ثلاث رسائل من مربع (اي) … بقلم: السر سيد أحمد
رغم عطلة الأسبوع يوم الجمعة الماضي وتخلف بعض ممثلي الشركات، الا ان المسؤولين في وزارة النفط قرروا المضي قدما في برنامج حفل التوقيع على أتفاقية قسمة الأنتاج لمربع E الذي يقع في ولايات جنوب دارفور، واراب الى جانب شمال وغرب بحر الغزال والبحيرات، وتأجيل التوقيع الخاص بمربع (10) الذي يقع في ولايات القضارف، كسلا، نهر النيل والجزيرة الى وقت لاحق.
التوقيع تم ويفترض أن يكتمل ابرام الأتفاق الخاص بمربع (10) خلال الأيام القليلة المقبلة، الأمر الذي يرسل عدة رسائل تستحق التوقف عندها. وأولى الرسائل تتعلق بالتوقيت. فبالرغم من حالة عدم الوضوح الطاغية على المشهد السياسي والأقتصادي في السودان، وهي في حد ذاتها عامل طرد للأستثمارات خاصة الأجنبية منها، الا ان ابرام ذلك الأتفاق يمثل رسالة من الأهمية بمكان خاصة والصناعة النفطية تتطلب قدرات مالية وتقنية عالية للدخول فيها، وفي وقت تبدو فيه البلاد متجهة للأنشطار والأبواب مفتوحة على مختلف الأحتمالات والخيارات.
ثاني الرسائل وجود شركة نايل بت، وهي شركة النفط التابعة لحكومة جنوب السودان شريكا بنسبة 10 في المائة، وهي ذات النسبة التي حصلت عليها شركة سودابت، التي تمثل الحكومة المركزية في القطاع النفطي. وجود الشركتان في هذه الأتفاقية للعمل سوية في مربع يتمدد مساحة بين شمال البلاد وجنوبها رسالة بالغة الأهمية انه رغم الأحاديث الرائجة عن أحتمال غلبة خيار الأنفصال، الا ان النفط سيلعب دورا مهما للتأسيس لحالة الكل فيها كاسب من خلال تكامل حقيقة تواجد معظم الأحتياطيات النفطية في الجنوب وكل مرافق العمليات النهائية من خطوط أنابيب ومصاف ومراكز تجميع الى جانب القوى البشرية المدربة في الشمال. واذا كانت كلا من شركتا نايل بت وسودابت قررتا الأستثمار في مشاريع مستقبلية تتطلب العمل سوية والأستفتاء على مرمى حجر، فأن هذه الخطوة تعطي مؤشرا انه وبغض النظر عن نتيجة الأستفتاء، فأن الطرفين يعملان على تعظيم جانب المصلحة المشتركة، وهي في ذاتها من العوامل التي تسهم في تقليل فرص الأنجراف الى العنف والتوجه نحو الأستقرار.
أما الرسالة الثالثة فتتعلق بوجود شركات غربية تتمثل في شركة "ستار" الأسبانية الأصل المسجلة في لوكسمبرج و"حملا" النرويجية، كما يتوقع لشركة "فينو كليدونيان قضارف" الفنلندية أن تحظى بغالبية الأسهم في مربع (10). وهذا تطور من الأهمية بمكان. فمنذ تجربة الشركة الكندية تاليسمان، التي شاركت بنسبة 25 في المائة شركة النيل الكبرى لعمليات البترول التي نجحت في تصدير النفط السوداني الى الأسواق الخارجية في العام 1999، فأن الشركات الغربية عموما آثرت البعد عن متاعب العمل في السودان. فالعمل في مربعات 1،2 و4 مثل أكثر مشاريع تاليسمان ربحية، الا انها لم تستطع الأستمرار فيه بسبب الحملة العدائية لوجودها في السودان، الأمر الذي أدى الى تأثر قيمة سهمها وتراجعه بمقدار الثلث عما كان يفترض أن تعكسه نتائج عملياتها الجيدة وبيع حصتها فيما بعد شركة النفط الهندية.
كما أثرت النتائج الغير مشجعة على شركة لندين السويدية بحفرها لبضع آبار جافة في مربع
(5- ب) ومن ثم دفعها الى بيع حصتها والخروج من العمل في السودان. وهكذا يأتي دخول شركات أسبانية ونرويجية وفنلندية بمثابة أعادة للوجود الغربي في صناعة النفط السوادنية، ولو ان الوجود الآسيوي يظل هو المهيمن عبر شركة النفط الوطنية الصينية وبتروناس الماليزية و"أو. أن. جي" الهندية.
هذا التحول يعود الى ثلاثة أسباب أحدها يتعلق بالوضع السياسي العام والتعاطي الغربي مع السودان عموما، والآخران لأسباب تتعلق بالصناعة النفطية محليا ودوليا. وفيما يتعلق بالعامل السياسي، فقد عبر عنه الوزير البريطاني المختص بافريقيا هنري بيلنغهام أبان زيارته الى السودان في الشهر الماضي وتحدث عن ان بلاده لا تقاطع السودان تجاريا وأقتصاديا، وان الحكومة الأئتلافية الحالية ستعمل على تشجيع التبادل التجاري بين السودان وبريطانيا وكذلك أيجاد فرص للشركات البريطانية مشيرا الى قطاعي النفط والخدمات تحديدا.
ويمكن مقارنة هذا الموقف بما كان عليه الوضع قبل أكثر من ثلاث سنوات مثلا عندما دفعت الضغوط شركة رولز رويس البريطانية الى الأنسحاب من السوق السودانية رغم انها كسبت عقودا كبيرا لتوفير بعض المعدات لأستخدامها في الصناعة النفطية الناشئة.
وفيما يتعلق بالسببين الأخريين الذين يدفعان بشركات غربية الى العمل في السودان، فأولهما يتعلق بحقيقة ان السودان لا يزال يحتاج الى الكثير من العمل الأستكشافي ومتوسط حجم المربعات فيه يزيد عن المعدل الأقليمي مقارنة بنيجيريا وأنجولا مثلا. الى جانب هذا هناك نسبة النجاح العالية في الوصول الى آبار ذات نتائج مشجعة مقابل تلك الجافة، اذ تصل النسبة الى 50 في المائة، بينما المعدل العالمي في حدود 30 في المائة لنسبة النجاح في الآبار المحفورة ومن ثم الدفع بأتجاه تطويرها وأستغلالها.
الجانب الآخر يتعلق بوضع السوق النفطية عموما. فهناك حالة من الأستقرار السعري اذ يتراوح متوسط سعر البرميل بين 70-80 دولارا، وهو معدل سعري ملائم للمنتجين حتى الهامشيين منهم كالسودان، كما انه مريح للمستهلكين من ناحيتي انه لا يشكل عبئا لا يمكن تحمله أقتصاديا، بل انه يساعد على ترشيد الأستهلاك بصورة ما كما يدفع بأتجاه البحث عن بدائل للوقود الأحفوري من نفط وغاز.
ومع بوادر الخروج من الأزمة الأقتصادية العالمية وبروز بعض مؤشرات الأنتعاش، فأن أستقرار السعر السائد يصبح من العوامل المساندة لهذا الأتجاه. والقراءة العامة تشير الى أمكانية استمرار هذا الوضع لأن السعودية وهي التي تملك أكبر خزان نفطي في العالم من ناحية الأحتياطيات الى جانب القدرة الأنتاجية الهائلة التي تصل الى 12،5 مليون برميل يوميا تجعلها في وضع يمكنها من التأثير على تحركات سعر البرميل وأبقاءه في الحدود المشار اليها وهي 70-80 دولارا للبرميل، وهو يقارب المعدل الذي أقترحه من قبل العاهل السعودي الملك عبدالله، الأمر الذي ينقل السعودية فعليا الى لعب دور المنتج المرجح الذي يرتفع بأنتاجه ويخفضه حسب أحتياجات السوق وضبط الأسعار، وهو ما تبدو السعودية متجهة للقيام بهذا الدور دون اعلان رسمي.
بوادر الأنتعاش الأقتصادي تتعلق الى حد كبير بالأقتصادات الغربية، أما الصين والهند وتلك الآسيوية عموما فتعيش في حالة من النمو الأقتصادي المستمر الذي يحتاج الى توفر الطاقة. وهكذا فمن جانبي الطلب على النفط ووجود مؤشرات قوية على أستقرار الأسعار وفي معدل جيد جدا بالنسبة للمنتجين، فأن دخول شركات غربية للعمل في صناعة النفط السودانية لا يبدو أمرا مستغربا، ومع ملاحظة انه عند أنضمام السودان الى نادي الدول المصدرة للنفط كان سعر البرميل لا يتجاوز 12 دولارا، الأمر الذي يشير الى ربحيته العالية.
واذا كانت الشركات الغربية وجدت في السودان فرصة أستثمارية سعت الى أقتناصها رغم المخاطر السياسية والأقتصادية والأمنية، فمن باب أولى أن يتبنى أهل الدار موقفا أكثر أيجابية من مخيمات العزاء التي يجري نصبها الآن، وأن يتذكروا ان ممارسة حق تقرير المصير هو أعلى مراتب العمل الديمقراطي حتى وان جاءت النتيجة لصالح الأنفصال. ويبقى المهم الحفاظ على مبدأ عدم العودة الى مربع الحرب وتمتين مناخات السلام والحوار، وهي البيئة التي يمكن عبرها مواجهة قضايا السودان وما أكثرها.
alsir sidahmed [asidahmed@hotmail.com]