الآثار الصحية الضارة لختان الإناث … بقلم: بابكر عباس الأمين

 


 

 

 abass_a2002@yahoo.com

 

خلفية:

 

يعود تاريخ ختان الإناث في العالم القديم إلي آلآف السنين قبل الميلاد حيث ثبت عدم وجود البظر في المومياوات الفرعونية. ولا تقتصر هذه العادة علي المسلمين فقط إنما توجد أيضاً لدي اليهود والمسيحيين ومعتنقي الديانات الأفريقية المحلية. في أفريقيا, تُمارس هذه العادة وسط قبيلة سادين في أوغندا وقبيلتي كيكويو والماساي في كينيا. أما معتنقي المسيحية الذين يمارسونها فهم الأرتريون والأثيوبييون. وقبل الإشارة إلي رأي علماء الدين الإسلامي عن الختان فإن وجودها قبل الإسلام, إضافة إلي وجودها لدي معتنقي الديانات الأخري يؤكد أنها من العادات وليس من الدين الإسلامي. 

 

جسد الإنسان من خلق الله وروحه قد نفخها فيه الله من روحه, حسب القرآن والإنجيل والتوراة. لذا فإن إلحاق الأذي بالجسد البشري جريمة كبري ومُحرمة في الإسلام. بل إن القرآن يمنع تغيير خلق الله والوشم حتي في الحيوان. يقول الله تعالي عن الشيطان والذي يتبعه في وشم الحيوان: "ولأضلنهم ولأُمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خُسراناً مبينا" (119) النساء. ولا يقبل العقل أن يمنع الله إلحاق الأذي بالحيوان ويقبله للمرأة في أهم أعضاء جسمها وأكثرها حساسية.

 

رأي بعض العلماء في الختان:

 

قال الشيخ سيد صادق وهو عالم مشهور ومؤلف كتاب (فقه السنة): "كل الأحاديث التي تتحدث عن ختان البنات ليست صحيحة." وفي نوفمبر 2006, عُقد مؤتمر بالقاهرة نظمته جماعات حقوقية بحضور علماء مسلمين من عدة دول, ضمنهم الشيخ محمد طنطاوي, شيخ الأزهر, وفضيلة المفتي علي جمعة. جاء في البيان الختامي لهذا المؤتمر: "حسب تعاليم الإسلام التي تمنع إلحاق الأذي بالجسد البشري, يناشد المؤتمر كل المسلمين لوقف هذه العادة." وناشد المؤتمر الجهاز القضائي بسن قوانين تجرِّم الختان الذي لا ليس له مرجع في القرآن أو السنة. 

 

يجدر بالذكر أن قطع جزء من البظر يؤدي إلي تقليل المتعة الجنسية. أما في حالة إجتثاثه كله, مع أجزاء أخري من الفرج, فإن المرأة لا تستمتع بالجنس لأن خلايا وأنسجة البظر قد خُلقت كمركز من مراكز اللذة ولم تُوجد عبثاً. وفي هذه الحالة, فإن المرأة تمارس الجنس كأداء واجب وإرضاء للزوج فقط, وهذا يجردها إلي آلة جنسية للرجل ولحمل الجنين فقط. وهناك رأي سخيف لدي بعض الجهال يقول أن ترك البظر كما هو يؤدي إلي زيادة الشهوة الجنسية للمرأة. كما يربط البعض الختان بالطهارة والعفة بيد أن هذا يجافي الواقع. فقد ذكر أحمد علوية, وهو مهتم بحقوق المرأة في مصر, أن دراسة مركز الدراسات الإجتماعية لعام 2007, أثبتت أنه ليس هنالك علاقة بين الختان وسلوك المرأة, لأنه ثبت أن 85 في المئة من العاهرات قد تم ختانهن.

