطوم) لم تبدآ بالخلاف لدرجة الحرب بين البرهان وحميدتي.. لا .. لا .. فملف الزحف نحو الخرطوم موضوع تراكمي يتحمل منه البرهان و حميدتي ١٠٪ فقط .. والباقي يتحمله : (الساسة الأقزام منذ جيل الاستقلال ، ثم يتحمله خلفهم وتلاميذهم من المقلدين/ القرود) ! مصيبة البرهان وحميدتي انهما اليد المباشرة التي قتلت الرجال واغتصبت النساء في الهامش السوداني ودارفور على وجه الخصوص.. فوقعت عليهما دعوة مظلوم: (اللهم أهلك الظالمين بالظالمين) .. فتجلي عليهما رب العزة باسمائه (الجبار المنتقم)! سيتحمل البرهان وحميدتي المسؤولية الجنائية لهذه المحرقة وكافة الجرائم التي ارتكبوها في دارفور لأنها جرائم حرب وضد الانسانية ولا تسقط بالتقادم. انهما -البرهان وحميدتي- مجرد الاعراض القذرة للمرض.. الاسهال والقحة .. اما المرض المزمن الحقيقي فانه يكمن في الامعاء الغليظة للمجتمع السوداني.. في قادة الفكر السياسي والاحزاب السياسية الطائفية والعقائدية!!
(٣) الخلل الأساسي في الفكر السياسي لأحزاب المركز هو عجزها عن انتاج فكر سياسي قادر علي ادارة التنوع السوداني (التنوع الديني والثقافي واللغوي.. الخ :
مقولة (الشعب السوداني عملاق يتقدمه أقزام) اطلقها المفكر الجمهوري الشهيد محمود محمد طه ، وقد اطلقها صاحبها على غيرهمن قادة الأحزاب السياسية ، دون ان يدري ان هذه المقولة تشمله هو شخصيًا كذلك وبكل اسف! إشكالية احزاب المركز (باستثناء الحزب الشيوعى) .. وأعني تحديدا (حزب الامة ، الحزب الاتحادي الديموقراطي ، الحركة الاسلامية بقيادة د حسن الترابي ،والأستاذ محمود محمد طه) .. هذه الأحزاب وقادتها يدورون في اطار (الدولة الدينية الاسلاموية ) .. وقد عجزوا تمامًا عن انتاج فكر سياسي له القدرة على إدارة (التنوع السوداني) .. كلهم يفكرون في اطار (مرجعية دولة المدينة المنورة) .. وقد عجزوا تمامآ عن طرح فكرة (السودانوية) .. تخيفهم لدرجةٍ الموت عبارة :(الدولة العلمانية ) .. وقد وقعوا جميعا في فخ الشعبوية الاسلاموية الكيزانية التي تماهي بين العلمانية والكفر والإلحاد.. مع ان العلمانية تعني فقط وقوف (ألدولة السودانية- وهي شخصية اعتبارية لا تصلي ولاتصوم ولا تمارس اي شعائر- ) - تعني وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الاديان..لانك اذا قلت: (الإسلام هو دين الدولة )،فانك بالضرورة تجعل المسيحيين (اهل ذمة ) .. أكثر من ذلك فانك تمنح الدولة الاسلاموية حق (الجهاد) ضد غير المسلمين.. وهو ماجرى عمليا منذ عام ١٩٥٨ ، فقد مارس نظام عبود سياسة الاسلمة والتعريب والتدخل في شؤون الكنيسة. لقد عجزت أحزاب المركزعن إدراك المقولة التي اطلقها الدكتور جون غرانق (الإسلام لا يوحدنا ، المسيحية لا توحدنا ، العروبة لا توحدنا ، الافريكانية لاتوحدنا .. دعونا نكون (سودانيين) .. السودانوية هي التي توحدنا). هذا.. وسوف اتناول مسؤولية الاحزاب وقادتها بايجاز ارجو انلا يكون مخلا ، وذلك علي النحو التالي:
(أولآ) أحزاب الجبهة الوطنية (الامة /الاتحادي الديموقراطي/ الأخوان المسلمون):
** الإمام الصادق المهدي وحزب الامة:
علة العلل في حزب الامة تكمن في (السيد الصادق المهدي شخصيًا) .. فقد جثم علي صدر الحزب لنصف قرن من الزمان ، وقدجمع بين (إمامة الأنصار ورئاسة الحزب) .. وقد وقف سدا منيعا ضد تحول الحزب الي كيان وطني ، يهدف لتأسيس دولة المواطنة السودانوية ، بل بكل اسف لقد وظف نفسه وجماهير الأنصار لخدمة الحركة الاسلامية بقيادة د حسن الترابي ، فقد شارك السيد الصادق وحزب الامة في العمل الشعبوي الغوغائي ضد الحزب الشيوعى بسبب قصة الطالب شوقي بمعهد المعلمين العالي في عهد ثورة أكتوبر ، بتهمة الإساءة للسيدة عائشة رضي الله عنها ، وهي التهمة التي قادت الى حل الحزب الشيوعى لاحقًا وطرد نوابه من البرلمان ، والمستفيد المباشر من اضعاف الشيوعيين في ذلك الوقت كان حسن الترابي والحركة الاسلامية.. وأكبر جريمة سياسية ارتكبها السيد الصادق هي رفضه وتعطيله لإتفاق الميرغني/غرنق ١٩٨٨ مما هيأ الأجواء لانقلاب الجبهة الاسلامية في يونيو ١٩٨٩ . فقد كان السيد الصادق علي علم بانقلاب الإنقاذ (اخبره د الترابي عن طريق احمد سليمان المحامي) ولم يتحرك لحماية الديمقراطية.. كان السيد الصادق معارضًا مزيفًا لنظام الإنقاذ حتي قيام ثورة ديسمبر ، كان هدفه فقط (إضعاف النظام وليس إسقاطه ) .. لانه كان يطمح في (وراثه الإنقاذ عن طريق ابنه عبدالرحمن مساعد المخلوع عمر البشير. . كان السيد الصادق المهديهو العقل المفكر الوحيد في حزب الامة والبقية (درق سيده ).. حزب (الإمام الأوحد ) والبقية (مقلدون -قرود ) .
