مثلث حمدي بين الواقع والخيال

 


 

سارة عيسى
2 October, 2009

 

 

نحن أمام  البرنامج الثلاثي للإنقاذ  للمرة الثانية ، هذا البرنامج قام على تخصيص القطاع العام ، و رفع الدعم عن السلع وتحرير قيمة الجنيه ، أربعة شخصيات بشرت بهذا البرنامج ، أولهم السيد/ عبد الرحيم حمدي ويعاونه في ذلك العقيد بحري صلاح الدين محمد أحمد كرار ، أما الإعلامي الذي برز في تلك الفترة وهو يركب موجه هذا المشروع هو المعلق الرياضي محمد عباس سعد ، في نشرة السادسة صباحاً يقوم السيد/عباس سعد  بنشر الإحصائيات والأرقام التي تدعم وجهة نظر السيد/حمدي ، الأرقام كانت مفبركة والمقارنات كانت بين السودان ودول أمريكا الجنوبية ، أما  المذيع محمد عبد الكريم عبد الله تربطه علاقات وطيدة مع العقيد كرار ، لذلك كان يستضيفه في نشرة الساعة الثالثة مساءً ، كان الشعب السوداني بين نار عبد الرحيم حمدي في ساعة "شراب الشاي " في بواكير الصباح  وبين نار صلاح الدين كرار في قيلولة النهار ، كان عبد الرحيم حمدي واثقاً من نفسه ، وكان يسترجع تجارب إقتصادية مرت بها بلدان مثل ليبيا والسلفادور وتشيلي ، والسيد/حمدي ليس مجرداً من الثقافة الإسلامية ، فعندما أصدر قرار إستبدال العملة أستعان بآية من القرآن الكريم وهي لا تُؤتوا السفهاء أموالكم ، أتهم كل أبناء الشعب السوداني بالسفه ، ولذلك ليس غريباً أن يتهمنا المستشار المعجزة بأننا كنا شحاذين ونتسول الخبز ، كان السيد/حمدي متعجرفاً ومغتراً برأيه لأبعد الحدود ، وهذا لا يمنع أن له جمهور محترم داخل الحزب الحاكم ، ولذلك أوكلوا إليه مهمة كتابة الورقة الإقتصادية لحزب المؤتمر الوطني ، هذه الورقة أكسبت السيد / حمدي المزيد من الشهرة ، فمثلث حمدي أصبح رديفاً لنظرية عالم الرياضيات فيثاغورث ، ذلك العالم دلل أن طول الضلعين المتجاورين تساوي ضعف طول الوتر ، وأتمنى أن لا أكون قد أخطأت في ذلك ، ولأهل الرياضيات العتبى حتى يرضون ، أما عبد الرحيم  حمدي فهو  يريد أن يتخلى عن أهم وترين في المثلث السوداني و هما الجنوب والغرب مقابل أن يحتفظ حزبه " بالوتر" ، كان السيد/حمدي يعتبر نفسه هبة كونية هبطت على أهل السودان من السماء ، وهذا مرض نفسي أصاب كل منظري المشروع الإسلامي للإنقاذ ، لذلك عندما تولى بروفيسور التيجاني حسن أمين رئاسة إحدى المحافظات النائية  في دارفور طلب من أهلها أن يشكروا الله بكرة وعشيا لأن محافظهم هذه المرة بيطوراً ويحمل شهادة دكتوراة في الصيدلة ، وحتى الرئيس البشير يعتبر نفسه أنه وهب العزة للسودانيين وحررهم من التبعية والإستعمار ، على الرغم أن مصر أنتزعت منه حلايب ، وقد غزته إسرائيل في داره عدة مرات ، وغشاهم خليل إبراهيم في الفجر الأبلج وهم نائمون ،فليس غريباً أن يرشحه حزب المؤتمر الوطني للولاية الجديدة ، الرئيس البشير يقول أن الله أبتلاه بأمر الرئاسة ، وأحسب أن الإبتلاء ورد في القرآن على غير هذه الشاكلة ، فقد أبتلى الله سيدنا أيوب بالعلل والأمراض وذهاب الأهل والمال ، وابتلى سيدنا يعقوب بفقدان البصر والأبناء ، ولا أعلم ماذا فقد الرئيس البشير حتى يكون قد تعرض للإبتلاء ، وأتمنى أن لا تطول مدة إبتلائه ،  فالشعب السوداني هو الذي أبتلاه الله بحكم الرئيس البشير ، حرب خسرنا في الجنوب ، وحرب في دارفور تجعله يحبس أنفاسه عند كل مرة يشد فيها رحال السفر .

