حفرة النحاس تطل مجدداً: ترسيم الحدود … مواجهة العقبات … بقلم: تقرير: خالد البلوله إزيرق

 


 

 

أخيراً ومع بدء العد التنازلي للاستفتاء على تقرير المصير لجنوب السودان المتوقع في مطلع يناير القادم، شرعت اللجنة الفنية لترسيم الحدود في عملها ميدانياً لتبيان الحدود بين الشمال والجنوب وفقاً لما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل «نيفاشا» بإعادة ترسيم الحدود مجدداً وفقاً لحدود العام «1956م» قبل إجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير، الذي يستلزم ترتيبات إدارية وفنية متعلقة بعدد من القضايا التي اشارت إليها إتفاقية السلام الشامل، وتقف في قمة هذه القضايا التي تشكل هاجساً أمام حق تقرير المصير، قضية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب التي لم تحسم بعد، وكانت تقارير قد اشارت الى تعقيدات وعقبات تعترض عمل اللجنة الفنية لترسيم الحدود منها الإدارية والأمنية على طول الشريط الحدودي خاصة في مناطق التماس التي تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني والتي عطلت عمل اللجنة كثيراً.

لتعلن أول أمس لجنة ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، عن انطلاق عمليات الترسيم على الارض، وقالت إنها شرعت في عمليات الاستكشاف النهائي بشقيه الجوي والارضي واختيار الحدود بين ولايتي النيل الازرق وسنار مع ولاية اعالي النيل كنقطة بداية لعمل اللجنة، وعزت اسباب تأخير العملية الى نواحٍ فنية بحتة، واشارت مصادر الى رفع لجنة ترسيم الحدود لنقاط الخلاف الى مؤسسة الرئاسة لحسمها، وابلغت مصادر «الصحافة» ان نقاط الخلاف انحصرت في خمس نقاط على رأسها حفرة النحاس، واشارت الى ان اللجنة رفعت تقريرا مفصلا لمؤسسة الرئاسة حول الخلاف متضمنا وجهة نظر كل جهة، وذكرت ان الرئاسة ينتظر ان تعمل على حسمها وفق قرار سياسي. وقال الدكتور عبد الله الصادق رئيس اللجنة الفنية، ان اللجنة فرغت من مرحلتي جمع وتصنيف المعلومات واعداد الوصف ورسم الخط الحدودي على الورق ، ودخلت الآن في مرحلة ترسيم الخط الحدودي الفاصل على الأرض، وقال «ان العملية ستنتهي قبل الاستفتاء، وان اللجنة فرغت «تماما من المراحل الصعبة» ورفض ربط التأخير في عمليات الترسيم بأسباب سياسية، قاطعا بأنها تعود لاسباب فنية بحتة».

ويبدو أن ترسيم الحدود من واقع التعقيدات والتداخلات المرتبطة به سيكون محور خلاف آخر بين الشريكين، خاصة بعد أن ألمحت الحركة الشعبية بالصراع الأخير بين الجيش الشعبي والرزيقات بجنوب دارفور مطلع الاسبوع الجاري بانه يهدف لتعطيل عمليات ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، ما يؤشر الى أن نقاط الخلاف حول عدد من المناطق ستتصاعد خاصة في المناطق الاستراتيجية والغنية بالمعادن والثراء البيئي على طول الشريط الحدودي، وقد برزت من ضمن نقاط الاختلاف تلك «حفرة النحاس» التي تقع في ولاية جنوب دارفور وتطل على بحر الغزال كأكبر عقبة ربما تنذر بخلافات كبيرة بين الشريكين مجدداً، خاصة وأن كثيرين يشبهونها بأنها ستكون «أبيي أخرى» من واقع ثرائها وغنائها بالمعادن الثمينة، وقد سبق وأن تمت إثارتها من قبل النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق سلفاكير ميارديت في الإجتماع الرئاسي بشأن الحدود في إكتوبر 2007م، حيث قدم سلفاكير وجهة نظره إستناداً على وثيقة قدمها له الخبير الدولي في مفوضية الحدود الدكتور دوغلاس جونسون، قال انها تحدد وبشكل قاطع الحد الفاصل بين الشمال والجنوب وفق حدود يناير من العام 1956، وهي الوثيقة التي أشارت مصادر صحافية وقتها الى انها ضمت مناطق حفرة النحاس، ومناطق اخرى داخل حدود ولاية جنوب كردفان الى الجنوب وبعض المناطق البترولية مع ولاية اعالي النيل، وقد جاءت الإشارة الى حفرة النحاس ضمن خارطة الجنوب في وثيقة جونسون، تحمل كثيراً من الإشارات لافصاحه عنها دون أخريات على طول الشريط الحدودي الفاصل، مما جعل تخصيص الإشارة إليها تبدو وكأنها ستتحول الى أبيي أخرى ومنطقة تنازع جديدة بين الشمال والجنوب عند البدء في تنفيذ عمليات ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب على الأرض، كما ظهرت أول امس ضمن القضايا الخلافية في مفوضية ترسيم الحدود وتم الدفع بها الى مؤسسة الرئاسة لحسمها بقرار سياسي.