الحزب الاتحادي الديموقراطي:
هذا الحزب طائفي ، نواب الحزب الذين ياتون الى البرلمان يستمدون قوتهم في الفوز من زعيم الطائفة الميرغنية.. يقولون:(مرشح السيد فائز ) . بدآ الحزب مشواره في حكم الدولة السودانية بشعار بائس لزعيمه إسماعيل الأزهري (تحرير لا تعمير) .. وهو شعار يدل على ان الرعيل الاول من قادة الحزب وعلي راسهم الأزهري لم تكن لديهم (رؤية لتعمير هذه الدولة السودانية الغنية بالموارد البشرية والطبيعية! قادة هذا الحزب مجرد طلاب سلطة ، لم يؤلف واحد منهم كتابا ضمنه رؤيته حول التحول الديموقراطي ، وحول التنمية المستدامة.. للسيد محمد عثمان الميرغني وحزبه حسنة ترجح بكل سيئاته وهي توقيعه على (اتفاق الميرغني/غرنق عام ١٩٨٨) والذي نص على (تجميد قوانين سبتمبر ١٩٨٣) .. هذا الإتفاق كان ممكن يغير مجرى التاريخ السوداني ويزيل شبح الدولة الدينية ويحقق السلام ويحول دون انفصال الجنوب ، ولكن السيد الصادق وحزب الامة اجهضوا هذا الإتفاق ومهدوا لانقلاب الجبهة الاسلامية.
الحركة الاسلامية السودانية وزعيمها د حسن الترابي:
الخلل الاساسي في الحركة الاسلامية انها مؤسسة (الشيخ الواحد - هو شيخ حسن الترابي) ، هو المفكر وبقية كوادر الحركة شيمتهم الحماسة والهتاف وليس الفكر . لم تخرج الحركة عن رؤية وفقه دولة المدينة المنورة .. فشلت الحركة الاسلامية السودانية في انتاج (فقه دولة) له القدرة علي ادارة التنوع السوداني بكل أشكاله لاسيما الديني .. وبدلًا من ذلك اقامت (الجهاد-الحرب الدينية) ضد المسيحيين وغير المسلمين وحولتهم الى (اهل ذمة ) وبالتالي الي (مواطنين من الدرجة الثانية) .. مما جعل الجنوبيين يصوتون بنسبة ٩٩٪ للانفصال.
اتسمت كوادر الحركة الاسلامية (بالأنيميا الفكرية) .. انها حركة المفكر الواحد/ الشيخ الواحد.. والبقية مقلدون /قرود بكل اسف! يقلدون شيخ حسن الترابي حتي في نبرات صوته .. وكذلك يقلد تلاميذ الامام الصادق امامهم ، وكذلك يقلد الجمهوريون مرشدهم الأستاذ محمود ، وقد سخر السيد عادل ابراهيم حمد رئيس المجلس الاربعيني لاتحاد التمثيل في جامعة الخرطوم آنذاك ، سخر منهذا التقليد لدرجةٍ التقمص.. والذي يدل علي (فناء المريد في مرشده لدرجة الغاء شخصيته) .. مما يجعله دمية في يد المرشد .. وبالتالي لا يملك القدرة على نقد وتقويم المؤسسة .
الحركة الاسلامية هو (سوء الخاتمة لدولة النخبة النيلية) القائمة على الجهوية (الشمالية) واقصاء الجنوب والغرب - دارفور وكردفان.. وبالرغم من ان الحركة الاسلامية تكتظ (بالمتعلمين- لاسيما خريجي كليات الهندسة والطب والزراعة) الا انها فشلت تمامًا الانتقال بالدولة السودانية من دولة العقيدة الاسلاموية الى مرحلة دولة المواطنة وتسببت في فصل جنوب السودان ، اكثر من ذلك فشلت الحركة الاسلامية في التعايش بين الجلابة وأبناء المهمشين في دارفور وكردفان والجنوب ، فقد انقسمت الحركة الاسلامية (بعد خروج البترول) علي أساس جهوي عرقي عنصري بين ابناء العقيدة الواحدة.. فرقتهم عائدات البترول التي لم تدخل الخزينة العامة!! شاهدنا ان الحركة الاسلامية قد مارست الفساد وأكل المال العام بطريقة غير مسبوقة في تاريخ السودان حتي هتف الشعب الثائر(ضد الحرامية) وفي خلال ٣٠ عاما فقدت الحركة (مشروعها الأخلاقي) !! وهذه دلالة قاطعة على ان (دولة الجلابة قد وصلت الى نهايتها الطبيعية) .. انما الامم الأخلاق.. واذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. باي باي دولة الجلابة.
