نحن درويش الثورة أيها المثقفين العظماء ببر السودان

 


 

 

نجد هذه الأيام مقالات كثيرة يكتبها عتاة المثقفين والمشغولين بقضايا الشأن العام, تلوم وتنتقد سلوك القوي الثورية وتتهم أن شباب الثورة والمناصرين هم في درب أعوج وفكر قاصر ولا يحملون غير الانفعالات العاطفية ويتصرفون بغبن تجاه الاتجاه الإسلامي الذي حكم السودان ثلاثون عاما والآن يخوض حربا مع حلفاء القدام للعودة للسلطة ولقد مزقوا الوطن وهم في حملتهم البربري علي كل ثائر وكل من حمل لواء التغيير بفكر أو هوائي التوجه من العامة البسطاء, ومن هذه الأقوال لقد انشغل الثوار بعد أن بددوا وحدتهم بالشارع السياسي، ودعوا إلى عشرات المليونيات التي نجحت حينا وتضاءل عدد المشاركين فيها إلى مئات حينا آخر، فأضعفت قضيتهم بدلا من أن تفرض مواقفهم، وانشغلت نخبتهم بالفضائيات وليس بهموم المواطن العادي, والأمر الثاني وهو مبدا العدالة الثورية خَتْم بمطالبة الثوار، فأبدأ بالقول بأنها كلها بديهية ومشروعة، لكنها تعددت بحيث تبد وفى مجملها خِطَّة سياسية للثورة وليست مطالب ثورية لها، مع الاعتراف بأن عددًا من هذه المطالب يمكن الشروع فى تنفيذه فورًا، لكن الشطط قد بلغ ببعض المقترحات المتعلقة بتسليم السلطة ما يمكن أن يهدد استقرار الوطن, و من المطالب الذي يمكن الشروع فورا فى تنفيذها ما يتعلق بالقصاص من قتلة الثوار، وفى هذا الإطار شكلها مجلس الوزراء المدني لجنة تقصى حقائق ترصد كلّما جرى منذ نشوب الثورة حتى الآن من أخطاء فادحة تستوجب المحاسبة، وإن كان الحديث عن محاكم ثورة يحتاج تغييرَا في نهج ثورة ديسمبر، ثم أن مِزَاج الإعدام المسيطر على الرأي العام يهدد معنى العدالة، فضلا عن أن كل المقترحات قد اشتط بالحديث عنها لدرجة الخلاف بين قوي الثورة والانسحاب اقوي تحالف سياسي في تاريخ السودان
ومع إطالة أمد الفترات الانتقالية، تدب الفوضى، ويحدث تراجع وانهيار اقتصادي في بلد غنى بالوارد، ازدادت معدلات الفقر، واشتد العنف، بل نمَت جماعات الإرهاب والنهب، فمَا بالنا لو حدث الاضطراب في بلد ومأزم اقتصاديَا؟ تتراجع الحياة العامة تمامًا، يهرب الاستثمار، حتى الأنشطة الاقتصادية التقليدية من صناعات ومنتجات صغيرة تتراجع تمامًا, في ظل كل هذا، لابد أن ترتفع معدلات ومستويات الجريمة, انتشرت سرقة السيارات بين عامي ٢٠١9- ٢٠23، كانت سرقات علنية، ترى السارق والمسروقات بعينيك، ثم يكون عليك أن تتفاوض علنًا مع السارق، وبحضور آخرين كثرت كذلك عمليات النهب في المناطق الطرفية ، وازدادت معدلات التسول، ولابد أن تدفع أو تجد سكينًا مشهرًة بوجهك، رأيت ذلك مرارًا فى أمبده وغيرها في ضواحي العاصمة، وظهرت وقتها جرائم كانت قد تلاشت، وهى سرقة المواشي والآلات الزراعية والسطو على بعض الحقول، كانت هذه الجرائم قد اختفت وسفر الكثير من المتعطلين للعمل في الخارج
