أتى الدجاج اِلى المنزل ليقيم … مالكوم اكس … الجزء (3)

 


 

 

أتى الدجاج اِلى المنزل ليقيم ... مالكوم اكس ... الجزء (3)
Chickens Coming Home To Roost
كتبه: عبد الله مصطفى أدم – بيرث أستراليا
***
" ومن يجعل الضرغام بازا لصيده ... تصيده الضرغام فيما تصيدا."
أبو الطيب المتنبئ
***
أوردتُ في الجزء الثاني من المقالة المقارنة التي أوردها الدكتور عبد الله عثمان التوم بين الوصايا العشرة لقبيله الهوتو التي أدت لإبادة قبيلة التتسى في رواندا ووثائق التجمع العربى التي أدت الى الإبادة في دارفور. وذكرتُ أيضاً نسبة للاعتداءات العنصرية ضد قبائل دارفور الافريقية (ذكر الأستاذ الصحفي أبراهيم محمد اسحق في بحثه) (3) أن مجموعة من قيادات الإدارة الأهلية في دارفور رفعت مذكرة عام 1988 الى رئيس الوزراء الصادق المهدى تطلب منه المساعدة لإنقاذ حياة الأبرياء وممتلكاتهم ولكن الصادق تجاهل طلبهم ليحقق مكاسب سياسية لحزبه. وذكرتُ أيضاً أن حكومة الكوز البشير أنشأت مليشيات الدعم السريع وأوكلت قيادتها الى محمد حمدان دقلوا حميدتى الذي تمت ترقيته من لا شيء الى رتبة جنرال وأصبح الساعد الأيمن للبشير.
وبعد اندلاع ثورة 2019 عندما تأكد للجنرال حميدتى ان البشير فقد ولاء معظم جنرالات لجنته الأمنية تخلى عن حمايته. بعدها ذكرتُ أن الدكتاتور البرهان اِحتضن حميدتى وعين نفسه رئيسا لمجلس السيادة بينما عين حميدتى نائبا له. وعندما اِختلف البرهان وحميدتى في مدة الفترة الزمنية الكافية لدمج قوات الدعم السريع في الجيش اِندلعت الحرب بين الجنرالين. وأيضا حاولتُ أن أثبت افتراًضا، أن كل الإهداف التي حققها الشيخ موسى هلال ومن بعده الجنرال حميدتى، التي تمثلت في السلبِ والنهبِ والإبادةِ واِخلاء القرى وتوطين الاعراب من تشاد والنيجر ومالى وانشاء المؤسسات المالية والقواعد العسكرية والتغلغل في الجيش وابداء التعاون الخ ... هي في الواقع تنفيذا لوصايا التجمع العربى الذي خطط سراً، على الأقل قبل 36 سنة، لتحقيق هذه الأهداف وغيرها والتي في تقديره سوف تمكنه من السيطرة على دارفور وكردفان بحلول عام 2020 وبعدها السيطرة على كل السودان.