الأستاذ محمود محمد طه والإخوان الجمهوريون:
يتحدث الأستاذ محمود كثيرًا في نقد طائفة الأنصار والحركة الاسلامية وزعيمها د الترابي ، وحركة أنصار السنة المحمدية ، ولكنهاي الأستاذ محمود لا يختلف عن الاسلام السياسي الاخواني في شيء ، فالفرق بين الرسالة الأولى والثانية (شأن داخلي يخص المسلمين) ، فشعار الفكرة الجمهورية لتوحيد السودانيين هو :(بتقليد محمد تتوحد الامة ويتجدد دينها) .. انه يدعو الى (اسلام جديد) وليس الي (سودان جديد) . دستور دولة الأستاذ محمود مستمد من (القران وحده) باعترافه ، والأستاذ محمود يعادي (العلمانية) بشكلٍ واضح .
باختصار.. لقد كانت الجامعات السودانية ولاسيما جامعة الخرطوم كلها مسرحا خصبا للجمهوريين (وقد كنت واحدا منهم ) وذلكمن خلال اركان النقاش التي أسسها (دالي والقراي) .. وبكل اسف عجز الجمهوريون عن طرح فكر يعالج (التنوع السوداني الديني والعرقي واللغوي..الخ .. ويقر بدولة (مرجعية المواطنة المتساوية) التي تقوم على دستور علماني يقف على مسافة واحدة من جميع الاديان.. وبدلا من ذلك طرح الجمهوريون دستورا اسلاميا إقصائيا (مستمد من القرآن وحده) .. مع طرح قضايا انصرافية لا صلة لها بمعاش المواطن وماكله ومشربه مثل (الرسالة الثانية ) و (صلاة الاصالة ) .. كما صرف الجمهوريون زمنا ثمينا في تبرير تاييدهم (لثورة مايو) .
تجدر الاشارة الى ان الجمهوريين قد طرحوا (الحكم الفيدرالي)منذ عام ١٩٥٥ ، ولكن النظام الفيدرالي اذا لم يكن في (اطار دولة ليبرالية.. علمانية تقف على مسافة واحدة من جميع الاديان ) فان الفيدرالية سوف تذوب في الدولة الدينيه الجهادية ، ولن يتحقق السلام في الدولة الدينيه الاسلاموية.
من تحت رماد حريق الخرطوم سيخرج الوعي والف (جان بول سارتر ) :
(أ) منذ توقيع سلام جوبا ، وحضور قيادات حركات المقاومة المسلحة الي الخرطوم ، إضافةً لهيمنة قوات الدعم السريع على العاصمة المثلثة ، ادرك سكان العاصمة المثلثة واهل شمال السودان عمومًا (سكان المنطقة من الجيلي الي حلفا) ، أدركوا انهم في خطر حقيقي ، وذلك باحساس (كاد المريب ان يقول خذوني ) .. ادركوا ان المهمشين قادمون للمشاركة في السلطة والثروة (من موقف القوى) المسنود في المركز هذه المرة من قبل قوات الدعم السريع.. لذلك بادر الشطار من اهل الخرطوم والشمال الي بيع عقاراتهم في الخرطوم (وهي بيوت من اين لك هذا ؟ تم تشييدها بأموال الدولة المنهوبة.. وفروا لغسل هذه الاموال ، وذلك عن طريق شراء عقاراتفي مصر وتركيًا.
(ب) لقد فقدت (دولة الجلابة) كل مقومات بقائها:
** لقد فقدت دولة الجلابة الجيش اداة القمع والاستعمار منذ ١٩٥٥ وذلك حين فشل الجيش في التصدي لحركات المقاومة (الجبهة الثورية ) .. فسعت حكومة الإنقاذ الى حتفها بظلفها حين اعتمدت على الدعم السريع - وبذلك خلقت جيشا بديلًا موازيًا (للجيش الفاشل) .. فكانت النهاية المنطقية في حرب ١٥/ابريل ٢٠٢٣ - حرب حريق ودمار الخرطوم!!
** فقدت دولة الجلابة اخر كرت (هتاف الإسلام هو الحل) .. وتبين لشعوب السودان ان الإسلام السياسي (حرامية) كما سبق البيان وبذلك فقدت دولة الجلابة مشروعها الاخلاقي (ضد الحرامية - الهتاف المضاد لهتاف الإسلام هو الحل) .
(ج) سيشكل حريق الخرطوم نقطة تحول في تاريخ السودان.. وفي الفكر السياسي السوداني ، فاذا كان (الإسلام السياسي) الكيزاني هو الذي جلب حريق الخرطوم ، فان الشعب سيتحول الى نقيضه ، الي (الدولة العلمانية) .. والتي تعني (وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الاديان) .. وتعني قدرة الدولة على ادارة كافة اشكال التنوع السوداني.. باختصار سيكتشف السودانيون ان العلمانية هي مسالة حياة او دمار السودان وتفتيته الي ٦٠ حتة .