اذاً مناطق كثيرة على طول الشريط الحدودي يشير مراقبون الى انها ستعقد عملية ترسيم الحدود من واقع التنازل المتوقع حولها، بالاضافة الى الحدود القبلية التي تشكل العقبة الأكبر لعملية الترسيم من الناحية الإدارية والأمنية، ويتوقع مراقبون ان تبرز عدد من المشاكل ستواجه اللجنة الفنية لترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، خاصة في مناطق امتداد الرعي والزراعة المتداخله مع الجنوب بالاضافة الى المناطق الغنية بالنفط التي سيحاول كل طرف ان يثبت تبعيتها له، لذا يتوقع أن تصعد هذه المناطق الى واجهة الاخبار الايام القادمة، والتي تقف على رأسها منطقة «حفرة النحاس» التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي لولاية جنوب دارفور، بمحلية برام ضمن إطار حظيرة الردوم التي تشبه في ثرائها الطبيعي حظيرة الدندر، وتنبع اهميتها من أنها حبلى بالعديد من المعادن المختلفه بثروات بدأ الإهتمام بها محلياً ودولياً إبان تصاعد الأحداث في دارفور، والحديث عن إستغلال مواردها المعدنية، لتضيف الإشارة اليها في وثيقة دوغلاس جونسون، بعداً آخر في إطار عملية ترسيم الحدود المرتقبة. وما جاء في وثيقة جونسون لم يكن الإدعاء الأول بتبعيتها وأخريات للجنوب، حيث طالب المفاوضون الجنوبيون في مباحثات أديس ابابا 1972م بضم منطقة «أبيي» في جنوب كردفان وبعض أجزاء مديرية النيل الأزرق التي تقع في الشمال الشرقي لمنطقة أعالى النيل الإدارية، وكذلك منطقة «حفرة النحاس» جنوب دارفور. وكان الدكتور فاروق جات كوث قد اشار في ورقته المعنونة «بروتوكولات نيفاشا ومفهوم الوحدة الجاذبة للجنوبيين» المقدمة في ورشة مبادرة المجتمع المدني للسلام 2005م، اشار إلى أن الأنظمة المركزية سعت لضم مناطق تماس للولايات الشمالية بعد اكتشافات النفط بإعادة رسم حدود جنوب السودان بضم المناطق المستهدفة والغنية بالمعادن لولايات الشمال، مشيراً الى منطقة حفرة النحاس التي كانت تسمى كافيا كنجي التي تقع بين غرب بحر الغزال وجنوب دارفور. وكان بعض الكتاب الجنوبيين قد اشاروا الى أن حفرة النحاس ضمت إلى دارفور العام 1961م. ويستند المناصرون لتبعية حفرة النحاس الى الجنوب على حجة أن الحكومة المركزية رأت أنها تحتوي على كميات ضخمة من النحاس واليورانيوم، وخشيت أن يقوي بقاءها في بحر الغزال الاتجاهات الانفصالية في الجنوب. وهي الحجة التي استند إليها الفريق سلفاكير ميارديت في إحدى حواراته مع البيان الإماراتية العام «2007» حينما سئل عن ترسيم الحدود أشار الى ضم الحكومة المركزية لمناطق الجنوب الغنية بالبترول الى الشمال. وقال ساخراً «إذا استمر النميري في الحكم لكانت حدود الشمال قد وصلت الى جوبا». ولكن الاستاذ محمد عيسى عليو القيادي بجنوب دارفور قال لـ»الصحافة» إنهم يحتاجون لتبيان الحدود مع الجنوب وليس ترسيمها، لأن الترسيم امر واقع تاريخي، وليس لدينا مشاكل حدود مع اخوتنا في الجنوب، مشيراً الى ان ما يرشح من اشكاليات في الحدود في الاتجاه الجنوبي الغربي لدارفور في مناطق «حفرة النحاس، كافي كانجي، والردوم» مشيراً الى ان أمساك المفوضية عن التعليق عن الحدود في مناطق التماس حديث خطير ينبئ بانه قنبلة موقوته، مشيرا الى ان المطلوب تحديد الحدود، لأن الطرفين معترفان بالوثائق والمستندات المتوفرة التي تثبت حدود كل طرف».

