التراث الإسلامي والموقف منه

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
أ.د. أحمد محمد أحمد الجلي

ahmedm.algali@gmail.com
مقدمة: قضية التراث من القضايا التي تثار بين الحين والآخر،ويتردد الحديث عنها في دوائر عدة تتجاوز في بعض الأحيان، دائرة المختصين والمشتغلين بالتراث دراسة وتحقيقاً ونشراً. وقد اطلعت،منذ فترة قصيرة على مقال لكاتب درج على الكتابة في احدى الصحف السيارة ،تناول قضية التراث الإسلامي،وأصدر عدداً من الأحكام تدعو في جملتها إلى تجاوز هذا التراث ،لعدم الجدوى من دراسته والوقوف على أطلاله،كما عبر الكاتب.ولتأكيد ذلك حاول الكاتب أن يقلل من قيمة التراث الإسلامي،وعدم جدواه أو نفعه، ليس للأجيال المعاصرة،بل من حيث اسهامه الحضاري، ونفعه التاريخي.
و لا شك أنَّ مثل هذه الأحكام قد تضلل كثيراً من القراء ممن ليس لديهم إلمام بالمنجزات الحضارية للثقافة الإسلامية،والتي لا ينكرها إلا صاحب هوى ،أو غرض.كما أن مثل هذه الأحكام ،إن صدقت على بعض جوانب التراث الإسلامي،فإنها أحكام مجحفة في حق كثير من الجهود التي بذلها المسلمون في الإستفادة من الحضارات الإنسانية،وحفظها،وتقييمها والإضافة إليها،فضلاً عن ابداعهم في جوانب كثيرة يعترف بها كثير من المنصفين ممن ليسوا بمسلمين،ولا ينتمون إلى الحضارة الإسلامية.
تعريف المراد بالتراث: بداية إذا أردنا أن نعرف بالتراث فيمكن القول بأنَّ التراث عموماً،هو كل ما يرثه الإنسان عن أسلافه ، أو ما وصل إلينا مما تركه السلف أو الأجيال السابقة للخلف أو الأجيال المتأخرة،سواء كان ذلك الإرث عقيدة أوثقافة أوقيماً أوآداباً وفنوناً وصناعات ،أوسائر المنجزات الأخرى المادية والمعنوية.
وقد استخدم مصطلح التراث إشارة إلى المفهوم المذكور اعلاه،سواء كان ذلك التراث منجزات مادية أو غير مادية( علمية وفكرية).ويدخل فيه من ثم، كل مظاهر العمران المادي والمنجزات الحضارية: كالقلاع والجسور والطرق والقصور والصناعات التقنية،وغير المادي: من عقائد وثقافات وعلوم وآداب وفنون ونظم وقيم.
التراث الإسلامي: قد اختلفت الرؤى حول المراد بالتراث الاسلامي نتيجة للإختلاف حول المراد بكلمة إسلامي.فبينما يذهب بعض الدراسين إلى أنَّ التراث الإسلامي يشمل الآثار الثقافية والمدنية التي انجزت في ظل الحضارة الإسلامية،بغض النظر عن مدى التزامها بالإسلام من عدمه.وبناءً على ذلك يدخل فيه العلوم الإسلامية كالفقه وأصوله ،كما يدخل فيه الفلسفات العقلية والصوفية التي نشرها أصحابها خلال التاريخ،واللغات والآداب والفنون والتاريخ وغيرها من جوانب العلم والمعرفة بصرف النظر عن مدى توافقها أو عدم توافقها مع قيم الإسلام وتعاليمه .بينما يرى آخرون أنَّ كلمة إسلامي تدل على انتساب ذلك التراث وأصحابه إلى الإسلام،وانسجامه وتوافقه مع تعاليم الإسلام وقيمه تكويناً وغايةً ومنهجاً ،ومن ثم ينحصر التراث الإسلامي - حسب رأيهم- في جوانب معينة من ذلك الإرث الواسع.ويخرج من التراث كل ما يتعارض مع مقررات الإسلام ويتناقض مع قيمه،وإن كان صاحبه مسلماً باعتبار دينه وانتمائه الحضاري.