وسوف يبقي الإسلام النقي طاهرًا بعيدا من دنس السياسة ، وقد اثبتت تجربة الجبهة الاسلامية في السلطة صحة المقولة : (اذا مزجت الدين بالساسة فسد الاثنان.. الدين والسياسة) . سيبقي الإسلام الصوفي النقي المجرب .. ومؤسساته (من مساجد وزوايا وخلاوي حفظ القرآن وتجويده) قائمة .. وتجد التمويل والدعم من الجمهور الذي يثق في هذه المؤسسات ويجد فيها الصدق والإخلاص لدين الله والبركة .. بل ان فشل ودنس الإسلام السياسي التجاري سيزيد الجمهور ثقة في اسلامه الصوفي النقي .
(د) سيتنج الشعب السوداني فكره لخلاصه.. وهذا ليس حلم يقظة .. فالتاريخ يعلمنا ان حروب الدمار تنتج الأفكار العظيمة.. احل مبان حريق الخرطوم سينج جيلًا جديدا.. هو جيل صبة القيادة العامة ابريل ٢٠١٩ .. سوف ينتج هذا الجيل الف جان بول سارتر(كرمز للعقلانية) والخروج من عباءة الدولة الدينية ، وسوف يزدهر الادب والمسرح ، ستعود الطيور المهاجرة السودانية في كل انحاءألعالم لتعيد اعمار السودان معماريا واخلاقيا وصناعيا وتجاريا وزراعيًا.
ابوبكر القاضي
كاردف/ويلز/UK
٣٠ مايو ٢٠٢٣
aboubakrelgadi@hotmail.com
(١) من المؤسف حقًا خروج (السودان الجديد) من تحت رماد الأرض المحروقة/ ولاية الخرطوم !! وموضع الاسف هو ان قادة الفكر السياسي.. وعلماء الامة السودانية وبلماها ، قد عجزنا ان نختار بارادتنا ووعينا الدستور العلماني الذي يعالج التنوع السوداني.. وبقينا في نطاق الدولة الدينية (الداعشية) الاقصائية التي لا تملك الا ان تقود الى الحرب والدمار!! ولابد من دولة (المواطنة السودانوية وان طال السفر ) .
(٢) لمسؤولون الحقيقيون عن حريق الخرطوم هم قادة الفكر السياسي السوداني في المركز وهم:
** الصادق المهدي / حزب الامة ،
* الحركة الاسلامية (الإخوانية) بقيادة د حسن الترابي
** الأستاذ محمود محمد طه/ الاخوان الجمهوريون
لماذا ؟
لأنهم فشلوا في بناءً (الدولة العلمانية/ دولة المواطنة) وبدلًا من ذلك اقاموا دولة العقيدة الاسلاموية ، وجعلوا من الجيش السوداني(مليشيا جهوية عنصرية) لتكريس استعمار ابناء شمال السودان لبقية أقاليم السودان وممارسة سياسة فرق تسد ، واستخدام الجيش لابادة كل من يقاوم هذا الاستعمار ! وبحول الله سوف اقدم الادلة على مسؤولية هذه الجهات الثلاثة في متن المقال.
(٣) الجيش السوداني هو علة العلل في الدولة السودانية!! لماذا ؟!
** لانه مليشيا مثله ومثل الدعم السريع ، انه جيش شمال السودان وحده ودون غيره من أقاليم السودان ،٧٥٪ الضباط من أبناء المنطقة من الجيلي الي حلفا .
** فشل هذا الجيش/المليشا في حماية حدود الوطن السوداني ، وجعل مهمته الاساسية منذ عام ١٩٥٥ هي إبادة شعوب الهامش السوداني تباعًا في الجنوب ثم جبال النوبة ، النيل الازرق ، ودارفور ، وأخيرا (ولاية الخرطوم) ، مكرسا بذلك إستعمار الاقلية من ابناء شمال السودان لبقية اقاليم السودان.
** من السخف ان يجد السودانيين انفسهم بعد ١٥ ابريل ٢٠٢٣ بين خيارين: اما تأييد البرهان وجيشه العنصري (الذي سيطلق عليه اهل الخرطوم صفة النازية) لانه مارس الإبادة الجماعية في كل الهامش السوداني وأخيرا في ولاية الخرطوم.. والخيار الثاني هو تاييد الدعم السريع وهو من صناعة اهل المركز .. صنعوه بديلا للجيش الفاشل في الدفاع عن دولة الجلابة الكيزانية.. وتجدر الإشارة الى ان الدعم السريع يتمتع بدرجة متساوية مع جيش البرهان الكيزاني من حيث الشرعية الدستورية والقانونية !!
