من تجارب الإنفصال … بقلم : د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
30 July, 2010

 


عمود : محور اللقيا
من ضمن مساجلات الوحدة و الإنفصال الدائرة هذه الأيام ضرب الأمثلة بمآلات التجارب التي أفضت إلي ظهور دول جديدة كانت مشمولة في الخارطة الجغرافية لدول قائمة و نائلة للإعتراف الدولي من قديم الزمان . في محيطنا الإفريقي و الإسلامي توجد تجربتان للإنفصال قد أخذهما البعض من مؤيدي الإنفصال كدليلين بارزين للإنفصال الإيجابي الذي فيه حل للكثير من المشاكل التي كانت قائمة , و أعني بتجربتي الإنفصال هاتين تجربتي أريتريا و الباكستان .
تجربة أريتريا – يظن الكثير من الكتاب ظنا خطأً أن أريتريا قد إنفصلت من اثيوبيا بعد أن كانت جزءا مؤصلا منها , و الحقيقة أن أريتريا كانت إقليما مختلفا تم إستحواذ اثيوبيا عليه كما سأوضح لاحقا . إقليم أريتريا كان موطنا لهجرات عربية قديمة قبل الإسلام , و لذلك و بحكم معرفة العرب به كانت الهجرة الأولى في بداية الإسلام في عام 614  إلي إقليم أريتريا حيث كان يطلق علي الساحل و الداخل الأفريقي جنوب مصر إسم  الحبشة , و في مصوع التي كان إسمها باضع قام الصحابة المهاجرون ببناء أول مسجد في الإسلام و هو مسجد رأس مدر . إقليم أريتريا منفتح مع السودان من قديم الزمان و السكان البجا و إلى الآن هم أنفسهم في الإقليمين بدون إختلاف . من أشهر ملوك البجا في أريتريا كان بشر بن مروان و كان نفوذ البجا في عصره يمتد حتى جنوب أسوان و كان حاكمهم يلقب بالحدربي , و في عام 923 أمر السلطان سليم بتبعيتهم إلى مصر و هكذا صار إقليم أريتريا كالسودان تحت الحكم التركي . في العصر الحديث بعد الحرب العالمية الأولى إستعمرها الإيطاليون و في الحرب العالمية الثانية دخلها الجيش السوداني مع الإنجليز في عام 1941 و جعلها الإنجليز محمية و أقرت الأمم المتحدة أن تكون تحت إشراف أثيوبيا لمدة عشرة أعوام حتى تكتمل فيها مقومات الدولة الحديثة ثم يطرح عليها إستفتاء لتقرير المصير إما بالتبعية إلى أثيوبيا او الإستقلال التام , و لكن لم يف هيلاسيلاسي ملك أثيوبيا بهذا القرار بعد مرور الأعوام العشرة و إعتبر أريتريا تابعة لأثيوبيا . جراء ذلك تأسست حركة التحرير الأريترية من العمال الأريتريين المهاجرين في بورتسودان في عام 1958 ثم تطورت إلى جبهة التحرير الأريترية و قادت الكفاح المسلح في عام 1960 و كان قادتها حامد إدريس عواتي و إدريس محمد و عثمان صالح سبي , و إشتد القتال في أعوام السبعينات بعدما قفز الإنقلابيون إلى السلطة في أثيوبيا بقيادة تفري بنتي و أمان عندوم ثم منقستو هيلاميريام و قد عاصرت تلك الأحداث أثناء عملي حينها في توليد الكهرباء في خزان خشم القربة و ساهمت بالعمل مع المناضلين الأريتريين , و ظهرت في ذلك الوقت الجبهة الشعبية بقيادة اسياس أفورقي الذي تحالف فيما بعد مع المعارضين الأثيوبيين في حركة تحرير التيقراي بزعامة ميليس زيناوي لإسقاط منقستو , مع الإتفاق على تقرير المصير للأريتريين و السماح للأثيوبيين بإستخدام ميناءي عصب و مصوع كمنافذ للبحر لأثيوبيا . هكذا و بناء على ذلك تم إسقاط منقستو في عام 1991 و أجري الإستفتاء و نالت أريتريا إستقلالها في 23/ 5/ 1993 . إن أكثر من نصف سكان أريتريا مسلمين و معظمهم يتكلمون اللغة العربية و هم خليط من القبائل متداخل مع قبائل شرق السودان , و السوداني في أسمرا يظن انه في كسلا و لا يحس بفرق في أي شيء حتى في الأغاني التي تبثها اجهزة التسجيل فمعظمها سودانية . اليس كل ذلك مع التاريخ المشترك يؤكد نجاح قيام الوحدة بين أريتريا و السودان ؟ إنني من المؤيدين لذلك و غيري كثيرون .
تجربة الباكستان – الباكستان باللغة الأوردية تعني الأرض الطاهرة . تاريخيا كان حزب المؤتمر القومي الهندي يدعو للإستقلال عن بريطانيا بقيادة المهاتما غاندي و محمد علي جناح و جواهر لال نهرو , و إتبع البريطانيون سياسة ( فرق تسد ) فدبت الخلافات الطائفية , و في عام 1920 كون محمد علي جناح حزب الرابطة الإسلامية الذي أصدر في عام 1940 إعلان لاهور الذي دعا إلى تقسيم شبه القارة الهندية إلى كيانين هندوسي و إسلامي يتمثلان في دولتي الهند و باكستان . لقد سعى غاندي من ناحيته إلى التقارب بين المسلمين و الهندوس و دعا إلى الوحدة الوطنية و لكن كانت النتيجة أن فقد حياته في سبيل ذلك بواسطة أحد المتعصبين الهندوس . إستقلت باكستان في 14/8/1947 و إستقلت الهند بعدها بيوم واحد , و بعد أن أجيز الدستور الإسلامي في عام 1956 صارت باكستان تعرف بجمهورية باكستان الإسلامية . لقد أدت أول إنتخابات عامة إلى فوز حزب رابطة عوامي بزعامة مجيب الرحمن في باكستان الشرقية بينما فاز حزب الشعب بزعامة ذو الفقار علي بوتو في باكستان الغربية , و أدى هذا إلى تعزيز دعوات الإنفصال في باكستان الشرقية بينما كانت باكستان الغربية رافضة لذلك حتى قامت الحرب بين الهند و باكستان بسبب إقليم كشمير فآزرت باكستان الشرقية الهند و كانت نتيجة الحرب ان إنهزمت باكستان , فأعلنت باكستان الشرقية إنفصالها و كونت دولة بنغلاديش في 26/3/1971 . هكذا و إلى الآن لا زالت العلاقات متوترة بين الهند و الباكستان و بغلاديش و لا زال إقليم كشمير بؤرة للصراع البارد و الملتهب . دعونا نورد هنا القليل من التحليل , إن سبب تكوين دولة الباكستان هو سبب ديني و هي في ذلك تشابه دولة الفاتيكان و دولة إسرائيل , لكن لم تخل الهند من المسلمين بعد التقسيم فقد فضل البعض الإستمرار فيها و الآن عدد المسلمين في الهند يفوق المائتين مليون مسلم و تحسن حال الطوائف كثيرا بعد صبرهم على تطبيق الديموقراطية . أما باكستان فقد عانت كثيرا من الإنقلابات العسكرية و حكم الجنرالات و تبين فيها بالتجربة أن الرابط العرقي اقوى من الرابط الديني و أن المحاباة للقبيلة و العشيرة أقوى من المساواة في وطن للجميع , وهذا ما أدى إلى شعور أهل باكستان الشرقية بتهميشهم و عدم تنمية إقليمهم بسبب تقدم باكستان الغربية عليهم في التعليم و إحتلال الوظائف العليا في الدولة . هنالك الكثيرون الذين يؤيدون مقولة أن شبه القارة الهندية كان سيكون لها شأن اكبر لو إستمرت موحدة حتى الآن .
omar baday [ombaday@yahoo.com]

 

آراء