أتى الدجاج اِلى المنزل ليقيم …. مالكوم اكس (4-4)

 


 

 

Chickens Coming Home To Roost

***
" ومن يجعل الضرغام بازا لصيده ... تصيده الضرغام فيما تصيدا."
أبو الطيب المتنبئ
***
ذكرت في الجزء الثالث من المقالة أن حميدتى ودعمه السريع أتوا الى الخرطوم ليحكموا وربما لينتقموا أيضاً، ولكن للأسف هرب معظم الكيزان بما سرقوا وتركوا جيشيهم الذي ينحدرمعظم جنوده من أبناء الهامش ليقاتلوا جنود الدعم السريع ومعظمهم من الهامش أيضا. وذكرت أن الحرب الدائرة الآن هي بين التجمع العربى الذي يطالب بالحكم وكيان الشمال الذي يود التمسك والانفراد به. وذكرت أن إيقاف الحرب هو عمل أنساني قبل كل شيء وان على الاطراف المتحاربة والتي تتوسط ألا تطالب بشروط تعجيزية لإيقافها. وأيضا ذكرت أن وطن ينعم بالديموقراطية والسلام وبه، إذا تطلب الأمر، أربعة جيوش وطنية خير من وطن يحكمه دكتاتور وبه جيش واحد ينتهك كرامة الشعب متى شاء.
***
الجزء الرابع
بعد أن أهْمَلَتْ الأحزاب التقليدية والحكومات العسكرية المتعاقبة عمداً تنمية اِقليم دارفور، ظن بعض مثقفو الاقليم ان الحرية والمساواة التي تطلعوا اليها تكمن في الحركة الإسلامية فاِنضموا اليها أفواجا. لقد كانت دارفور منطقة شبه مقفولة لحزب الامة منذ الاستقلال ولكن عندما تمكن الإسلاميون من استقطاب عدد لا يستهان به من العنصر الإفريقي، غضب السيد الصادق المهدى، رئيس الوزراء وزعيم حزب الأمة وعليه، عاقب الدارفوريين بمساندته للتجمع العربى ذو النزعة العنصرية. بالإضافة الى ذلك بعد اِنقلاب الدكتاتور البشير واِغتصاب الكيزان سدة الحكم، وحدوث الخصام والمفاصلة بين أتباع البشير وأتباع دكتور حسن الترابى، ساند عدد مقدر من العنصر الإفريقي فى الحركة الاسلامية الترابي، حينها عاقبهم البشير أيضا بمساندته للتجمع العربى. لقد لعب الصادق المهدى دور ميكافلى التجمع العربى بمنتهى الجدارة والخبث بينما لعب الترابي وتلميذه البشير دور ميكافليى الحركة الإسلامية بمنتهى الجدارة والخبث أيضا. لقدعاقبوا دارفور لا لشئ سوى ان أبناءه وبناته مارسوا حقهم الدستوري في المطالبة بحقوقهم والانتماء لما ولمن شاءوا.
لم يعاقب كيزان المركز الدار فوريين بتجاهل إقليمهم من الناحية التنموية فقط بل ألبوا عليهم المليشيات العربية العنصرية فقتلت ونهبت وهجرت بعض السكان الاصليين واستوردت قبائل عربية من تشاد ومالي والنيجر لتحل محلهم.
وبعد عشرات السنين من العطاء المتواصل من قِبل كيزان دارفور للحركة الإسلامية والجحود المتواصل لمطالبهم بواسطة كيزان المركز، تيقن لبعضهم أن الحرية والمساواة التي نادت بها الحركة الاسلامية وأغرتهم فانضموا اليها، لم يجدوها اِلا في داخل المساجد وفي الصفوف الخلفية للصلاة. ومن أهم الكوادر القيادية التي تركت الحركة الإسلامية مستاءة وغاضبة لأن الجبهة الإسلامية وزعت منشوراً تبيح فيه دم قبيلة الفور، هم الدكتور فارق احمد آدم والاستاذ عبد الجبار آدم تقري، والمهندس داؤود يحي بولاد. لقد سعدت جداً عندما علمت بتركهم للحركة، فالوعي بخطورتها واِن أتى مؤخراً خير من ألا يأتي. وربما نبه تخليهم عن الحركة بعض الكوادر الدارفورية المُستَلبةُ من أن تعي من هو العدو الأول للسودان عامة ولدارفور خاصة.
أما القيادي الرابع، السيد عبد الله زمبورفلم تكن له علاقة عضوية بالحركة ولكنه اِتفق معها في الخطوط العريضة، وقال عنه الأستاذ الطاهر أحمد الفكي في مقاله المنشور في صحيفة سودان تربيون، أن السيد زمبور درس في مصر وكان عضوا في الحزب الوطني الاتحادي ذو الأيديولوجية الإسلامية الطائفية. فاز السيد زمبور في الانتخابات بدائرة الجنينة، وبعدما ارتكبت حكومة البشير الإبادة في دارفور نزح الى تشاد وانضم الى حركة العدل والمساواة وأصبح الأب الروحي لها، وقد ساءه وأغضبه الظلم الذي ألحقته الحركة الإسلامية بالسودان وبلاخص بدافور الى درجة أنه قال بدون تحفظ وعمره قد تجاوز الثمانين، وكان يتمتع بكامل قواه العقلية:
