فى سيرة المعارضة وامكانية الثورة الشعبية

 


 

صديق محيسي
23 March, 2011

 


-1-
  يطرح  فشل المعارضة  السودانية  في العمل على مجابهة  نظام  العصبة  الاستبدادية الحاكمة  أولا  وليس إسقاطه  سؤالا  نحسب انه هام  وهو  كيف  ترى هذه المعارضة  طبيعة هذا النظام  وهو يدخل  عقده  الثالث ؟ والرؤية التي نقصدها هي وضعية هذا  النظام  داخل العقل المعارض الحزبي, هل هو مثلا  نظام يمكن محاورته  والوصول  معه  إلى نتيجة  تصب في مصلحة  الخطاب الديمقراطى الحقيقي  مثل  ما يسعى إلى ذلك  الصادق المهدي زعيم حزب الأمة؟, أم هو  نظام  مستعد  لعقد الصفقات الشخصية  كما  يفعل  زعيم الحزب الاتحادي الديقراطى محمد عثمان الميرغني الذي  ينظر إلى نظام الإنقاذ  من خلال  جيبه الشخصي لقبض تعويضات  عن أراض  وأصول  كان الأخير صادرها   في الأيام  الأولى للانقلاب العسكري , أم هو  في عقل الحزب الشيوعي  نظام استبدادي  يجب إسقاطه  ولكن  ذلك لن يحدث  إلا عندما  ينجح الحزب  فى معاركه  الطويلة  المتأتية لاسترداد أدوات الانتفاضة  وهى النقابات العمالية   والزراعية والطلابية التي استولى عليها الانقاذيون عندما  اكتشفوا  أنها سلاح باتر طالما  استعمله  الشيوعيون  في إسقاط  نظامين مشابهين لنظامهم , أم هو نظام  حسب رؤية المؤتمرالشعبى  صراع   تاريخى   وثأري شخصي بين الترابي والبشير يتوق الأول إلى رؤية حسمه  إمام أعينه  قبل إن يغادر الدنيا, أم هو وهى رؤية  القوى  الشبابية الجديدة نظام  انتهت صلاحيته السياسية ويجب إن يسقط  كله  كما  تسقط البنايات الضخمة  بوضع المتفجرات  ا سفلها  فتنهار عموديا مخلفة ورارءه غبار  كثيف  سرعان ما يبدده الهواء  ليرى الناس  تحت ضوء الشمس  كم كان هذا النظام  ضعيفا  وهشا رغم  ما كان يملك  من  ماكينات  أمنية  عقائدية ونفعية  يدخرها  لليوم الأسود .
 إذن إما منا  ثلاثة رؤى علينا بحثها  واحدة واحد ة , ونبدا  بالأولى   وهى رؤية الصادق المهدي  الذي هو حزب الأمة  ,وقبل إن  نخوض  في هذه  المخاض  فلنجرب معا تحليل هذه الشخصية  الصادق المهدي  ذلك الشاب  الذي عاد  من بريطانيا   فى بداية  الستينات من القرن العشرين وهو يرفع راية التجديد  لحزب الأمة نفسه ليخلصه من نظرية الإمامة  ويدخله  في  دائرة الحداثة  ,اي  إن يفصل الأثر الديني المهدوى عن البنية السياسىة  للحزب ,ومع  وجاهة  ومنطقية المشروع  في ذلك الزمان , إلا إن الصادق  المهدي  كطموح  شخصي للزعامة كان حضورا  قويا  داخل  ذلك المشروع  ,وبان  ذلك  بعد  انتصاره  على عمه  الإمام الهادي , وتقسيم الحزب الى حزبين  ,جناحه , وجناح  الإمام , فافضت المعركة  لان يصبح  الرجل  اصغر رئيس  للوزراء  محققا اناه  العليا على السفلى , ومتخليا  عن  رايات تجديدة  ليعود  هو امام  ورئيس  للحزب  بالرغم  مما يظهر على السطح  ان الامامة  شأن دينى , والرئاسة شأن سياسى ,ولكن الواقع  يقول ان حزب الامة  هو الصادق , وان الصادق  هو حزب الامة  حتى  لو  وضع المشروب القديم فى زجاجات جديدة.