(١) خراب / حريق الخرطوم- اي المركز -
** ما يجري في ولاية الخرطوم من دمار شامل هو شيءٍ طبيعي ومفهوم لكل من له فطرة سليمة.. ماذا ينتظر اهل الخرطوم من ردة فعل اذا كانت طائرات سلاح الجو تخرج من قاعدة وادي سيدنا الجوية باستمرار لمدة ٧ عقود متتالية.. وهي محملة بالقنابل والمتفجرات .. وتقوم بتفريغها على رؤوس المهمشين في الجنوب وجبال النوبة والانقسنا ودارفور ؟ القانون الطبيعي الذي وضعه المول يجل وعلي هو ان (لكل فعل رد فعل .. مساوي له في القوة ومضاد له في الاتجاه) .. لقد علم المهمشون وعلي راسهم الشهيد د خليل ابراهيم محمد ان (الحية تضرب على راسها) .. لذلك باشر د خليل بنفسه وتحت قيادته شخصيًا (مهمة نقل المعركة للخرطوم) وذلكفي ١٠ مايو ٢٠٠٨ .. وقد سكتت حركة العدل والمساواة السودانية عن احتفالات احياء هذه المناسبة العظيمة هذا العام ٢٠٢٣انسجامًا مع موقف الجبهة الثورية الحيادي في معركة كسر العظام بين الجيش والدعم السريع الجارية في العاصمة المثلثة هذه الايام.
** لقد تمادت النخبة النيلية في نقضها للعهود (المصطلح لدكتور منصور خالد) مع المهمشين بشكل متوالي منذ ١٩٥٥ حتي قيام ثورة ديسمبر ٢٠١٨ .. وذلك بعدم وفائها بوعد الفيدرالية للجنوبيين قبيل الاستقلال ، ثم نقض النميري غزله المضمن في إتفاقية اديس ابابا ١٩٧٢ .. وماطل الإمام الصادق في اجازة إتفاقية الميرغني/غرنق حتي نفذت الجبهة الاسلامية انقلابها المشؤوم في يونيو ١٩٨٩ .. وفي نيفاشا ٢٠٠٥ رفضت المؤتمر الوطني القبول (بعلمانية الدولة.. والتي لا تعني (علمانية المجتمع السوداني اوعلمانية الفرد السوداني) ، وانما تعني فقط وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الاديان.. وبذلك قام المؤتمر الوطني الكيزاني بطرد الجنوبيين وتقسيم السودان!! شاهدنا من كل ما تقدم ان احزاب النخبة النيلية في الخرطوم قد ظلت خلال ٧ عقود من الزمان تمارس الاستهبال السياسي ضد شعوب الهامش السوداني في الجنوب الذي ذهب ، وجبال النوبة والنيل الازرق ودارفور حتي جاءت الطامة الكبرى للخرطوم بما كسبت ايدي الساسة الفاشلين الذين فشلوا في العبور بالدولة السودانية من (مرحلة القبلية الى الدولة) ومن دولة العقيدة الاسلاموية الي دولة المواطنة السودانية القائمة على دستور علماني يقف على مسافة واحدة من جميع الاديان ولا يسمح للدولة السودانية ان تجاهد مواطنيها من خلال حروب دينية وتجعل بعض مواطنيها اهل ذمة !
(٢) ماذا ننتظر من دولة الساسة الاقزام وتلاميذهم من المقلدين (القرود ) سوي حريق الخرطوم والسقوط الى القاع ؟!
من التحليل المسطح تحميل مسؤولية حريق الخرطوم الجاري منذ ١٥/ ابريل ٢٠٢٣ الي اليوم للفاقد التربوي من السياسيين والعسكريين.. لاسيما (البرهان/حميدتي) .. وذلك لان (سردية حريق ولاية الخرطوم) لم تبدآ بالخلاف لدرجة الحرب بين البرهان وحميدتي.. لا .. لا .. فملف الزحف نحو الخرطوم موضوع تراكمي يتحمل منه البرهان و حميدتي ١٠٪ فقط .. والباقي يتحمله : (الساسة الأقزام منذ جيل الاستقلال ، ثم يتحمله خلفهم وتلاميذهم من المقلدين/ القرود) ! مصيبة البرهان وحميدتي انهما اليد المباشرة التي قتلت الرجال واغتصبت النساء في الهامش السوداني ودارفور على وجه الخصوص.. فوقعت عليهما دعوة مظلوم: (اللهم أهلك الظالمين بالظالمين) .. فتجلي عليهما رب العزة باسمائه (الجبار المنتقم)! سيتحمل البرهان وحميدتي المسؤولية الجنائية لهذه المحرقة وكافة الجرائم التي ارتكبوها في دارفور لأنها جرائم حرب وضد الانسانية ولا تسقط بالتقادم. انهما -البرهان وحميدتي- مجرد الاعراض القذرة للمرض.. الاسهال والقحة .. اما المرض المزمن الحقيقي فانه يكمن في الامعاء الغليظة للمجتمع السوداني.. في قادة الفكر السياسي والاحزاب السياسية الطائفية والعقائدية!!