أن من مُشكلات الثورة ضمور العقل المفكر في أيجاد حلول لقضايانا ، ولا أبالغ أن قُلت نُدرة، القراءات النقديّة الثورية للثورة والنقديّة الثورية من قبل قيادة الأحزاب ذات البعد الفكري ، وهنا، تُفيد نقد وتقويم الثورة من قِبل من لديهم الحِس الثوري، والمعرفة بمنطق الثورة، والرغبة في تمكينها وتفعيلها في شتى المساحات الأمر الذي ساهم في تكثير وشيوع الانتقادات غير الثورية اليمينية الفجة والانتقادات الثورية اليمينية المتشحة بلباس الثورة الانتقادات التي كان أبرزها انعدام رأس للثورة، وعدم قدرة الثوار على الانضواء في تنظيم موحد، وعجزهم عن التعبير في لافتاتهم وشعاراتها عن برامج محددة، وهي كلها انتقادات مساوقة للتفكير السلطوي والتسيدي، كما هي إلى ذلك أنها تجيب على سؤال ماذا نتوقع من الثورة؟ بشكل كئيب وخسف قبل التعرض لموضوعنا، ينبغي النظر إلى نقطتين هما إن أي معركة نتجت عنها خسائر معنوية أو مادية أو أفضت في إلى استشهاد البعض لا يعني تقييمها (أو إعادة النظر فيها تمهيدًا لتقويم المسار) الاستخفاف بقيمة البذل أو بالتضحيات التي قُدمت، إنما الوعي بمستقبل الثورة التي يُعد تحقيق أهدافها أكبر تقدير لكل من ضحى وبذل والأمر الأخر، لن أقوم بما اكتب بتحرير مفاهيم الثوار والثورة واليمين واليسار بشكل منفصل، بَيْد أننا سنوضح ما تعنيه تلك المفاهيم بشكل سيّال في زوايا الكلام وجوانبه
أوّل ما يبرز بخصوص إشكالية النقد هذه هو سؤال شرعية النقد من أين يستمد النقد شرعيته؟ توجد إجابة شهيرة، نقرأها في العديد من الكتب الفلسفية، تقول إن الفكر الحديث ليس فيه نقد بل كلّه نقد ومع ذلك، تُحتم علينا الاعتبارات النظرية والعملية تفنيد الأسباب التي تجعل من نقدنا هذا نقدًا شرعيًا , السبب الأول إن منطقة النقد لا تقبل الفراغ، من حيث إن السياسة لا تشتغل بواسطة مفهوم المُقدس، إذ كل فاعل سياسي أو حدث سياسي عُرضة للنقد بشتى الطرق، من هنا تكون إحدى أهداف العملية السياسية بشكل واضح هو تجفيف منابع القداسة في المجال العام، المتعلقة بالماضي والحاضر والمستقبل، وذلك لتمكين الرأي والاختيار، وتجفيف هنا ما تعني أبعاد كلّما هو مقدس ولكن مساءلته ومقاربته عقلانيًا و الثاني وهو سبب يُعد نتيجة للأول، الوقوف ضد نقد الثورة هو وقوف في صف الثورة المضادة، إذ تعمل هذه الأخيرة من طريق شبكة مفاهيم كالأب والذَكر والبِكر والتراث والماضي وكل ما مقدس ولا تاريخي، ومن ثم فإزاحة الثورة من حيز التاريخية إلى حيز اللا التاريخية ومن جانب المعنى المتغير والجاري إلى جانب يفيد ضمّها لشبكة مفاهيم وعلاقات لغة وواقع الثورة المضادة، وهو ما يعني الحكم عليها بالإعدام معصوبة العينين، بشكل خسيس ومهين الأمر الثالث من أجل تقوية فرص الديمقراطية في مقابل الاقتتال والإرهاب فالإرهاب الثوري ينتج عن الفجوة بين من يؤمنون بالعدالة أو ما يطلق عليه العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي ومن يرفعون رايات الانتقام فحين تزيد كِفة ما انفعالي منفعل بشكل فريد ونرجسي وهنالك مجانين بالعظمة الغير قادرين على المشاركة وهنا يحدث ما إرهابي وهو ما نحاول معالجته بشكل محدود
والخلاصة في ذلك أن نقد الثورة يستمد شرعيته من الممارسة السياسية والوقوف ضد الثورة المضادة والاصطفاف مع ما ديمقراطي وبكلمات أخرى من أجل تعميم روح الحُوَار السياسة من أجل فرض قيم الثورة وبناء مؤسسات ديمقراطية
وأقول لعباقرة الفضاء الفكري في بر الوطن الفسيح أننا درويش الثورة لا نريد منكم غير أبدَا الرأي السديد والانحياز للحق وبناء رؤية المستقبل لوطن يسعنا ونتحالف ضد هذه الحرب التي مالاتها قد تمزق الوطن كفوا عن نقد الثورة والثوار
وكنوا أكثر نفعا للامة من هذه السجالات الهوائية.

zuhairosman9@gmail.com
//////////////////

 

آراء