   لقد تناول الكثيرون من  الكتاب  والمحللين مسيرة الصادق المهدي بدءا  من التاريخ   الذى اشرنا   وهو انخراطه في العمل السياسي  وحتى بلوغه  السبعين  ,فاجمع عدد  كبير منهم  على إن الرجل  يتخبط  في متاهات المواقف اللفظية ,وهو كثير  الكلام  قليل الأفعال , يجد  ذاته  في استنباط المصطلحات السياسية والتشبيهات الشعبية كبديل  للفعل السياسي المفيد , ولو كان نظام الإنقاذ  يسقط  من جراء تلك المصطلحات  لكان قد سقط  منذ  مصطلح الجهاد  المدني الذي رفعه في بداية عهد الديكتاتورية الاسلاموية لقد  استخدم  صادق المهدي  مصطلح  القوة الناعمة  مع  نظام الإنقاذ  وهو يعلم خشونة  قوة العصبة  التي وصلت حدا لان تكس  يد ابنته, ويدمن المهدي المواقف الضبابية  عندما  يخّير نفسه  بين الالتحاق  بجناح  المعارضة  الذي يسعى إلى إسقاط  نظام الإنقاذ  عبر الشارع , وبين  إن يختار اعتزال  العمل السياسي   إذا لم تستجب  الإنقاذ  إلى شروطه  ولما  سألته  جريدة الشرق الأوسط  لماذا  إذن اختار  تاريخ   السادس  من يناير الماضي رد بقوله ( وضعت هذا التاريخ لأنه مهلة كافية للتفكير وتيمنا بيوم تحرير الخرطوم في 26 يناير 1885، من الاستعمار التركي، وانتصار الثورة المهدية على الاستعمار، وباعتبار أن هذه المهلة كافية للتفكير، باعتبار أن البلد في خطر شديد، ونحن محتاج لأجندة وطنية فيها ضرورة التعامل الوطني العقلاني مع الجنوب؛ وهذا يعني أن نتكلم   ولو نظريا  عن الشروط الأفضل للندية للوحدة، حتى إن لم تجد العناية والرعاية والتأييد الآن، لكنها على الأقل تظل مرجعية بالنسبة للمستقبل، وكذلك ضرورة التحدث عن العلاقات بين دولتي السودان اللتين يجب أن تقوما على أساس احترام متبادل في كثير من الملفات، وعلى كل حال تجنب الحرب، وتجنب خلق مشكلات في ما بينهما، ونحن نعتقد أن هذا جزء مهم من الأجندة الوطنية، وأيضا ضرورة  حل مشكلة دارفور بالاستجابة لمطالب أهالي دارفور وموضوع الحريات، وموضوع التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية على أساس عقلاني، وليس الكلام السطحي بأنه يمكن إهمالها، وأنها ستحل وتمضي وحدها، وكذلك المسألة الاقتصادية.)
