الحزب الشيوعي السوداني … مخترق أم مختطف؟ (8)

 


 

عاطف عبدالله
22 September, 2024

 

مخترق أم مختطف؟ السؤال المؤرق!

في 10 مارس 2018 نشرت الميدان رسالة الحزب الموجهة إلى اجتماع نداء السودان الذي كان منعقداً بالعاصمة الفرنسية باريس، بعدها صدرت نشرة أخبار الحركة الجماهيرية التي يشرف على تحريرها المكتب الإعلامي للحزب، نافية صدور الرسالة من الحزب! وجاء رد الميدان في كلمة العدد الصادر في 20 مارس 2018 تأكيد صدور الرسالة من الحزب، ووضحت بأن النشرة الجماهيرية مخترقة!
هناك العديد من الشواهد أن الأجهزة الأمنية للنظام البائد قد اخترقت الأحزاب والكيانات السياسية كافة، ولم يسلم الحزب الشيوعي السوداني من كيدها ومكرها. وقد تبجح بذلك رئيس الجهاز أمن النظام السابق صلاح قوش، وأمن على ذلك عضو اللجنة المركزية الأستاذ علي الكنين في لقاء له مع تلفزيون السودان. وعلى الرغم من تراجعه لاحقاً عن ذلك الإقرار، إلا أن تغيير أقواله لن يغير من حقيقة نجاح الأجهزة الأمنية في عمليات الاختراق، ولن تزيل الشك، بل تحيله إلى يقين. لو سلمنا بعملية الاختراق، هل جلس قادة الحزب لتحديد مداه، ومعالجة أثاره، وهل كان قاصراً فقط على الأجهزة الأمنية السودانية فحسب، أم أن هناك أجهزة أمنية واستخباراتية إقليمية ودولية على الخط؟ وهل حدوده أعمال تصنت وتجسس، وسرقة معلومات، أو وتزوير وفبركة بيانات باسم الحزب، أم العملية أكبر من كل ذلك بأن تم زرع أفراد داخل الحزب، أو جندوا أفراداً من القيادة كي تقوم بما عجزت عنه كل الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية منذ عهد الاستعمار حتى عهد الإنقاذ البائد القيام به؟! وهو هدم هذا الصرح من الداخل بدءاً من تصفيته من خيرة كوادره وأبناءه المخلصين، إلى ضرب قوى الثورة وشلّ حركتها بالانقسامات (الحرية والتغيير، تجمع المهنيين، ولجان المقاومة) وتبني خطاب ومواقف سياسية تخدم خط أعداء الثورة وسياسة منسجمة مع أهداف الفلول، وتصريحات وشعارات تتماهى مع الموقف الرسمي للحركة الإسلاموية بعد الثورة...
لست بحاجة لشواهد لإثبات أن خط الحزب الراهن يخدم الفلول، تكفي الإشادة المستمرة من الفلول بمواقف الحزب! ويكفي وقف العدائيات معه، يكفي المقترح الذي تداولوه في مؤتمرهم الذي عقدوه في رمضان المنصرم بتركيا بأن حال استعادتهم للحكم على الطريقة الطالبانية، أو الحوثية، أن يتحالفوا مع الحزب الشيوعي ليكسروا طوق العزلة الدولية المتوقع أن يضرب حولهم ... وفي ذلك هم محقون، حيث نشاهد هذه الأيام في العديد من المنابر والمنصات التي لا يمكن للفلول الوصول إليها، أو يجدوا لهم فيها موطئ قدم، تتم استضافة بعض قيادات اللوبي الشيوعي فيها (من المسموح لهم بالتحدث) يقومون بدور الفلول وأفضل في مهاجمة القوى المدنية الأخرى خاصة تقدم، والدول التي لها موقف جاد ضد الوجود الإسلاموي في المنطقة. لذا فلا عجب أن يؤجل الفلول معركتهم التاريخية وعداءهم الأيديولوجي ضد الحزب الشيوعي ليركزوا على الخطر الحقيقي الماثل أمامهم وهو القوي التي تعمل على تفكيك التمكين وتقود التحول المدني الديمقراطي وأعني قيادات قحت وتقدم.
وكذلك من الشواهد على الرضا التام من الفلول والإسلامويين على سياسة وخط الحزب هو أن قائمة الشرف التي أمر نائب عام الغفلة بالقبض عليهم من المدنيين، وكيلت لهم التهم بتقويض نظام البرهان الغير دستوري، وشن الحرب ضد دولة الانقلاب، قد شملت ستة عشر من خصومهم على رأسهم الدكتور عبدالله حمدوك، وآخرين من أبرزهم، إلى جانب حمدوك، رئيس حزب المؤتمر السوداني، المهندس عمر الدقير، ورئيس الحركة الشعبية، الأستاذ ياسر عرمان، وعضو مجلس السيادة السابق، الأستاذ محمد الفكي، ووزير مجلس الوزراء السابق، الأستاذ خالد عمر، بجانب وزيرة الخارجية السابقة، الكنداكة مريم الصادق المهدي.
