إنهيار جامعات ومسئولية رئاسة الجمهورية
الجامعات السودانية والتي شهدت مخاض التأسيس والإنطلاق والتي أجملتها حكومة الإنقاذ في ثورة أطلق عليها ثورة التعليم العالي والتي كانت بمثابة التحدي الكبير والشاق في قيام وتأسيس وتثبيت هذه الجامعات وبدء قبول الطلاب بها.
هذه الثورة التعليمية والتي سحبت البساط من البعثات الدراسية في الخارج والذي أدي الى أن تشرع وزارة التعليم العالي في إرجاع وإعادة كثير من الطلاب للدراسة بالداخل وإلحاقهم بالجامعات المحلية وخاصة أولئك الطلاب والدارسين في بعض الدول والتي شهدت إضطرابات سياسية وعدم إستقرار سياسي وأمني هدد حياة هؤلاء الطلاب والحقتهم بجامعات قائمة وموجودة وكانت معظم هذه الجامعات في العاصمة الخرطوم وكذلك قللت الدولة وقلصت أعداد الطلاب المبعوثين للخارج وإقتصرتها علي إبتعاث طلاب الدراسات الفوق الجامعية .
رافق تلك الإجراءات إلغاء نظامي مجانية السكن والإعاشة والتي كانت تتكفل به الدولة كخدمة لطلاب السودان ولذويهم ولكن ثورة التعليم العالي الإنقاذية رأت غير ذلك وأوكلت أمر سكن وإعاشة الطلاب لما عرف بالصندوق القومي لدعم الطلاب والذي تحول بعد ذلك لأسم الصندوق القومي لرعاية الطلاب والذي حظي بكثير من الإستثمارات والعوائد المالية وكذلك الأصول والمباني والتي كانت تتبع لإدارات الجامعات ويشرف عليها عميد شئون الطلاب في كل جامعة .
إنتشرت الجامعات الولائية وزاد عددها وتوسع قبول الطلاب فيها وأنشئت مختلف الكليات وفي مدن وقري من أجزاء السودان لم يكن الكثير من أهل السودان يعرف أسم تلك المناطق من قبل مما أتاح فرصة التعليم لأكبر قدر ممكن من الطلاب وكانت جرأة هذه الثورة التعليمية في قيام هذه الصروح وبالإمكانيات المتاحة والشحيحة وقد قامت كثير من هذه الجامعات علي أنقاض ومباني مدارس ثانوية أو معاهد تربوية أو مباني إدارية أخري وبرغم صعوبة التحدي ومسئولية التأسيس إلا أن هذه الجامعات أصبحت واقعاً أتاح الفرص لكثير من أبناء الأسر السودانية لتلقي أساس التعلم والتخصص المهني ومنحت هذه الجامعات الشهادات المختلفة لهؤلاء الخريجين وبل أن بعض هذه الجامعات منح شهادات الدراسات العليا وأقام برامج للدراسات العليا وللدراسات فوق الجامعية .
لم يقتصر إنشاء الجامعات علي الحكومة فقط بل إنتشرت كذلك الكليات والجامعات الخاصة والتي أتاحت الفرصة لرأس المال والمستثمرين من الدخول في هذا المجال وأصبحت هناك جامعة التاجر ورجل الأعمال فلان وأخرى جامعة بروفيسور أو دكتور فلان !!! ومنحت هذه الجامعات مواقع مميزة وفقاً للإمكانيات المالية لأصحابها وممتلكيها أو نفوذهم وقربهم للسلطة والحكومة ؟.
ولكن الملفت للنظر أن هذه الجامعات وبالذات الحكومية منها قد خضعت في إختيار مديريها من قبل وزارة التعليم العالي على أسس غير واضحة ومعايير ليست بمثالية وبعضها حظي بمديرين لم يكونوا في يوم من الأيام عمداء لكليات جامعية أو حتى رؤساء أقسام بالمؤسسات التعليمية التي كانوا يعملون بها وحظيت الجامعات الولائية بمديرين مستوردين من الجامعات الموجودة بالخرطوم وهذه الجامعات الولائية و حتى اللحظة مفروض عليها التعيين والوصايا من الجامعات الموجودة بالخرطوم وفي رواية أخري جامعة الجزيرة....