 جاء هذا التاريخ  فمر يوم  تحرير الخرطوم ولم ينفذ المهدي  اى من الخيارين,  بل انخرط  مجددا يفاوض النظام  مجددا  مثلما فاوضه  في الماضي ولم يحصل منه على شيء , ويبرر الصادق  للعصبة الحاكمة  تعنتها ورفضها الحوار مع اى من كان  بقوله ( أنا أعتقد أن في داخل المؤتمر الوطني وعلى مستويات مختلفة هناك وطنيين وعقلاء، ولكن الأمور في رأيي في أيدي أشخاص أجهضوا قبل هذا اتفاق التراضي الوطني، وأجهضوا اتفاق نداء الوطن، وما داموا موجودين فسيغلقون الباب أمام هذا التفكير، ولكن على أي حال نحن لا نعتبر أنفسنا في مباراة بيننا وبين المؤتمر الوطني، ولكن بيننا الشعب السوداني، وبيننا الأسرة الدولية، وبيننا العالم، ليحكم، لأننا عندما نقول كلاما معقولا مثل هذا، يرفض أولا، وحتى إذا رفض من قبل الصقور سيكون مقبولا لدى عقلاء في المؤتمر الوطني. عموما  نحن نعرض على النظام تذكرتين  التذكرة القومية أو التذكرة التونسية  )  تلك هي رؤية المهدي  للإنقاذ  فهو لم يقتنع  بعد  بأن هذا النظام  ليس لا يغترف بالحوار بل يرفضه ويقاومه بقوة  لأنه يعرف إن الحوار الذي تريده المعارضة سيقود فى نهاية  المطاف إلى تجريده  من أسلحته التي يعتمد عليها في البقاء في السلطة, وهى إلغاء سلسلة القوانين المقيدة للحريات  التي تؤدى إلى تحول  ديمقراطي حقيقي والذي إذا قبل بت النظام يكون كمن يصعد أولى الدرجات إلى حبل المشنقة , إذن على المهدي إن يفهم   كل ذلك وأظنه  يفهمه جيدا , ولكنه لا يريد مواجهته ,  ويزيد المهدي من إسراعه في الهروب  إلى الإمام  فبهمل المعركة الحقيقية مع النظام وينصح الجنرال ضياء الحق بكيفية تطبيق الشريعة ويكتب للقذاف رسالة رقيقة  يطلب منه  فيها عدم  قمع  الليبيين  فيترك الباب مواربا إذا انتصر القذاف وقضى على الشعب الليبي  ويظهر بمظهر الثوري إذا انتصر الشعب الليبي  ويلوح  المهدي  للنظام  بالثورات التونسية والمصرية واليمانية ولكن كل ذلك  لا يخرج عن إطار اللغة والشفاهة,  إن التحليل المنطقي لارتباك وتذبذب الرجل هو انه لا يملك الجسارة الوطنية احد أهم شروط  القائد الوطني, ليريد  إن  يدخل السجن كما  دخله مناديل  وقضى  فيه   اكثر من ربع قرن من الزمان , ولا يريد إن يكون كالمناضلة البورمية وأنج سان ستوشي المرأة التي هزت عرش العسكر  البورميين فنالت  جائزة نوبيا مكافئة لها على الصمود على مبادئها, هل في مكنة الصادق  إن يقود الآلاف من أنصاره ويخرج  إلى الشارع  لمواجهة  نظام الإنقاذ؟ ويكرر ذلك كل مرة ويتعرض للاعتقال والتعذيب كالإبطال الوطنيين ؟  هل في مكنة المهدي إن يثبت على موقف واحد  لا يتغير تجاه  الإنقاذ ؟ ,  هل  في مكنة المهدي  إن يختار  لغة واضحة في مخاطبة النظام غير لغته التي تحتمل  الموافقة والمعارضة في وقت واحد ؟, هل في مكنته إن يقف  مع المعارضة رغم هزالها على  جادة واضحة  بينة دون اختيار جادات  سرية مع المؤتمر  الوطني؟ لقد ووجه المهدي  قبل ثلاثة أشهر بعاصفة من الهجوم والانتقادات في فندق رمادا  بالدوحة  حينما هاجمه  احد  أبناء دارفور عندما  ظهر على شاشة التلفزيون الحكومي  ليهاجم خليل  إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة لأنه هاجم النظام عسكريا  في عقر داره , وهوجم المهدي لأنه يرى إن قيام انتفاضة في السودان ستقود البلاد إلى صومال جديد , فهو معجب باستخدام  مصطلح (الصمولة) فقط وهو امرغريب لا يستقيم فيه أوجه الشبه  بين الحالتين,  فالصراع  الناشب  في الصومال هو صراع قبلي قبل اى شيء , بينما الصراع  في السودان هو سياسي مركزه عصبة من اللصوص مصرة على حكم  البلاد  بالقوة  , في عرض حال المهدي  الماضي  والراهن  انه لا يستطيع إن يفعل ذلك , والدليل إن أخر مظاهرة في أبو جنزير  التي بكر  بحضورها  نظيره  سكرتير الحزب الشيوعي  ولم يحضر هو  بحجة  إن الأمن عرقل  وصوله  إلى الميدان الذي لم يبق منه سوى اسمه , وكان على الزعيم وهو يحسب  تكتيكات الأمن  إن يختار اى منزل  من  منازل  أسرته  الكبيرة  أو أنصاره  في الخرطوم  ليقضى الليل فيها  حتى يفوت  الفرصة  على امن الانقاذيين , ولكن الباطن الذي لا يمكن  سبره  إن الرجل  قد فزع من التجربة  لان  المواجهة  مع  امن قوش ربما تؤدى الى التهلكة وهو يريد نضالا سلميا مثل نضال المهاتما غاندى الذى لم يعد  صالحا  لهذا العصر, وحتى ذلك فأن الشك يرد  بقوة  في انه يستطيع  ممارسته,فهو  لا يمكن إن يستلقى على خط السكة الحديد لمنع القطارات من التحرك كما كان يفعل غاندي الذي كان يحتمل  حتى صب الأوساخ عليه من  قبل الانجليز , فغاندي كان كان ليؤمن بالملابس الكاملة , فهو يملك  قطعة واحدة يغسلها وينتظرها حتى  تنشف ليستعملها مرة أخرى  ,ولا نظنن إن المهدي يرضى إن تتسخ ملابسه البيضاء, والمخططة في سبيل مواجهة عدوه  الإنقاذ
  على القوى  الوطنية المخلصة وضع الصادق المهدي جنبا إلى جنب مع المؤتمر الوطنى  بعد  إن انكشف  تحالفهما  الجديد من اجل   قطع  الطريق  على عملية التغيير الشبابية التي تلوح  في الأفق,  فها هي جريدة الصحافة  تنشر تقرير خطيرا  نرجح  إن امن النظام  قد  سربه  لها  لجس نبض الشارع  ومعرفة ردود  الأفعال , ويكشف  التقرير الشوط  الذي  قطعه تأمر المهدي مع الإنقاذ  حين كشف عن  مقدمات اتفاق  وشيك  بين الاثنين,  ووفقا  للصحافة  فان الحانيين  اتفقا  (  في خمس نقاط   تضمنت الاتفاق على تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية على أساس جغرافي وليس شخصيا، والاتفاق على الشريعة والعرف كمصادر للتشريع والمواطنة أساس للحقوق والواجبات، والشعب مصدر السلطة يختار الرئيس والجهاز التشريعي، وان الهيئة المنتخبة هي التي تشرع. واختلف الطرفان على عشر نقاط أهمها: اختيار الرئيس ونوابه ومساعديه، وتركت لمزيد من الدراسة، إعادة تشكيل القوات النظامية والخدمة المدنية على أساس قومي، والإقليم الواحد لدارفور.
وحول الحقوق الخاصة بالجنوبيين والشماليين، رأى المؤتمر الوطني إن هذه النقطة سابقة لأوانها، ويجب الانتظار حتى قيام دولة الجنوب رسميا في 9 يوليو 2011م.
كما رفض المؤتمر الوطني العودة إلى نظام الأقاليم الستة وكل إقليم تحته نفس الولايات، وان تكون مستويات الحكم، محلي وإقليمي وفدرالي.
وابرز التقرير تقاطعا بين الحزبين بشأن الحكومة ذات القاعدة العريضة التي يتبناها المؤتمر الوطني، والحكومة القومية التي يقترحها حزب الأمة.
ورفض الحزب الحاكم رؤية حزب الأمة حول الحكومة القومية القائمة على استيعاب كل مكونات الساحة السياسية، وان يكون هناك حوار بمشاركة كل الإطراف وبدون إقصاء، وينتج عن برنامج وطني تنفذه كل الإطراف.
