النقد الذاتي – مهمةٌ على طاولةِ اجتماعاتِ تنسيقيةِ “تقدُّم”
وجدي كامل
2 December, 2024
2 December, 2024
الحربُ التي تعصفُ ببلادِنا اليومَ لم تقتصرْ على التدميرِ المادِّيِّ الذي طمسَ معالمَ حقوقِ وكرامةِ السودانيين، بل تجاوزت ذلكَ إلى تدميرِ أعماقِ وجذورِ الوعيِ الجمعيِّ بآلةِ الإعلامِ المضادِّ، حيثُ نصَّبَتْ سلطةُ اللاعقلِ مرجعًا مطلقًا لإدارةِ العملِ السياسيِّ.
هذهِ الحربُ، التي أصبحَ السؤالُ حولَ مَن أطلقَ الطلقةَ الأولى فيها شاغلًا من الماضي، بعد أن تأكدَ للجميعِ ضلوعُ تنظيمِ الإخوانِ المسلمين، ممثَّلًا في المؤتمرِ الوطنيِّ، وجيشِهِ، وجهازِ مخابراتِهِ في إشعالِها، تستدعي وقفةَ تأمُّلٍ نقديٍّ، إنْ لم يكنْ إقرارًا مفتوحًا بالنقدِ الذاتيِّ كذلك.
إنَّها حربٌ أشعلَها، ومن دونِ شكٍّ، أنصارُ النظامِ القديمِ وحلفاؤُهم من الكليبتوقراطيينَ العسكريينَ والمدنيينَ. غيرَ أنَّ الأسئلةَ الكبرى تظلُّ متصلةً بأدائنا ودورِنا ما قبلَها وبعدَ اندلاعِها، وإلى أيِّ مدى ساهمنا، بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ، في تغذيةِ ما يجري، بما في ذلك استمراريتُها.
أكتبُ وكلي ثقةٌ بأننا، بضعفِنا وقلةِ حيلتِنا وانعدامِ وحدتِنا، ساهمنا في انحرافِ الثورةِ عن مسارِها. لقد انحرفْنا بها قبلَ وقوعِ الحربِ نتيجةَ أخطاءٍ قاتلةٍ وقراراتٍ غيرِ مدروسةٍ ارتكبَها الفاعلونَ الأساسيونَ في المشهدِ السياسيِّ. فمنذ إرهاصاتِ التوقيعِ على الوثيقةِ الدستوريةِ، ثمَّ تشكيلِ الحكومةِ الأولى، فالثانية، وحتى اندلاعِ الحرب، ساهمتْ المنظومةُ السياسيةُ، بجميعِ مكوِّناتِها، وبنحوٍ مشتركٍ، في جعلِ المشروعِ المعادي للثورةِ يمضي نحوَ أهدافِهِ، وذلكَ بسببِ غيابِ وحدتِنا وضعفِ رؤيتِنا الاستراتيجيةِ.
هنا، تتساوى أخطاءُ الجميعِ، وخاصةً تحالفُ قوى الحريةِ والتغييرِ، كما الأحزابُ ذاتُ التأثيرِ الجماهيريِّ مثل الحزبِ الشيوعيِّ وحزبِ البعث. ورغمَ الاعترافِ باتساعِ الهوةِ بين مواقفِ التحالفِ والحزبينِ، إلا أنَّ عجزَ هذه القوى عن الوصولِ إلى اتفاقٍ مرحليٍّ على الحدِّ الأدنى منحَ القوى المضادةَ نقاطًا لم تكنْ لتكسبَها لولا غيابُ التفكيرِ الاستراتيجيِّ في قراءةِ وتعريفِ العدوِّ الرئيسيِّ للثورة.
النقدُ الذاتيُّ الذي بُذلَ من مركزيةِ تحالفِ قوى الحريةِ والتغييرِ قبلَ الحرب، بتنظيمٍ من صحيفةِ *الديمقراطي*، لا شكَّ أنه كان مهمًّا ومفيدًا. غيرَ أنَّ درسًا جوهريًّا يبقى في أنَّ غيابَ مرافقةِ النقدِ للتجربةِ في لحظاتِها الحاسمةِ جعلَ النتائجَ دونَ فاعليةٍ ملموسةٍ.
اليوم، وفي غمرةِ تصاعدِ العملياتِ الحربيةِ وكثافةِ الدمارِ وتعقيداتِ المشهدِ السياسيِّ، نجدُ أنفسَنا بحاجةٍ ملحَّةٍ لإعادةِ الدفعِ بنقدٍ يتصلُ بإسهامِنا كقوى الثورةِ في إشعالِ الحربِ، أو الإبقاءِ على استمراريتِها دونَ تردُّدٍ أو وجلٍ من مواجهةِ الحقيقة.
