الحقائق التي يتعمد السياسيون تجاهلها
زين العابدين صالح عبد الرحمن
6 June, 2024
6 June, 2024
زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما وقع إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية، سارعت القوى السياسية بتكوين تحالفها لمعارضة الانقلاب فكونت " التجمع الوطني الديمقراطي" بدأ الاتصال بين قيادات سياسية و الحركة الشعبية في أديس أبابا بعد الانقلاب 1989م ثم أنتقل كجسم سياسي إلي القاهرة، كانت الفكرة عند الجميع أن يكون عملا سياسيا يستنهض الجماهير لكي تعيد إنتفاضة 1985م، بدأت القيادات الحزبية متفائلة بأن الثورة سوف تندلع داخل الجامعات و في الشوارع عندما يسمعوا بتأسيس "التجمع الوطني"، و ظل التفاؤل مستمرا، و فجأة بدأ بريقه يخفت عند البعض عندما تأخر خروج الجماهير للشوارع، كانت توقعاتهم و تفاؤلهم مرتبط فقط برجوعهم للسلطة و ليس بالتغيير و الثورة، و التي يعلمون أنها تحتاج إلي إعداد و تنظيم و تعبئة و حشد للجماهير، و في دواخلهم كانوا متأكدين من شيء واحد أن طريقة تفكير الجماهير تختلف عن طريقتهم، و أن أدواتهم قد أصابها العطب، و الأحداث و متغيراتها أثرت على تنظيماتهم سلبا حيث تعرض البعض لانقسامات أضعفت قدراتها...
أن القوى السياسية في 1989م قبل أن تدرس الأسباب التي أدت إلي الانقلاب و عدم خروج الجماهير للدفاع عن ثورتها و نظامها الديمقراطي، أتجهت بسرعة لتكوين تحالفا معارضا يتكون من القوى التقليدية و بعض النقابات المهنية، و عسكريين و الحركة الشعبية و جميعها متناقضات في توجهاتها، لا تحكمها أرضية فكرية أو برنامج متفق عليه.. في عام 1995 توصلت لمشروع سياسي " بيان اسمرا للقضايا المصيرية".. و بعده بدأت مرحلة التشتت و التراجع، و دخلت الحركة الشعبية في محاورتها مع النظام في "أبوجا ثم في نيفاشا".. هذا الرجوع التاريخي كان بهدف التذكير، أن القوى السياسية دائما تخرج الجماهير من معادلاتها السياسية، و تكون تحالفاتها في اعتقاد هو الطريق الصحيح الذي يوصل للسلطة و تعتقد أن الجماهير سوف تأتي مهرولة للإنضمام لهذا التحالف.. أن التحالفات التي تؤسس بعيدا عن الجماهير ستظل بعيدة عنها و لا تؤثر فيها، و مادامت الثورة عملا اجتماعيا لابد أن يؤسس داخل المجتمع لكي تلتف حوله الجماهير..
أن الحرب الدائرة الآن في البلاد؛ أسبابها سياسية، تتمثل في صراع النخب من أجل السلطة، إلي جانب النفوذ الأجنبي الذي يحمل أيضا أجندة مغايرة، كلها تعد المحرك نحو الحرب.. أن الأحزاب التي جاءت للساحة السياسية بعد ثورة ديسمبر و خاصة التقليدية " الاتحادي – الأمة – الشيوعي – البعث"، كانت تعاني حالة من الضعف بسبب الصراعات داخلها و أيضا الانقسامات التي تعرضت لها، جعلتها في حالة عدم التوازن .. و أيضا الحركات الي تعرضت لضربات مبرحة من قبل ميليشيا الدعم أيضا جاءت قياداتها لا تحمل أي تصور غير البحث عن السلطة و دلالة على ذلك تحالفت مع المكون العسكري و ليس القوى السياسية رغم رفعها لراية التحول الديمقراطي.. هذا الضعف أدى إلي غابت المشاريع السياسية.. كان الأمل في الأحزاب الجديدة المؤتمر السوداني و التجمع الاتحادي أن تصبح هي ضمير الشارع و تراهن على عملية التغيير الديمقراطي، و عندما وجدت نفسها أمام أبواب السلطة اسقطت شعارات الديمقراطية و ركضت وراء السلطة و فقدت الإثنين معا، و أخيرا رضيت أن تكون تحت إمرة قيادات مستقلة، و إذا كانت الأحزاب توافق على أن تكون تحت أمرة مستقلين، يصبح السؤال ما هو الداع لتكوين أحزاب.. السبب يرجع لاستمرار حالة الضعف في الأحزاب، و قلة الوعي في القيادات السياسية، و هو الذي أدى لعدم قدرتها في إدارة الأزمة..