وأشار التقرير إلى إقصاء المؤتمر الوطني حزبي المؤتمر الشعبي والشيوعي من حكومة القاعدة العريضة، مقدما استفسارا لمفاوضي حزب الأمة حول «كيف يكون للحزب الشيوعي وزن بينما حزب نهار ليس لديه وزن وما هي المعايير؟».
كما قدم المؤتمر الوطني استفسارا آخر عن وجوده في الحكومة القومية وما هي ضمانات عدم تسليم قياداته للمحكمة الجنائية الدولية؟. )
 

 وبصرف النظر عما سيقوله البعض  من إن حزب الأمة  يحقق مطالب المعارضة  بطرحه  موضوعات  مركزها  الرئيسي  هو قضية التحول  الديمقراطي وان ما يجرى ألان هو حوار  لم ينته  إلى نتائج  نهائية بعد    
  إلا إن لخطوة نفسها  تعد  انقلابا  على ثوابت الشارع  السوداني  المنادى  بإسقاط  نظام الإنقاذ  كله رأسيا وأفقيا , وما يستشف من هذا التفاوض إن المهدي  يبحث  عن مخرج  له  وللنظام  معا من الخطر القادم ,  له لإيمانه  القاطع  بان اى تغيير شبابي جديد  سيتجاوز حزب الأمة  نفسه ولن يكون للمهدي  سلطة إدارة دفة  الإحداث كما جرى في انتفاضتين شعبيتين  سابقتين من قبل, وكذا  فان حزب المؤتمر  الحاكم   الذي  سيكون  في عين    العاصفة   سيفلت  من عقاب الجماهير الثائرة  و سوف  يختبئ  خلف الغطاء الجديد  الذي وفره  له المهدي, وما يحدث ألان  يعيدنا  إلى تصريحاته  التي كررها  من قبل  بقوله إننا  مستعدون  لمسك  الحصان الجامح  لينزل  من  نظام الإنقاذ  بسلام , وهاهو  يقترب من تنفيذ  وعده  لحزب المؤتمر,  وتقود ن  مفاوضات المهدي  إلى تصريحات رئيس النظام   إلى صحيفتي الصحافة والإحداث والتي  كشف  فيها  عن  عرض   قدمه حزب المؤتمر  إلى المهدي والميرغني  وهو مشروع  توحيد  الأحزاب  الثلاثة  في حزب  واحد  تحت مسمى  جديد  هو حزب( مؤتمر الأمة  الاتحادي )  والتي  ذكر الرئيس  إن المقترح  لن يلقى القبول,    ويبين كل  ذلك   إحساس  نظام   بالخطر  المحدق  بت  والأنظمة الشمولية  تتساقط  من حوله  كأوراق الشجر اليابسة
 
 وفي شأن هذه المعارضة المخصية اذا جاز التعبير يعرض  مسرح  اللامعقول  فى السياسة السودانية معادلة صعبة لا يجد  لها المرء تفسيرا ,اوهى بلغة اخرى مشهد غريب اشبه  بمسرحيات صموئيل بيكت , واللامعقول الذى يصيب المراقب بالخبل هو ان  يكون الترابى صانع  كل هذه المأساة  هو الذى يتحدى النظام فى كل مرة ويدخل السجن بينما المهدى  وبقية الرهط  خارج السجن, وكل ما يفعلونه  هو ان يعقدوا المؤتمرات الصحفية ويطالبون بالافراج عنه, انه حقا العبث بعينه ان يتحول المجرم الى بطل ,ويتحول الابطال الى كومبارس على خشبة عجيبة هى الخشبة السودانية, ننتقل من حالة المهدى  وحزب الامة  الى حالة الميرغنى المحتكر الشرعى والوحيد  للحزب الاتحادى الديمقراطى الذى اضاف اليه صفة الاصل بعد تمزق الحزب التاريخى الى اشلاء , والميرغنى الذى كان فى مقدوره ان يجمع مخالفيه فى الراى  للتشاور معهم  فى بناء  حزب  ديمقراطى  فعال قادر على العيش  لم يفكر ابدا  فى خطوة  كهذه  لان الرجل  لا يرغب  اصلا  فى سماع صوت غير صوته  ولا عباءة غير عباءته, وهو بسيلقته  يكره  الثقافة  والمثقفين , هل  سمع  احدكم   الميرغنى مرة  ولو بالصدفة  يقدم  محاضرة عن شأن سودانى؟  