فإذا كان غيابُ وحدةِ قوى الثورةِ عاملًا في إضعافِها، فإنَّ استمرارَ هذا الغيابِ يُعَدُّ دافعًا جديدًا لبقاءِ الحرب. فالحربُ الدائرةُ بين القوتينِ العسكريتينِ، ومن خلفِهما المصالحُ السياسيةُ الداخليةُ والخارجيةُ، تتغذَّى اليومَ من وضعيةِ التفككِ والتناقضاتِ التي تعيشُها قوى الثورةِ. وهو ما يجعلُ تعريفَها ممكنًا كحربٍ سياسيةٍ صامتةٍ بين أطرافِ الثورةِ ذاتِها، لا بدَّ من الإقرارِ بها والعملِ جديًّا لحلِّ معضلاتِها.
إنَّ اجتماعَ الهيئةِ القياديةِ لتنسيقيةِ "تقدُّم" في الأيامِ المقبلةِ، وبالإضافةِ إلى الأهدافِ المعلنةِ، يحملُ مهامًا جوهريةً بدونِها لن نتمكَّنَ من خلقِ المعادلةِ السياسيةِ المطلوبةِ لتشكيلِ ضغطٍ فعليٍّ على الأطرافِ المتحاربةِ لإيقافِ الحرب.
وحتى تصبحَ وحدةُ قوى الثورةِ هدفًا استراتيجيًّا أمامَ التنسيقيةِ، فإنَّ عليها، وباعتبارِ تحالفِ الحريةِ والتغييرِ مكوِّنًا أساسيًّا من مكوناتها، أن تشرعَ في تقديمِ تنازلاتٍ جادَّةٍ، تبدأُ بتوجيهِ النقدِ إلى الذاتِ، واستبعادِ تكرارِ الأخطاءِ التي يمكنُ حصرُ أبرزِها فيما يلي:
- منحُ السلطةِ لوكلاءِ عسكريينَ ومدنيينَ دونَ تمحيصٍ.
- التوقيعُ على الوثيقةِ الدستوريةِ التي قُدِّمتْ كثمنٍ بخسٍ لمظاهراتِ الثلاثينَ من يونيو، معَ ترويجِها وكأنَّها انتصارٌ عظيمٌ.
- الصمتُ على خروقاتِ قادةِ اللجنةِ الأمنيةِ، رغمَ توفرِ الأدلةِ على أدوارِهم المشبوهةِ.
- الإبقاءُ على الأجهزةِ الأمنيةِ القديمةِ دونَ تفكيكٍ، مما سمحَ لها بإعادةِ إنتاجِ القمعِ لصالحِ النظامِ القديمِ.
- الفشلُ في بناءِ إعلامٍ بديلٍ يدعمُ الثورةَ، مما تركَ الساحةَ خاليةً للإعلامِ المعاديِّ.
**ما العمل؟**
إيقافُ الحربِ ليسَ مجرَّدَ مطلبٍ سياسيٍّ أو إنسانيٍّ فحسب، بل هو الخطوةُ الأولى في مسارٍ طويلٍ لإعادةِ بناءِ الدولةِ. غيرَ أنَّ عودةَ السلطةِ المدنيةِ دونَ مراجعةٍ نقديةٍ شاملةٍ ستعني إعادةَ إنتاجِ الأزمةِ.
### **خطواتٌ أساسية:**
1. بناءُ سياساتٍ جديدةٍ لما بعدَ الحربِ من خلالِ ورشٍ متخصصةٍ تلتزمُ نتائجُها الجهازَ التنفيذيَّ.
2. إعادةُ هيكلةِ الدولةِ وتفكيكُ مؤسساتِ الفسادِ.
3. تمكينُ الكفاءاتِ الوطنيةِ بعيدًا عن المحسوبياتِ الحزبيةِ.
4. إنشاءُ منصاتٍ إعلاميةٍ وثقافيةٍ قويةٍ تعبِّرُ عن روحِ الثورةِ وتواجهُ الآلةَ الإعلاميةَ المضادةَ.
5. إيلاءُ الثقافةِ دورَها في معالجةِ قضايا التنوُّعِ التي أُسيءَ استخدامها خلالَ الحرب.