 

الآثار الصحية السيئة للختان:

 

الخطورة الأكبر في الختان أنه يُمارس في العديد من المناطق دون تخدير, كما أنه غالباً ما يقوم بعمليته أناس ليسو أطباء أو لهم علاقة بمجال الطب. كثيراً ما يحدث إلتهاب الجرح لعدم التعقيم العلمي للأدوات المستخدمة. وعندما يتم القطع بعمق يصعب إيقاف النزيف. وخلال الأيام التي تعقب العملية, تعاني البنت من صعوبة التبول نتيجة الورم والخوف من الألم وضيق مجري البول. وفي بعض الحالات فإن الخلايا المجروحة تعوق خروج دم الدورة الشهرية بعد بلوغ البنت. وجاء في دراسة درار الليثي أن بنت عمرها 16 سنة إنقطعت دورتها مع إنتفاخ الرحم فظنت أمها أنها حامل. ثم إكتشف الطبيب السبب هو أن فتحتها كانت صغيرة بحيث لم تسمح بخروج دم الدورة مما أدي لذلك الورم. وفي حالات أخري تسبب الختان في أن تكون الدورة الشهرية مؤلمة جداً لأن إلتهابات حادة تصحبها.

 

وبعد الزواج فإن العملية الجنسية في الأيام الأولي تكون قاسية جداً علي البنت. وفي بعض الحالات المستعصية يضطر الزوج للإستعانة بقابلة للفتح. يؤدي ذلك لإلتهاب عضو المرأة التناسلي وأحياناً الحوض وقد يتسبب في العقم والإجهاض. كما أن آلام المخاض تكون حادة لدي البنت المختونة. وعند الولادة يؤدي الختان إلي ألم ومجهود أكبر عند نزول الجنين مما يتسبب في إرهاق وتوتر الأم والجنين. ولأن الخلايا غير مرنة تقوم القابلة عند الولادة بعملية فتح ثم الخياطة بعد خروج الطفل. وبما أن معدل الإنجاب مرتفع جداً في الدول التي يوجد فيها الختان, فإن عملية الفتح والخياطة تتم مرات عديدة, مما يؤدي إلي موت خلايا وأنسجة إن تُركت علي طبيعتها لها مرونة تساعد في الولادة. ويكفي أن نتخيل قماش نقطعه ونخيطه عدة مرات الشئ الذي يؤدي إلي فساده وتلفه. بل أن الحديد إن قطعناه ولحمناه مرات عديدة لفقد خصائصه ومكوناته.

 

وتُترك أحياناً فتحة واحدة صغيرة للبول والفرج. يؤدي ذلك أحياناً إلي إحتباس البول, وبالتالي يتسبب في ألم أو إلتهاب. وذلك له أضرار خاصة خلال الحمل. ولتفادي هذا الألم تلجأ بعض الحوامل لتقليل كمية الماء والسوائل لتقليل البول مما يؤثر سلباً علي صحتهن وصحة الجنين. ولا تقتصر الآثار السيئة للختان علي الجسدية فقط إنما له آثار نفسية أيضاً. أكدت د. سعاد موسي , عميد مدرسة علم النفس بجامعة الأحفاد السودانية أن الأذي النفسي للختان يتراوح مابين الشعور بالنقص, الدونية, الإكتئاب, والقلق والعدوانية.  

 

ترتفع نسبة الختان في دول حوض النيل والصومال وأرتريا. ووسط هذه الدول سُجلت أعلي نسبة في الصومال. فحسب دراسة أعدها مهدي ديري عام 1991, أن 100 في المئة من اللاتي أجري دراسته عليهن قد تعرضن للختان. ويُعتبر الختان في الصومال أسوأ من بقية الدول وأكثرها قسوة حيث يتم بتر البظر من جذوره مع الشِفاه الداخلية للفرج وخياطة شفرتي الفرج. وفي الصحراء والريف الصومالي فإن الختان يتم بوسائل بدائية وتمارسه نسوة ليس لهن علاقة بمهنة الطب مما يعني خطورة العملية. وبعد بتر هذه الأجزاء تتم الخياطة بالشوك.

