واجبات البرلمان القادم نحو جذور العمل التنموي …

 


 

 

 

تحدثنا في سابقا عن الأولويات التي ينبغي أن تتصدر اهتمامات البرلمان القادم، وقلنا إن موضوعات التنمية ينبغي أن تكون على صدر قائمة الأولويات البرلمانية في هذا العهد المرجو لاستدراك أخطاء العهد السابق.

واتصالا مع ذلك نقول إن نظر نوابنا البرلمانيين الكرام إلى موضوع التنمية ينبغي أن يتعدى حدود الشعارات الفضافاضة، وأنماط الحديث المعمم، والعبارات السوقية المستهلكة عن الخطط الاستراتيجية القومية الشاملة، ليصبح نظرا تخصصيا غائرا، يمتد ليصل بالفحص، والتشخيص، والعلاج إلى جذور العمل التنموي البعيدة التي ينهض عليها ويقتات منها.

ومن بين هذه الجذور يمكن أن نقول إن الجذر التعليمي والعلمي هو الأهم بلا أدنى شك.

ونعني بالجذر التعليمي جميع مؤسسات العمل التعليمي والعلمي ابتداء برياض الأطفال ووصولا إلى الجامعات ومرحلة الدكتوراه فيها وما بعدها.

فلا بد من إعادة النظر في  كل ذلك، لعلاج الوضع التعليمي، وتركيز التعليم، وتعميقه، حتى يتوجه النظام التعليمي برمته إلى غايات النهضة، لإنتاج إنسان الغد، إنسان الحضارة، أي الإنسان المسلم بامتياز.

 

تقصير الجهاز التنفيذي:

وبالطبع فإننا لا نجحد إنجازات الإنقاذ العظيمة في تحقيق الثورة التعليمية التي وسعت مواعين التعليم، ومنحت خدماته لأكبر عدد ممكن من ابناء الوطن.

ولا نجحد اهتمامات الجهاز التنفيذي بأمر التعليم، لاسيما في جانبه العام.

ولكن لا يخلو الوضع التعليمي، العام والعالي، بعدئذ من تقصير ونقص بين.

وقد رشحت أنباء هذا الأسبوع باعترافات من وزارة التعليم العام تقول بأن نصيب التعليم من الميزانية العامة للبلاد يقل عن ثلاثة بالمائة، وهي نسبة قليلة جدا، لا تكفي لسد نفقات التعليم، لاسيما بعد توسعه الكبير.

وكنت قد قد ذكرت أمر هذه النسبة المتواضعة، في مقابلة صحفية أجريت معي قبل أعوام، وامترى فيما قلت صديقنا وأستاذنا الدكتور أمين حسن عمر، وزعم في مقابلة معه بمذياع أم درمان أن معلوماتي غير دقيقة ولا صحيحة.

ولكن هاهو وزير التعليم العام يأتي بنفسه ليقطع في الأمر ويؤكد صحة ما كنت قد قلت من قبل.

ولم أكن قد قلت ما قلت (قطعا من رأسي!) وإنما استمددته من مصدر مسؤول يعرف جيدا دقائق هذه الأمور وخباياها.

ومهما يكن فعلينا الآن أن نقبل بإفادة وزير التعليم العام، ثم نسرع إلى علاج هذا الأمر، برفعه إلى البرلمان القادم، فهو أولى بعلاجه من الجهاز التنفيذي.

 

الاتجاه إلى الدراسات الأدبية ليس في صالح التنمية:

ومما أزعجنا من اعترافات المسؤولين التربويين الأخيرة قولهم إن أبناءنا أصبحوا يفضلون الاتجاه إلى الدراسات الاجتماعية، والإنسانية، على حساب الدراسات العلمية والتطبيقية.

وقد أكد المسؤولون التربويون أن ثمانين بالمائة من طلاب المدارس الثانوية أصبحوا أدبيين.

وهذه نسبة ضخمة، وبها يتحقق انحراف كبير بالعملية التعليمية عن سواء الصراط.

وقبل تسوية هذا الانحراف فإن أمره يحتاج إلى تفسير مقنع.

فلماذا أصبح أبناؤنا يفضلون أن يكونوا أدبيين، وقد كانت أحلام غالبيتهم من قبل أن يكونوا علميين؟

هل السبب في ذلك قلة معلمي العلوم مثلا؟

أم ضعف تجهيزات المعامل؟

أم ماذا؟

إن كان الأمر كذلك، فسيكون التفسير المادي للواقع أقرب حينئذ إلى حيز الصواب.

ومهما يكن فإن هذا خلل جلل مقلق ومهدد للنمو الاقتصادي في البلاد.

 

زيادة ميزانية التعليم:

ولذلك نتواضع لنطلب من البرلمان القادم أن يتدارك هذه المغبة الخطرة، فيزيد من حصة التعليم في الميزانية العامة، بحيث لا تقل عن عشر بالمائة.

فهذا أقل ما يجب تخصيصه للعملية التعليمية، حتى ينهض التعليم وتنهض به البلاد.

فنحن في هوة هاوية لا ينهض بنا منها إلا التعليم.

وحري بنا أن نسعى سعي الدول الجادة لنخرج معها من نفق التخلف السحيق.

 

في هؤلاء لنا قدوة:

وإن لنا في بعض الدول النامية قدوة حسنة تقتدى.

ولا أفلا تريد بلادنا أن تكون أسخى في الصرف على التعليم من دول نامية مثل موريشيس التي تصرف نحو أربعة بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو غانة التي تصرف التي تصرف أكثر من خمسة بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو إثيوبية التي تصرف أكثر من ستة بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو كينية التي تصرف نحو سبعة بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو ناميبية التي تصرف نحو سبعة بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو جيبوتي التي تصرف التي تصف أكثر من ثمانية بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو بتسوانا التي تصرف أكثر من ثمانية بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو بوليفيا التي تصرف أكثر من ثمانية بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو كوبا التي تصرف أكثر من تسعة بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو اليمن التي تصرف أكثر من تسعة بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

أو لوسيتو التي تصرف ثلاثة عشر بالمائة من دخلها القومي على التعليم؟

وجميع هذه النسب التي تنفقها هذه الدول النامية على التعليم، مستخرجة من مجمل دخلها القومي السنوي، وليس من ميزانياتها السنوية، والبون بين الأصلين شاسع وعظيم.

ولذا فإن ما نطالب به، وهو ليس أكثر من عشرة بالمائة من الميزانية السنوية لبلادنا، لينفق على التعليم ليس مبلغا كبيرا، ولا مبالغا فيه.

وإنما هو في حدود صرف دول إمكاناتها الاقتصادية في مثل إمكانات بلادنا وربما أقل.

فهذا أوجب ما يجب على البرلمان القادم أن يخصصه لأجل التعليم ويفي به.

 

 

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

آراء