من غرائب السياسة في السودان؛ أن القيادات السياسية و بعض من المثقفين و الإعلاميين عندما يكون الحوار معهم عن فشل الفترة الانتقالية يقولون؛ و بصورة تبين حالة ضعف الوعي السياسي (أن الإسلاميين و الفلول وراء كل ذلك و هم الذين اجهضوا الثورة) يبى السؤال عندما اسقطت الجماهير نظام الإنقاذ كيف عرفت تدير صراعها حتى انتصرت؟ و هل القيادات السياسية و بعض المثقفين كانوا يعتقدون أن الإسلاميين سوف يقبلون بالهزيمة بعد ثلاث عقود مكثوها في السلطة؟ ثم يجلسوا القرفصاء في منازلهم بعيدا عن الساحة السياسية، أم سيظل يصارعون بهدف الرجوع للسلطة أو الدخول في أي مساومات سياسية يحفظون لأنفسهم مساحة في المسرح السياسي الجديد.. من الغفلة السياسية أن تعتقد القوى السياسية أن عناصر النظام لا تشكل لهم تحديا...! ثلاث عقود و عشرات الآلاف من الناس أرتبطت مصالحهم بالنظام السابق، و هؤلاء سوف يشكلون تحديا للنظام الجديد، و التعامل معهم يجب أن يكون بوعي لمصلحة عملية التحول الديمقراطي، و ليس لمصلحة فئة راغبة ان تكون لوحدها في السلطة.. أن السياسة و أحداثها لا تنتظر الناس حتى تتعلم.. فالذي يملك رؤية هو الذي يستطيع أن يدير الأزمة بوعي لكي يحقق من خلالها أهدافه.. حتى الآن القوى السياسية عجزت أن تقدم رؤية وطنية مرتبطة بعملية التحول الديمقراطي و ليس بهدف عودتها للسلطة، فالهدف الأول يجمع و الآخر يختصر و القول الفصل للشعب... نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
عندما وقع إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية، سارعت القوى السياسية بتكوين تحالفها لمعارضة الانقلاب فكونت " التجمع الوطني الديمقراطي" بدأ الاتصال بين قيادات سياسية و الحركة الشعبية في أديس أبابا بعد الانقلاب 1989م ثم أنتقل كجسم سياسي إلي القاهرة، كانت الفكرة عند الجميع أن يكون عملا سياسيا يستنهض الجماهير لكي تعيد إنتفاضة 1985م، بدأت القيادات الحزبية متفائلة بأن الثورة سوف تندلع داخل الجامعات و في الشوارع عندما يسمعوا بتأسيس "التجمع الوطني"، و ظل التفاؤل مستمرا، و فجأة بدأ بريقه يخفت عند البعض عندما تأخر خروج الجماهير للشوارع، كانت توقعاتهم و تفاؤلهم مرتبط فقط برجوعهم للسلطة و ليس بالتغيير و الثورة، و التي يعلمون أنها تحتاج إلي إعداد و تنظيم و تعبئة و حشد للجماهير، و في دواخلهم كانوا متأكدين من شيء واحد أن طريقة تفكير الجماهير تختلف عن طريقتهم، و أن أدواتهم قد أصابها العطب، و الأحداث و متغيراتها أثرت على تنظيماتهم سلبا حيث تعرض البعض لانقسامات أضعفت قدراتها...
أن القوى السياسية في 1989م قبل أن تدرس الأسباب التي أدت إلي الانقلاب و عدم خروج الجماهير للدفاع عن ثورتها و نظامها الديمقراطي، أتجهت بسرعة لتكوين تحالفا معارضا يتكون من القوى التقليدية و بعض النقابات المهنية، و عسكريين و الحركة الشعبية و جميعها متناقضات في توجهاتها، لا تحكمها أرضية فكرية أو برنامج متفق عليه.. في عام 1995 توصلت لمشروع سياسي " بيان اسمرا للقضايا المصيرية".. و بعده بدأت مرحلة التشتت و التراجع، و دخلت الحركة الشعبية في محاورتها مع النظام في "أبوجا ثم في نيفاشا".. هذا الرجوع التاريخي كان بهدف التذكير، أن القوى السياسية دائما تخرج الجماهير من معادلاتها السياسية، و تكون تحالفاتها في اعتقاد هو الطريق الصحيح الذي يوصل للسلطة و تعتقد أن الجماهير سوف تأتي مهرولة للإنضمام لهذا التحالف.. أن التحالفات التي تؤسس بعيدا عن الجماهير ستظل بعيدة عنها و لا تؤثر فيها، و مادامت الثورة عملا اجتماعيا لابد أن يؤسس داخل المجتمع لكي تلتف حوله الجماهير..