منذ متى خلت قائمة المطلوبين لدى الأنظمة الإسلاموية من شيوعيين؟ وكانت بيوت الأشباح وسجونهم ومعتقلاتهم طوال عقود حكمهم المشئوم لا تخلو من الشيوعيين، كأنها شيدت وصممت خصيصاً لهم ومن أجلهم. فلماذا تبدل الحال الآن؟!
كما أن من علامات التماهي بين خط الحزب والإسلامويين والفلول نجده في الادعاء الكذوب بأن تنسيقية تقدم تمثل الغطاء السياسي للدعم السريع. وقد ألمحت الكثير من كلمات الميدان ومقالات لكتاب شيوعيين إلى ذلك دون أي مسوغات أو ذكر لوقائع وقرائن أحوال يمكن أن تثبت ذلك. وهي دراما كيزانية سيئة التأليف والإخراج والتمثيل لتبرير نشاطهم المحموم لتأجيج الحرب ودورهم كغطاء سياسي لذراعهم العسكري ممثلا في الجنة الأمنية التي تسيطر على الجيش. فكيف لطرف يمثل الغطاء السياسي للطرف الذي ما زال حتى الآن يحقق النصر تلو النصر، يدعو إلى وقفها؟! وهو موقف ظلَّ ثابتاً قبل قيام الحرب إلى يومنا هذا، وعلى الرغْم من ذلك ظل الحزب الشيوعي (الرسمي) مصمما على الترويج للدعاية الكيزانية بأن تقدم تمثل غطاء" سياسيا للجنجويد دون خجلّ أو وجلّ!
هناك ظاهرة أخرى مستجدة سنها السكرتير السياسي محمد مختار الخطيب، وأقول مستجدة ودخيلة على الحزب حيث لم نشهدها في السكرتيرين السياسيين السابقين له عبد الخالق محجوب أو محمد إبراهيم نقد، كما لم نشهدها من أي من قيادات الحزب، أو خطبائه في المنابر الرسمية في السابق. والظاهرة تتمثل في الهجوم غير المبرر على دول الخليج عامة والعداء السافر لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تقف بصلابة ضد التمدد الإسلاموي في المنطقة، والتي ظلت تدعم جهود المعارضة السودانية بسخاء خلال حكم الإنقاذ. يمكن للمرء أن يتفهم موقف الإسلامويين العدائي لها وسعيهم الحثيث لشيطنتها، لكن لا أفهم سبب عداء الحزب الشيوعي لها، وما المنفعة التي تعود للحزب من جرّاءِ استعداء معظم دول الخليج ذات الوجود السوداني المميز فيها، وبينهم عدد لا يستهان به من الشيوعيين والديمقراطيين وأصدقاء الحزب! هذا الأمر ليس وليد تداعيات الحرب العبثية التي يدور رحاها الآن، بل هو موقف يجري بثبات منذ أن تولت هذه المجموعة مقاليد الحزب. ولقد شهدنا السكرتير السياسي في ندوة بميدان مدرسة أمدرمان الأهلية قبل عدة سنوات من نشوب الحرب، وربما كان الظهور الجماهيري الأول له بعد الثورة، قد أخذ يكيل الهجوم على العديد من الدول في المحيط الإقليمي، وقال في دولة الإمارات ما لم يقله مالك في الخمر، فانطبق عليه القول "سكت دهراً ونطق كفراً"، دون مراعاة لوضع فروع الحزب في تلك الدول ودور الشيوعيين والديمقراطيين في أنشطة الجاليات السودانية، ودورهم في دعم الحزب، والتصدي لسياسات وأنشطة الإسلامويين والفلول في أوساط الجالية والأندية الاجتماعية السودانية في تلك الدول. فلمصلحة مَنّ يتم ذلك؟ إن لم يكن لمصلحة الفلول والحركات الإسلاموية.
يجب التحري والاستقصاء بطرق جادة وصارمة للتحقق من مسألة اختطاف الحزب من المجموعة أو الأقلية التي تسيطر الآن على قراره، لكن حتى لو افترضنا أن الحزب غير مختطف، فالقيادة الراهنة غير كفؤه سياسياً أو نظرياً لقيادة الحزب، وفي ظل استمرار وجودها ستنتج قيادات شبيهة بها ضعفاً وفقراً وتكتلاً وتآمراً في الهيئات والمكاتب والمناطق والمدن، وفي ظلها صار الحزب كياناً طارداً، وستقود لا محالة لتصفية وجوده تماما مثلما تمت تصفية كثير من المنظمات الديمقراطية مثل اتحاد الشباب والجبهة الديمقراطية للطلاب بالوصاية والتدخلات وسوء التدبير.
وللحديث بقية ...

في اللقاء القادم (9) ضعف فكري أم سوء تقدير

عاطف عبدالله

atifgassim@gmail.com

 

آراء