الجزء الثالث
وعليه ربما يمكن بعد هذا العرض أن أستنتج أن حميدتى هو الأبن الشرعي للتجمع العربي وقائد قواته المتمثلة في الدعم السريع، والبرهان هو الابن الشرعي لكيان الشمال والمؤتمر الوطني وقائد قواتهم المتمثلة في الجيش السوداني. وهم الذين احتضنوا حميدتى ودلعوه وفرشوا له الطريق بجماجم الأبرياء ليحقق أهدافهم، فقتل ونهب واغتصب وأباد، ثم شق الطريق من أقصى الغرب حتى دخل العاصمة. وفى نظر الذين يؤمنون بقوة اللعنة وبالأخص أهلنا البسطاء في القرى الذين يرددون صباح – مساء، "لعنة الله على الجيش، لعنة الله على الجنجويد"، ربما قد يعتقدوا أن الله سلط حميدتى لينتقم من البشير والبرهان وكيزانهم بسبب المآسي والمحن والأخطاء الجسيمة التي ارتكبوها في حق الشعب السوداني. لقد عادت كل جرائم التي ارتكبها الكيزان في هيئة حميدتى ودعمه لينتقم منهم، وسوف تحل اللعنة بآل- دقلو والدعم والتجمع يوما ما بتسليط شخص آخر عليهم.
أما الواقع فيقول إن حميدتى ودعمه وتجمعه خططوا وأتوا الى العاصمة ليحكموا ويقيموا فيها وربما لينتقموا أيضا. ولكن للأسف معظم الكيزان الذين دمروا السودان وشعبه ومكنوا حميدتى هربوا بما نهبوا وتركوا عساكر الجيش المهمشين من الغرب وعساكر الدعم السريع المهمشين من الغرب أيضا يقتتلون فيما بينهم ويموتون ويقتلون المدنيين الأبرياء بينما قادتهم يصدرون الأوامر عبر الجوال ومن داخل غرف فيها ما لذ وطاب.
فالحرب الدائرة الآن في اعتقادي هي بين التجمع العربى الذي يطالب بالحكم وكيان الشمال وكيزانه الذين يصرون على الاستمرار في الانفراد به. وقد استغل الفريقان أبناء الهامش لتحقيق أهدافهم. فمعظم عساكر الجيش والاحتياطي والدعم هم من غرب السودان. فلا تستبعد أن تجد في الاسرة الواحدة جندي يحارب مع الجيش والثاني مع الدعم والثالث مع الاحتياطي .... والضحايا أيضا في كل حروب الجيوش السودانية ضد الشعب السوداني كانوا وما يزالون من غرب السودان. وحتى المساجين الفقراء، المسحوقين كرمال الأرض الذين اُطلق سراحهم من سجون العاصمة معظمهم من غرب السودان وهوامشه الاخرى.
ان إيقاف الحرب هو عمل أنساني قبل كل شيء وان الدمار والإبادة التي تحدث الان في الجنينة والفاشر ونيالا والأبيض وبقية مدن وقرى الغرب تعادل عشرات مرات الدمار الذي تم في العاصمة المثلثة. وإذا استمرت الحرب كما يشتهى الكيزان وأبواقهم فربما سيكون مصير العاصمة مثل مصير الجنينة ... أو باخموت. وأتمنى عندما تطرح نُخبنا حلولا لإيقاف الحرب أن تكون مقترحاتهم منطقية – لا تعجيزية.
وبالرغم من عدم مساندة بعضنا الجيش أو الدعم، فأن الطلب من الدعم الخروج من العاصمة كشرط لإيقاف الحرب او التفاوض يبدو شرط تعجيزي. فحميدتى شاهد بنفسه عندما قذف سلاح الطيران القطاطى وبيوت الجالوص في دارفور وجبال النوبة بصواريخه لمساعدة قواته، شاهدها وهي تحترق وتصبح مقابرا لسكانها ومن احتمى بها. أما في العاصمة فشاهد حميدتى العمارات والمباني الخرسانية التي هدمها سلاح الطيران قد أصبحت خنادقا لقواته، والتي سوف تمكنها من الصمود سنينا ما دامت تمتلك الذخيرة. وعليه هل يعقل أن يترك حميدتى ودعمه الحماية التي توفرها لهم العمارات الشاهقة وينسحبوا خارج العاصمة لتصطادهم مدافع سلاح الطيران كالأرانب، وما تزال في ذاكرة بعضهم منظر اصطياد طائرات الهليكوبتر الامريكية جنود الجيش العراقي المنسحبين من الكويت خلال الحرب.
بالإضافة الى ذلك إذا توصل الطرفان الى إيقاف الحرب وتقدما الى الخطوة التي تليها، أعتقد أن أية حلول لا تشمل انضمام كل حركات التحرير وبالأخص التي يقودها عبد الواحد النور وعبد العزيز الحلو سوف لن تقود الى سلام دائم. وربما قد يطرح البعض دمج قوات الدعم السريع في الجيش أولا قبل الاستمرار في التفاوض أو على الأقل دمجها بأسرع فرصة. ومع احترامي لكل وجهات النظر، بعد كل الذي حصل من انعدام الثقة بين قادة الجيش والدعم، قد يتطلب إعادة بناء الثقة زمنا طويلا وبالأخص بعدما ثبت مرارا أن قادة الجيش والدعم لا يتحلون بأية نوع من المصداقية. وعليه من المنطقي أن تكون المدة الكافية لبناء الثقة ودمج كل جيوش الدعم وحركات التحرير في جيش وطني واحد طبقا للمدة التي يراها الدعم وتراها أيضا حركات التحرير كافية لبناء الثقة.