ونجد أيضاً اختلافاً آخر حول موقع الوحي من التراث، وهل تدخل نصوص الوحي الإلهي من قرآن وسنة نبوية مطهرة، مما توارثته الأمة الإسلامية محفوظاَ بحفظ الله تعالى،ثم بجهود علماء الأمة في هذا التراث، وتعد منه؟ أم أنَّ الوحي الإلهي لا يعد من التراث لأنَّ التراث جهد بشري،يفتقر إلى عنصر القداسة،التي يتسم بها الوحي ؟
يذهب بعض الدراسين إلى أنَّ مفهوم التراث ومدلوله يشمل الكتاب والسُنَّة ،كما بشمل سائر الإنتاج الفكري المتعامل معهما.و من ثمَّ لا يقتصر مدلول التراث، في تصور هؤلاء ،على منجزات العقل الإنساني الثقافية والحضارية والمادية،بل إنَّه يشتمل على الوحي الإلهي أيضاً. ويستند بعض أصحاب هذا الرأي إلى النصوص الشرعية التي يفهم منها أنَّ الوحي الإلهي قرآناً وسُنَّة من التراث ،كقوله تعالى:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) فاطر:32.وما ورد في قصة أبي هريرة مع أهل دمشق حينما قال لهم:" انتم هنا- يعني في السوق-وميراث محمد يوزع في المسجد.فلما ذهبوا لم يجدوا أموالاً توزع، وإنَّما وجدوا حِلَق العلم.وأبو هريرة إنما كان يتأول بهذا الحديث:" إنَّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً و لا درهماً،وإنما ورثوا العلم".
وينقسم التراث لدى هذا الفريق إلى قسمين ينظر لكل واحد منهما نظرة تختلف عن الآخر،ويتعامل معه تعاملاً مغايراً للتعامل مع الآخر.فالإنجاز البشري الحضاري والثقافي قابل للنقد والإنتقاء، وتوظيفه لخدمة الواقع الذي تقتضية المصلحة،أما الوحي فإنَّه يتلقى ليتكيف الواقع به لشموله للحالات كلها.
وهناك رأي يخرج الوحي ( القرآن والسُنَّة)، عن دائرة التراث ابتداءً. وينحصر التراث -عند أصحاب هذا الرأي -فيما أنتجه الأجداد، وتوارثته الأجيال من معارف وعلوم وتجارب ابتكرها الإنسان وابتدعتها عبقريته.ويرى هؤلاء ضرورة الفصل بين الإسلام من حيث هو دين أو عقيدة ،وبين الإسلام من حيث هو تراث وحضارة.ويذهب هؤلاء إلى أنَّ كلمة تراث توحي بالقدم الزمني وعدم الملاءمة مع العصر،ومن ثم فإنَّ وسم الوحي بالتراثية يعني صبغ الإسلام بصبغة متحفية،وجعله عرضة لطرح تساؤلات مغرضة.ويرى أحد هؤلاء أنَّ عد الإسلام وتعاليمه مسائل تراثية،مؤامرة خطيرة تستهدف أن تتراجع علاقتنا بالإسلام لتصبح مجرد بحث وتنقيب ودراسة وحماية وصيانة واعجاب وتقييم،مما يقطع علاقتنا العضوية الحيوية بالإسلام.
وعلى كل فإنَّ الوحي الإلهى لدى الفريقين ، لا ينبغي أن يخضع للمعايير البشرية ،و لا بد من التمييز بين أصوله الدينية الثابتة التي تتجاوز التاريخ وتعلو عليه.ويبقى التراث الإسلامي بكل مكوناته من مؤلفات في التفسير والفقه وعلم الكلام والتراجم والتاريخ ،والتي تنتمي إلى كافة الاتجاهات والمذاهب.
وأرى من الأولى الأخذ برأي من يرى تجنب اطلاق لفظ التراث على الوحي،وذلك لما يتضمنه مصطلح تراث في هذا العصر من سمات النسبية التاريخية والزمنية ،وما يحمله المصطلح لا سيما في الثقافة الغربية،والتي لها تأثير عالمي،من عدم التقديس والخضوع للظرفية والبشرية . ودفعاً لما يحاوله بعض "الحداثيين"،الذين حاولوا دمج الوحي في التراث باعتباره لا يرتفع عن مستوى الانتاج البشري،سواء منهم من أنكر ألوهيته أصلاً،أو من رأى الإعتراف بأنه وحي، وأ نه في زعمه مرتبط بزمان معين،جاء مفصلاً على ظروفه،فلا يخرج عن ذلك الاطار التاريخي.وبعض هؤلاء من رفض التراث في جملته واعتبره عائقاً عن الإنطلاق مع الحياة المتجددة.ومنهم من ذهب إلى أن التراث لا مفر من الإعتراف به والتفاعل معه،بطريقة يمكن بها التحكم فيه، وتطويعه لخدمة قضايا معينة.
