دارفور .. ما إسم الجنرال العسَكري الذي هُزمَ في المُهاجرية؟ … بقلم: حامد حجر ـ بيروت
4 February, 2009
hajerstone@hotmail.com
عندما كتبَ الجنرال النمساوي "فون كلاوزفتز" في كتابه الشهير " في الحرب" ليُعرّف أن الحرب هي إستمرار للسياسة ، لكن بوسائل عنيفة ، هذا الفهم الإستراتيجي تعاطت معها حركة العدل والمساواة مستجيباً لتحدي الجنرال البشير حينما قال بانه سوف لن يفاوض او يتعاطي مع أي مواطن سوداني لديه قائمة مطلبية عادلة ، إلا بعد أن يجربه في ساحات الوغي .
فأستجابت حركة العدل وامتشقت الحُسام ونازلت مليشيات الجنرال الذي بدأ بالصراخ ، وهذا معلومٌ من الأحداث بالضرورة ، لكن ، يأتي إستغراب المراقبين لمجري المعارك في كل من المهاجرية وتخُوم الفاشر "أبوزكريا" وبل حتي عملية الزراع الطويل في الخرطوم في شهر مايو من السنة المنقضية ، يلاحظ المراقبون بان قيادات قوات الجنرال البشير لا يقرأون كتب التأريخ العسكري لإستلهام العِبَر ، هذه الكتب التي التي هي تجربة بشرية ، كُتِبتَ بالدم والعَرَق كنتاج لمعارك الحربين العالميتين الأولي والثانية ، وبالتالي إذا كان الجنرال البشير يقرأ ، المارشال هانز جودريان في كتابه "احذر الدبابات" Achtung Panzer واصفا ً الحرب العصرية : إنها الأعمال العسكرية الخاطفة ، التي تشلُ أعصاب العدو ؛ أما الخبير الإستراتيجي سير ليدل هارت فيكتب في مؤلفه الهام "الإستراتيجية – نظرية ُ ومنهج ُ الاقتراب المباشر" ، ما يلي : إن الوحدات العسكرية خفيفة الحركة مطارق ُ، وأفضل المطارق ما ينزل على الرأس ، لأنها تهشم أدمغة قيادات الجيوش ، وُعقد مواصلاتها .
لو أن الجنرال البشير يقرأ تعبية القوات الخاصة والقتال في أرض الأنصار ، فأنه سيفهم إستحالة كسبه للحرب في دارفور ، فحروب الغوريلا السريعة والمرنة لا تستطيع الجيوش الشبه نظامية مجاراتها ، لسبب واحد ، بيروقراطية السياقات العسكرية والأوامر السلحفائية عند منضدة الرمل وغرفة العمليات المظلمة ، في المقابل حرية القرار والتنفيذ لمناضلي الهامش ومقاتليها ، اللذين يعملون في أرض يعرفونها جيداً ويحاطون ببيئة بشرية غير معادية .
هذا ما تفعله قيادة حركة العـَدل والمساواة علي المستوي الأستراتيجي ، بمعني الوصول إلي أهدافها بتقويض النظام عبر الطرَق علي الرؤوس الخاوية وإحداث الخلخلة بتراكم الهزائم ومع الأيام ، بتضافر عوامل أخطاء النظام ومنها المحكمة الدولية التي هي بمثابة ، " سَهر الجداد ولا نومو" ، وتنتزع المَسُوغ الإخلاقي للرئيس البشير الذي قتل شعبه بدمٍ باردٍ ، وأخطاء تكتيكية عسكرية لمليشيات الجنرال البشير بفعلَ الحرب الشعبية التي تتبناها حركة العـَدل بوعي ومثابرة وتجول طول البلاد وعرضها نتيجة لإستخدام الحركة بكفاءة لمبادي الحرب الإساسية الأولي وهي المباداة والإستخبارات والسرعة ، في معارك حبل مون ، بير مزة ، وكاري ياري .
أما في عملية الزراع الطويل فحدث ولا حرج ، قوات حركة العدل تستخدم الأرض ذات الاهمية التعبوية كالنياسم والمقتربات بين ولايتي دارفور وكردفان وتزحف بوسائل قراءة طوبوغرافية بسيطة ، وتحتفظ بعنصر المبادرة للتخلص من إستخبارات العدو " نائم حد الشخير" ، بمبدأ السرعة في طي الأرض مجدداً ، نحو الشرق بإتجاه العاصمة الخرطوم ، وبمباشرة مبدأ الحرب "إقتصاد الجهد" تفاجئُ مطار وادي سيدنا وتحرق الطائرات في المرابض السته المقابلة لقرية الجيلي ، عند الضفة الأخري للنيل العظيم ، في الوقت ذاته الذي كانت فيها تتم إقتحام الفتاشة بلواء النفيضة " الفوج الرابع" هادي الركب إلي بقعة الخليفة المهدوي عبدالله التعايشي والفقيه السُحيني القِمراوي جَدَ كل الغرابة ورمزا كرامتهم .
