ثلاثة عوامل كان لها التأثير في الإنتخابات …. بقلم: د. عمر بادي
21 April, 2010
عمود : محور اللقيا
لقد صدق ظني حين توقعت أن نتيجة الإنتخابات محسومة قبل أن تبدأ . الأحزاب المقاطعة لها عززت موقفها من عدم نزاهتها بما أفرزته من نتيجة غير واقعية . أما أحزاب المعارضة التي خاضتها فقد رفضت نتيجتها و لم تعترف بها , بعد أن تبين لها أنها لم تبلغ في فوزها نسبة ال 4% المؤهلة لها للتمثيل في البرلمان بحكم نظام التمثيل النسبي . تبقّى الآن أمر مشاركة أحزاب المعارضة أو عدمه في الحكومة القومية المرتقبة التي إقترحها المؤتمر الوطني المتسيّد على الساحة . و أنا أكتب هذه المقالة قبل يوم من إنتهاء عملية الفرز , أرى أن خيبة الأمل قد إكتنفت كل الأحزاب المعارضة , و لا أحد يستطيع أن يتكهن بما سوف يأتي به الغد .
إذا أخذنا جانبا كل قرائن التزوير و التجاوزات التي صاحبت العملية الإنتخابية منذ التعداد السكاني و إلى قفل صناديق الإقتراع كما وردت في شكاوي و شهادات الأحزاب و المراقبين , إذا أخذنا كل ذلك جانبا , نجد أن هنالك ثلاثة عوامل كان لها التأثير الكبير في نتيجة الإنتخابات حتى و لو لم يطالها التزوير .
اولا , أنقطاع أحزاب المعارضة عن العمل السياسي العام , عن طريق إقصائهم بواسطة القوانين القمعية التي أدت لحل كل الأحزاب منذ بداية عهد الإنقاذ , بل و صادرت دورها و إعتقلت قادتها و ضيقت عليهم حتى إختفى منهم من إختفى و هاجر من هاجر . بعد إتفاقية السلام و عودة الأحزاب إلى العلن , عادت تلك الأحزاب منهكة القوى و مقيدة في تواصلها مع جماهيرها بحكم القوانين التي ظلت سارية كقانون الأمن و قانون النظام العام و الرقابة القبلية على الصحف ( تحولت الآن إلى رقابة ذاتية ) , و النتيجة أن مرشحيها ظلوا مغمورين و غير معروفين للناخبين و ظلت برامجهم غير معروفة . كثير من اللقاءات الجماهيرية لتلك الأحزاب تم رفضها و كثير من المسيرات السلمية تم تفريقها , هذا غير المضايقات الأخرى التي تعرضت لها . إن العمل الجماهيري كي ينال مرماه من الكسب يتطلب التنظيم و التواصل و الإمكانات ثم الوقت , و كل تلك المتطلبات لم تكن موجودة عند معظم أحزاب المعارضة بسبب الإنقطاع الذي شابها لمدة عقدين من الزمان , كانت فيه معتبرة كآثار من الماضي الذي لن يعود . إذا كان حزب المؤتمر الوطني صادقا في تحوله الديموقراطي , لأخذ بيد أحزاب المعارضة تلك و أعاد لها ممتلكاتها و عوضها عن خسارتها و وافق على مساعدة الدولة لها ماليا حسب قانون الإنتخابات , و لمهد لها سبل العودة إلى جماهيرها حتى تكون الإنتخابات حقا حرة و نزيهة .
ثانيا , العجز المالي لدى أحزاب المعارضة . إن عصب العملية الإنتخابية هو المال , و لن يصلح حال حزب شح ماله بعد إنقطاع دام عشرين عاما عن العمل الجماهيري . لم يعد الأمر معتمدا على ولاءات المؤيدين , لأن حركة الشارع قد دب فيها الشباب الذين لم يعرف معظمهم هذه الأحزاب المنقطعة إلا لماما . العملية الإنتخابية هي كالعملية التجارية لا بد من الصرف أولا على أماكن العرض و الترويج و الإعلان ثم يأتي الكسب بعد الإستجابة . الحزب هو مؤسسة قائمة بذاتها تضم الدور و الأدوات و العاملين المتفرغين , و غالبا مالية الحزب تكون مدعاة للشفافية و للمساءلة عن مصادرها , حتى لا يكون الحزب معرضا للإستلاب و للعمالة التي تؤثر على قراراته , و بذلك صارت مالية كل حزب تعتمد على إستثماراته في أصوله و على مساهمات أعضائه و على تبرعات رجال الأعمال الداعمين له , و قد كان في حل الأحزاب و التضييق عليها أيضا تضييق على رجال الأعمال هؤلاء حتى لا يدعموا تلك الأحزاب , فكان ان أفلس منهم من صمد على ولائه , و إنتعش منهم من بدل ولاءه إلى الجهة الأخرى . لقد تفاوتت مقدرة الأحزاب المالية في العملية الإنتخابية , و لكي تقلل المفوضية القومية للإنتخابات من تأثير ذلك على نتيجة الإنتخابات , نجدها قد حددت أن لا يزيد الصرف على حملة المرشح عن سقف يعادل ال 17 مليون من الجنيهات , لكن ما رأيناه كان مناقضا , فقد زادت مالية بعض المرشحين كثيرا عن هذا المبلغ , بينما لم تبلغ مالية آخرين الجزء اليسير منه , و لم تحرك المفوضية ساكنا .
ثالثا , التعتيم الإعلامي على أحزاب المعارضة . لقد ثبت دور الإعلام كأداة فعالة منذ الحرب العالمية الثانية , عندما إعتمد هتلر على جوبلز في الدعاية لأفكاره و ترهيب أعدائه بقوته الباطشة . مع تطور الزمن تطور دور الإعلام من الدعاية المباشرة إلى الدعاية غير المباشرة , كالذي يحدث عندنا في أجهزة الإعلام الرسمية و الموالية . لقد صار الإعلام مرافقا للمواطنين أينما وجدوا , في منازلهم و في وسائل مواصلاتهم و في الأسواق و في دواوين العمل , و صار التكرار الذي علّم الحمار اداة لتصديق و إنتشار ما يراد نشره , و صار التلميع للأشخاص عملا ممنهجا يساعدهم للقبول الجماهيري . الإعلام المقرؤ نجده محاصرا بهامش الحريات , أما المسموع و المرئي فيسهل التحكم فيه عن طريق التحكم في القائمين على أمره . لذلك كانت الفرص في غاية الضيق لأحزاب المعارضة كي تطرح ما لديها و تعرّف الناخبين بمرشحيها , و كانت تلك الفرص محفوفة بمقاطعات المقدمين و بإنتقادات المستطلعين .
من لديه المال لديه الحضور و لديه الإعلام , و من ثم لديه القبول . هكذا بكل إختصار .
omar baday [ombaday@yahoo.com]