وقد قامت على الوحي الإلهي( القرآن والسُنَّة)،علوم مختلفة: كعلم التفسير والحديث وعلم الفقه وعلم العقيدة وعلم أصول الفقه وغيرها.وهذه جميعها تمثل جزءاً من التراث الإسلامي، لأنَّها بدأت وتطورت بجهود المسلمين.وبعضاَ من جوانب ذلك التراث عبارة عن اجتهادات قام بها العلماء في مختلف جوانب المعارف، قد تتلاءم مع بيئتهم ،وتتناسب مع ظروف عصرهم،ومن ثم ليس بالضرورة أن تكون ملائمةً لعصرنا وتستجيب لحاجاتنا.
فهذا التراث في جملته، رغم أنَّه مرتبط بالإسلام وقيمه ونظمه ،إلاَّ أنَّه لا يعدو أن يكون انجازاً بشرياً،له شروطه وسماته الإجتماعية والثقافية والتاريخية التي تختلف باختلاف الزمن والمصالح والحاجات، وليس له صفة القداسة التي تعطى للقرآن والحديث،ومن ثم يمكن مراجعته ونقده.
المواقف الفكرية من التراث الاسلامي :يمكن رصد ثلاثة مواقف او اتجاهات بالنظر الى التراث الإسلامي،ما بين موقف يقلل من قيمة التراث بل يسعي الى الغائه وابعاده من الساحة المعرفية،وموقف يسعي للحفاظ على التراث كقيمة تراثية تنمى ويحافظ عليها في صورتها الموروثة وبآليات تقليديةـوهناك موقف يسعى الى مراجعة التراث والتمييز بين القيم منه، وما لا فائدة منه،والإستفادة من الأول في تغيير الواقع وتنميته.
الإتجاه الأول: وهو اتجاه يتبناه الحداثيون الذين يتصف لديهم التراث الإسلامي والعربي، بالتقادم الزمني والهجر والاستغراب ،ويحكمون عليه بقوانين الحداثة ويتهمونه بالتأخر الثقافي العلمي،ويجعلونه سبباً في كثير من الظواهر السلبية في المجتمعات كالتطرف والتعصب والتكفير وغيرها. وظهرت بعض المشاريع الفكرية- لدى الحداثيين- التي اتخذت لنفسها شعاراً مثل:"مذبحة التراث"، و"الثورة على التراث"،و"نقض التراث" ،و"تاريخية التراث"،وذهب هؤلاء الى أن التراث بأصوله وفروعه،لا يصلح للإعتماد عليه في هذا العصر،بل لا بد من إعادة انتاجه،وتوظيفه عبر التجديد.والحل في نظر اصحاب هذه الرؤية هو: الغاء كل التراث المعرفي والمنهجي والمفهومي المنحدر الينا من العصور السابقة، وبناء فهم جديد للدين عقيدة وشريعة انطلاقاً من الأصول المباشرة .ويحمل لواء هذه الدعوة بعض دعاة التجديد الذين دعوا الى نقض الأصول الدينية،تحت دعوى نقد التراث.وهم ينقسمون الى توجهين:
أ‌) توجه يرى ضرورة معالجة النصِّ الإسلاميّ، عن طريق إخضاعه لمناهج النَّقد والتَّأويل التي ظهرت في الغرب، وطُبِّقت على الكتب المقدسة لدى اليهود والنصارى،وما عرف بالعهدين:العهد القديم(التوراة) والعهد الجديد (الأناجيل)، وذلك لهدفين هما: تبيان تاريخية التراث، والكشف عن حدود مجاله المرجعيّ،و كسر قداسته، وتقويض بنيته الوُثُوقيّة، لفسح المجال أمام القيم الإنسانيّة التَّحديثيَّة التي هي شرط الانتماء للعصر، وفقا لزعمهم، والإندماج في المنظومة المعرفية الإنسانية، كمايذهب الى ذلك الكاتب السوري القومي الماركسي، الطيب تيزيني( 1934-2019م).
ب‌) والتوجه الثاني يعمد الى تطبيق مناهج العُلُوم الإنسانيّة المعاصرة، وفلسفات التَّأويل الجديدة على هذا النَّص، من حيث هو خطابٌ لغويٌّ يستجيب فيما وراء طابعه المقدَّس لآليات التَّفكيك والقراءة التي طُبِّقت على مختلف النُّصوص، بما فيها النُّصوص الدينية؛ كقراءة محمد أركون ومدرسته من التوانسة كعبد المجيد الشرفي، ويوسف صديق، وكذلك نصر حامد أبو زيد، وغيرهم، هذه المدرسة التي تعتمد على ثلاث خطط للقراءة والتأويل؛ وهي: خطة العقلنة ـوالأنسنة، والأرخنة.