وتقع حفرة النحاس في ولاية جنوب دارفور وتتبع إدارياً لنظارة قبيلة الهبانية، كما توجد بها «قبائل البحر» الذين ينحدرون من منطقة بحر الغزال، وأغلب سكانها مسلمون مع وجود القليل من المسيحيين، ويشير أهل المنطقة ان الحدود السياسية بين بحر الغزال وجنوب دارفور المتوارثة منذ القدم وهي «بحر كيكي» المتفرع من «بحر عاد». وان اهم ما يميز المنطقة التعايش الإجتماعي والتواصل والإتصال الدائم بين مواطني بحر الغزال وجنوب دارفور. وبحسب الدراسات الجيولوجية فقد ثبت ان المنطقة الغربية للسودان توجد بها المعادن بصورة كبيرة خاصة اليورانيوم، وكان الدكتور شريف التهامي وزير الطاقة الأسبق قد قال، إن منطقة دارفور لها علاقة جيولوجية مع كتنقا في الكنغو الديمقراطية وهي أكثر منطقة غنية بالمعادن في افريقيا، وأن الدراسات الجيولوجية تشير الى أن منطقة جنوب دارفور من الردوم الى حفرة النحاس بها كميات كبيرة من اليورانيوم ذي خاصية في سهولة الاستخراج. كما يؤكد خبراء جيولوجيون أن المنطقة غنية بالذهب مشيرين الى مشروع شراكة في السبعينيات بين مؤسسة التعدين وقتها والأمم المتحدة لاستخراج الذهب، اذ ان المنطقة تعد إمتداداً طبيعياً للوضع الجيولوجي في أفريقيا الوسطى التي تعد من اكثر الدول الزاخرة بالمعادن خاصة الثمينة منها «اليورانيوم والألماظ»، في وقت تشير فيه تقارير عن وجود ترسبات لمعدن الماظ من أفريقيا الوسطى عبر الأمطار والوديان الى حفرة النحاس. وكانت شركة الروضتين الإماراتية قد نالت ترخيص التنقيب عن الذهب بمنطقة حفرة النحاس ولكن توقف عملها للظروف الأمنية.

وتشير بعض التقارير غير الرسمية الى أن حفرة النحاس تحتوي على 99 نوعاً من المعادن من بينها اليورانيوم المشع وبكميات قياسية، وسبق لوزير الطاقة وقتها الدكتور. عوض أحمد الجاز أن قال في حوار له مع جريدة «الشرق الأوسط» الى أن حفرة النحاس تزخر بكميات كبيرة من النحاس إشتهرت بها منذ الفترة التاريخية للسلطان علي دينار، واما بالنسبة لليورانيوم فقال إن الدعاية السياسية بشأنه هي أكبر من حجم الكميات الموجودة.

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء