في مواجهة الضبابية النفطية – توليد الثروة قبل توزيعها … بقلم: السر سيد أحمد

 


 

 

 

تمضي الترتيبات قدما للمضي في مشروع عقد جديد ينتظر موافقة المفوضية القومية للبترول حتى يدخل مرحلة التنفيذ ربما هذا الشهر اذا تسارعت الخطى. ويلفت النظر في المشروع انه يقع في منطقة في شرق السودان، القضارف تحديدا، كما ان هناك شركة غربية تشارك فيه، وهو ما يسترعي الأنتباه بسبب طغيان الشركات الآسيوية في الصناعة النفطية السودانية. والأسئلة تترى من شاكلة الى أي مدى يمكن المضي قدما في المشروع والا تقعد به الأجواء السياسية المحمومة بسبب الأنتخابات، كما يمكن لتيار الأسئلة أن ينداح ليشمل المستقبل وممارسة حق تقرير المصير في الأفق القريب، وعشرات الأسئلة التي يمكن أن تطرح حول كيفية معالجة الملف النفطي الذي يمتاز بحساسية عالية كونه يشكل المصدر الأساسي من ناحية العائدات بالنسبة لحكومة الجنوب كما يشكل نسبة عالية بالنسبة للحكومة في الشمال، ثم ان وجود الجزء الغالب من الأحتياطيات المعروفة في الجنوب ومرافق بنية العمليات النهائية في الشمال يمثل جزءا آخر من الأشكالية التي تحتاج الى معالجة. مع الوضع في الأعتبار البعد الدولي من خلال الشركات النفطية بكل أمتداداتها السياسية والأستراتيجية والأقتصادية.

 

علامات الأستفهام والضبابية التي تحيط بالمشهد العام ليست قاصرة على السودان، وهي أكثر وضوحا في كل ما يخص الشأن النفطي تحديدا. فبالأمس يفترض أن تكون منظمة الأقطار المصدرة للنفط أوبك) قد أختتمت أجتماعها الدوري النصف سنوي، وخلصت الى الأبقاء على السقف الأنتاجي الحالي انتظارا لما يمكن أن يسفر عنه عنصر الزمن في مستقبل الأيام من تطورات يمكن التعامل معها في وقتها. لكن في كل الأحوال تظل علامات الأستفهام تنتاش ثلاث قضايا كما لخصها أمينها العام عبدالله البدري وهي وضع الطلب المستقبلي على النفط، والنطاق السعري للبرميل وتصاعد تكلفة الأنتاج والتكرير والنقل. فتقديرات أوبك نفسها ان حجم الطلب المتوقع على النفط الذي تنتجه في العام 2020 يمكن ان يتراوح بين 29 مليون برميل يوميا في الحد الأدنى الى 37 مليونا في الحد الأعلى. الثمانية ملايين برميل التي تشكل الفرق بين التقديرين يمكن أن تكلف 250 مليار دولار في شكل استثمارات. وهذا واحد من الأشكاليات التي تحيط بالصناعة. فكيف يمكن تبرير هذا الحجم الضخم من الأستثمارات فيما اذا لم يوجد طلب كاف لكل هذه الكمية مستقبلا؟

 

وغير بعيد يتكررالمشهد الضبابي في الحالة العراقية، حيث أنتهت الأنتخابات العامة، وبدأت النتائج تترى، لكن لا يتوقع أن يتم تشكيل الحكومة قبل مضي ثلاثة أو أربعة شهور  وحتى الوصول الى شىء من التوافق بين مختلف مكونات الطيف السياسي. وفي هذه الأثناء يتجمد الوضع على الجبهة النفطية، ففي نهاية العام الماضي أبرمت الحكومة العراقية أتفاقيات مع عدة شركات أجنبية تسمح لها بالعمل على تطوير حقول نفطية قائمة نظير مبالغ مالية معينة. ولفتت تلك الأتفاقيات الأنظار كون معظم الفائزين فيها شركات آسيوية وروسية وأوروبية أكثر من الأمريكية التي يفترض انها تستند الى دعم قوي من الوجود الأمريكي السياسي والعسكري الذي أنهى حكم الرئيس الأسبق صدام حسين وفتح الباب أمام الشركات الأجنبية لتسجل حضورا لها في الصناعة النفطية العراقية.