أن وطن ديمقراطي ينعم بالسلام، ودستور يكفل المساواة بين الجميع ويجرم القبلية والعنصرية ويعاقب عليها، ويعلن ان الدين لله والوطن للجميع ويمنع تكوين الأحزاب على أسس دينية او عرقية، ولنفترض أن به أربعة جيوش وطنية تضمن عدم خرق الدستور حتى يتم بناء الثقة وبعدها يتم دمج الجيوش، ولو بعد عشرات السنين، خير من وطن به جيش واحد ينتهك كرامة الشعب وجنرالات يمزقون الدستور متى شاءوا.
بالإضافة الى ذلك الكل يعلم أن مجموعات من قوات الدعم السريع أتت من تشاد وافريقيا الوسطى ومالي والنيجر وقد رصدت بعض منظمات الأمم المتحدة تحركاتها منذ أكثر من 20 سنه ... وقد ساعدت حكومة البشير وكيزانها. في اغراء بعضم للهجرة لإبادة سكان دارفور والإقامة في قرآهم ... ولنفترض أن عدد قوات الدعم السريع الآن 100 ألف جندي، ولنفترض ان 25 ألفا منهم أتوا من خارج السودان. إذا انتصر الدعم السريع فالدعم فهو من يقرر مصيرهم. ولكن إذا انتصر الجيش أو طُرح مصير هؤلاء أثناء التفاوض، السؤال الذي يطرح نفسه ما هو الحل الأمثل للتعامل مع هؤلاء؟ هل من الحكمة أن نبعد 25 ألف مقاتل خارج السودان وربما بعد ستة أشهر يعيدوا الكرة بغزو السودان، ربما -ب- 50 ألف مقاتل؟ هل من الحكمة أن يبيد الجيش السوداني الاسرى كما نصح الكوز أحمد هرون بإبادة كل أسرى الحركة الشعبية .... أو كما نصح البشير؟ هل من الحكمة أن يتم دمجهم في الجيش الموحد بعد الفترة المحددة للدمج وربما تطول لعشرة سنوات؟ ... هل؟ ... وهل؟ ... وهل؟ كل ما أتمنا هو أن تختفي الأصوات التي تنادى الآن بأبعاد أفراد الدعم السريع الذين لا يحملون جنسيات سودانية لأن هذه الأصوات لا تساعد على إيجاد حل سلمى وتوافقي.
وأردد، عندما تنعدم الثقة فالذى يمتلك أفتك الأسلحة ويجيد استعمالها هو الذي يفرض قرارة بالقوة ... هذا ما تعلمناه من كل النخب التي حكمت السودان. فكل الذين حكموا الأرض التي تسمى اليوم بالسودان، من قبل الميلاد حتى يومنا هذا حكموه بقوة السلاح. وإذا لم نعترف بهذه الحقيقة ونتبنى القيم التي تقودنا الى حكم ديموقراطي ودستور عادل يشتمل على مبادئ فوق دستورية، فأقوانا وأشرسنا هو من يتربع على سدة الحكم.
شخصيا لا أجد أي فرق بين جنرالات الجيش والدعم فمعظمهم مجرمون وقتلة وسوف يأتي قريبا يوم الحساب. (أقول هذا بالرغم من أن القضاء السوداني لم يعاقب أي دكتاتور قتل أو أباد أو اغتصب أو حنث بالقسم – الاستثناء الوحيد هو الدكتاتور الجنرال سوار الدهب الذي تطوع وعاقب نفسه بصوم ثلاثة أيام تكفيراً عن حنثه للقسم الذي اداه امام الدكتاتور النميري، ولكن عندما سافر النميري الى أمريكا مطمئنا، حنث الجنرال وانقلب عليه ... ما أرخص قسم جنرالاتنا).
ومما تجدر الإشارة اليه أن معظم جنود الصف قد غُيب وعيهم وهيمن القادة عليهم، ويحركهم القادة مثلما يحرك لاعب الشطرنج جنوده. وهذا لا يعفى الجنود الأفراد وصغار الضباط من مسؤوليتهم الجنائية إذا ارتكبوا جرائم ضد المدنيين العزل، فتاريخ الجيش والمجاهدين والدبابين والدعم حافل بارتكاب جرائم تدمى لها القلوب وبالأخص ضد النساء والاطفال. فعندما تصدر الأوامر إليهم بالزحف يتقدمون بشراهة منقطعة النظير لانتهاك نفوس الأبرياء وأجسادهم وكأن لسان حالهم يردد: (4)
صداع الجنس مفترس جماجمنا
صداع مزمن أشر من الصحراء رافقنا
فأنسانا بصيرتنا ... وأنسانا ضمائرنا
فأطلقنا قطيعا من كلاب الصيد ... نستوحي غرائزنا
***
ألا ترى يا عزيزي في هذه الكلمات صدى أفعال جنود المهدية؟
من قال إن التاريخ لا يعيد نفسه؟
لا للحرب ... لا للجيش ... ولا للدعم.
نعم ... للبند ... السابع.
abdulla.adam@iinet.net.aU

 

آراء