وحتى الأن لم تتولد لدى القيادة السياسية القناعة بقدرة كوادر هذه الجامعات على قيادة جامعاتهم والتي لهم فضل التأسيس لها والصبر على البدايات ونضوج التجربة ومن العجيب أن الوزارة ورئاسة الجمهورية أستوردت بعض المديرين الذين لم يكونوا بمستوى الحدث أو الإقناع وقادوا بعض الجامعات الولائية بئس القيادة وقدموا النموذج القبيح للعمل الإداري والقيادي وأحدثوا في هذه الجامعات كثير من المشاكل والعاهات وخلقوا نوع من حكم الهوي والإستبداد والفساد في تسيير أمور هذه الجامعات وعملوا علي خلق نوع من عمداء الكليات الضعاف والمنافقين والذين يحرصون علي المخصصات والإمتيازات الإدارية ومنصب العميد دون دور مقدر وملموس وبل يدورون في فلك مدير الجامعة ويدارون ويدافعون ويزعنون لخيبته وسوء إدارته وبل لم يكن يهمهم إستقرار الجامعة أو خلق البيئة الصالحة للطلاب والعاملين وتسيير العملية التربوية بشكل مسئول ويراعي مصلحة البلد وشعبه وطلابه وأسرهم بل كانت مصالحهم تتقدم علي مصلحة ومستقبل أبناء البلد .....
تخيلوا مدير جامعة يدير جامعة لأكثر من ثمانية سنين ويتجاوز المدة القانونية لإدارة الجامعة وحسب اللوائح والأعراف وأكثر من نصف مدة إدارة هذا المدير حفلت بإغلاق الكليات وتعطيل الدراسة فيها وكلما واجهته مشكلة طلابية وحتي إن كانت من النوع البسيط فسعادته لا يعرف اللجوء للحلول ومواجهة المشاكل والصبر بل يسارع بإصدار قرار الإغلاق ودون إحترام أراء عمدائه الضعاف, والطلاب وأسرهم يشتكون ويرفعون مظلمتهم للجهات المسئولة ولكن لا حياة لمن تنادي !!!
ونموذج آخر لمدير جامعة معروفة وكبيرة قضي مدته الكاملة القانونية ثمانية سنوات وحفلت إدارته بإنجازات وكثير إخفاقات وتميز هذا المدير بأسلوب الفوقية والدكتاتورية وخلافه مع العديد من الأساتذة والإداريين وأشتهر بالفظاظة والعنجهية و ليتم نقله لموقع آخر من قبل رئاسة الجمهورية بعد إستيفائه لمدته وإنتهاء فترته بالجامعة وهذا القرار أفرح البعض في هذه الجامعة لما وجدوه من معاناة وعنت مع هذا المدير ولكنه لم يستمر طويلاً في موقعه الجديد وتمت إعادته مرةً أخري لنفس الجامعة وبقرار جديد وتجاوزاً للأعراف واللوائح المتبعة وليقوم هذا المدير بتصفية حساباته ضد كل من فرح لنقله ويأتي بجماعته وبطانته من جديد للمواقع الإدارية ويعيد نفس الملامح القديمة ويسير علي نفس المنوال ولم يكن المدهش ما فعله ولكن الغريب كان في قرار الوزارة ورئاسة الجمهورية والتي قضت بإرجاعه لتلك الجامعة والتي تم أعفائه بعد ذلك منها وبسبب وجوده في منصب تشريعي ممثلاً لمنطقته أو ولايته وأقليمه وأتى الإنقاذ سريعاً لمجتمع تلك الجامعة في الخلاص من ذلك المدير العتيق والواصل!! ؟؟
ونماذج لمديرين في جامعات ولائية أستوفوا مدتهم ثمانية سنوات وبعد ذلك تم تعيينهم مديرين لجامعات ولائية أخري وكأنما حواء السودان لم تنجب غيرهم ولا يوجد علماء وإداريين غيرهم!!! ومن هؤلاء المديرين من إصطدم بأهل الولاية الجديدة ومجلس الجامعة التي نقل وعين فيها وبعد ذلك تم إعفائه من قبل الرئاسة بعد تحفظ مجلس الجامعة عليه ورفع الأمر لرئيس الجمهورية !!!