الاتجاه الثاني: اخذ موقف الحافظ لهذا التراث،الحامل لمهمة حفظه ودرسه وصيرورته،ووضع أصحاب هذا الإتجاه أنفسهم في صفوف حملة أمانة تبليغ التراث الى من بعدهم،والحفاظ على الطريقة التي بلغهم بها،واخذ الحفظ على التراث لديهم صورا متعددة تتمثل فيما يلي:
1- التدريس والتعليم،كما هو الحال في المعاهد الإسلامية كالازهر في مصر، وجامع القرويين في المغرب ،والزيتونة في تونس، والحوزات العلمية في العراق وايران، وغيرها من الجامعات والمراكز العلمية المنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي.
2- التحقيق والنشر الذي تقوم به مراكز البحث العلمي ،ودور النشر المنتشرة في العديد من الدول
3- . خدمة التراث بأنواعها،من فهرسة كتب التراث ،ووضع القوائم الببليوغرافية ،والموسوعات والمصطلحات الى غير ذلك من الخدمات التي تيسر تداول كتب التراث والتعامل معها
4- تفهم التراث،واستخدامه وتوظيفه في تلمس حل المشكلات والقضايا التي تحتاج الى حلول في كتب التراث.
الاتجاه الثالث:هو اتجاه المد المعرفي،او التجديد بالمعنى الإيجابي البناء للكلمة، الذي يهدف الى استكمال البنية المعرفية للأمة الإسلامية،وهذا النوع من التجديد لن يتم الا بالمرور بما يقوم به الاتجاه الثاني ،واستيعاب مكونات ذلك التوجه وما يقدمه من خدمات للتراث. ويحرص اصحاب هذا الاتجاه على وضع المناهج والأصول التي تبنى عليها العلوم الاسلامية،والبعد عن التقليد للغرب الذي يمارسه بعض المحافظين ،سواء مقلدة المتقدمين ،الذين يقومون باسقاط المفاهيم الإسلامية التقليدية على المفاهيم الغربية الحديثة،(الشورى=الديمقراطية،الامة= الدولة)،ومقلدة المتأخرين الذين يسقطون المفاهيم الغربية على المفاهيم الإسلامية( العلمانية=العلم بالدنيا).
وهذه الروح التي كان يتحلى بها التراث الإسلامي،والتي يمثلها أصحاب الإتجاه الثالث ،بمعنى ان لا يخضع فكريا لمن يقصر مهمة التجديد على مجرد ردود افعال،او مقاربات ومقارنات ،هذا الاتجاه لا يزال يحتاج الى تكاتف عمل فردي وعمل جماعي. والتعاون العلمي والأكاديمي،والإصلاح من داخل المرجعيَّة الإسلاميّة، باستثمار مقاصد النَّص ومساحة الاجتهاد الواسعة فيه، من خلال تجديد أدوات وآليات قراءته وتأويله كقراءة طه عبد الرحمن، ورضوان السيد، وطارق رمضان، وطارق البشري، ومحمد سليم العوا، وغيرهم
وعليه فإنَّه لا بد من دراسة ناقدة لهذا التراث ،يقوم بها من هو أهل لذلك،يتعرفون من خلالها على جوانبه المختلفة،وتمييز ما هو نافع ومجد وملائم ،فيستفاد منه.ويتعرف على ما صلح لزمانه فيحفظ. ولا شك أنَّ كثيراً من جوانب التراث إذا نظر إليها بأناة وصبر، ستكون رافداَ مهماَ من روافد الثقافة الإسلامية في هذا العصر.
ضوابط وشروط التعامل مع التراث الاسلامي:رغم أهمية القراءة الموضوعية للتراث والدعوة إلى ذلك، فلا بد من وضع ضوابط تحكم هذه العملية: وتستفيد من جملة من الآليات التي ينبغي استخدامها في تحديث التراث الإسلامي حتى ياتي التجديد او التحديث متوافقا مع قيم الإسلام ومناهجه.ومن تلك الوسائل والآليات ما يلي:
أولاً: لا بد أنَّ يقوم بهذا العمل أصحاب التراث أنفسهم الذين يقدرون هذا التراث ويحترمونه ويفهمونه.،ويملكون المؤهلات العلمية والعملية والأخلاقية اللازمة لتناول التراث بروح علمية منصفة،والحكم عليه بموضوعية وتجرد.أما أولئك الذين لا يملكون مثل هذه المؤهلات ،فهم قد يتهمون في نواياهم،ومن ثم قد يفتقرون الى القدرة على المساهمة في تقويم التراث .