" إذا كنت أعرف آنذاك ما أعرفه وأفهمه الآن لما اخترت العربية كلغة أو الإسلام كدين". (4) ومما تجدر الإشارة اليه أن الغالبية العظمى من المنتمين الى الحركة الإسلامية في السودان ميكا فليون و"الغاية تبرر الوسيلة" هو مثلهم الأعلى.
أما بالنسبة الى الحرب الدائرة اليوم، فاذا رجعنا بذاكرتنا الى اللحظات التي كانت فيها حكومة حمدوك والحرية والتغيير تتفاوضان فيها مع العسكر، وظن بعضنا أن دولة الكيزان سقطت بلا رجعة، اِلا لنكتشف مؤخراً كم محقاً كان أنطونيو قرآمشى حين كتب: (5)
" لم تكن الدولة غير خندق متقدم خلفة سلسلة قوية من القلاع والتحصينات يشكلها ... المجتمع المدني ". ويحميها. وعليه فان مؤسسات المجتمع المدني الكيزانية شكلت سلسلة قوية من القلاع والتحصينات التي ساعدت حكومتهم على البقاء حتى بعد إزاحة البشير. فمؤسسات الهيمنة الثقافية كالمساجد، والمدارس، ووسائل الاعلام المختلفة، والطائفية، والطرق الصوفية والسلفية، والنقابات التي سيطروا عليها نشرت أيديولوجيتهم بكثافة. وفى خلال 30 سنة من التلقين المتواصل تبنى بعض السودانيين وجهه نظرهم وقبلوها كبديهية تستلزم الدفاع عنها.
لقد ربط الكيزان تحقيق مصالح هذه المؤسسات بتحقيق مصالح تنظيمهم. وعليه، عندما تدافع هذه المؤسسات عن مصالحها هي في الواقع تدافع، دون أن تعي، عن مصالح الكيزان نسبة للربط العضوي بينهما وبالتغييب الكامل لوعيها. والكل يستحضر الاعتراض المكثف الذي قابله الدكتور عمر القراى من قبل هذه المؤسسات عندما شرع في تحديث المناهج الدراسية التي كانت من أهم الأدوات االكيزانية في فرض الهيمنة والتمكين. أما في الهامش السوداني فالشعوب التي رفضت وقاومت الهيمنة الاسلاموعروبية، سواء كانت فى الجنوب قبل الانفصال أو جبال النوبة أو الشرق أو الغرب فقد اُخرست أصواتها بالترهيب أو التعذيب أوالتصفية الجسدية.
وقد أثبتت معظم ثورات العالم أن الهيمنة يمكن التغلب عليها وأيضا بالإمكان خلق هيمنة بديلة. أما في شمال افريقيا والشرق الأوسط حيث تهيمن الاسلاموعروبية، فقد فشلت ثورات الربيع العربى أن تأتى أُكُلَهَا. وبالرغم من سقوط الدكتاتور بعد الآخر في بعض هذه الدول اِلا أن أجهزه الهيمنة مكنت هذه الدول الفاشلة من إعادة انتاج نفسها بعد تغييرات تجميلية في قياداتها، فمصر السادات اِشرقت في مصر مبارك ومصر مبارك ما تزال تشع في مصر السيسي، وتونس النهضة ما تزال تكشر أنيابها في تونس قيس سعيد، وسودان البشير ما يزال يمسك بتلابيب سودان البرهان.
ومما يستحق ذكره أيضا ان الوضع في السودان بعد الثورة مباشرة كان أكثر احباطاً، اِذ عندما كانت حكومة الكيزان تحتضر واِنسحبت الى خنادقها الخلفية في انتظار موتها المحتم، توقع الثوار أن تستخدم حكومة الدكتورعبدالله حمدوك الشرعية الثورية وتسدد بها ضربة قاضية لدولة الكيزان، ولكن للأسف شغلت الحكومة نفسها بتقسيم الغنائم بين نُخبها مما مكن جسد الكيزان المحتضر من الانتعاش، وبعد استقالة حمدوك وفشل النخب في حسن إدارة ما بعدها، نهض الجسد وشن حربا على حليفها الدعم السريع.
وبذلك تم تهميش الثورة والثوار واُسدل الستار على مسرحية اِنشاء حكومة مدنية اِنتقالية. والأدْهَى وأمَرّ، إذا انتصر الجيش الآن فسوف يعود ليس العسكر والكيزان وحدهم الى سدة الحكم وانما داعش والقاعدة للدفاع عن اِرث مقداره ثلاثين سنة ونيف، وسوف لن يفرطوا في الحكم حتى اِذا تطلب الامر اِستبدال نصف الشعب السوداني بشعب داعشى من الخارج. وقد نشر الصحفي خوسيه لويس مانسيا مقالا في صحيفة العين الإخبارية قال فيه: (6)
