الشريكان . . . و التحول الديمقراطي
علاء الدين محمود
11 April, 2009
11 April, 2009
الخرطوم : علاء الدين محمود
يبدو واضحا ان الصراع من اجل الحرية والديمقراطية ظل هو المعركة الرئيسية لجماهير الشعب السوداني التي خرجت الى الشارع مرتين لتقود اكبر انتفاضتين شهدتهما القارة الافريقية في اكتوبر1967م وفي ابريل 1985م ضد الانظمة الدكتاتورية ،عبود ونميري، من اجل الحرية وانجاز التحول الديمقراطي ومن هنا كانت حقا مسيرة الشعب السوداني في نضاله ضد السلطات الشمولية التي تعاقبت بعد الانقلاب على اول نظام ديمقراطي في اعقاب خروج المستعمر هي مسيرة الصراع لاجل الحرية والديمقراطية لكن فيما يبدو ان شريكي اتفاق نيفاشا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لم يستوعبا دروس التاريخ تلك جيدا خاصة الشريك الاكبر في حكومة الوحدة الوطنية المؤتمر الوطني ويبدو ذلك جليا من خلال التعامل مع بنود اتفاق نيفاشا للمصالحة الوطنية خاصة في مسار القوانيين المقيدة للحريات وضرورة مؤامتها مع الدستور الانتقالي فالملاحظ ان القوانين التي اجازها المجلس الوطني ( الجهة التشريعية بحسب اتفاق نيفاشا ) لم تلبي نداء الدستور الانتقالي لها بأن تتؤام معه بل ظلت هي نفسها القوانيين السائدة والسارية والتي لايبدو انها ستحقق مطامح التحول الديمقراطي رغم انف الدستور الانتقالي ومثالا لتلك القوانين التي اجيزت قانون العمل الطوعى و الشرطة و القوات المسلحة و الاحزاب و قانون الانتخابات والملاحظ ان تلك القوانين اجيزت باتفاق الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والان امام منضدة المجلس الوطني مشروع قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009م الذي اجيز من قبل مجلس الوزراء باتفاق كامل من قبل الشريكين وهو القانون الذي يرى فيه المجتمع الصحافي انه قد جاء مشابها تماما لقانون الصحافة السابق السائد 2004م بل يرى بعض الصحافيين من خلال ندوات تقييمية لمشروع القانون انه قد نقل اسواء مافي قانون 2004م وجاء من وراء الصحافيين رغم الورش العديدة التي عقدها وشارك فيها الصحافيون وفي هذا الاتجاه يقول فيصل محمد صالح الصحافي المعروف أن كل ذلك الجهد راح شمار في مرقة، وان مشروع القانون الذي اتفق عليه الشريكان قد خرج من مكان مجهول لم يزر الجهود السابقة ولم يحتك بالنقاشات المطولة التي دارت ولا وضع في اعتباره أطنان الكلام والحبر الذي دار. ويمضي صالح بالقول ان الشريكين قد طرحا قانونا للتحول الديمقراطي في مجال الصحافة لم يستشار فيه أهل الوجعة، ولم يسمعوا عنه أو يقرأوه إلا بعد إجازته من مجلس الوزراء ، ولم يطرح لأي مستوى من النقاش العام، ويضيف صالح بالقول ان هذا القانون لو مربصورته الحالية فستكون مأساة . ويقدم فيصل محمد صالح انتقادا لما يراه عد ارتفاع الى مستوى مرحلة التحول الديمقراطي يتمظهر في التعامل مع القوانيين المقيدة للحريات ويوضح ذلك بالقول عندما نقول إننا في مرحلة تحول ديمقراطي فهذا يعني بالضرورة أن سلوكنا وتعاملنا وقوانيننا ومؤسساتنا يجب ألا تكون مثل السابق، وأنها لا بد أن تتغير . وقوانين التحول الديمقراطي لا يمكن أن تتم بصورة وصيغة غير ديمقراطية، وإلا فإنها ستكون أي شئ إلا قوانين للتحول الديمقراطي. ويرى صالح ان هذا يعني أنها لا بد أن تتم بمراحل تشبه الاسم الذي تحمله، من توسيع قاعدة التشاور، وإشراك كل المهتمين والخبراء في وضعها وصياغتها ثم طرحها للمناقشة في الصحف والمنابر العامة . ولعل ما خصصه فيصل محمد صالح هنا عن مشروع قانون الصحافة لعام 2009م ينطبق على كافة القوانيين التي اجيزت والتي في طريقها الى الاجازة ولعل صالح فيما سبق يضع يده على مسألة في غاية الاهمية وهي ان العقلية نفسها لم تتغير بل ويذهب فيصل مباشرة الى ان مجيئ مشروع قانون الصحافة بهذه الصورة يؤكد تماما ان جميع القوانيين قيد الاجازة ستجيء على ذات الشاكلة . وبالتالي فان المسالة تتجاوز قانون الصحافة الى الموقف من التحول الديمقراطي وذلك من خلال الموقف من جميع القوانين المقيدة للحريات وفي بيان لحزب البعث السوداني حول تأجيل الانتخابات يرى