(٣) الخلل الأساسي في الفكر السياسي لأحزاب المركز هو عجزها عن انتاج فكر سياسي قادر علي ادارة التنوع السوداني (التنوع الديني والثقافي واللغوي.. الخ :
مقولة (الشعب السوداني عملاق يتقدمه أقزام) اطلقها المفكر الجمهوري الشهيد محمود محمد طه ، وقد اطلقها صاحبها على غيرهمن قادة الأحزاب السياسية ، دون ان يدري ان هذه المقولة تشمله هو شخصيًا كذلك وبكل اسف! إشكالية احزاب المركز (باستثناء الحزب الشيوعى) .. وأعني تحديدا (حزب الامة ، الحزب الاتحادي الديموقراطي ، الحركة الاسلامية بقيادة د حسن الترابي ،والأستاذ محمود محمد طه) .. هذه الأحزاب وقادتها يدورون في اطار (الدولة الدينية الاسلاموية ) .. وقد عجزوا تمامًا عن انتاج فكر سياسي له القدرة على إدارة (التنوع السوداني) .. كلهم يفكرون في اطار (مرجعية دولة المدينة المنورة) .. وقد عجزوا تمامآ عن طرح فكرة (السودانوية) .. تخيفهم لدرجةٍ الموت عبارة :(الدولة العلمانية ) .. وقد وقعوا جميعا في فخ الشعبوية الاسلاموية الكيزانية التي تماهي بين العلمانية والكفر والإلحاد.. مع ان العلمانية تعني فقط وقوف (ألدولة السودانية- وهي شخصية اعتبارية لا تصلي ولاتصوم ولا تمارس اي شعائر- ) - تعني وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الاديان..لانك اذا قلت: (الإسلام هو دين الدولة )،فانك بالضرورة تجعل المسيحيين (اهل ذمة ) .. أكثر من ذلك فانك تمنح الدولة الاسلاموية حق (الجهاد) ضد غير المسلمين.. وهو ماجرى عمليا منذ عام ١٩٥٨ ، فقد مارس نظام عبود سياسة الاسلمة والتعريب والتدخل في شؤون الكنيسة. لقد عجزت أحزاب المركزعن إدراك المقولة التي اطلقها الدكتور جون غرانق (الإسلام لا يوحدنا ، المسيحية لا توحدنا ، العروبة لا توحدنا ، الافريكانية لاتوحدنا .. دعونا نكون (سودانيين) .. السودانوية هي التي توحدنا). هذا.. وسوف اتناول مسؤولية الاحزاب وقادتها بايجاز ارجو انلا يكون مخلا ، وذلك علي النحو التالي:
(أولآ) أحزاب الجبهة الوطنية (الامة /الاتحادي الديموقراطي/ الأخوان المسلمون):
** الإمام الصادق المهدي وحزب الامة:
علة العلل في حزب الامة تكمن في (السيد الصادق المهدي شخصيًا) .. فقد جثم علي صدر الحزب لنصف قرن من الزمان ، وقدجمع بين (إمامة الأنصار ورئاسة الحزب) .. وقد وقف سدا منيعا ضد تحول الحزب الي كيان وطني ، يهدف لتأسيس دولة المواطنة السودانوية ، بل بكل اسف لقد وظف نفسه وجماهير الأنصار لخدمة الحركة الاسلامية بقيادة د حسن الترابي ، فقد شارك السيد الصادق وحزب الامة في العمل الشعبوي الغوغائي ضد الحزب الشيوعى بسبب قصة الطالب شوقي بمعهد المعلمين العالي في عهد ثورة أكتوبر ، بتهمة الإساءة للسيدة عائشة رضي الله عنها ، وهي التهمة التي قادت الى حل الحزب الشيوعى لاحقًا وطرد نوابه من البرلمان ، والمستفيد المباشر من اضعاف الشيوعيين في ذلك الوقت كان حسن الترابي والحركة الاسلامية.. وأكبر جريمة سياسية ارتكبها السيد الصادق هي رفضه وتعطيله لإتفاق الميرغني/غرنق ١٩٨٨ مما هيأ الأجواء لانقلاب الجبهة الاسلامية في يونيو ١٩٨٩ . فقد كان السيد الصادق علي علم بانقلاب الإنقاذ (اخبره د الترابي عن طريق احمد سليمان المحامي) ولم يتحرك لحماية الديمقراطية.. كان السيد الصادق معارضًا مزيفًا لنظام الإنقاذ حتي قيام ثورة ديسمبر ، كان هدفه فقط (إضعاف النظام وليس إسقاطه ) .. لانه كان يطمح في (وراثه الإنقاذ عن طريق ابنه عبدالرحمن مساعد المخلوع عمر البشير. . كان السيد الصادق المهديهو العقل المفكر الوحيد في حزب الامة والبقية (درق سيده ).. حزب (الإمام الأوحد ) والبقية (مقلدون -قرود ) .
الحزب الاتحادي الديموقراطي:
هذا الحزب طائفي ، نواب الحزب الذين ياتون الى البرلمان يستمدون قوتهم في الفوز من زعيم الطائفة الميرغنية.. يقولون:(مرشح السيد فائز ) . بدآ الحزب مشواره في حكم الدولة السودانية بشعار بائس لزعيمه إسماعيل الأزهري (تحرير لا تعمير) .. وهو شعار يدل على ان الرعيل الاول من قادة الحزب وعلي راسهم الأزهري لم تكن لديهم (رؤية لتعمير هذه الدولة السودانية الغنية بالموارد البشرية والطبيعية! قادة هذا الحزب مجرد طلاب سلطة ، لم يؤلف واحد منهم كتابا ضمنه رؤيته حول التحول الديموقراطي ، وحول التنمية المستدامة.. للسيد محمد عثمان الميرغني وحزبه حسنة ترجح بكل سيئاته وهي توقيعه على (اتفاق الميرغني/غرنق عام ١٩٨٨) والذي نص على (تجميد قوانين سبتمبر ١٩٨٣) .. هذا الإتفاق كان ممكن يغير مجرى التاريخ السوداني ويزيل شبح الدولة الدينية ويحقق السلام ويحول دون انفصال الجنوب ، ولكن السيد الصادق وحزب الامة اجهضوا هذا الإتفاق ومهدوا لانقلاب الجبهة الاسلامية.