ثانياً: العودة الى التراث نفسه،وفهم لغته، ومناهجه.
ثالثاً: احترام التراث: وهي المقدمة الضرورية لامكانية تحقيق مراجعة حقيقية وسوية له، ونفي القداسة عن التراث كما يدعو الى ذلك الحداثيون لا تعني الاستهانة به،وعليه يجب رفض محاولات تجريح التاريخ والتراث الإسلامي والاساءة إليه.وهي المحاولات التي تدعي قصور التجربة الإسلامية والمسيرة الإسلامية، وتكرس جهدها على قراءة التراث الإسلامي بأسلوب انتقائي يفتقد الموضوعية والانصاف،ويركز على أكثر المواقف سلبية وشذوذا،ويغفل تماماً عن ايجابياته واشراقاته وانجازاته الحضارية الباهرة ،والتحولات الكبرى والعظيمة التي أحدثها في المسار العام العربي والإسلامي،بل والإنساني.
رابعاً:مراعاة طبيعة العلوم الإسلامية والتخصصات ،التي تتسم بالتكامل فيما بينها، والموسوعية،واهم مظاهر الشمول التي تدرك بها الحقيقة التكاملية للتراث هي التداخل والتفاعل بين المعارف والعلوم، وهذا يستلزم أمرين: (1) تراتب العلوم ، بمعنى ترتيب العلوم وتصنيفها،كما فعل بعض العلماء كالفارابي في كتابه:" احصاء العلوم"، واخوان الصفا" في الرسائل التي مسبت اليهم ،والتهانوي في كتابه: "كشاف اصطلاحات الفنون"، و يتضح من خلال تلك المؤلفات، النزعة التكاملية التي كانت تطبع النظرة التراثية للممعرفة .( 2).ولم يقف العلماء عند تصنيف العلوم وترتيبها كما يتضح من تلك المؤلفات، بل بينوا التفاعل بينها ،كتفاعل البماحث الكلامية مع المباحث اللغوية، والبلاغة والفلسفة ،وهكذا تكون التراث بهذا النظرة الشمولية التكاملية.وهي التي بها يمكن ان يتجدد ويتطور.
خامساً:اعادة الصلة بين التراث والعصر،الذي يعتبر سمة من سمات التراث الاسلامي ،واخراج التراث من ارفف المكتبات وقاعة المحاضرات الى ساحات الفكر المحلية والعالمية ،والاستفادة منه في مواجهة ما يستجد من اشكالات معرفية.
سادساً:استحداث مناهج مناسبة لعملية التجديد تراعي الأبعاد الذاتية والمتغيرة للنماذج المعرفية المختلفة ،فالنموذج المعرفي الغربي لا يصلح لنقله وتطبيقه جملة، على الواقع المعرفي الإسلامي ،اذ يركز النموذج الغربي ،على التفسير المادي الظاهري للوجود،وهذا الغاء لجزء كبير من الوعي الانساني ومن الوجود الذي يمثله الفكر الاسلامي.
سابعاً:اعادة النظر في بعض المناهج في الفكر الاسلامي الحديث التي بنيت على فهم خاطيء او ناقص لبعض جوانب التراث الإسلامي.
فإذا ما توفرت هذه الشروط وتحققت تلك الضوابط، فلا مانع من مراجعة التراث وتقييمه،والحكم عليه ،وتنقيته مما قد يكون علق به من سلبيات،وتراكمات تجاوزها الزمن وعفى عليها التاريخ.وهذا لا يطعن في التراث ولا يحط من قيمته ،بل هو خطوة للإستفادة منه ، واختيار ما يتلاءم مع عصرنا. كما أنه من خلال مثل هذه القراءة للتراث أن نتعرف على العقل المسلم في مراحله التاريخية ،وفهم حركة التاريخ والفرق الإسلامية ،والأفكار المعارضة وأسبابها ودواعيها وسبب اختفائه ،أهل كانت سياسية أم ايدولوحية؟ إلى غير ذلك من الفوائد التي تعود علينا من قراءة ذلك التراث قراءة واعية..
أ.د. احمد محمد احمد الجلي
ahmedm.alglali@gmail.com
الثلاثاء /جمادي الأول 1446 هـ
ؤ الموافق 12/ نوفمبر/ 2024 م

 

 

آراء