 

أما في السودان, ففي دراسة أجريت وسط طالبات جامعة الخرطوم عام 2003, أجابت 56 في المئة منهن بأنهن قد تم ختانهن. وتُعتبر هذه نسبة عالية جداً لأن هذه الدراسة قد أُجريت وسط طالبات جامعة وفي الخرطوم, العاصمة وبؤرة الوعي. لذا فحسب تقديرات عام 1999, فإن النسبة في كل السودان  تبلغ 91 في المئة (بإستثناء الجنوب). صنَّف قانون العقوبات السوداني لعامي 1925 و1974, الختان "غير المشروع" ضمن الجرائم الماسة بجسم الإنسان وعقوبتها قد تصل السجن لخمس سنوات. ورغم أنه غير منصِف لأنه إستثني ما سمَّاه ب "الختان المشروع" وهو إزالة الجزء الناتئ فقط من البظر, إلا أنه أفضل من قانوني 1983 و1991 لأنهما لم يجرِّما الختان صراحة ونصا. تقول الفقرة (أ) من المادة 2\272 من قانون العقوبات لعام 1983: "يعتبر قطعاً لعضو كل أذي يؤدي إلي: إزالة أي عضو من أعضاء الجسم أو إلي تعطيله كلياً أو جزئياً." والمؤسف أن  الختان لا يندرج تحت هذه المادة كجريمة من جرائم الأذي, حسب إدعاء البعض بأنه من السُنة. وفي الشهر الحالي, أسقط مجلس الوزراء السوداني المادة 13 من مشروع قانون الطفل التي تتناول ختان الإناث في مشروع قانون الطفل إلتزاماً ب "فتوي" مجمع الفقه الإسلامي الذي يدَّعي بأن هناك ختان سًنة.

 

النسبة عالية في مصر أيضاً. فقد جاء في تقرير اليونسيف لعام 2005, أن 97 في المئة من الإناث في مصر بين 15 و49 سنة قد أجريت لهن عملية الختان. ولمحاربة هذه العادة, أمر وزير الصحة المصري عام 1996 بمنع ختان البنات. وفي عام 1997, رفع يوسف بدري, وهو من الأصوليين الإسلاميين, دعوي قضائية ضد وزير الصحة لإصداره قرار منع الختان. ألغت المحكمة قرار وزير الصحة وقد إستعان يوسف بدري لتدعيم إدعائه بفقهاء إسلاميين وللأسف أطباء أيضاً. وربما أدرك هؤلاء الأطباء عجزهم عن إثبات آثار أو فوائد صحية للختان, لذا لجأءوا في مرافعتهم إلي رأي آخر هو أن الحكومة قد تجاوزت مسؤولياتها وسلطاتها بالتدخل في مسألة شخصية تخص الفرد.

 

وفي مقابلة لمجلة دير شيغن الألمانية مع يوسف بدري, إستدل المُحرر بأن الختان لا يُمارس في المغرب والجزائر فأجابه قائلاً: "إن بظر المصريات أطول من بظر بنات المغرب العربي, لذا يجب قطعه للحجم العادي." وتتضح سذاجة يوسف بدري وخطل رأئه في أنه بدلاً عن أن يحاول إيجاد سند ديني للختان ذكر للمجلة طول البظر. هذا يتضمن أنه ليس بالضرورة ممارسة الختان حينما يكون البظر أقصر في دول أخري, وبالتالي, تنتفي المرجعية الدينية له. إلا أن الحكومة المصرية قد إستأنفت الحكم لدي المحكة العليا التي منعت ختان البنات وذكرت بأنه غير إسلامي. 

 

لا شك أن القوانين التي تمنع الختان جيدة ولكنها غير كافية لأن محاربة العادات بالقوانين ليست بالأمر اليسير. وذلك لأن عدم أو قلة الوعي يؤدي لتجاوز القانون وممارستها في سرية. يتضح ذلك بصورة أكبر في الأرياف  حيث يكاد أن لا يوجد أثر للقانون أو الحكومة. ولمحاربة الممارسة السرية للختان لا بد أن تلعب الحقوقيات والمتعلمات علي وجه الخصوص دوراً أكبر بالذهاب للأرياف وعمل ورش عمل وتوعية وسط الأسر وفي المدارس ودور العناية الصحية تشرح الآثار الضارة للختان. وهذه المهة ليست مكلفة أو شاقة كما يعتقد البعض لأن هناك منظمات الحقوق النسوية في الغرب واليونسيف التي يمكن أن تدعم وتمول مثل هذه المجهودات.

 

 

آراء