ماذا يحدث في السودان؟ … بقلم: مؤيد شريف

 


 

مؤيد شريف
19 June, 2009

 

moyed-sharif.blogspot.com

  

أسمح لنفسي أن أستعير (الصرخة) التي أطلقها د. رفعت السعيد في مصر والقائلة : ماذا يحدث في مصر ؟ ومصر كلها تبدو منشغلة ومنكبة هذه الايام بمفكريها وكتابها وصولا لمرتادي القهاوي والأزقة الضيقة في محاولة للبحث عن أجوبة لهذه الصرخة والتي تعكس أزمات مزمنة ومتنوعة تحدث هناك وعلي كل المستويات بدءا من التقاتل في صفوف الخبز وليس إنتهاء بالزيادات الجنونية التي لاحقت أسعار السلع الاستهلاكية الخاصة بالبسطاء ومحدودي أو معدومي الدخل .

  

الصرخة المستعارة "ماذا يحدث في السودان؟" لا أتوقع أن تثير ما أثارته صرخة د. رفعت السعيد من نقاش وتحاور داخلي في مصر ، علي الرغم من أن التأزم السوداني لا يقارن وحالة التأزم المصرية من حيث ضخامة المهددات الماثلة في الحالة السودانية ، بسبب أن كتابنا وصحافيونا الكبار وصناع الراي العام منشغلون بثنائياتهم الشخصية وتصفيات حسابات خاصة لا ناقة للوطن فيها ولا جمل ، وهؤلاء هم في حال أفضل من حبيسي الايدولوجيا والمشاريع الطائفية !! .

  

وماذا يحدث في السودان ؟ سؤال "ضخم" لا أدعي امتلاكي لاجابات قاطعة عليه خاصة في أوضاع سياسية ، اقتصادية واجتماعية متشابكة وغاية في الغموض والتعتيم كما هو الحال اليوم. وقد يكون الكثيرون ممن يعتبرون انفسهم صناعا للقرار غير مدركين في حقيقة الأمر للمآلات أو النهايات التي يمكن ان تصير اليها الامور والاوضاع في السودان بتكاثف وتكاثر وتشعب التحديات وخروج كثير من أوراق اللعبة السياسية من أيدي الفاعلين المحليين وازدياد الوجود والادوار الخارجية.

  

وفي رأي فان الازميل الاساس الذي غرس وحشر في جسد "الدولة السودانية" المتهالك في الاساس تمثل في فرض صيغة تعميلة صراع الهويات ، وأُصر علي تكرار تسميتها بـ " تعميلة" وليست عملية صراع الهويات " كما سبق وفصلت في مقال سابق" ، وقناعتي أن الصراع "الهويوي" في السودان مصنوع ومعمول ، وكل شيء يوظف الان لترسيخه وفرضه ابتداءً من التاريخ باحداثه وتلبيساتها وتزيفاتها واسقاطاتها (والتعميلة أعني) مرورا بابعاد الدين والعرق والقبيلة واللغة والثقافة والسلطة والثروة والسياسة والتجارة والمال والوظائف و..و.. ،، كل شيء يبدو اليوم في خدمة مشروع تعميلة صراع الهويات الخطر في السودان والذي لا يماثله ولا يضاهيه خطر آخر علي وجود ومستقبل السودان كشعوب وكوطن .

  

الضائقة الاقتصادية التي تعيشها المجتمعات السودانية بكلياتها حتى بعد إقرار التسويات الخاصة بالثروة وما قيل عن توزيع عادل للثروة وتدفق أموال النفط لا تبدو متناسبة وحالة التحسن العام في أداء الاقتصاد وتضاعف الدخل القومي عدة مرات بسبب ايرادات النفط ، الا اذا علمنا باستمرار حالة انعدام الثقة بين الأطراف السياسية "المتواثقة" والذي يعكسه ازدياد الصرف علي النواحي العسكرية والأمنية وتضاعف الصرف علي التسلح والتجنيد ما أثر بالسلب علي حركة التنمية الاقتصادية . والعامل الاقتصادي يظل عاملا مؤثرا في الاختيارات السياسية القادمة شمالا وجنوبا ؛ فالبسطاء علي أي جانب كانوا لا تهمهم بنودا ملتزم بها أو مخروقة وكل همهم ينحصر في لقمة العيش والعيش الكريم . والعيش الكريم أو تحسن اداء الاقتصاد كان بالامكان أن نجعل منه واقعا يحسه ويعيشه البسطاء في واقعهم الخانق لو أن أطراف النزاع السياسي التزموا بما "تواثقوا" عليه من ضبط الصرف العسكري في حدوده الدنيا والعمل علي تسريح واعادة دمج القوات في مجتمعاتها المدنية بدلا من العمل علي زيادة القوات حجما وعتادا ما انعكس بالضرورة سلبا علي من ينتظرون الخلاص من الفقر والفاقة والحرمان في كل شبر في السودان الكبير .

  

بعد أن اشتبشر الكثيرون باقرار التسوية وتوقف الحرب بموجبها وما صاحب العملية من زخم اقليمي ودولي استيقظنا جميعا ، مستبشرون وغيرهم ، من أحلام الاستقرار والتنمية والرفاه التي دغدغت أخيلتنا طويلا علي اثر تفجر الصراع والمآسي في دارفور ، وما حدث ويحدث في دارفور بين ابناء الوطن الواحد قد لا تكفيه ألف نيفاشا وتسوية! .

  

وعلي اثر تلاحق الكوارث والحروب وما خلفته من شقاق وتباعد علي واقع المجتمعات السودانية ، تظل مسألة أو قضية استعادة ثم تعميق اللحمة والتكامل والتماسك القومي والقائمة علي قواعد وحزم مبادئ يتواضع عليها الجميع هي الضمان الاساس لتحقيق الحلم باستقرار السودان ونمائه ؛ ما يستوجب تعاطيا جديدا ومختلفا مع القضايا المطروحة ومثار الخلافات من جميع الاطراف ، وأية محاولة للي عنق الواقع والهروب من الحلول التي تجمع ولا تفرق ستؤدي بالنتيجة الي المزيد من الانهيارات والتحلل في الدعائم التاريخية صاحبت الفضل في بقاء الدولة في حدها الادنى متماسكة علي الرغم من واقع التأزم والتفرق والتحارب .

 

والله المستعان.

 مؤيد شريف    

 

آراء