وكذلك حظيت بعض الجامعات بمديرين عملوا في مواقع إدارية بالوزارة وفي مناصب قيادية كمنصب أمين عام وزارة التعليم العالي وغيرها من المناصب برئاسة الوزارة وبعد إنتهاء مدتهم أو إعفائهم تذهب بهم الوزارة ورئاسة الجمهورية لتولي وإدارة أحد الجامعات وكأن الوزارة لا تري غير هذا الإداري والذي خدمها لمدة و زمن ليس بالقليل ويبرز سؤال هل هذا الإختيار لكفأة هذا الرجل أم مكافأة له وإعطائه منصب جديد وإمتياز جديد و إستمرارية للمخصصات المالية والإمتيازات والتي كانت تعود عليه من الوزارة ومثل هذا التوجه والمنحى لا يوجد له تفسير أو دلالة منطقية ويعطينا إنطباع أن الوزارة لا تجهد نفسها في البحث عن المديرين المناسبين أو أنها ليس لديها الثقة في العلماء والأساتذة الذين يعملون بتلك الجامعات وفي قدراتهم العلمية والإدارية ومع كثرتهم وتميز بعضهم ولكنهم بالطبع لا يروقوا لمزاج السياسيين وصناع القرار ؟؟؟؟؟
بل ومن العجيب بعض هؤلاء المديرين قد أنتهج طريق العنصرية والجهوية والمحسوبية وقام بتوظيف وتعيين أفراد أهله أو منطقته أو قبيلته وفي مختاف الوظائف,بداية من الوظائف العمالية وحتى هيئة التدريس وليعطي النموذج السيئ للإدارة والفساد الإداري وبل أن بعض نموذج المديرين من هذا النوع وعندما يواجه بخلاف مع من يعمل معه من الأساتذة أو الإداريين أو يواجه ببعض المشاكل الطلابية, يتشدق هذا المدير بالقول أنه عينه رئيس الجمهورية وأنه لا شئ يهزه لأنه معين من الرئيس وهذا حدث كثيراً في جامعة ولائية إشتهرت بالمشاكل وعدم الإستقرار و طول مدة إدارة هذا المدير الطويلة المدي ومن النوع الفوق الثمانية سنوات وبعلم الوزراء المتعاقبين علي الوزارة المسئولة عنه وبرغم إخفاقاته المستمرة !!!
بعض الجامعات بدأت تتململ من الواقع الإداري المزري والذي طال أمده ومدة من يديرون ولأن هؤلاء المديرين لم يقدموا الشئ المقنع والمعقول وبل أحدثوا شروخاً وأذي في جسد هذه الجامعات وقدموا نموذج الأنا وحفلت مدة إدارتهم بعدم الإستقرار الأكاديمي والمهني ولم يفعلوا ما يطور هذه الجامعات وأداروا هذه الجامعات وكأنها شركات خاصة أو ملك حر وسيروا هذه الجامعات بحكم الهوى ولهم كثير من الإسقاطات والعيوب , ومن المحزن أن وزارة التعليم العالي كانت علي علم بذلك من خلال ما يردها من تقارير ومن خلال ما يتم تداوله عبر أجهزة الإعلام المختلفة أو من خلال شكاوي الطلاب وذويهم أو من خلال شكاوي وتذمر أساتذة الجامعات المختلفة أو من خلال حدوث بعض الأحداث ذات الصدى الكبير والمدوي والمذهل وكذلك كانت رئاسة الجمهورية على علم بذلك ولم تحرك ساكناً والتي يقع علي عاتقها تعيين مديري الجامعات ومن خلال قرار الرئيس وبتوصية من الوزير....
ما يحدث الأن من مشاكل ومن فراغ إداري ومن خلل يكون سببه المباشر مدير الجامعة المعينة هو مسئولية رئاسة الجمهورية ولأنها هي التي تسمي مديري الجامعات المختلفة وإن غض الطرف عما يدور في بعض الجامعات سيؤدي إلي إنهيار العملية التعليمية والتربوية والإدارية وبالتالي سيقود إلى إنهيار هذه الجامعات ويؤثر على سمعة التعليم في السودان وبدوره ينعكس على سمعة الأستاذ الجامعي السوداني وبالتالي تتحمل وزارة التعليم العالي هذا الإنهيار ومن قبلها رئاسة الجمهورية والتي تختار الوزير المحدد للتعليم العالي وتعمل بتوصيته لإختيار المدير للجامعة المحددة.....
لذا وجب على رئاسة الجمهورية التدقيق في إختيار مديري الجامعات المختلفة ووجب عليها أيضاً إحترام قدرات ورغبات أساتذة الجامعات الولائية والتي أصبحت ذات تجربة وخبرة ويجب إعطائها حق أن تدير شأنها وبكوادرها ولأنهم مواطنين سودانيين وقادرين علي إدارة أمورهم وإن كان للوزارة والرئاسة رأي آخر في فرض الوصايا علي هذه الجامعات فليفكروا في إغلاقها أو تقليص وجودها وحتى لا تكون مؤسسات منهارة لا تتحمل مسئولياتها والسبب سوء إدارة مديريها وفشل إختيار الوزارة لمديري الجامعات والتي يجب أيضاً على الرئيس أن يقدم لها الوزير المقنع والمقتدر إدارياً وعملياً وكما يجب إبعاد وزارة التعليم العالي من نظرة ووجهة الوزارات الخاضعة للموازنات السياسية الضيقة بما فيها من جهوية أو قبلية ولأنها هي الوزارة المسئولة عن تأهيل الأجيال وأبناء الوطن مهنياً وأكاديمياً وهذه قيم ومعاني لا تحتمل المناورة السياسية أو المجاملة أو الإستهتار أو التأخر في إتخاذ القرارات الحاسمة ...!
tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]