البيان ان التاجيل جاء متوقعا ل أولا: لان الشريكين في حكومة الوحدة الوطنية لا يرغبان في إجرائها بحكم احتمال تأثيرها في تقسيم السلطة الحالي حسب اتفاقية السلام الشامل. وثانيا: لان الشريكين لا يرغبان في إحداث تحول ديمقراطي كامل، رغم انه يشكل أهم واجبات حكومة الوحدة الوطنية ومتطلبات الفترة الانتقالية الجارية، وأكبر دليل على ذلك عدم تعديل وتغيير القوانين المتعارضة مع الدستور والاتفاقية، رغم مرور أكثر من أربعين شهرا على حكومة الوحدة الوطنية واقتراب الموعد المحدّد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة . ويبدو ان في الوقت الذي يرى فيه الجميع إحداث عملية التحول الديمقراطي مخرجا حقيقيا للحالة السودانية من الأزمة الراهنة بل الازمات الراهنة فان الشريكين ربما يرى فيها خصما على مكتسباتهما وربما من هنا يخوضان عملية التحول الديمقراطية وتنفيذ بنود نيفاشا عبر المساومات والاتفاقات التي تمرر تحت طاولة الاتفاق لتبرز بالتالي الانتقاية في تنفيذ بنود الاتفاق وفي هذه النقطة يرى محمد علي جادين الكاتب المعروف ان الشريكين فيما يبدو يعملان على اعتقال عملية التحول الديمقراطي وحصرها في نموذج يضمن سيطرتهما على البلاد حتى نهاية الفترة الانتقالية وانتظار ما يسفر عنه استفتاء تقرير مصير الجنوب وفي اعتقاد جادين فان مثل هذا التوجه يتناقض مع الاتفاقية نفسها التي تدعو إلى التحول الديمقراطي وبرنامج الاجماع الوطني والمصالحة الوطنية وتوسيع المشاركة وغيرها، ولكنه بالتأكيد يتناسب مع ثنائيتها وعدم شمولها ومع توجهات الشريكين لاستمرار سيطرتهما على البلاد حتى الانتخابات القادمة ونهاية الفترة الانتقالية ويرى جادين في هذه العملية استخفافا كبيرا بأهمية التحول الديمقراطي . وعلى ذات الطريق يسير مبارك الفاضل رئيس حزب الامة الاصلاح والتجديد عندما يقول ان ما أنجز من التحول الديمقراطي إلى حد الآن لم يتعدّ الدستور وبعضاً من مظاهر الممارسة الديمقراطية المحدودة المحصورة في التعبير وتكوين الأحزاب والتنظيمات ولكن حتى هذا تكبله قيود كثيرة ويرى الفاضل كمخرج من هذه الحالة ان . الأمر يتطلب بالإضافة إلى الدستور الديمقراطي أن تكون هناك قوانين ديمقراطية بديلة للقوانين القائمة تتواءم مع الدستور، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة كافة المدنية والقضائية والعدلية والأمنية والاقتصادية والعسكرية على أسس تكفل لها الحياد وتفصل بينها وبين حزب المؤتمر الوطني . في حين يرى مختار الاصم استاذ العلوم السياسية ان الشريكين لا يخفيان كون إن التحول الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة لم يكونا من ضمن أولوياتهما في ماشاكوس ونيفاشا. فقد أوليا مسألة انتهاء الصراع العسكري وقسمتي السلطة والثروة جل اهتمامها. إلا أن المراقبين الدوليين حثوهما على تضمين مسألة ديمقراطية النظام والانتخابات والتبادل السلمي للسلطة في صلب الاتفاقية. وبالرغم من الالتزام الكامل من قبل جميع القوى السياسية بالدستور الانتقالي فان الدستور مازال مغلولا بفعل القوانين السائدة المقيدة للحريات والتي في انتظار تغييرها بحيث تتوأم مع الدستور وعلى راسها قانون الامن والصحافة والاحزاب او ما عرفت بقوانين التحول الديمقراطي ولكن فيما يبدو ان حكومة الشريكين تقوم كسولة الى هذا الحق لاسباب متعلقة بهما وبتكوينهما وفي هذا الاتجاه يرى بيتر ادوك نيابا ان مفهوم التحول الديمقراطي للكيان السياسي السوداني مجال يتشاطره الشريكان مع بقية القوى السياسية. فكلا الشريكين متعسكر لدرجة كبيرة، وكلاهما استخدم ميزاته العسكرية لفرض مواقفه علي المسرح السياسي، ولتكريس وجودهما حتى وان اختلفنا في الدرجة. غير أن الحركة الشعبية لتحرير السودان _ في تقدير نيابا _ هي وعلى العكس من المؤتمر الوطني، جبهة مشكلة من العديد من الافكار والتوجهات. لهذا فإن التحول الديمقراطي يبدا بالضرورة من التحول الذاتي للشريكين بحيث يكونا قادرين علي تقبل وجهات نظر مختلفة وممارسات سياسية أخرى في نظام سياسي تعددي.بغير ذلك سيكون من الصعب أن نتصور أي تحول نحو الديمقراطية في البلاد . .