لأحظ المراقبون بأن القيادة العسكرية لحركة العدل والمساواة السودانية لم تهمل الدروس العسكرية والسياسية الواردة في تضاعيفه ، وأهمها : تعيين القوى العسكرية القادرة على مجابهة جيوش العدو، فيما يعرف بتوازن القوى ، جنبا ً إلي جنب الاطمئنان إلى وجود قيادة سياسية واعية تعرف كيف تجهز للحرب ميزانيتها الخاصة ، وترتب لها التحالفات من قوي الهامش ، وتمفصل داخل أرض المعارك المتوقعة الخطوط اللوجستية الضرورية ، وتؤّمن لمقاتليها مواقع الإمداد والتموين ، فتكون في أمدرمان حينما يعتقد الرئيس عمر البشير بأنها في واحة "باهاي" وتكون في المهاجرية عندما يعتقد إستخبارات النظام بأن قوات حركة العدل في "أم جرسَ" داخل الأراضي التشادية ، حسبَ زعَم البروباغانده ، أي تخبط وأية ضعف من الدولة الرسالية التي تفشل في السياسة والحرب علي حدٍ سواءَ ، لأنها وببساطة لا تعرف.
لو أن الجنرال البشير يقرأ نصيحة ليدل هارت عن مغزي الحروب الخاطفة ، لتفادي حرب كل المهمشين في دارفور علي الإقل ، أما الأسوأ فيتمثل في أننا بتنا على ثقة أنه تم إغفال نصيحة المارشال جودريان الذهبية القائلة : عليك بالأعمال العسكرية الخاطفة التي تشل أعصاب العدو وراء خطوط المواجهة ، لأن الجنرال البشير لا يكترث للتأريخ العسكري الذي دَرَسه وهو "حالق صَلعة" في الكلية الحربية ومصنع الأبطال ، بل يبدو بانه كان ضيف شرف كسُول في كلية القادة والأركان ، حينما أجتهد معلميه ليلقنونه دروس إنزال "نورماندي" في الحرب العالمية الثانية ، فلم يتحسب لحركة العَـدل والمساواة وراء الأكمة ، أبن بيئة الملثمين ، التي لديها من المرونة السياسية والعسكرية لتحني راسها للعواصف ، لكن من غير أن تستسلم لعواصفها ، فعبقرية العـَدل والمساواة تثبت أن السياسة "يمكن" أن تؤسس على الثراء المعرفي والزخم الثقافي.
مؤخراً سألت المناضل "أبو الليل" ، أمين قطاع الرهيد والفرسان ، لحركة العدل والمساواة السودانية عن ما يفعله الدكتور خليل ابراهيم بعد معركتي المهاجرية والفاشر ، فأجاب سَليلُ البني هلبة : والله الدكتور بيقرأ في كتاب عن تجربة الحرب الشعبية لـ"جياب" الفيتنامي ، وكيف انه سيقارب الفكرة ، بوضع موارد حركة العدل البشرية خاصةً ، في خدمة الهدف الأسمي ، حرب كل الهامش علي المركز ، لتحقيق العـَدل والمساواة لكل السودانيين بلا تمييز.
يا فخامة رئيسنا عمر البشير ، بالطبع لا يلزمكم أحد بقراءة كلاوزفيتز، أو جودريان، أو ليدل هارت ، بل ولا حتى مكيافيللي ، لأنكم ، طبعاً ، لا تحبون القراءة ، فهل لهذا السبب أيضا ً تخفون هزائمكم في الميدان وتتركون جثامين قتلاكم علي أرض المعركة في المهاجرية؟ وهل فهَمتم الغاية من طلب السيد الامين العام للأمم المتحدة "كي مون" حين طلب منكم ضبط النفس ، وبالتالي أعتبرمحاولات "فرملة" المحكمة الدولية هي خارج صلاحيات مجلس الأمن ، وإن حدد إطارها البند السابع من ميثاق المجلس ، وبذا لم تكد القمة الإفريقية هو المكانٌ المناسب للرد علي تساؤلات السيد أوكامبو.
3/2/2009