رجال الإنقاذ يعتبرون أنفسهم أنهم خير أمة أُخرجت للناس  ،لذلك كان  الإتجاه الإسلامي في جامعة الخرطوم يكتب تحت صور مرشحيه : أنهم فتية أمنوا بربهم وزدناهم هدى ، كان من بين هؤلاء الفتية الأبرار الدكتور التيجاني المشرف ، وتعجبت كثيراً أنه دخل كندا بتأشيرة لجوء سياسي ، وأستغربت للظروف التي صاحبته وهو يخرج منها خائفاً وهو يترقب ، يا لبعد المسافات بين فتية الكفه وفتية الإتجاه الإسلامي ،الغرور دفع الرئيس البشير للقول أن أمريكا وبريطانيا تحت جزمته بينما واقع الحال غير ذلك ، فأمريكا تصادر أموال السودان المجمدة وتصرفها كتعويضات لأسر الجنود الأمريكيين الذين ماتوا في حادث تفجير المدمرة كول ، وزيارات غريشن تحظى بتغطيات الإعلام الحكومي  ، و الآن يجازف الرئيس البشير  برفع الرقابة القبلية عن الصحف ، هذا القرار لن يجد حيزه من التنفيذ ، فكل السلطات  في السودان ليست بيد الرئيس البشير ، هناك مراكز قوى ذات تكوين هرمي داخل حزب المؤتمر الوطني ، فلن يُسمح للصحف في الخرطوم بنشر غسيل الفساد ، ولن يُسمح لها بتناول قضية الأسير عبد المجيد صالح ، نهلة بشير ، وغيرهم من سجناء الرأي ، فالحريات هي باقة متكاملة ، منها حرية النشر الصحفي وحرية التعبير عن الرأي ، كل ما في الأمر أن الرئيس البشير يسوق نفسه كراعي للحريات في  الإنتخابات القادمة ، لكن دعوني أسأل نفسي  .. قبل عدة سنوات كان الرئيس البشير  يحلم بأن يكون أول من يُطلق عليه "الرئيس السابق "  ، لكن  يبدو أن هذا الحلم من أجل تحقيقه يحتاج إلى دعاء خنوع في  ليلة القدر .

    نعم ناصب حزب المؤتمر الوطني مؤتمر جوبا العداء ، والسبب في ذلك ً لأن المؤتمر عُقد في السودان ، فحزب المؤتمر الوطني يحبز أن تُعقد مؤتمرات الأزمة السودانية في القاهرة أو طرابلس ، وتنظيم هذا المؤتمر في جوبا يُعد مكسباً لسلام الداخل إذا صح التعبير ، وقد واجه حزب المؤتمر الوطني مؤتمر جوبا بآلته الإعلامية ، من منبر قناة الشروق التي يديرها فلسطيني بجواز سفر دبلوماسي سوداني بدأت الحرب ، كان من بين الغاضبين الكثر مضوي الترابي ، وهو نال حديثاً لقب محلل إستراتيجي ، وأظنه يتولى رئاسة مجلس الأمن القومي ، كنت اصف السادة ، مضوي الترابي ، خالد المبارك ، جلال الدقير ، السماني الوسيلة ، كنت أشبههم بفرقة البيتلز الغنائية التي أشتهرت في بريطانيا في منتصف القرن الماضي ، لأنهم عادوا للسودان من لندن وهدفهم لا يتعدى الحصول قضية تحقيق الذات وتوطير الأحلام في بلد أختلط فيه الحابل بالنابل ، بعد خمسين عاماً أكتشف جمهور البيتلز أن فرقتهم  المحبوبة كانت تخدعهم ، فالمراهقات اللائي كن يتهافتن على نجوم الفرقة ويظهرن حالات التشنج والإنهيار في الواقع كان يُدفع لهن لتمثيل هذا الدور ، فالبيتلز السودانية العائدة من لندن أيضاً يُدفع لها أيضاً لمهاجمة مؤتمر  جوبا والتقليل من نتائجه ، يقول عبد الله مسار أن المؤتمرين في جوبا هم من كبار السن ؟؟ يا ترى كم يبلغ عمركل من / عبد الله مسار ، إبراهيم أحمد عمر ، احمد عبد الرحمن ؟؟ وغيرهم من قادة الإنقاذ الذين أكل عليهم الدهر وبانت عليهم علامات  الشيخوخة من الإتكاء على العصا و حتى العرج في المشي ؟؟ ليس عيباً أن تمضي سنوات الزمن ونحن نقدم ونعطي ، وقد مضت السنوات برجال الإنقاذ وهم يقودون البلاد إلى الوراء ، أقل ما وصلنا إليه هو توريط السودان في ظاهرة الإرهاب ، وأقصى ما حققناه أنه يرأسنا شخص مطلوب للعدالة الدولية ولا يشد الرحال قبل تسليك سكة السفر ، لم نكن في حاجة لهذا العناء .

سارة عيسي

 

 

sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]

 

آراء