إيران … هل يُنتخَب محمد خاتمي رئيسا من جديد..؟ … بقلم: عز العرب حمد النيل

 


 

 

 

izzanaizzana@yahoo.com

 

 

مبعث الاهتمام بدراسة ايران يعود إلي كونها تمثل حضارة إسلامية موازية للحضارات العربية الإسلامية وتنتمي معها إلي فضاء جامع واحد لذلك كان الاهتمام العربي والعالمي بالشأن الإيراني دائما قويا يفرضه موقع إيران الجيوسياسي والجيوإستراتيجي , ويفرضه دور إيران في المنطقة في الفترة الحالية كما في الفترات السابقة. ما يجعل دائرة الاهتمام هذه تتسع تلك القوة التي اكتسبتها في المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومولد جمهورياته السبع القابلة للزيادة في ظل تنامي المطالبة بالاستقلال التي اجتاحت المنطقة , كما أن العراق القديم أصيب بالخور والضعف بعد هزيمته في حرب الخليج الثانية – هذا الضعف الذي امتد ليشمل دول الخليج والعرب جميعا , ثم أتت كارثة الاجتياح لتجعل من العراق مشروعا لدولة جديدة تسعي إيران للعب دور في صياغتها من جديد.ومثلما جذبت إيران الأنظار في عام 1979 باندلاع الثورة الإيرانية التي قادها الإمام الخميني وشاركت فيها جميع الأحزاب السياسية والتنظيمات الاجتماعية فقد تجدد ذلك في عام 1997 بعد فوز محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية والتي مثلت نقلة  نوعية في تاريخ إيران المعاصر حيث تبنّي خاتمي خطابا سياسيا جديدا يناقض ما تبناه الخميني وخلفه خامنئي ورفسنجاني فقد كانت دعائم هذا الخطاب تقوم علي الحوار مع الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها دولة ذات حضارة جديرة بأن يخلق معها حوار متكافئ وفعال  مقابل النظر إليها علي أنها الشيطان الأكبر .كما تبني الخطاب الخاتمي علي المستوي الداخلي نظرة جديدة للنشاط الثقافي تقوم علي الاهتمام بالحركة الأدبية والفنية مهّد إليها في الفترة 1985- 1990 حين شغل منصب  وزير الثقافة والإرشاد ؛ بالإضافة لتطوير موقع المرأة في المجتمع الإيراني حيث شهدت إيران لأول مرة في تاريخها بأن شغلت المرأة منصب نائب الرئيس .كل هذه التطورات في الخطاب السياسي في هذه الفترة" 1997 – 2005" كانت داخل جسد الثورة وفِنائها الذي تحكمه نظرية " ولاية الفقيه" التي أبتدعها الإمام الخميني ولكن هذا الخطاب واجه تحدياتٍ أربعة :أولا : التوفيق بين الأطراف السياسية التي يمثلها الإصلاحيون – أنصار خاتمي .ثانيا : تحسين الوضع الاقتصادي .ثالثا : العمل علي مواجهة ضغط المحافظين .رابعا : تحقيق إصلاحات سياسية حقيقية يستطيع الرأي العام تلمسها بوضوح خلال فترة ولايته.وكان خاتمي يتبني منهجا يقوم علي  " الصبر الجميل " وليس علي " سياسة دفع الأذي بالقوة " سعيا وراء إنجاح برنامجه الإصلاحي ولكن هذا الخطاب مُني بالهزيمة في نهاية المطاف بسبب عدم قدرته علي الصمود في وجه التحديات التي أشرنا إليها سابقا إضافة لتحديات أخري وأبرزها التحدي الداخلي " معسكر الإصلاحيين " الذي كان يمثل عقبة في حد ذاته بالنسبة لخاتمي حيث لم تتحول رؤاه وأفكاره لتصبح عقلا عاما في التيار الإصلاحي فقد كان خاتمي سابقا لأنصاره بكثير لدرجة يمكن أن نقرر فيها أنه لا يوجد في التراتبية الهيكلية من يليه أويخلفه . وكان هناك تحدي من نوع آخر يتمثل في الشباب وطلاب الجامعات والنساء الذين كانوا ينتظرون من خاتمي أن يكسر أغلال الصبر الجميل ويعمل علي تمديد مؤيديه علي المستوي الرأسي لمؤسسات الدولة سعيا للخروج من حصار المحافظين  بانتهاج منهج ثوري في التغيير يحدث تحولا باتخاذ مسارات جديدة في مسيرة الثورة .