 

لكن تلك الأتفاقيات تنتظر الموافقة النهائية من الحكومة المنتخبة والضوء الأخضر للمضي قدما.

 

وعود الى الحالة السودانية، فأن تزامن حالة الأنتقال من أوضاع سياسية الى أخرى كما يعبر المشهد الأنتخابي يسهم بدوره في تعقيد أمور تعتبر معقدة في الأساس. لكن النظرة الفاحصة توضح ان أحتمالات الأنفصال التي تلوح في الأفق يمكن التعامل معها على أساس انها عامل تسريع للنظر في البدائل. فالسودان يعتبر دولة صغيرة منتجة للنفط والأحتياطيات المعروفة حتى الآن تضعه في مكانة هامشية، بل ويرى البعض انه بلغ الذروة أنتاجيا مع أحتمال حدوث زيادات طفيفة هنا أو هناك سواء بوسائل تقنية أو من خلال اكتشافات جديدة تعوض عن التراجع في حقول قديمة من التي ظلت تضخ النفط الخام خلال السنوات العشر الماضية رغم وجود أحتمال كبير أن يستمر معدل العائدات المالية لفترة عقد مقبل من الزمان.

 

وهكذا وبغض النظر عن قضية الأنفصال وانعكاساته وأحتمالات وجود نفط في الشمال، فأن النظرة السليمة تتطلب اللجوء الى المجال الذي تملك فيه البلاد ميزة نسبية، وهو الزراعة والثروة الحيوانية. ورغم الحديث المتكاثر عن النهضة الزراعية، مما يشير الى وجود أرادة سياسية، الا ان واقع الحال لا ينبىء بأن تلك الأرادة وجدت طريقها الى أرض الواقع حتى الآن. كما انها لم تستفد بصورة واضحة من توجه بعض الدول الخليجية الى الأستثمار في الميدان الزراعي عبر صيغ تضمن لها عائدات محصولية تحتاجها، وهو ما يظهر في عدم متابعة الأهتمام الذي أبدته بعض الدول الخليجية التي بعثت بوزراء للبحث في تفاصيل هذه الخطط، كما ان السودان شكل غيابا واضحا في مؤتمر قمة أستضافته أثيوبيا أواخر العام الماضي ضم رؤساء من عدة دول أفريقية ذات موارد طبيعية ووفد وزاري سعودي عالي المستوى للبحث في مجالات الأستثمار الزراعي.

 

أهمية تحويل الأهتمام الى المجال الزراعي انه يمكن أن يسهم في تغيير ثقافة برزت مع دخول السودان عالم الصناعة النفطية، مما أدى  الى الدفع بأتجاه السلام وحث الجنوبيين لتذوق ثماره بدلا من العمل على الأستمرار في الحرب لوقف الأنتاج. ففي هذه الأجواء برز تعبير قسمة السلطة. وبما ان الصناعة النفطية بطبيعتها تتميز بتكثيف تقني واستثماري مالي أكثر من تكثيف للعمالة البشرية، فأن الأقسام الكبيرة من المواطنين الذي لم يشاركوا فيها وجدوا ان عليهم السعي بمختلف السبل للحصول على نصيبهم من قسمة الثروة، ومن ثم تشجيع مفهوم الغنيمة.

 

عمليات التحول الديمقراطي التي تجري حاليا، تعني أولا وأخيرا مسؤولية سياسية تتمثل في التصويت وأختيار حكام البلاد، وهي مسوؤلية لن تنتهي بالتصويت فقط، وأنما تستمر بمختلف الأشكال وعلى رأسها كيفية توليد الثروة قبل توزيعها.

 

alsir sidahmed [asidahmed@hotmail.com]

 

آراء