" بعد انتكاسات الإخوان في مصر وليبيا وتونس، وبروز معارضة قوية للتنظيم في الجزائر والمغرب وموريتانيا وإضعافه في الصومال، اختارت الحركة السودان ليكون ساحة المعركة الجديدة لها وبالتالي للقاعدة أيضاً."
وأضاف أن القائد الداعشى أبوحذيفة السوداني نشر بيانا من 82 صفحة يطلب من أعضاء التنظيم ان يقنعوا السودانيين بأن يقفوا ضد ويعارضوا كل ما لا يتماشى مع أيديولوجية الكيزان..
أما إذا انتصر الدعم السريع، فهو كارثة اخرى أيضا، فقد يواصل حميدتى في تنفيذ اهداف التجمع العربى وبالأخص بعدما وجد المساندة العلنية (تجديد البيعة) من بعض القبائل العربية وبعض النخب، التي ربما يتعاون معها مؤقتا حتى تأتى اللحظة الحاسمة للاستغناء عنها. ومما تجدر الإشارة اليه أيضا ان حميدتى أعلن مراراً انه يعمل على تحقيق أهداف الثورة من حرية وعدالة ومساواة والأيام فقط كفيلة بإثبات أو دحض مصداقية ما يرمى اليه.
أما إذا اعتبرنا أن الميكافلية هي المذهب الأمثل الذي طبقته بعض النخب النيلية في حكمها للسودان منذ الاستقلال، وأن البرهان هو الآن "أمير" كيان الشمال وحميدتى هو "أمير" التجمع العربى، فليس من المستبعد بعد أن فشلا في حسم المعركة أن يتصالحا ويتقاسما السلطة بينهما. ولإرضاء المجتمع الدولي ربما قد يسمحا بتكوين حكومة مدنية تخضع لنفوذهما الكامل، أو كما يقول المثل (حليمة رجعت لقديما).
في اعتقادي ان مشكلة السودان جد معقدة ويتطلب الحل طاقات وامكانيات أكبر بكثير من التي تمتلكها نُخبنا وأيضا أكبر من التي تمتلكها الدول الافريقية. أن إيقاف الحرب فورا في كل السودان وبلا شروط لإطعام الجوعى وعلاج المرضى ودفن الموتى أهم من كل كرأمة زائفة يدَّعيها من يرفضون التدخل الدولي. فلا كرامة لدولة فاشلة ولا كرامة لجيش ودعم يقتلان الشعب ولا كرامة لنُخب تدعى أن كرامتها سوف تهان وهي لا تستطيع أن تدفن حتى موتاها.
وعليه أعتقد أن الحل الأمثل هو أن تدعوا كل النخب والمنظمات وحركات الكفاح المسلح ولجان المقاومة ومعسكرات اللجوء وكل الجماهير الصامتة حتى الآن، تدعوا الأمم المتحدة للتدخل فورا تحت البند السابع وفرض وقف دائم لإطلاق النار في كل أنحاء السودان بين الجيش والدعم. ثم اِرغام الجيش والدعم العودة الى قواعدهم والتحفظ على كل قادة الكيزان، وإعادة الهاربين منهم الى السجن والبعض الاخر الترحيل فورا الى لاهاي. بعدها يتم دعوة كل الاطراف المتنازعة وكل حركات الكفاح المسلح، ما عدا الكيزان بكل مسمياتهم، للتفاكر في كل القضايا وبالأخص فضح كيان الشمال والتجمع العربى وإيجاد أفضل الحلول الجذرية للخروج من هذا المأزق الوجودي الذي يهدد السودان وشعبه. وأرجوا من الجنرالين البرهان وحميدتى أن يحترما رغبة هذا الشعب وأن يتذكرآ أن: "الدجاج دائما يعود الى المنزل ليعشعش".
وربما تستطيع أيها القارئ الكريم أن تردد في ختام هذه المقالة معى ومع ابن مدينة الجنينة، وشاعر افريقيا، محمد مفتاح الفيتوري:
***
يا ... ياقوت ... العرش
دنيا لا يملكها ... من يملكها
أغنى أهليها ... ... سادتها ... الفقراء
الخاسر من لم ... يأخذ منها ... ما تعطيه بلا استحياء
والغافل ... من ... ظن ... الأشياء ... هي ... الأشياء
***
لا للحرب ... لا للجيش ... ولا للدعم
نعم ... للبند ... السابع
abdulla.adam@iinet.net.au
المراجع:
1: https://core.ac.uk/download/pdf/297012782.pdf
2: https://sudanile.com/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%
3: https://www.sudaress.com/hurriyat/72338
4: https://sudantribune.com/article26237/
5: https://shaqhaf.com/book95026.html
6: https://www.sudanakhbar.com/1403964
7: https://www.ecosonline.org/reports/2004/darfurrising-arabic.pdf
8: https://sudaneseonline.com/board/60/msg/1161399693.html

abdulla.adam@iinet.net.au

 

آراء