**خاتمة:**
الحربُ التي أكلتْ أرواحَ السودانيينَ وجعلتْ مواردَهم وثرواتِهم نهبًا للصوصِ المحليينَ والإقليميينَ لم تكنْ قدرًا محتومًا، بل هي نتيجةٌ لأخطاءٍ جماعيةٍ تستدعي الوحدةَ على أسسٍ جديدةٍ تقومُ على ثقافةِ البناءِ الوطنيِّ بدلًا من الكراهيةِ السياسيةِ.
wagdik@yahoo.com
هذهِ الحربُ، التي أصبحَ السؤالُ حولَ مَن أطلقَ الطلقةَ الأولى فيها شاغلًا من الماضي، بعد أن تأكدَ للجميعِ ضلوعُ تنظيمِ الإخوانِ المسلمين، ممثَّلًا في المؤتمرِ الوطنيِّ، وجيشِهِ، وجهازِ مخابراتِهِ في إشعالِها، تستدعي وقفةَ تأمُّلٍ نقديٍّ، إنْ لم يكنْ إقرارًا مفتوحًا بالنقدِ الذاتيِّ كذلك.
إنَّها حربٌ أشعلَها، ومن دونِ شكٍّ، أنصارُ النظامِ القديمِ وحلفاؤُهم من الكليبتوقراطيينَ العسكريينَ والمدنيينَ. غيرَ أنَّ الأسئلةَ الكبرى تظلُّ متصلةً بأدائنا ودورِنا ما قبلَها وبعدَ اندلاعِها، وإلى أيِّ مدى ساهمنا، بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ، في تغذيةِ ما يجري، بما في ذلك استمراريتُها.
أكتبُ وكلي ثقةٌ بأننا، بضعفِنا وقلةِ حيلتِنا وانعدامِ وحدتِنا، ساهمنا في انحرافِ الثورةِ عن مسارِها. لقد انحرفْنا بها قبلَ وقوعِ الحربِ نتيجةَ أخطاءٍ قاتلةٍ وقراراتٍ غيرِ مدروسةٍ ارتكبَها الفاعلونَ الأساسيونَ في المشهدِ السياسيِّ. فمنذ إرهاصاتِ التوقيعِ على الوثيقةِ الدستوريةِ، ثمَّ تشكيلِ الحكومةِ الأولى، فالثانية، وحتى اندلاعِ الحرب، ساهمتْ المنظومةُ السياسيةُ، بجميعِ مكوِّناتِها، وبنحوٍ مشتركٍ، في جعلِ المشروعِ المعادي للثورةِ يمضي نحوَ أهدافِهِ، وذلكَ بسببِ غيابِ وحدتِنا وضعفِ رؤيتِنا الاستراتيجيةِ.
هنا، تتساوى أخطاءُ الجميعِ، وخاصةً تحالفُ قوى الحريةِ والتغييرِ، كما الأحزابُ ذاتُ التأثيرِ الجماهيريِّ مثل الحزبِ الشيوعيِّ وحزبِ البعث. ورغمَ الاعترافِ باتساعِ الهوةِ بين مواقفِ التحالفِ والحزبينِ، إلا أنَّ عجزَ هذه القوى عن الوصولِ إلى اتفاقٍ مرحليٍّ على الحدِّ الأدنى منحَ القوى المضادةَ نقاطًا لم تكنْ لتكسبَها لولا غيابُ التفكيرِ الاستراتيجيِّ في قراءةِ وتعريفِ العدوِّ الرئيسيِّ للثورة.
النقدُ الذاتيُّ الذي بُذلَ من مركزيةِ تحالفِ قوى الحريةِ والتغييرِ قبلَ الحرب، بتنظيمٍ من صحيفةِ *الديمقراطي*، لا شكَّ أنه كان مهمًّا ومفيدًا. غيرَ أنَّ درسًا جوهريًّا يبقى في أنَّ غيابَ مرافقةِ النقدِ للتجربةِ في لحظاتِها الحاسمةِ جعلَ النتائجَ دونَ فاعليةٍ ملموسةٍ.
اليوم، وفي غمرةِ تصاعدِ العملياتِ الحربيةِ وكثافةِ الدمارِ وتعقيداتِ المشهدِ السياسيِّ، نجدُ أنفسَنا بحاجةٍ ملحَّةٍ لإعادةِ الدفعِ بنقدٍ يتصلُ بإسهامِنا كقوى الثورةِ في إشعالِ الحربِ، أو الإبقاءِ على استمراريتِها دونَ تردُّدٍ أو وجلٍ من مواجهةِ الحقيقة.