الحركة الاسلامية السودانية وزعيمها د حسن الترابي:
الخلل الاساسي في الحركة الاسلامية انها مؤسسة (الشيخ الواحد - هو شيخ حسن الترابي) ، هو المفكر وبقية كوادر الحركة شيمتهم الحماسة والهتاف وليس الفكر . لم تخرج الحركة عن رؤية وفقه دولة المدينة المنورة .. فشلت الحركة الاسلامية السودانية في انتاج (فقه دولة) له القدرة علي ادارة التنوع السوداني بكل أشكاله لاسيما الديني .. وبدلًا من ذلك اقامت (الجهاد-الحرب الدينية) ضد المسيحيين وغير المسلمين وحولتهم الى (اهل ذمة ) وبالتالي الي (مواطنين من الدرجة الثانية) .. مما جعل الجنوبيين يصوتون بنسبة ٩٩٪ للانفصال.
اتسمت كوادر الحركة الاسلامية (بالأنيميا الفكرية) .. انها حركة المفكر الواحد/ الشيخ الواحد.. والبقية مقلدون /قرود بكل اسف! يقلدون شيخ حسن الترابي حتي في نبرات صوته .. وكذلك يقلد تلاميذ الامام الصادق امامهم ، وكذلك يقلد الجمهوريون مرشدهم الأستاذ محمود ، وقد سخر السيد عادل ابراهيم حمد رئيس المجلس الاربعيني لاتحاد التمثيل في جامعة الخرطوم آنذاك ، سخر منهذا التقليد لدرجةٍ التقمص.. والذي يدل علي (فناء المريد في مرشده لدرجة الغاء شخصيته) .. مما يجعله دمية في يد المرشد .. وبالتالي لا يملك القدرة على نقد وتقويم المؤسسة .
الحركة الاسلامية هو (سوء الخاتمة لدولة النخبة النيلية) القائمة على الجهوية (الشمالية) واقصاء الجنوب والغرب - دارفور وكردفان.. وبالرغم من ان الحركة الاسلامية تكتظ (بالمتعلمين- لاسيما خريجي كليات الهندسة والطب والزراعة) الا انها فشلت تمامًا الانتقال بالدولة السودانية من دولة العقيدة الاسلاموية الى مرحلة دولة المواطنة وتسببت في فصل جنوب السودان ، اكثر من ذلك فشلت الحركة الاسلامية في التعايش بين الجلابة وأبناء المهمشين في دارفور وكردفان والجنوب ، فقد انقسمت الحركة الاسلامية (بعد خروج البترول) علي أساس جهوي عرقي عنصري بين ابناء العقيدة الواحدة.. فرقتهم عائدات البترول التي لم تدخل الخزينة العامة!! شاهدنا ان الحركة الاسلامية قد مارست الفساد وأكل المال العام بطريقة غير مسبوقة في تاريخ السودان حتي هتف الشعب الثائر(ضد الحرامية) وفي خلال ٣٠ عاما فقدت الحركة (مشروعها الأخلاقي) !! وهذه دلالة قاطعة على ان (دولة الجلابة قد وصلت الى نهايتها الطبيعية) .. انما الامم الأخلاق.. واذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. باي باي دولة الجلابة.
الأستاذ محمود محمد طه والإخوان الجمهوريون:
يتحدث الأستاذ محمود كثيرًا في نقد طائفة الأنصار والحركة الاسلامية وزعيمها د الترابي ، وحركة أنصار السنة المحمدية ، ولكنهاي الأستاذ محمود لا يختلف عن الاسلام السياسي الاخواني في شيء ، فالفرق بين الرسالة الأولى والثانية (شأن داخلي يخص المسلمين) ، فشعار الفكرة الجمهورية لتوحيد السودانيين هو :(بتقليد محمد تتوحد الامة ويتجدد دينها) .. انه يدعو الى (اسلام جديد) وليس الي (سودان جديد) . دستور دولة الأستاذ محمود مستمد من (القران وحده) باعترافه ، والأستاذ محمود يعادي (العلمانية) بشكلٍ واضح .
باختصار.. لقد كانت الجامعات السودانية ولاسيما جامعة الخرطوم كلها مسرحا خصبا للجمهوريين (وقد كنت واحدا منهم ) وذلكمن خلال اركان النقاش التي أسسها (دالي والقراي) .. وبكل اسف عجز الجمهوريون عن طرح فكر يعالج (التنوع السوداني الديني والعرقي واللغوي..الخ .. ويقر بدولة (مرجعية المواطنة المتساوية) التي تقوم على دستور علماني يقف على مسافة واحدة من جميع الاديان.. وبدلا من ذلك طرح الجمهوريون دستورا اسلاميا إقصائيا (مستمد من القرآن وحده) .. مع طرح قضايا انصرافية لا صلة لها بمعاش المواطن وماكله ومشربه مثل (الرسالة الثانية ) و (صلاة الاصالة ) .. كما صرف الجمهوريون زمنا ثمينا في تبرير تاييدهم (لثورة مايو) .