أن الحرب الدائرة الآن في البلاد؛ أسبابها سياسية، تتمثل في صراع النخب من أجل السلطة، إلي جانب النفوذ الأجنبي الذي يحمل أيضا أجندة مغايرة، كلها تعد المحرك نحو الحرب.. أن الأحزاب التي جاءت للساحة السياسية بعد ثورة ديسمبر و خاصة التقليدية " الاتحادي – الأمة – الشيوعي – البعث"، كانت تعاني حالة من الضعف بسبب الصراعات داخلها و أيضا الانقسامات التي تعرضت لها، جعلتها في حالة عدم التوازن .. و أيضا الحركات الي تعرضت لضربات مبرحة من قبل ميليشيا الدعم أيضا جاءت قياداتها لا تحمل أي تصور غير البحث عن السلطة و دلالة على ذلك تحالفت مع المكون العسكري و ليس القوى السياسية رغم رفعها لراية التحول الديمقراطي.. هذا الضعف أدى إلي غابت المشاريع السياسية.. كان الأمل في الأحزاب الجديدة المؤتمر السوداني و التجمع الاتحادي أن تصبح هي ضمير الشارع و تراهن على عملية التغيير الديمقراطي، و عندما وجدت نفسها أمام أبواب السلطة اسقطت شعارات الديمقراطية و ركضت وراء السلطة و فقدت الإثنين معا، و أخيرا رضيت أن تكون تحت إمرة قيادات مستقلة، و إذا كانت الأحزاب توافق على أن تكون تحت أمرة مستقلين، يصبح السؤال ما هو الداع لتكوين أحزاب.. السبب يرجع لاستمرار حالة الضعف في الأحزاب، و قلة الوعي في القيادات السياسية، و هو الذي أدى لعدم قدرتها في إدارة الأزمة..
من غرائب السياسة في السودان؛ أن القيادات السياسية و بعض من المثقفين و الإعلاميين عندما يكون الحوار معهم عن فشل الفترة الانتقالية يقولون؛ و بصورة تبين حالة ضعف الوعي السياسي (أن الإسلاميين و الفلول وراء كل ذلك و هم الذين اجهضوا الثورة) يبى السؤال عندما اسقطت الجماهير نظام الإنقاذ كيف عرفت تدير صراعها حتى انتصرت؟ و هل القيادات السياسية و بعض المثقفين كانوا يعتقدون أن الإسلاميين سوف يقبلون بالهزيمة بعد ثلاث عقود مكثوها في السلطة؟ ثم يجلسوا القرفصاء في منازلهم بعيدا عن الساحة السياسية، أم سيظل يصارعون بهدف الرجوع للسلطة أو الدخول في أي مساومات سياسية يحفظون لأنفسهم مساحة في المسرح السياسي الجديد.. من الغفلة السياسية أن تعتقد القوى السياسية أن عناصر النظام لا تشكل لهم تحديا...! ثلاث عقود و عشرات الآلاف من الناس أرتبطت مصالحهم بالنظام السابق، و هؤلاء سوف يشكلون تحديا للنظام الجديد، و التعامل معهم يجب أن يكون بوعي لمصلحة عملية التحول الديمقراطي، و ليس لمصلحة فئة راغبة ان تكون لوحدها في السلطة.. أن السياسة و أحداثها لا تنتظر الناس حتى تتعلم.. فالذي يملك رؤية هو الذي يستطيع أن يدير الأزمة بوعي لكي يحقق من خلالها أهدافه.. حتى الآن القوى السياسية عجزت أن تقدم رؤية وطنية مرتبطة بعملية التحول الديمقراطي و ليس بهدف عودتها للسلطة، فالهدف الأول يجمع و الآخر يختصر و القول الفصل للشعب... نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com