فإذا كان غيابُ وحدةِ قوى الثورةِ عاملًا في إضعافِها، فإنَّ استمرارَ هذا الغيابِ يُعَدُّ دافعًا جديدًا لبقاءِ الحرب. فالحربُ الدائرةُ بين القوتينِ العسكريتينِ، ومن خلفِهما المصالحُ السياسيةُ الداخليةُ والخارجيةُ، تتغذَّى اليومَ من وضعيةِ التفككِ والتناقضاتِ التي تعيشُها قوى الثورةِ. وهو ما يجعلُ تعريفَها ممكنًا كحربٍ سياسيةٍ صامتةٍ بين أطرافِ الثورةِ ذاتِها، لا بدَّ من الإقرارِ بها والعملِ جديًّا لحلِّ معضلاتِها.
إنَّ اجتماعَ الهيئةِ القياديةِ لتنسيقيةِ "تقدُّم" في الأيامِ المقبلةِ، وبالإضافةِ إلى الأهدافِ المعلنةِ، يحملُ مهامًا جوهريةً بدونِها لن نتمكَّنَ من خلقِ المعادلةِ السياسيةِ المطلوبةِ لتشكيلِ ضغطٍ فعليٍّ على الأطرافِ المتحاربةِ لإيقافِ الحرب.
وحتى تصبحَ وحدةُ قوى الثورةِ هدفًا استراتيجيًّا أمامَ التنسيقيةِ، فإنَّ عليها، وباعتبارِ تحالفِ الحريةِ والتغييرِ مكوِّنًا أساسيًّا من مكوناتها، أن تشرعَ في تقديمِ تنازلاتٍ جادَّةٍ، تبدأُ بتوجيهِ النقدِ إلى الذاتِ، واستبعادِ تكرارِ الأخطاءِ التي يمكنُ حصرُ أبرزِها فيما يلي:
- منحُ السلطةِ لوكلاءِ عسكريينَ ومدنيينَ دونَ تمحيصٍ.
- التوقيعُ على الوثيقةِ الدستوريةِ التي قُدِّمتْ كثمنٍ بخسٍ لمظاهراتِ الثلاثينَ من يونيو، معَ ترويجِها وكأنَّها انتصارٌ عظيمٌ.
- الصمتُ على خروقاتِ قادةِ اللجنةِ الأمنيةِ، رغمَ توفرِ الأدلةِ على أدوارِهم المشبوهةِ.
- الإبقاءُ على الأجهزةِ الأمنيةِ القديمةِ دونَ تفكيكٍ، مما سمحَ لها بإعادةِ إنتاجِ القمعِ لصالحِ النظامِ القديمِ.
- الفشلُ في بناءِ إعلامٍ بديلٍ يدعمُ الثورةَ، مما تركَ الساحةَ خاليةً للإعلامِ المعاديِّ.
**ما العمل؟**
إيقافُ الحربِ ليسَ مجرَّدَ مطلبٍ سياسيٍّ أو إنسانيٍّ فحسب، بل هو الخطوةُ الأولى في مسارٍ طويلٍ لإعادةِ بناءِ الدولةِ. غيرَ أنَّ عودةَ السلطةِ المدنيةِ دونَ مراجعةٍ نقديةٍ شاملةٍ ستعني إعادةَ إنتاجِ الأزمةِ.
### **خطواتٌ أساسية:**
1. بناءُ سياساتٍ جديدةٍ لما بعدَ الحربِ من خلالِ ورشٍ متخصصةٍ تلتزمُ نتائجُها الجهازَ التنفيذيَّ.
2. إعادةُ هيكلةِ الدولةِ وتفكيكُ مؤسساتِ الفسادِ.
3. تمكينُ الكفاءاتِ الوطنيةِ بعيدًا عن المحسوبياتِ الحزبيةِ.
4. إنشاءُ منصاتٍ إعلاميةٍ وثقافيةٍ قويةٍ تعبِّرُ عن روحِ الثورةِ وتواجهُ الآلةَ الإعلاميةَ المضادةَ.
5. إيلاءُ الثقافةِ دورَها في معالجةِ قضايا التنوُّعِ التي أُسيءَ استخدامها خلالَ الحرب.
**خاتمة:**
الحربُ التي أكلتْ أرواحَ السودانيينَ وجعلتْ مواردَهم وثرواتِهم نهبًا للصوصِ المحليينَ والإقليميينَ لم تكنْ قدرًا محتومًا، بل هي نتيجةٌ لأخطاءٍ جماعيةٍ تستدعي الوحدةَ على أسسٍ جديدةٍ تقومُ على ثقافةِ البناءِ الوطنيِّ بدلًا من الكراهيةِ السياسيةِ.
wagdik@yahoo.com