تجدر الاشارة الى ان الجمهوريين قد طرحوا (الحكم الفيدرالي)منذ عام ١٩٥٥ ، ولكن النظام الفيدرالي اذا لم يكن في (اطار دولة ليبرالية.. علمانية تقف على مسافة واحدة من جميع الاديان ) فان الفيدرالية سوف تذوب في الدولة الدينيه الجهادية ، ولن يتحقق السلام في الدولة الدينيه الاسلاموية.
من تحت رماد حريق الخرطوم سيخرج الوعي والف (جان بول سارتر ) :
(أ) منذ توقيع سلام جوبا ، وحضور قيادات حركات المقاومة المسلحة الي الخرطوم ، إضافةً لهيمنة قوات الدعم السريع على العاصمة المثلثة ، ادرك سكان العاصمة المثلثة واهل شمال السودان عمومًا (سكان المنطقة من الجيلي الي حلفا) ، أدركوا انهم في خطر حقيقي ، وذلك باحساس (كاد المريب ان يقول خذوني ) .. ادركوا ان المهمشين قادمون للمشاركة في السلطة والثروة (من موقف القوى) المسنود في المركز هذه المرة من قبل قوات الدعم السريع.. لذلك بادر الشطار من اهل الخرطوم والشمال الي بيع عقاراتهم في الخرطوم (وهي بيوت من اين لك هذا ؟ تم تشييدها بأموال الدولة المنهوبة.. وفروا لغسل هذه الاموال ، وذلك عن طريق شراء عقاراتفي مصر وتركيًا.
(ب) لقد فقدت (دولة الجلابة) كل مقومات بقائها:
** لقد فقدت دولة الجلابة الجيش اداة القمع والاستعمار منذ ١٩٥٥ وذلك حين فشل الجيش في التصدي لحركات المقاومة (الجبهة الثورية ) .. فسعت حكومة الإنقاذ الى حتفها بظلفها حين اعتمدت على الدعم السريع - وبذلك خلقت جيشا بديلًا موازيًا (للجيش الفاشل) .. فكانت النهاية المنطقية في حرب ١٥/ابريل ٢٠٢٣ - حرب حريق ودمار الخرطوم!!
** فقدت دولة الجلابة اخر كرت (هتاف الإسلام هو الحل) .. وتبين لشعوب السودان ان الإسلام السياسي (حرامية) كما سبق البيان وبذلك فقدت دولة الجلابة مشروعها الاخلاقي (ضد الحرامية - الهتاف المضاد لهتاف الإسلام هو الحل) .
(ج) سيشكل حريق الخرطوم نقطة تحول في تاريخ السودان.. وفي الفكر السياسي السوداني ، فاذا كان (الإسلام السياسي) الكيزاني هو الذي جلب حريق الخرطوم ، فان الشعب سيتحول الى نقيضه ، الي (الدولة العلمانية) .. والتي تعني (وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الاديان) .. وتعني قدرة الدولة على ادارة كافة اشكال التنوع السوداني.. باختصار سيكتشف السودانيون ان العلمانية هي مسالة حياة او دمار السودان وتفتيته الي ٦٠ حتة .
وسوف يبقي الإسلام النقي طاهرًا بعيدا من دنس السياسة ، وقد اثبتت تجربة الجبهة الاسلامية في السلطة صحة المقولة : (اذا مزجت الدين بالساسة فسد الاثنان.. الدين والسياسة) . سيبقي الإسلام الصوفي النقي المجرب .. ومؤسساته (من مساجد وزوايا وخلاوي حفظ القرآن وتجويده) قائمة .. وتجد التمويل والدعم من الجمهور الذي يثق في هذه المؤسسات ويجد فيها الصدق والإخلاص لدين الله والبركة .. بل ان فشل ودنس الإسلام السياسي التجاري سيزيد الجمهور ثقة في اسلامه الصوفي النقي .
(د) سيتنج الشعب السوداني فكره لخلاصه.. وهذا ليس حلم يقظة .. فالتاريخ يعلمنا ان حروب الدمار تنتج الأفكار العظيمة.. احل مبان حريق الخرطوم سينج جيلًا جديدا.. هو جيل صبة القيادة العامة ابريل ٢٠١٩ .. سوف ينتج هذا الجيل الف جان بول سارتر(كرمز للعقلانية) والخروج من عباءة الدولة الدينية ، وسوف يزدهر الادب والمسرح ، ستعود الطيور المهاجرة السودانية في كل انحاءألعالم لتعيد اعمار السودان معماريا واخلاقيا وصناعيا وتجاريا وزراعيًا.
ابوبكر القاضي
كاردف/ويلز/UK
٣٠ مايو ٢٠٢٣
aboubakrelgadi@hotmail.com