فصل الدول وانفصال الشعوب!
من الملاحظ أن التركيبة الدولية القديمة كانت تتميز بهيمنة نموذج الدولة الامبراطورية التي تضم عدداً كبيراً من الأعراق، الديانات والثقافات المختلفة كالامبراطورية الرومانية ، الفارسية والعثمانية ، أما التركيبة الدولية الحديثة فيسودها نمط الدولة الصغيرة التي تتشكل من عرق أو دين أو ثقافة ذات سمة غالبة ، ويُلاحظ أيضاً أن القرن الماضي كان بحق قرن الانفصالات الدولية التي سقط خلالها ملايين الضحايا ، فقد انفصلت الهند إلى الهند، باكستان وبنغلاديش ، وانفصلت الصين إلى تايوان والصين ، وانفصلت مصر إلى مصر والسودان ، وانفصلت اليمن إلى يمنين وكوريا إلى كوريتين، وفيتنام إلى فيتنامين وألمانيا إلى ألمانيتين ، وانفصلت تشيكوسلفاكيا إلي تشيكيا وسلوفينيا ، وانفصلت يوغسلافيا إلى صربيا، كرواتيا، مقدونيا، الجبل الأسود، البوسنة والهرسك وكوسوفو، وانفصل الاتحاد السوفيتي إلى روسيا ، أرمينيا ، ازربيجان ، جورجيا، استونيا، لاتافيا، اوزبكستان، كازاكستان ، تركمانستان وهلمجرا ، وانفصلت الحبشة إلى أثيوبيا وارتيريا علماً بأ الدول الوحيدة التي توحدت بعد انفصال هي اليمن وفيتنام وألمانيا، أما في هذا القرن فإن المشاريع الانفصالية ما زالت قائمة على قدم وساق في بريطانيا، أسبانيا، بلجيكا ، الصين ، الولايات المتحدة الأمريكية والسودان المرشح بقوة للالتحاق بركب الدول المنفصلة في القريب العاجل!
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي أخطر الثغرات المفضية لفصل الدول وانفصال الشعوب؟ من المؤكد أن هناك عدة أسباب تؤدي إلى ذلك لعل أبرزها (أ) قيام عرق أو طائفة دينية أو سياسية معينة بالهيمنة على السلطة وممارسة الاستعلاء العرقي أو الديني أو السياسي على الأعراق والطوائف الأخرى المكونة للدولة (ب) التمسك بمبدأ السيادة الداخلية بدون وجه حق، فهناك دول تتعارض قوانينها المحلية وسياساتها الداخلية مع المعاهدات الدولية التي وقعت عليها والمتضمنة حماية كافة حقوق الانسان الاجتماعية والثقافية والسياسية وحقوق الشعوب بما في ذلك حق تقرير المصير (ج) عدم التعاون مع المنظمات الدولية لحقوق الانسان والتضييق عليها وطردها ، فهذا المسلك يشكل في نظر المنظمات الدولية دليلاً قاطعاً على عدم الاستعداد لتطبيق ابجديات العدالة الدولية (د) التمسك بنظرية المؤامرة والذي ينم عن انعدام الواقعية السياسية ، فمن المعلوم أن دول العالم الأول قد قامت في الماضي باستعمار سائر دول العالم الثالث ورسمت حدود دوله حسب مصالحها الخاصة وهي تستفيد من المنازعات الحدودية والداخلية في دول العالم الثالث عبر تصريف منتجاتها من السلاح ، وبالتالي فإنه يجب على دول العالم الثالث عدم استعداء دول العالم الأول القوية ، وحل مشاكلها الحدودية بالطرق السلمية ، وعدم الانجرار إلى سباقات التسلح العبثية ، وحل مشاكلها الداخلية عبر تنفيذ مشاريع التنمية وإشاعة العدالة الاجتماعية والثقافية والدينية حفاظاً على وحدتها السياسية ، أما ممارسة العنجهية العرقية والاستعلاء الطائفي والاستهانة بالقوانين الدولية واستعداء المنظمات الدولية فهو أقصر الطرق لفصل الدول وانفصال الشعوب مهما بلغت درجة قوتها فهلا تحركت كل الحكومات العربية لاجراء الاصلاحات السياسية، الاجتماعية والاقتصادية الكبرى قبل فوات الآوان؟!
fsuliman1@gmail.com