ودائما تقف صخرة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد سببا في عدم إنجاح الخطط والبرامج السياسية وهو ما لايزال يواجه الرئيس الحالي احمدي نجاد وحكومته .أحدث خاتمي المفاجأة الثانية في تاريخه السياسي مطلع هذا الأسبوع حين أعلن نيته للترشيح في الانتخابات الرئاسية  في يونيو المقبل مبررا ذلك بضرورة " التصدي بالمسؤولية الكاملة " للتحديات التي تواجهها إيران.ومن الواضح أن خاتمي لم يكن يزمع الإقدام علي هذه الخطوة إلا بعد خلو الساحة الإصلاحية ممن يُبدون الرغبة في الترشيح علي الرغم من أنه أشار في بعض التصريحات المنسوبة إليه أنه لا يحجر علي أحد من التيار الإصلاحي أن يرشح نفسه مما يعني أن هناك احتمال أن يتقدم أكثر من مرشح من الإصلاحيين حيث لا تخلو القائمة من الأسماء من ذوي القدرات والتاريخ السياسي الذي يؤهِل للترشيح فهناك حسين الموسوي والشيخ مهدي كروبي إلا أن خاتمي يتمتع بكاريزما أكبر اكتسبها في فترتي رئاسته السابقتين لنجاد ومن حضوره السياسي الذي غلب عليه الجانب الفكري والفلسفي في المنابر الداخلية والخارجية . وربما يكون خاتمي يرنو لتحقيق طموحات طالما عمل من أجل تحقيقها تجاه العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية التي يري أنه لابد من الاستفادة من منجزاتها وتجاربها الحضارية وأن يقام الحوار معها و بمقدار ما تكون دعائم ومحركات إحدي الحضارتين " الغربية وغير الغربية " أقرب إلي حضارة إيران بمقدار ما يسهل الحوار حيث يقول " وإننا لندرك من خلال ثورتنا مرحلة جديدة من مراحل بناء الحضارات وإنا لنُحِسّ أن ما نسعي إليه هو نفسه ما سعي إليه بناة ومؤسسو الحضارة الأمريكية قبل أربعة قرون " وفي ذلك إشارة قوية لرابطٍ فكري يربط الحضارتين . ويقرن خاتمي عند الحديث عن الاستقلالية بين نضالات الأمة الأمريكية من أجل الاستقلال وتضحياتهم في سبيل ذلك وبين تراث الشعب الإيراني النضالي في القرنين الماضيين .مبعث هذا الرنوّ وصول باراك أوباما للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية بوصفه أول رئيس أسود في البيت الأبيض جعل من مفردة  " التغيير " شعارا لحملته الانتخابية خاصة في العلاقات الخارجية دون التخلي عن ما يسمونه في السياسة الأمريكية بالإرهاب ويرون في إيران داعما له عبر عدم تخليها عن الدخول في النادي النووي وانتهاجها لما يضعها في خط المواجهة مع الغرب بشكل عام علي الرغم من تصريح أحمدي نجاد يوم الثلاثاء الماضي 10 فبراير بأنه يرغب في حوار مع الولايات المتحدة أساسه الاحترام المتبادل بين البلدين مما يمثل مرونة في الموقف الإيراني " النجادي " ولكنه جاء عقب إعلان خاتمي نيته في الترشح وفي ذلك إشارة إلي أن نجاد بدأ بالفعل في طرح برنامجه الانتخابي ليسد الطريق في وجه خاتمي بهذا الخطاب السياسي الناعم.يُقدِم خاتمي علي خطوة الترشح وأمامه تحدي الانتقال بخطوات أكثر جرأة في هذا الملف وهو مُحاصَر ببُعد جديد لم يكن حيّا في فترة حكمه يتمثل في صفحة الملف النووي, فكيف ينجح خاتمي في تحقيق الطموح الإيراني بعدم التفريط  فيما يري فيه الشعب  مصدرا لقوة بلاده بابتداع أداة تعود بالعلاقة مع أمريكا من مسار المواجهة إلي الحوار ؟وينتصب دائما سؤال : ماذا في الجراب الاقتصادي من خطط وبرامج تحقق النمو وتبني مجتمع الرفاهية والكفاية والعدالة الاجتماعية فإنه ليس مع الفقر فضيلة وهل  بالفضيلة وحدها تدوم النظم السياسية !  

 

آراء