هل  قرأ  احدكم ورقة , او محاضرة  قدمها الميرغنى فى ندوة  او مؤتمر؟  هل  سمع  احد  ان الميرغنى شارك  فى ملتقى فكرى  فى الشأن الدينى  او السياسى ؟ ليس عسيرا الرد على  هذه  الاسئلة, فالرجل  يغط  فى لجج من الجهل   ويزّور عن الكتاب  كما  يزور  المعافى  عن مريض  السل , يفابل كل ذلك بالصمت وقلة الكلام  فيجعل  الذين لا يفقهون  يعتقدون ان سمات (القداسة)   هى الصمت, او القلة  فى الحديث  والمتحدثون  كثيرا  فى شرعة  الزعيم  هم  اولئك  الذين تجىء الريح من ابوابهم وهو يفضل  اغلاق  هذ الابواب ,  لقد  ضرب الميرغى احد  قادة الحزب  والذى كان مقربا  منه , ضربه  بمسبحته  ضربة  خفيفة ذات مغزى  لان الرجل  اقترح  عليه ايام  المعارضة  ان يستغل  الحزب  فرصة الصراع  مع نظام الانقاذ   ويبدأ فى تدريب  كادر  حزبى  شاب  فى معهد  لتدريب  القادة مملوك  لحزب المحافظبن البريطانى  حتى اذا سقط  النظام يكون الحزب جاهزا بوحوه مدربة للتعامل مع العمل الديمقراطى , اتهم  الميرغنى الرجل بالشيوعية  وامر بحرمانه من الاعانة الشهرية التى كان يستلمها  منه  وارسله  فى عطلة  طويل  دامت سنوات, الواقعة  لها دلالتها  العميقة   سياسيا  فاذا       قبل  (السيد )هذا العرض فانما يفتح  باب الحزب لشركاء جدد مشبعون  بالثقافة الديمقراطية الحقيقية وذوى السنة  فصيحة جرئية  قد تشيع  لغة جديدة فى الحزب , وهو بالطبع  يفضل  الالسنة المخدرة  فهى خير  تابع  له  تنفذ  ما يريد  ولا تجادل  فى الخطأ  ولا  الصواب, الفرق  بين المهدى  والميرغنى,  هو ان الاول  مفكر وله مؤلفات ويشارك  فى الندوات, ولكن بلا محصلة  تفيد  الوطن, ولكن الثانى( يفكر) فقط  فى ثروته واملاكه  يستغل  فى ذلك  الوطن والمواطنين , وهذا  يناقض  والده السيد على الذى كان بحرا للعلوم يتحدث اربعة لغات من بينها  الروسية وموسوعيا فى ثقافته  يمتلك ارشيفا نادرا اضافة الى دهائه  السياسى من وراء الكواليس وحربائيته  ذلك التراث الذى اورثه ابنه .
 تثير قضية رمزين للمعارضة اسئلة  شائكة , وهى ما اذا   كانت قيادة مثل  هذه  قادرة على تغيير نظام الانقاذ الذى غّير بنية السودان منذ اكثر من عقدين من الزمان؟,  وماذا كان  هذا الجيل الذى تفتحت عيونه على مشروع  كامل اشاده  النظام  يمكن ان يتجاوب  مع هكذا قيادة


   sedig meheasi [s.meheasi@hotmail.com]

 

آراء