محجوب عثمان .. أو هيبة الكتابة
moawia_gamaleldin@hotmail.com
يحق فيه بيت محمد المهدي المجذوب في قصيدة "المولد" : ندبوه للملمات الخطيرة . حين يهبط الظلام ، وتضيع الدروب ، وتقترب أنياب العدو ينهض ( الرفيق ) محجوب عثمان واثق الخطوة يمشي للأمام لإنجاز واجبه الحزبي وأداء التكليف الذي وكل إليه.
على أن صفته كصحفي تعلو ما عداها .. وكان فخوراً أن الخبر كان مدخله للصحافة وهو المدخل الصحيح للصحفي الحقيقي ، فالصحافة ( خبر ) ، وفي ملعبه هذا حقق خبطات مشهودة نذكر منها على لسانه :
" أذكر أنني تحصلت على خبر مهم جداً – بحكم علاقاتي – ونشر كمانشيت لـ " الرأي العام " وكان له دوي وسط القراء لان " الرأي العام " لم تكن تنشر مثل هذا الخبر الصاروخ .. كان ذلك في حوالي العام 1951م ، وكانت تربطني بقيادة إتحاد نقابات عمال السودان رابطة وثيقة ، مثل محمد السيد سلام والشفيع أحمد الشيخ وغيرهما .
وكان إتحاد نقابات عمال السودان في ذلك الوقت يحمل إسم " المؤتمر العمالي" ، وبحكم علاقتي هذه رُشحت كي أرأس تحرير جريدة "الطليعة" الناطقة باسم الإتحاد ، وكان عمري في ذلك الوقت 24 عاماً ، بينما ينص قانون الصحافة على ألا يقل عمر رئيس التحرير عن 25 سنة ، وأستطعنا التحايل على هذه العقبة وتوليت رئاسة تحرير "الطليعة".
كان لنقابات العمال دور عظيم في معركة محاربة الاستعمار ، وبالتالي للإستقلال ، فالمطالب لم تكن فئوية ، أو إقتصادية ، وإنما كانت تشتمل على جانب وطني واضح للغاية .
وأذكر في ذلك الوقت أن أتخذت قيادة العمال قراراً سرياً بالإضراب لكنهم أخبروني بالقرار وحددوا لي موعداً معيناً للنشر.. إستطعت أن أقنع الأستاذ اسماعيل العتباني بنشره ، ونُشر الخبر قبل أن يُعلن رسمياً وكانت خبطة صحفية ( جريدة الفجر اللندنية 7/6/1998).
وهناك خبطة صحفية أخرى كانت واحدة من تلك الخبطات التي شادت مجد محجوب عثمان الصحفي وهي واحدة من المحطات الرئيسية في مشواره الصحفي الطويل يقول عنها :
" في العام 1952 ، دُعيت ضمن وفد – أظنه الوفد الثاني في تاريخ الصحافة السودانية – الذي يُدعي لزيارة بريطانيا ، وكان الوفد يضم المرحوم الأستاذ على حامد والأستاذ الفاتح النور ، والأستاذ المرحوم أبوعكر من وزارة الاعلام وشخصي.
بعد نهاية الرحلة عاد الزملاء الى الخرطوم فيما فضلت الذهاب الى القاهرة . كان ذلك في منتصف يوليو 1952 .
وفي الثالث والعشرين من يوليو وجدت نفسي في خضم الثورة الرهيب .. هنا لابد من الاشارة إلى أعتبارات معينة أولاً:
ثورة يوليو كان يقودها اللواء محمد نجيب الذي كانت تربطه عواطف خاصة بالسودانيين ، فوالدته سودانية . وفي هذه المناسبة لا ننسى أنه وحد الاحزاب الاتحادية في يوم من الايام ، وعلى يده تكون الحزب الوطني الاتحادي.
هذا الواقع .. واقع ان محمد نجيب يحب السودانيين ، بالاضافة الى أنني كنت الصحفي السوداني الوحيد الذي حضر إندلاع ثورة يوليو ، وبالتالي كنت أُغطي المؤتمرات الصحفية وأتردد على القيادة العامة للجيش في العباسية ، إضافة إلى أنني تعرفت على اللواء محمد نجيب وإلى مجموعة ضباط ثورة يوليو ، هذا الواقع دفع قيادة الثورة لكي يمدوني بالاخبار الخاصة بالسودان " .
ويضيف الاستاذ محجوب عثمان قائلاً :
" كانت الرأي العام تنشر ما أرسله من أخبار كما هو ، وروى لي الأستاذ إسماعيل العتباني بعد أن عُدت إلى السودان ، أن الرأي العام كانت تباع في السوق السوداء بعشرة قروش ، وهذا الرقم يساوي 10 أضعاف ثمنها تقريباً الذي كان قرشاً" .
( جريدة الفجر اللندنية 7/6/1998).
وعن حوادث مارس 1954م يقول الأستاذ محجوب عثمان :
" في أحداث مارس كنت في ميدان المعركة وشهدت الناس يموتون أمامي ، كان ذلك بالرصاص أو بالسيوف أو غرقاً في النيل . كنت أستعين بالمصور السينمائي المشهور كمال محمد إبراهيم الذي قام بتصوير الاحداث سينمائياً وفوتوغرافياً ، وكان يقوم بالتصوير من مبنى وزارة المالية ( جريدة الفجر 6/7/1998).
وماذا عن محجوب عثمان كاتب المقال والعمود ؟
أهم ما يميز الأستاذ محجوب عثمان كاتب المقال والعمود شجاعته ووضوحه في التعبير عن رأيه ، ومن هذه الصفة إكتسبت كتاباته هيبةً وجلالاً .
ومن دقته وأمانته في صياغة الخبر ، وشجاعته في كتابه المقال والعمود تكونت شخصية الأستاذ محجوب عثمان الصحفية الكريزمية .
مماته يعني أن حياته في طورها الاول إنتهت ، وأن حياته الثانية بدأت وهي المرحلة التي أصبح فيها إنتاجه الفكري وإبداعه الصحفي ملكاً للاجيال يتوارثه الجيل بعد الجيل .