معضلة جنوب السودان .. ماذا نفعل ؟
15 February, 2010
د. أماني الطويل
Amany Altaweel [aaltaweel04@yahoo.co.uk]
الأنباء الواردة من جنوب السودان مع مطلع العام الجديد بالاقتتال القبلي وسقوط ضحايا يفوقون المائة وأربعين شخصا تعطى ملامح للمستقبل تبدو قاتمة في هذه البقعة من السودان في ضوء أمرين الأول أن أجمالي ضحايا الاقتتال في جنوب السودان خلال عام 2009 قد فاق الثلاث ألاف ونصف إنسان. الثاني أن جنوب السودان مقبل خلال أقل من عامين إن يكون دولة قائمة بذاتها منفصلة عن الشمال طبقا لاستفتاء تقرير المصير المقرر أجراءه عام 2011,فالمزاجين الجنوبي والشمالي معا لم يعدا يحتملا الجيرة في وطن واحد .
المهم هنا إن المعطيات الراهنة لاتؤشرالى أن هذا الانفصال قد يحقق استقرارا في الجنوب أو بين الدولتين الجارتين الشمالية والجنوبية في السودان وخطورة هذه المعطيات أنها من الممكن أن تخلف كارثة إنسانية ممتدة ربما تفوق ماجرى في دارفور , وتساهم في خلق نزاعات قبلية أخرى في الدول المحيطة بجنوب السودان وكلها أمور تهدد الاستقرار الهش الموجود حاليا في هذه الدول , وتفتح الباب أمام حالة من حالات الفوضى الشاملة في مناطق العمق الأستراتيجى المصري والسوداني الشمالي معا .
وهذه المعضلة تبدو أكبر من قدرات حكومة جنوب السودان الحالية وأن كابرت ومهدد أستراتيجى لها في حالة تحولها إلى دولة مستقلة وأن تورات وراء مقولة أن الشماليين وراء عدم الاستقرار الجنوبي
في ظني أن الانتباه لمعضلة الاقتتال القبلي في الجنوب ومحاولة تحجيمها أمر يتطلب معاينة هذه المشكلة في حدودها الواقعية من جانب جميع الأطراف وهذه الملامح الواقعية تتطلب من الحركة الشعبية بجنوب السودان وقائدها سلفا كير الاعتراف بأن هذا الاقتتال ليس صنيعة المؤتمر الوطني وحده ولكنه أيضا ناتج عن عدم قبول أن تحكم قبيلة الدينكا منفردة كل جنوب السودان وفى هذا وقائع عديدة ممتدة إلى اتفاقية سلام أديس بابا في سبعينات القرن الماضي هذا الاعتراف من جانب الحركة الشعبية يعنى السعي مبكرا لترتيبات سياسية داخلية تضمن تحجيم هذا الاقتتال و العمل على عدم أتساع ملامح هذا العنف .
ويتطلب ثانيا من قيادات الحركة الشعبية خلق أسقف وحدود للأستقواء بالغرب ضد شمال السودان فدروس التاريخ وخبرات المنطقة المشتعلة حولنا تعلم أن الجار المسالم أبقى وأنفع من الصديق البعيد خصوصا وإذا كان هذا الصديق غالبا مايكون براجماتنا تحركه مصالحه الخاصة ومنافعه أكثر ماتحركه المواقف المبدئية أو العوامل الإنسانية ولعل انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من عملية دعم الإصلاح الديمقراطي خير دليل على مانقول .
وفى المقابل على المؤتمر الوطني ألا يلعب بكرة النار في جنوب السودان ذلك أن فريق المؤتمر الساعي إلى إثبات عدم جدارة وانعدام كفاءة الجنوبيين في حكم أنفسهم عبر تغذية الصراع في مناطقهم في الأغلب سوف يحصد خسائر إستراتيجية على المدى المتوسط ذلك أن أثبات ضعف هذه الجدارة للمجتمع الدولي لم يعد دافعا له لتحجيم فرص الانفصال فكل التقارير الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة التي نتطلع عليها بالإضافة إلى تقديرات الموقف لدى مراكز التفكير الأمريكية تحمل حزب المؤتمر الوطني مسئولية الاقتتال القبلي في الجنوب وبالتالي يساهم هذا التقدير في اكتساب الجنوبيين للتعاطف الدولي و دعم فرص انفصال الجنوب وليس العكس خصوصا وأن أي التفاف على استفتاء تقرير المصير غير وارد في ضوء التمسك الدولي بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل نيفاشا الموقعة عام 2005.
يضاف إلى ذلك إن هذا التوجه بإثبات عدم الجدارة يدفع الجنوبيين إلى مضاعفة الاهتمام بالتسلح ورفع الكفاءة القتالية وهو أمر يغذى عوامل عدم الاستقرار بين الشمال والجنوب وجعل احتمالات السلام والاستقرار بين دولتي المستقبل شبه غائب ونظن أنه من حسن التقدير ألا يتم السعي إلى خلق عدو جنوبي مستقبلي شرس للشمال
أخيرا فأن غياب ملامح المدنية الحديثة والتنمية الاقتصادية في جنوب السودان تعد عاملا رئيسيا من عوامل عدم الاستقرار فهذا الإقليم يحتاج إلى تنمية لايبدو أن المجتمع الدولي متحمسا لها في ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية وهو أمر يلق على مصر أعباء أضافية تتمثل في تكثيف السعي عبر قدراتها ووزنها الأقليمى والدولي في جذب مشاريع التنمية إلى جنوب السودان خصوصا التعليمية منها التي تعد حجر الأساس في التنمية البشرية فإلى جانب جامعة الإسكندرية التي تعهدت مصر ببنائها كما بنت أول ثانوية في جنوب السودان عام 1947 هناك العشرات من الجامعات من الملح بنائها إلى جانب الألآف من المدارس بكافة أنواعها وهو أمر يفوق القدرات الاقتصادية لمصر أو أي دولة أخرى منفردة ولكنه في استطاعة المال النفطي العربي والمال الخيري الغربي الذي من المطلوب إن تسعى له مصر وتحفزه فالأول يمكن أن يكون جنوب السودان موطنا لاستثماراته المربحة والثاني يمكن أن يجنب العالم أزمة إنسانية جميعنا في غنى عنها .